الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٩٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يا أيها الذين آمنوا"، يا أيها الذين صدَّقوا الله وصدَّقوا رسوله فيما جاءهم به من عند ربهم="إذا ضربتم في سبيل الله"، يقول: إذا سرتم مسيرًا لله في جهاد أعدائكم [[انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف ص: ١٧، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] ="فتبينوا"، يقول: فتأنَّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، [[في المخطوطة: "فلما تعلموا"، وهو خطأ.]] ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينًا حرْبًا لكم ولله ولرسوله="ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلَم"، [[كان في المطبوعة هنا، "السلام"، كقراءتنا اليوم في مصحفنا، والسلام التحية، وهي إحدى القراءتين، ولكن تفسير أبي جعفر بعد، هو تفسير"السلم"، وهو الاستسلام والانقياد، وهي القراءة الأخرى التي اختارها. فكتابتها هنا"السلام" خطأ. لا يصح به المعنى من تفسيره.]] يقول: ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم، مظهرًا لكم أنه من أهل ملتكم ودَعوتكم [[انظر تفسير"السلم" فيما سلف ص: ٢٣، ٢٤، ٢٩ ومادة"سلم" من فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.]] ="لست مؤمنًا"، فتقتلوه ابتغاء="عرض الحياة الدنيا"، يقول: طلبَ متاعِ الحياة الدنيا، [[انظر تفسير"الابتغاء" فيما سلف ٨: ٣١٦ تعليق: ١، والمراجع هناك.]] فإن="عند الله مغانم كثيرة"، من رزقه وفواضل نِعَمه، فهي خير لكم إن أطعتم الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فأثابكم بها على طاعتكم إياه، فالتمسوا ذلك من عنده="كذلك كنتم من قبل"، يقول، كما كان هذا الذي ألقى إليكم السلم فقلتم له [[في المطبوعة: "ألقى إليكم السلام"، وانظر التعليق السالف ص: ٧٠، رقم: ٤.]] "لست مؤمنًا" فقتلتموه، كذلك كنتم أنتم من قبل، يعني: من قبل إعزاز الله دينه بتُبَّاعه وأنصاره، تستخفُون بدينكم، كما استخفى هذا الذي قتلتموه وأخذتم ماله، بدينه من قومه أن يُظهره لهم، حذرًا على نفسه منهم. وقد قيل إن معنى قوله:"كذلك كنتم من قبل" كنتم كفارًا مثلهم="فمنَّ الله عليكم"، يقول: فتفضل الله عليكم بإعزاز دينه بأنصاره وكثرة تُبَّاعه. وقد قيل، فمنَّ الله عليكم بالتوبة من قتلكم هذا الذي قتلتموه وأخذتم ماله بعد ما ألقى إليكم السلم [[في المطبوعة: "ألقى إليكم السلام"، وانظر التعليق السالف ص: ٧٠، رقم: ٤.]] ="فتبينوا"، يقول: فلا تعجلوا بقتل من أردتم قتلَه ممن التبس عليكم أمرُ إسلامه، فلعلَّ الله أن يكون قد مَنَّ عليه من الإسلام بمثل الذي منَّ به عليكم، وهداه لمثل الذي هداكم له من الإيمان. [[انظر تفسير"من" فيما سلف ٧: ٣٦٩.]] ="إن الله كان بما تعملون خبيرًا"، يقول: إن الله كان بقتلكم من تقتلون، وكَفِّكم عمن تكفُّون عن قتله من أعداء الله وأعدائكم، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم="خبيرًا"، يعني: ذا خبرة وعلم به، [[انظر تفسير"خبير" فيما سلف من فهارس اللغة.]] يحفظه عليكم وعليهم، حتى يجازى جميعكم به يوم القيامة جزاءه، المحسن بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. [[في المطبوعة: "جزاء المحسن بإحسانه.."، وهو غير مستقيم، والصواب من المخطوطة.]]
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت في سبب قتيل قتلته سريّة لرسول الله ﷺ بعد ما قال:"إنيّ مسلم" = أو بعد ما شهد شهادة الحق= أو بعد ما سلَّم عليهم= لغنيمة كانت معه، أو غير ذلك من ملكه، فأخذوه منه.
ذكر الرواية والآثار في ذلك: [[في المطبوعة: "والآثار بذلك"، والصواب من المخطوطة.]]
١٠٢١١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال [[في المطبوعة: "عن نافع أن ابن عمر"، وأثبت ما في المخطوطة.]] بعث النبي ﷺ محلِّم بن جثَّامة مَبْعثًا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم حِنَةٌ في الجاهلية، [[في المطبوعة: "إحنة في الجاهلية"، وهو صواب، و"الإحنة": الحقد في الصدر. من"أحن" وأما "حنة" كما أثبتها من المخطوطة، فهي من"وحن"، وهي أيضًا الحقد. وقد سلف التعليق على هذه اللفظة، حيث وردت في الأثر رقم ٢١٩٥، في الجزء الثالث: ١٥٢، ١٥٣، تعليق: ٢. وقد ذكرت هناك إنكار الأصمعي"حنة"، وزعم الأزهري أنها ليست من كلام العرب. وهذا دليل آخر على صواب هذه الكلمة، وأن الذي قاله الأزهري ليس بشيء.]] فرماه محلم بسهم، فقتله. فجاء الخبر إلى رسول الله ﷺ فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول الله، سُنَّ اليوم وغيِّر غدًا! [[في ابن كثير ٢: ٥٤٦: "سر اليوم وغر غدا" وهو خطأ محض.]] فقال عيينة: لا والله، حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي [[في المخطوطة: "حتى تذوق بكاؤه" وهو تحريف من الناسخ، والصواب من السياق ومن تفسير ابن كثير.]] فجاء محلِّم في بُرْدين، [[في المخطوطة: "في برد"، والصواب من ابن كثير، وكما صححه في المطبوعة من سياق الخبر.]] فجلس بين يديْ رسول الله ليستغفر له، فقال له النبي ﷺ: لا غفر الله لك! فقام وهو يتلقى دموعه ببُرْديه، فما مضت به سابعة حتى مات، ودفنوه فلفظته الأرض. فجاؤوا إلى النبي ﷺ فذكروا ذلك له، فقال: إن الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم! ولكن الله جل وعز أراد أن يَعِظكم. ثم طرحوه بين صَدفَيْ جبل، [["الصدف" (بفتحتين) : جانب الجبل الذي يقابلك منه. والصدف: كل شيء مرتفع عظيم كالحائط والجبل.]] وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا"، الآية [[الأثر: ١٠٢١١ - في تفسير ابن كثير ٢: ٥٤٦، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٠٠ مختصرًا.]]
١٠٢١٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد ابن عبد الله بن قسيط، [[في المطبوعة: "عن يزيد عن عبد الله بن قسيط"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة وسائر المراجع.]] عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال: بعثنا رسول الله ﷺ إلى إضَمٍ، [["إضم": واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر، من عند المدينة، وهو واد لأشجع وجهينة.]] فخرجت في نَفَرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن رِبْعيّ، ومحلِّم بن جَثَّامة بن قيس الليثي. فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضَم، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قَعود له، معه مُتَيِّعٌ له، ووَطْبٌ من لبن. [["القعود": هو البكر من الإبل، حين يمكن ظهره من الركوب، وذلك منذ تكون له سنتان حتى يدخل في السادسة. و"متيع" تصغير"متاع": وهو السلعة، وأثاث البيت، وما يستمتع به الإنسان من حوائجه أو ماله. و"الوطب": سقاء اللبن.]] فلما مر بنا سلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلِّم بن جثَّامة الليثي لشيء كان بينه وبينه فقتله، وأخذ بعيره ومتَيِّعَه. فلما قدِمنا على رسول الله ﷺ، فأخبرناه الخبر، [[في المطبوعة: "وأخبرناه" بالواو، وأثبت ما في المخطوطة.]] نزل فينا القرآن:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضَرِبتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمنًا"، الآية [[الأثر: ١٠٢١٢ - هذا الأثر رواه ابن إسحاق في سيرته، سيرة ابن هشام ٤: ٢٧٥، ورواه أحمد في مسنده ٦: ١١، وابن سعد في الطبقات ٤ / ٢ / ٢٢ و٢ / ١ / ٩٦ (بغير إسناد) ، والطبري في تاريخه ٣: ١٠٦، وابن عبد البر في الاستيعاب: ٢٨٥، وابن الأثير في أسد الغابة ٣: ٧٧، وابن كثير في تفسيره ٢: ٥٤٥، والحافظ ابن حجر في ترجمة"عبد الله بن أبي حدرد"، والسيوطي في الدر المنثور ٢: ١٩٩، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم والبيهقي، وكلاهما في الدلائل.
وفي إسناد هذا الأثر اضطراب شديد أرجو أن أبلغ في بيانه بعض ما أريد في هذا المكان.
١- وإسناد محمد بن إسحاق في سيرة ابن هشام: "حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".
٢- وإسناد أحمد في مسنده: "حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق (وفي المطبوعة: عن إسحاق، خطأ صوابه من تفسير ابن كثير) ، حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".
٣- وإسناد الطبري في تاريخه: "حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد= وقال بعضهم: عن ابن القعقاع= عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد".
٤- وإسناد ابن سعد في الطبقات: "أخبرنا محمد بن عمر قال، حدثنا عبد الله بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه".
والأسانيد الثلاثة الأولى، وإسناد الطبري في التفسير، جميعها من طريق محمد بن إسحاق، وقد اتفق إسناد أحمد وإسناد ابن إسحاق في سيرة ابن هشام.
وأما إسنادا الطبري فقد خالف ما اتفق عليه أحمد وابن هشام في السيرة، فجاء في التفسير هنا"عن أبي القعقاع" لا"عن القعقاع"، ثم زاد الطبري الأمر إشكالا في التاريخ فقال"عن أبي القعقاع.. عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد"، فزاد"عن أبيه"، ولا ذكر لها في تفسيره، ولا في سائر الأسانيد، والظاهر أنه خطأ، وأن صوابه كما في التفسير"عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد".
وأما إسناد ابن سعد، فقد خالف هذا كله فجعل مكان"القعقاع"، أو "أبي القعقاع"، "عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد"، ولم أجد لعبد الرحمن هذا ذكرًا في كتب تراجم الرجال. وجاء ابن عبد البر في الاستيعاب ٢: ٤٥٢، بما هو أغرب من هذا، فسماه"عبد ربه بن أبي حدرد الأسلمي"، وليس له ذكر في كتاب. ولكني وجدت في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢٢٨"عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي"، سمع أبا هريرة. روى عنه أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المديني. ولا أظنه هذا الذي في إسناد ابن سعد. (انظر أيضًا تهذيب التهذيب ٦: ١٦٠) .
وأما "القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" فقد ترجم البخاري في الكبير ٤ / ١ / ١٨٧، لصحابي هو"القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي" وامرأته"بقيرة"، وهو كما ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة، أخو"عبد الله بن أبي حدرد" ثم عقب البخاري على هذه الترجمة بقوله: "ويقال: القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، ولا يصح"، يعني أنه هذا الأخير لا تصح له صحبة، وأنه غير الأول. وكذلك فعل ابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ١٣٦، كمثل ما في التاريخ الكبير.
أما الحافظ في تعجيل المنفعة: ٣٤٤، فقد ترجم للقعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ووهم في نقله عن البخاري، فظن البخاري قد ترجم له، فذكر في ترجمته ما قال البخاري في ترجمة"القعقاع بن أبي حدرد"، مع أنه صحح ذلك في ترجمة"القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" في القسم الثالث من الإصابة.
أما ما ذكره الطبري من أنه"أبو القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد" أو "ابن القعقاع"، فلم أجده في مكان آخر، ولكني تركت ما كان في نص إسناده في التفسير"أبو القعقاع"، مع أنه لا ذكر له في الكتب ولا ترجمة، لأنه وافق ما في التاريخ، ولأن ما رواه من قوله: "ويقال: ابن القعقاع"، يستبعد معه كل تحريف أو زيادة من ناسخ أو غيره.
هذا، وقد جاء في إسناد آخر في التاريخ ٣: ١٢٥ عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق، عن ابن شهاب الزهري، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، "عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد". فلم يذكر اسمه، كما ذكر في الإسناد السالف، كما سيأتي في الإسناد التالي أيضًا: "عن ابن أبي حدرد، عن أبيه".
وهذا اضطراب غريب في إسناده، أردت أن أجمعه في هذا المكان، لأني لم أجد أحدًا استوفى ما فيه، وعسى أن يتوجه لباحث فيه رأي، وكتبه محمود محمد شاكر.]]
١٠٢١٣- حدثني هارون بن إدريس الأصم قال، حدثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه بنحوه. [[الأثر: ١٠٢١٣ - انظر التعليق على الأثر السالف."هارون بن إدريس الأصم" شيخ الطبري، مضى برقم: ١٤٥٥.
و"المحاربي""عبد الرحمن بن محمد بن زياد" مضى برقم: ٢٢١، ٨٧٥، ١٤٥٥.]]
١٠٢١٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق ناسٌ من المسلمين رجلا في غُنَيْمة له، فقال: السلام عليكم! فقتلوه وأخذوا تلك الغُنَيْمة، فنزلت هذه الآية:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا"، تلك الغُنَيْمة. [["الغنيمة" تصغير"غنم"، وهو قطيع من الغنم. وإنما أدخلت التاء في"غنيمة"، لأنه أريد بها القطعة من الغنم. وانظر ما قاله أبو جعفر في دخول هذه التاء فيما سلف ٦: ٤١٢، ٤١٣.]]
١٠٢١٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس بنحوه.
١٠٢١٦- حدثني سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلا ثم ذكر مثله. [[الأثر: ١٠٢١٦ - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.
و"سعيد بن الربيع الرازي" مضى برقم: ٣٧٩١، ٥٣١٢.]]
١٠٢١٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سُلَيم على نفرٍ من أصحاب رسول الله ﷺ وهو في غنم له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلّم عليكم إلا ليتعوذَ منكم! فَعَمَدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله ﷺ، فأنزل الله عز وجل:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا" إلى آخر الآية.
١٠٢١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ مثله. [[الأثران: ١٠٢١٧، ١٠٢١٨ - رواه أحمد في مسنده من طريق يحيى بن أبي بكير، وحسين بن محمد، وخلف بن الوليد، ويحيى بن آدم، جميعًا عن إسرائيل. وأرقامه في المسند: ٢٠٢٣، ٢٤٦٢، ٢٩٨٨، وإسناده صحيح. وقال ابن كثير في تفسيره ٢: ٥٤٤: "ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله بن موسى، وعبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن إسرائيل به. وقال في بعض كتبه غير التفسير: وقد رواه من طريق عبد الرحمن فقط (هكذا في الأصل) . وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما، لعلل، منها: أنه لا يعرف له مخرج عن سماك إلا عن هذا الوجه= ومنها: أن عكرمة في روايته عندهم نظر= ومنها: أن الذي نزلت فيه هذه الآية عندهم مختلف فيه، فقال بعضهم: نزلت في محلم بن جثامة. وقال بعضهم: أسامة بن زيد. وقيل غير ذلك. قلت [القائل ابن كثير] : وهذا كلام غريب، وهو مردود من وجوه، أحدها: أنه ثابت عن سماك، حدث به غير واحد من الأئمة الكبار. الثاني: أن عكرمة محتج به في الصحيح. الثالث: أنه مروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس.."
وهذا الذي نقله ابن كثير من بعض كتب أبي جعفر، أرجح، بل أقطع، أنه في كتابه تهذيب الآثار، وبيانه هذا الذي نقله ابن كثير، مطابق لنهجه في تهذيب الآثار، ونقلت هذا هنا للفائدة، ولأنه أول نقل رأيته في تفسير ابن كثير عن تهذيب الآثار فيما أرجح.]]
١٠٢١٩- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الرجل يتكلم بالإسلام، ويؤمن بالله والرسول، ويكون في قومه، فإذا جاءت سريَّة محمدٍ ﷺ أخبر بها حيّه= يعني قومه= ففرّوا، وأقام الرجل لا يخافُ المؤمنين من أجل أنه على دينهم، حتى يلقاهم فيلقي إليهم السلام، فيقولُ المؤمنون:"لست مؤمنًا"، وقد ألقى السلام فيقتلونه، فقال الله تبارك وتعالى:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا"، إلى"تبتغون عرض الحياة الدنيا"، يعني: تقتلونه إرادةَ أن يحلَّ لكم ماله الذي وجدتم معه -وذلك عرضُ الحياة الدنيا- فإن عندي مغانم كثيرة، فالتمسوا من فضل الله. وهو رجل اسمه"مِرْداس"، جَلا قومه هاربين من خيلٍ بعثها رسول الله ﷺ، عليها رجل من بني لَيْث اسمه"قُليب"، [[انظر الاختلاف في اسمه"قليب" بالقاف والباء، أو فليت" بالفاء والتاء، في الإصابة في موضعه.]] ولم يجلُ معهم، [[في المطبوعة والمخطوطة: "ولم يجامعهم" وظاهر أنه تحريف من الناسخ، صوابه ما أثبت.]] وإذْ لقيهم مرداس فسلم عليهم قتلوه، [[في المطبوعة: "إذا لقيهم مرداس فسلم عليهم فقتلوه" وأثبت ما في المخطوطة إلا أني جعلت"وإذا""وإذ"، لأن السياق يقتضيها.]] فأمر رسول الله ﷺ لأهله بديته، ورد إليهم ماله، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
١٠٢٢٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا"، الآية، قال: وهذا الحديث في شأن مرداس، رجل من غطفان، ذكر لنا أن نبي الله ﷺ بعث جيشًا عليهم غالب اللَّيثي إلى أهل فَدَك، وبه ناس من غطفان، وكان مرداس منهم، ففرّ أصحابه، فقال مرداس:"إني مؤمن وإنيّ غيرُ مُتّبعكم، فصبَّحته الخيلُ غُدْوة، [["صبحتهم الخيل (بفتحتين) وصبحتهم (بتشديد الباء) ": أتتهم صباحًا، وكانت أكثر غاراتهم في الصباح. و"الغدوة" (بضم فسكون) : البكرة، ما بين صلاة الغداة (الفجر) وطلوع الشمس.]] فلما لقوه سلم عليهم مرداس، فرماه أصحاب رسول الله ﷺ فقتلوه، [[في المخطوطة: "فدعاه" وهو تحريف، صواب ما أثبت. وفي المطبوعة: "فتلقوه"، وهو رديء، خير منه ما في الدر المنثور: "فتلقاه".]] وأخذوا ما كان معه من متاع، فأنزل الله جل وعز في شأنه:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، لأن تحية المسلمين السلام، بها يتعارفون، وبها يُحَيِّي بعضهم بعضًا. [[الأثر: ١٠٢٢٠ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ١: ٢٠٠، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.]]
١٠٢٢١- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا"، [[كان في المطبوعة: " ... عرض الحياة الدنيا، الآية، قال: بعث ... "، وأثبت ما في المخطوطة، وإن كان الناسخ قد غفل فأسقط من الآية في كتابته: "كذلك كنتم من قبل".]] بعث رسول الله ﷺ سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضَمْرة، فلقوا رجلا منهم يدعى مِرداس بن نهيك، معه غُنَيْمة له وجمل أحمر. فلما رآهم أوى إلى كهف جبل، واتّبعه أسامة. فلما بلغ مرداسٌ الكهفَ، وضع فيه غنمه، ثم أقبل إليهم فقال:"السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله". فشدّ عليه أسامة فقتله، من أجل جمله وغُنَيْمته. وكان النبي ﷺ إذا بعث أسامة أحبَّ أن يُثْنَى عليه خيرٌ، ويسأل عنه أصحابَه. فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدِّثون النبي ﷺ ويقولون: يا رسول الله، لو رأيت أسامة ولقيه رجل، فقال الرجل:"لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فشد عليه فقتله! وهو معرض عنهم. فلما أكثروا عليه، رفع رأسه إلى أسامة فقال: كيفَ أنت ولا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذًا، تعوَّذ بها!. فقال له رسول الله ﷺ: هَلا شققت عن قلبه فنظرت إليه؟ قال: يا رسول الله، إنما قلبه بَضْعة من جسده! [["البضعة" (بفتح فسكون) : القطعة من اللحم.]] فأنزل الله عز وجل خبر هذا، وأخبره إنما قتله من أجل جمله وغنمه، فذلك حين يقول:"تبتغون عرض الحياة الدنيا"، فلما بلغ:"فمنَّ الله عليكم"، يقول: فتاب الله عليكم، فحلف أسامةُ أن لا يقاتل رجلا يقول:"لا إله إلا الله"، بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله ﷺ فيه.
١٠٢٢٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، قال: بلغني أن رجلا من المسلمين أغار على رجل من المشركين فَحَمَل عليه، فقال له المشرك:"إنّي مسلم، أشهد أن لا إله إلا الله"، فقتله المسلم بعد أن قالها. فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال للذي قتله: أقتلته، وقد قال لا إله إلا الله؟ فقال، وهو يعتذر: يا نبي الله، إنما قالها متعوذًا، وليس كذلك! فقال النبي ﷺ: فهلا شققت عن قلبه؟ ثم ماتَ قاتلُ الرجل فقُبر، فلفظته الأرض. فذكر ذلك للنبي ﷺ، فأمرهم أن يقبروه، ثم لفظته الأرض، حتى فُعل به ذلك ثلاث مرات. فقال النبي ﷺ: إن الأرض أبتْ أن تقبَله، فألقوه في غارٍ من الغيران= قال معمر: وقال بعضهم: إن الأرض تَقْبَل من هو شرٌّ منه، ولكن الله جعله لكم عِبْرَة.
١٠٢٢٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق: أن قومًا من المسلمين لقوا رجلا من المشركين في غُنَيْمة له، فقال:"السلام عليكم، إنِّي مؤمن"، فظنوا أنه يتعوّذ بذلك، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمته. قال: فأنزل الله جل وعز:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا"، تلك الغُنَيْمة="كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا".
١٠٢٢٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير قوله:"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا"، قال: خرج المقداد بن الأسود في سريّة، بعثه رسول الله ﷺ. قال: فمُّروا برجل في غُنَيْمة له، فقال:"إنّي مسلم"، فقتله المقداد. [[في المخطوطة: "فقتله الأسود"، والصواب ما في المطبوعة، أو أن تكون: "فقتله ابن الأسود".]] فلما قدموا ذكروا ذلك للنبي ﷺ، فنزلت هذه الآية:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا"، قال: الغنيمة. [[الأثر: ١٠٢٢٤-"حبيب بن أبي عمرة" القصاب، بياع القصب، ويقال"اللحام"، أبو عبد الله الحماني. روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأم الدرداء. روى عنه الثوري وجماعة. قال ابن سعد: "ثقة قليل الحديث". مترجم في التهذيب.]]
١٠٢٢٥- حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: نزل ذلك في رجل قتله أبو الدرداء=
= فذكر من قصة أبي الدرداء، نحو القصة التي ذكرت عن أسامة بن زيد، وقد ذكرت في تأويل قوله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، [[انظر ما سلف رقم: ١٠٢٢١.]] ثم قال في الخبر:
= ونزل الفرقان:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، فقرأ حتى بلغ:"لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدنيا"، غنمه التي كانت، عرض الحياة الدنيا ="فعند الله مغانم كثيرة"، خير من تلك الغنم، إلى قوله:"إن الله كان بما تعملون خبيرًا".
١٠٢٢٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، قال: راعي غنم، لقيه نفر من المؤمنين فقتلوه، [[في المخطوطة: "بعثه نفر من المؤمنين"، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة.]] وأخذوا ما معه، ولم يقبلوا منه:"السلام عليكم، فإني مؤمن".
١٠٢٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا"، قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله:"لست مؤمنًا"، كما حرم عليهم الميْتَة، فهو آمن على ماله ودمه، لا تردّوا عليه قوله.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله:"فَتَبَيَّنُوا".
فقرأ ذلك عامة قرأة المكيين والمدنيين وبعضُ الكوفيين والبصريين: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ بالياء والنون، من"التبين" بمعنى، التأني والنظر والكشف عنه حتى يتَّضح. [[انظر تفسير"التبين" فيما سلف ص: ٧٠.]]
وقرأ ذلك عُظْم قرأة الكوفيين: ﴿فَتَثَبَّتُوا﴾ ، بمعنى التثبُّت، الذي هو خلاف العَجَلة.
قال أبو جعفر: والقولُ عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ. لأن"المتثبت" متبيّن، و"المتبيِّن" متثبِّت، فبأي القراءتين قرأ القارئ، فمصيبٌ صوابَ القراءة في ذلك.
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم". [[في المطبوعة: " ... السلام" بالألف، والصواب إثباتها كرسم المصحف هنا، حتى يظهر سياق اختلاف القراءة.]]
فقرأ ذلك عامة قرأة المكيين والمدنيين والكوفيين: ﴿السَّلَمَ﴾ بغير ألف، بمعنى الاستسلام.
* * *
وقرأ بعض الكوفيين والبصريين: ﴿السَّلامَ﴾ بألف، بمعنى التحية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ﴿لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ ، بمعنى: من استسلم لكم، مذعنًا لله بالتوحيد، مقرًّا لكم بملَّتكم.
وإنما اخترنا ذلك، لاختلاف الرواية في ذلك: فمن راوٍ رَوى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال:"إنّي مسلم" = ومن راوٍ رَوى أنه قال:"السلام عليكم"، فحياهم تحية الإسلام= ومن راوٍ رَوى أنه كان مسلمًا بإسلامٍ قد تقدم منه قبل قتلهم إياه= وكل هذه المعاني يجمعه"السَّلَم"، لأن المسلم مستسلم، والمحيي بتحية الإسلام مستسلم، والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الإسلام، فمعنى"السَّلم" جامع جميع المعاني التي رُويت في أمر المقتول الذي نزلت في شأنه هذه الآية وليس ذلك في"السلام"، [[في المطبوعة: "وليس كذلك في الإسلام"، والصواب الجيد من المخطوطة.]] لأن"السلام" لا وجه له في هذا الموضع إلا التحية. فلذلك وصفنا"السلم"، بالصواب.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"كذلك كنتم من قبل".
فقال بعضهم: معناه: كما كان هذا الذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السَّلَم، مستخفيًا في قومه بدينه خوفًا على نفسه منهم، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرًا على أنفسكم منهم، فمنَّ الله عليكم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٢٢٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن سعيد بن جبير في قوله:"كذلك كنتم من قبل"، تستخفون بإيمانكم، [[في المخطوطة: "مستخفون بإيمانكم"، وما في المطبوعة أجود.]] كما استخفى هذا الراعي بإيمانه.
١٠٢٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير:"كذلك كنتم من قبل"، تكتمون إيمانكم في المشركين.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: كما كان هذا الذي قتلتموه، بعد ما ألقى إليكم السلم، [[قوله"كافرًا" ليس في المخطوطة، والسياق يقتضيها كما في المطبوعة، وانظر اعتراض أبي جعفر بعد، فهو يوجب إثبات هذه الكلمة في هذا الموضع.]] كافرًا، كنتم كفارًا، فهداه كما هداكم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٢٣٠- حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم"، كفارًا مثله="فتبينوا".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بتأويل الآية، القول الأول، وهو قول من قال: كذلك كنتم تخفون إيمانكم في قومكم من المشركين وأنتم مقيمون بين أظهرهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيمًا بين أظهر قومه من المشركين مستخفيًا بدينه منهم.
وإنما قلنا:"هذا التأويل أولى بالصواب"، لأن الله عز ذكره إنما عاتب الذين قتلوه من أهل الإيمان بعد إلقائه إليهم السلم ولم يُقَدْ به قاتلوه، [[في المطبوعة في هذا الموضع وما يليه"السلام" مكان"السلم"، ولكني أثبت ما في المخطوطة، لأن تفسير أبي جعفر جار على"السلم" لا على"السلام". وقوله: "لم يقد" بالبناء للمجهول من"القود" (بفتح القاف والواو) وهو القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، يقال منه"أقدته به أقيده إقادة".]] للبْس الذي كان دخل في أمره على قاتليه بمقامه بين أظهر قومه من المشركين، وظنِّهم أنه ألقى السلم إلى المؤمنين تعوّذًا منهم، ولم يعاتبهم على قتلهم إياه مشركًا فيقال:"كما كان كافرًا كنتم كفارًا"، بل لا وجه لذلك، لأن الله جل ثناؤه لم يعاتب أحدًا من خلقه على قتل محارِبٍ لله ولرسوله من أهل الشرك، بعد إذنه له بقتلِه.
واختلف أيضًا أهل التأويل في تأويل قوله:"فمنّ الله عليكم".
فقال بعضهم: معنى ذلك: فمنّ الله عليكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أظهروا الإسلام بعد ما كانوا يكتتمون به من أهل الشرك. [[في المطبوعة: "بعد ما كانوا يكتمونه"، والجيد ما في المخطوطة."يكتتمون به"، يستخفون به.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٠٢٣١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير:"فمن الله عليكم"، فأظهر الإسلام.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن الله عليكم= أيها القاتلون الذي ألقى إليكم السلم [[في المخطوطة: "أيها القاتلو الذي ألقي إليكم السلم"، وهو لا بأس به.]] طلبَ عرض الحياة الدنيا= بالتوبة من قتلكم إياه.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٢٣٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فمن الله عليكم"، يقول: تاب الله عليكم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الذي ذكرته عن سعيد بن جبير، لما ذكرنا من الدِّلالة على أن معنى قوله:"كذلك كنتم من قبل"، ما وصفنا قبل. فالواجب أن يكون عَقِيب ذلك:"فمن الله عليكم"، فرفع ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم عنكم، بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به من توحيده وعبادته، حِذَارًا من أهل الشرك. [[في المطبوعة: "حذرًا"، وأثبت ما في المخطوطة، وهما سواء.]]
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق