الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ الآية. أجمعوا على أنها نازلة في شأن مفتاح الكعبة [[انظر: ابن كثير 1/ 565.]] (.. [[هنا كلمة غير واضحة.]] ..) وذلك أن رسول الله ﷺ لما فتح مكة طلب المفتاح، فقيل له: إنه مع عثمان بن طلحة الحجبي [[هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة (عبد الله) العبدري، الحجبي (حاجب البيت) أسلم يوم الحديبية على الصحيح، وشهد الفتح مع النبي ﷺ، وقد سكن المدينة إلى أن مات بها رضي الله عنه سنة 42 هـ انظر: "أسد الغابة" 3/ 578، "الإصابة" 2/ 460.]]، وكان من بني عبد الدار، وكان يلي سدانة الكعبة. فوجه إليه عليًا، فأبى دفعه إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله ﷺ لم أمنعه المفتاح. فلوى عليّ يده، وأخذ منه قسرًا، حتى دخل رسول الله ﷺ البيت وصلى فيه، فلما خرج قال له العباس: بأبي أنت اجمع لي السّدانة مع السقاية. وسأله أن يعطيه المفتاح. فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر رسول الله عليًا أن يرده إليه، فرده إليه علي، وألطف له في القول، فقال: أخذته مني قهرًا. ورددته علي باللطف. فقال: لأن الله أمرنا برده عليك، وقرأ عليه الآية، فأتى النبي ﷺ وأسلم [[أخرجه الطبري بمعناه 5/ 145، وابن المنذر، انظر: "الدر المنثور" 2/ 312، كلاهما من طريق ابن جريج، وذكره المؤلف فى "الوسيط" 2/ 593، "أسباب == النزول" ص 162 وأنكره ابن حجر لأن عثمان الحجبي أسلم قبل الفتح. انظر: "الإصابة" 2/ 460.]]. وهذا قول محمد بن إسحاق [[تقدمت ترجمته.]] [[انظر: ابن كثير 1/ 565.]] وسعيد بن المسيب [[لم أقف عليه.]]. وقال أبو روق: قال النبي ﷺ لعثمان: أعطني المفتاح فقال: هاك بأمانة الله، فلما أراد أن يتناوله ضمّ يده، فقال رسول الله ﷺ: إن كنت تؤمن بالله واليوم الاخر فأعطني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله. فلما أراد أنَّ يتناوله ضمَّ يده، فقال في الثالثة: هاك بأمانة الله. ودفعه إلى النبى ﷺ وقام النبي يطوف ومعه المفتاح، وأراد أن يدفعه إلى العباس. قال عطاء: فقال رسول الله ﷺ: يا عثمان، هذا المفتاح على أن للعباس معك نصيبًا فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي ﷺ لعثمان: هاك خالدةً تالدةً، لا ينزعها عنك إلا ظالم [[نحو هذا الأثر ورد من طريق الكلبي عن ابن عباس وهو سند واه، أخرجه ابن مردويه انظر: ابن كثير 1/ 565، "الدر المنثور" 2/ 312، "لباب النقول" ص 71، ولم أقف عليه عن أبي روق.]]. قال ابن يسار: ثم إن عثمان هاجر ودفع إلى أخيه [[قد يكون الصواب: ابن عمه كما سيأتي في الترجمة الآتية.]] شيبة [[هو أبو عثمان شيبة بن عثمان (الأوقص) بن أبي طلحة العبدري الحجبي، أسلم يوم الفتح وكان ممن ثبت يوم حنين، وقد ولي الحجابة بعد والده عثمان فاستمرت في ولده، توفي رضي الله عنه سنة 59 هـ. انظر: "تاريخ خليفة" ص 226، "أسد الغابة" 2/ 534، "الإصابة" 2/ 161.]]، فهو في ولده إلى اليوم [[انظر: "معالم التنزيل" 2/ 238 ، "الإصابة" 2/ 161.]]. قال ابن عباس: هذه الآية عامة في كل أمانة، البر والفاجر يؤدِّي الأمانة إلى البر والفاجر، والرحم توصل برةً كانت أو فاجرةً [[ذكره بمعناه ابن كثير 1/ 565، وأخرج البيهقي نحوه عن ميمون بن مهران، انظر: "الدر المنثور" 2/ 314.]]. وقال الكلبي: نزلت هذه الآية يوم فتح مكة، ثم صارت عامة للناس [[لم أقف عليه، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 362.]]. وقال ابن عمر [[لعله ابن عمرو كما في "مسند الفردوس" 1/ 13.]]: أول ما خلق اللهُ من الإنسان فرجه، ثم قال: هذه أمانة خبأتها عندك، فلا تسأل منها شيئًا إلا بحقها، فالفرج أمانة (والبصر) [[في "مسند الفردوس ": "والسمع".]] أمانة، واللسان أمانة، والقلب أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له [[أخرجه فى "مسند الفردوس" 1/ 13 بنحوه.]]. وقال ابن مسعود: إنَّ الأمانة في كل شيء؛ في الوضوء، والصلاة، والزكاة، والجنابة، والصوم، وفي الكيل والوزن، وأعظم من ذلك الودائع [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 114، وانظر القرطبي 5/ 256.]]. فالخطاب بأداء الأمانات إلى أهلها متوجهٌ على كل مؤتمن على شيء في قول ابن عباس، والكلبي، وأبي بن كعب، والحسن وقتادة [[انظر: "النكت والعيون" 1/ 400، "زاد المسير" 2/ 114، والقرطبي 5/ 256.]]. وقال عبد الرحمن بن زيد: الخطاب بأداء الأمانات لولاة الأمر [[أخرجه الطبري 5/ 145 - 146، عن ابن زيد عن أبيه وانظر "زاد المسير" 2/ 114.]]. وقال ابن جريح: هذه الآية في رد مفاتيح الكعبة إلى عثمان [[تقدم الأثر عنه.]]. والصحيح ما عليه الجمهور، أنها عامة في جميع الأمانات [[انظر: الطبري 5/ 146، و"معاني الزجاج" 2/ 66، و"بحر العلوم" 1/ 362، و"أحكام القرآن" للهراسي 2/ 471، والقرطبي 5/ 256.]]، فمن كانت عنده أمانة فعليه تأديتها إذا طالبه صاحبها. وليس عليه مؤونة نقلها إلى صاحبها؛ لأن الله تعالى لم يوجب عليه سوى التأدية. والأمانة مصدر سمي به المفعول، ولذلك جُمع لأنه أخلص اسمًا [[انظر: القرطبي 5/ 256.]]، قال الشاعر: فأخلفن ميعادي وخن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دينُ [[نسب إلى كثير عزة في "العقد الفريد" 6/ 184، ينظر: "ديوانه" ص 230، و"الأغانى" 5/ 108.]] يريد ما أمنهن عليهن. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [[انظر: "البحر المحيط" 3/ 377.]]. الكناية في (به) تعود إلى ما في (نعما) وهو اسم بمنزلة: نعم شيئًا يعظكم به، أو وعظًا يعظكم به. وذكرنا وجوه القراءات في (نعما) في سورة البقرة. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]. أي هو سميع لما تقولون في الأمانة والحكم، بصير بما تعملون فيها [[انظر: الطبري 5/ 146.]]، فيكون بصير ههنا بمعنى: عليم، ويجوز أن يكون بمعنى راءٍ ذلك. وذكر فرق لطيف بين السامع والسميع، فقيل: لفظ السامع يدل على وجود المسموع؛ لأنه فاعل من قولك: سمعتُ كلام فلان فأنا سامعٌ له. ومعنى سميع أنه إذا وجد المسموع سمعه. وكذلك الفرق بين مُبصر وبصير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب