الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ [[بدأ تفسير هذِه الآية في صفحة (ب) لوحة (18) من المخطوط في أثناء الصفحة وقبله خمسة أسطر لتفسير الآية (93).]] الضرب في الأرض معناه السير فيها بالسفر للتجارة والجهاد [[انظر: الطبري 5/ 221.]]. قال ابن السكيت: يقال: ضربت في الأرض أبتغي الخير [["تهذيب اللغة" 3/ 2102 (ضرب).]]. قال الزجاج: ومعنى ضربتم في الأرض أي سرتم وغزوتم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 91.]]. قال ابن عباس في رواية الكلبي، وغيره من المفسرين: نزلت الآية في أسامة [[هو أبو محمد أو أبو زيد، أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي حب رسول الله ﷺ وابن حبه، ولد في الإسلام، ومات النبي ﷺ وله عشرون سنة، كان عمر يجله ويكرمه. توفي رضي الله عنه سنة 54 هـ. انظر: "الاستيعاب" 1/ 170، و"سير أعلام النبلاء" 2/ 496، و"الإصابة" 1/ 31.]] بن زيد وأصحابه، بعثهم رسول الله في سرية، فلقوا رجلاً كان قد انحاز بغنم له إلى جبل، وكان قد أسلم، فقال لهم: السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبدر إليه بعضهم فقتله، قيل: إنه أسامة بن زيد، واستاقوا غنمه، فلما أتوا رسول الله ﷺ قال لأسامة: "لم قتلته وقد أسلم؟ " قال: إنما قالها متعوذًا، فقال: "هلَّا شققت عن قلبه؟ " ثم حصل رسول الله ﷺ ديته إلى أهله، ورد عليهم غنمه [[من طريق الكلبي في "الكشف والبيان" 4/ 104، و"معالم التنزيل" 2/ 268، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 93 بمعناه، وأخرجه من طريق العوفي عن ابن عباس الطبري 5/ 224، وعن السدي 9/ 78. واسم هذا الرجل المقتول مرداس بن نُهيك. وانظر: "بحر العلوم" 1/ 378، و"أسباب النزول" للمؤلف ص 177. ولهذا الحديث أصل في "صحيح مسلم" (96) كتاب: الإيمان، باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله عن أسامة بن زيد قال: "بعثنا رسول الله ﷺ في سرية فصبحنا الحرقان من جيهنة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله. فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي ﷺ. فقال رسول الله ﷺ:- "أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح. قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! " قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذٍ.]]. وقوله تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾. وقرئ (فتثبتوا) [[هذِه قراءة حمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالأولى: "فتبينوا" انظر: "الحجة" 3/ 173، و"المبسوط" ص 157، و"النشر" 2/ 251، و"تحبير التيسير" ص 105.]]. "يقال: تبينت الأمر، أي تأملته وتوسمته، وقد تبين الأمر، يكون لازمًا وواقعًا" [["تهذيب اللغة" 1/ 264 (بان).]]. قال أبو عبيد في قوله ﷺ: ["ألا إن التبين من الله -جل ثناؤه-] [[ما بين القوسين قد طمست حروفه، والتسديد من "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 7، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 265 (بان).]] والعجلة من الشيطان فتبينوا" [[أخرجه الترمذي (2012) في كتاب: البر، باب: ما جاء في التأني والعجلة بلفظ: "الأناة من الله والعجلة من الشيطان". قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس ابن سهل [أحد رجال سند الحديث] وضعفه من قبل حفظه.]] قال الكسائي: [وغيره: التبين مثل التثبت في الأمور] [[ما بين القوسين قد طمس حروفه في المخطوط، والتسديد من "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 227، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 265 (بان).]] والتأني [فيها، وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ] [[ما بين المعقوفين حصل عليه طمس، والتسديد من أبي عبيد في "غريب الحديث" 1/ 227. وقد مر عزو القراءتين لمن قرأ بهما من العشرة.]] قوله تعالى: ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ وبعضهم: (فتثبتوا) (.........) [[هنا لم تتضح بعض الكلمات في المخطوط بحدود نصف سطر تقريبًا، وعند أبي عبيد في "الغريب" 1/ 227 بعد قوله: "وبعضهم فتثبتوا" قال أبو عبيد: "والمعنى قريب بعضه من بعض".]] لأن التبين غاية الاحتياط الذي (........) [[غير واضح في المخطوط بسبب التآكل وغيره بحدود ثلثي سطر.]] بالتبيين أبلغ. ومن قرأ بالثاء فحجته أن التثبت هو خلاف الإقدام [والمراد التأني] [[ما بين المعقوفين غير واضح في المخطوط، والتسديد من "الحجة" لأبي علي 3/ 174 لأن الكلام منه.]] وخلاف التقدم، والتثبت أشد اختصاصًا بهذا الموضع [["الحجة" 2/ 174.]]، وهو حسن أيضًا على طريق الأمر بسبب التبين (.. [[كلمة غير واضحة في المخطوط.]] ..) والإرشاد بذكر سبب البيان. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ﴾. وقرئ (السلام) [[قرأ بإثبات الألف ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي ويعقوب، وقرأ الباقون بحذفها. انظر: "السبعة" ص 236، و"الحجة" 3/ 175، 176، و"المبسوط" ص 158، و"النشر" 2/ 151.]]، فمن قرأ بالألف فله معنيان: أحدهما: أن يكون السلام الذي هو تحية المسلمين، أي لا تقولوا لمن حياكم بهذه التحية: إنما قالها تعوذًا، فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله، ولكن كفوا عنه، واقبلوا منه ما أظهره [["الحجة" 3/ 176، 177، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 92، و"تهذيب اللغة" 2/ 1743 (سلم)، و"حجة القراءات" ص 209، و"الكشف" 1/ 395.]]. والثاني: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم (وكف يده عنكم فلم يقاتلكم) [[ما بين القوسين جاء في "الحجة" 3/ 177 هكذا: "وكفوا أيديهم عنكم، ولم يقاتلوكم" ولعل ما عند المؤلف أصوب، لأن نهاية الكلام جاء بالإفراد.]]: ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [["الحجة" 3/ 177، وانظر: "الكشف" 1/ 195.]]. قال الأخفش: يقال إنما فلان سلام، إذا كان لا يخالط أحدًا، فكأن المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، ولم يخالطكم في القتال: لست مؤمنًا [[قول الأخفش من "الحجة" 3/ 177 ولم أقف عليه في كتابه "معاني القرآن". وانظر: "الكشف" 1/ 395.]]. وأصل هذا من السلامة؛ لأن المعتزل طالب للسلامة. ومن قرأ (السَّلَم) أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين ومنه قوله: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [النحل: 87] أي: استسلموا، ولما يراد منهم [["الحجة" 3/ 177، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 92، و"حجة القراءات" ص == 209، و"الكشف" 1/ 395.]]. فأعلم الله عز وجل أن حق من ألقى السلام أن يُتبين أمره [["معاني الزجاج" 2/ 92، و"حجة القراءات" ص 209.]]، وأن يتثبت في أمره. وكذا الحكم اليوم إذا دخل جيش المسلمين بلاد الحرب أن لا يتعرضوا لمن يُرى عليه سيما الإسلام، في سلام أو كلام (.. [[غير واضح بسبب تآكل في المخطوط بقدر كلمة أو كلمتين، ولعلها: (بالأذى) أو (بالأخذ).]] ..) وأن لا يتسارعوا إلى قتله إلا بعد التبين. وقوله تعالى: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. قال أبو عبيد: جميع متاع الدنيا عرَض، بفتح الراء، يقال: "إن الدنيا عرَض حاضر، يأخذ منها البر والفاجر [[أشار في "اللسان" 5/ 2887 (عرض) إلى أن هذا القول يروى حديثًا. ولم أقف عليه.]]. والعرْض -بسكون الراء- ما سوى الدراهم والدنانير، فصار العرض من العرض، وليس كل عرض عرضًا [[كلام أبي عبيد من "تهذيب اللغة" 3/ 2396 (عرض) بتصرف يسير، وانظر: القرطبي 5/ 340، و"اللسان" 5/ 2885 (عرض).]]. قال بعض أهل اللغة: إنما سمي متاع الدنيا عرضًا؛ لأنه عارض زائل غير باق ثابت [[انظر: "المفردات" ص (331)، والقرطبي 5/ 339، و"عمدة الحفاظ" ص 353 (عرض).]]، ومنه سمَّى المتكلمون ما خالف الجوهر من الحوادث عرضًا لقلة لبثه [[انظر: المرجع السابق.]]. قال ابن عباس في هذه الآية: "يريد الغنائم" [[جاء معناه في أثر طويل عن ابن عباس أخرجه الطبري 5/ 223 من طريق العوفي، وأخرجه ابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 356.]]. وقوله تعالى: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾. يعني: ثوابًا كثيراً لمن ترك قتل من ألقى إليه السلم [[من "الكشف والبيان" 4/ 105 ب، وانظر: الطبري 5/ 221. وقيل: غنائم كثيرة في الدنيا مما أذن الله فيه وأباحه. انظر: "بحر العلوم" 1/ 379، و"زاد المسير" 2/ 172.]]. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾. قال الحسن وابن زيد: كنتم كفارًا مثلهم، فمن الله عليكم فهداكم [[أخرجه بنحوه عن ابن زيد الطبري 5/ 226، وانظر: "زاد المسير" 2/ 172، وأما عن الحسن فقد ذكره الهواري في "تفسيره" 1/ 413. وقد ورد مثل هذا القول عن قتادة، ومسروق. انظر: "زاد المسير" 2/ 172، و"الدر المنثور" 2/ 358 - 359.]]. وهذا اختيار الزجاج، لأنه قال: أعلم الله أن كل من أسلم ممن كان كافرًا فبمنزلة هذا الذي تعود بالإسلام، فقال جل وعز ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ بالإسلام، وبأن قبل ذلك منكم على ما أظهرتم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 92.]]. هذا كلامه. وظاهر قوله: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ يوهم أن المقتول كان كافرًا، وليس الأمر على هذا، وإنما التشبيه وقع لحال كفرهم بحال كفر المقتول قبل إسلامه، ثم منَّ الله عليهم بالإسلام كما من على المقتول وقَبِلَ منه ظاهر الإسلام، فيجب أن يقبلوا هم بظاهر الإسلام، وفي هذا تبكيت بهم وتعيير لهم، حيث لم يقبلوا ما أظهره الذي قتلوه من الإسلام، إذ قيل لهم: أنتم كنتم مثله في الكفر، ثم قبل ظاهر الإسلام منًا من الله عليكم. هذا قول واحد. وقال سعيد بن جبير: "كذلك كنتم من قبل تستخفون بإيمانكم عن قومكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه عن قومه، فمنَّ الله عليكم بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم" [[أخرجه الطبري 5/ 226، وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 359.]]. والقول هو الأول، لأنه لا شك أنهم أسلموا بعد أن لم يكونوا مسلمين، فأما الاستخفاء فلم يكن عامًا فيهم كعموم الإسلام بعد أن لم يكونوا عليه. وقال مقاتل: (كذلك كنتم من قبل [[قول مقاتل في "تفسيره" 15/ 400: (كذلك) يعني هكذا (كنتم من قبل) الهجرة.]] (.......) [[طمس وبياض بمقدار أربعة أسطر في المخطوط.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 94]. قال عطية العوفي: يقول: إنكم قتلتموه على ماله [[لم أقف عليه.]]. وقال بعضهم: معنى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ تحذير وزجر عن الإضمار بخلاف الإظهار. قال ابن عباس وغيره: ثم استغفر رسول الله ﷺ لأسامة، وأمره بعتق رقبة [[تقدم تخريج الأثر، لكن يشير فيه الأمر بالعتق.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب