الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ﴾ الآيَةَ.
رُوِيَ أنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ «أنَّ سَرِيَّةً لِلنَّبِيِّ ﷺ لَقِيَتْ رَجُلًا ومَعَهُ غُنَيْماتٌ لَهُ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكم لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ؛ فَلَمّا رَجَعُوا أخْبَرُوا النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ فَقالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ وقَدْ أسْلَمَ ؟ فَقالَ: إنَّما قالَها مُتَعَوِّذًا مِنَ القَتْلِ، فَقالَ: هَلّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ وحَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دِيَتَهُ إلى أهْلِهِ ورَدَّ عَلَيْهِمْ غُنَيْماتِهِ» . قالَ ابْنُ عُمَرَ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي حَدْرَدٍ: القاتِلُ مُحَلَّمُ بْنُ جُثامَةَ قَتَلَ عامِرَ بْنَ الأضْبَطِ الأشْجَعِيَّ. ورُوِيَ أنَّ القاتِلَ ماتَ بَعْدَ أيّامٍ، فَلَمّا دُفِنَ لَفَظَتْهُ الأرْضُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ الأرْضَ لَتَقْبَلُ مَن هو شَرٌّ مِنهُ ولَكِنَّ اللَّهَ أرادَ أنْ يُرِيَكم عِظَمَ الدَّمِ عِنْدَهُ ثُمَّ أمَرَ أنْ يُلْقى عَلَيْهِ الحِجارَةُ».
وهَذِهِ القِصَّةُ مَشْهُورَةٌ لِمُحَلَّمِ بْنِ جُثامَةَ، وقَدْ ذَكَرْنا حَدِيثَ «أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أنَّهُ قَتَلَ في سَرِيَّةٍ رَجُلًا قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَتَلْتَهُ بَعْدَما قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ فَقالَ: إنَّما قالَها تَعَوُّذًا، فَقالَ: هَلّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ مَن لَكَ بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ ؟» وذَكَرْنا أيْضًا حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ مالِكٍ اللَّيْثِيِّ في هَذا المَعْنى وأنَّ الرَّجُلَ قالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلَهُ، فَأنْكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ وقالَ: «إنَّ اللَّهَ أبى عَلَيَّ أنْ أقْتُلَ مُؤْمِنًا» . وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالَ: حَدَّثَنا (p-٢٢٤)اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ بْنِ الخِيارِ عَنِ المِقْدادِ بْنِ الأسْوَدِ، أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفّارِ فَقاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقالَ أسْلَمْتُ لِلَّهِ أفَأقْتُلُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أنْ قالَها ؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَقْتُلْهُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِي، قالَ: لا تَقْتُلْهُ فَإنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ وأنْتَ بِمَنزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قالَ» .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا الحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ قالَ: حَدَّثَنا أبُو النَّضْرِ هاشِمُ بْنُ القاسِمِ قالَ: حَدَّثَنا المَسْعُودِيُّ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبِي مِجْلَزٍ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا شَرَعَ أحَدُكُمُ الرُّمْحَ إلى الرَّجُلِ فَإنْ كانَ سِنانُهُ عِنْدَ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ فَقالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ فَلْيُرْجِعْ عَنْهُ الرُّمْحَ» وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " جَعَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الكَلِمَةَ أمَنَةَ المُسْلِمِ وعِصْمَةَ مالِهِ ودَمِهِ، وجَعَلَ الجِزْيَةَ أمَنَةَ الكافِرِ وعِصْمَةَ مالِهِ ودَمِهِ "؛ وهو نَظِيرُ ما رُوِيَ في آثارٍ مُتَواتِرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وفي بَعْضِها: وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلِّي فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها وحِسابُهم عَلى اللَّهِ» رَواهُ عُمَرُ وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وابْنُ عُمَرَ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ وأبُو هُرَيْرَةَ.
وقالُوا لِأبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ أرادَ قَتْلَ العَرَبِ لَمّا امْتَنَعُوا مِن أداءِ الزَّكاةِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إلّا بِحَقِّها، وهَذا مِن حَقِّها»؛ فاتَّفَقَتِ الصَّحابَةُ عَلى صِحَّةِ هَذا الخَبَرِ، وهو في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ فَحَكَمَ اللَّهُ تَعالى بِصِحَّةِ إيمانِ مَن أظْهَرَ الإسْلامَ، وأمَرَنا بِإجْرائِهِ عَلى أحْكامِ المُسْلِمِينَ وإنْ كانَ في المُغَيَّبِ عَلى خِلافِهِ.
وهَذا مِمّا يُحْتَجُّ بِهِ في قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ مَتى أظْهَرَ الإسْلامَ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وغَيْرِهِ إذا أظْهَرَ الإسْلامَ؛ وهو يُوجِبُ أنَّ مَن قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أوْ قالَ إنِّي مُسْلِمٌ، أنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الإسْلامِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ﴾ إنَّما مَعْناهُ: لِمَنِ اسْتَسْلَمَ فَأظْهَرَ الِانْقِيادَ لِما دُعِيَ إلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ وإذا قُرِئَ " السَّلامُ " فَهو إظْهارُ تَحِيَّةِ الإسْلامِ، وقَدْ كانَ ذَلِكَ عَلَمًا لِمَن أظْهَرَ بِهِ الدُّخُولَ في الإسْلامِ؛ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قالَ أسْلَمْتُ واَلَّذِي قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ: " قَتَلْتَهُ بَعْدَما أسْلَمَ ؟ " فَحَكَمَ لَهُ بِالإسْلامِ بِإظْهارِ هَذا القَوْلِ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ في كِتابِ السِّيَرِ الكَبِيرِ: " لَوْ أنَّ يَهُودِيّا أوَنَصْرانِيًّا قالَ أنا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهَذا القَوْلِ مُسْلِمًا؛ لِأنَّ كُلَّهم (p-٢٢٥)يَقُولُونَ نَحْنُ مُسْلِمُونَ ونَحْنُ مُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ إنَّ دِينَنا هو الإيمانُ وهو الإسْلامُ، فَلَيْسَ في هَذا دَلِيلٌ عَلى الإسْلامِ مِنهم " .
وقالَ مُحَمَّدٌ: " ولَوْ أنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ حَمَلَ عَلى رِجْلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ لِيَقْتُلَهُ فَقالَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كانَ هَذا مُسْلِمًا، وإنْ رَجَعَ عَنْ هَذا ضُرِبَ عُنُقُهُ؛ لِأنَّ هَذا هو الدَّلِيلُ عَلى الإسْلامِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمْ يُجْعَلِ اليَهُودِيُّ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ: " أنا مُسْلِمٌ أوْ مُؤْمِنٌ "؛ لِأنَّهم كَذَلِكَ يَقُولُونَ، ويَقُولُونَ الإيمانُ والإسْلامُ هو ما نَحْنُ عَلَيْهِ؛ فَلَيْسَ في هَذا القَوْلِ دَلِيلٌ عَلى إسْلامِهِ، ولَيْسَ اليَهُودِيُّ والنَّصْرانِيُّ بِمَنزِلَةِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ كانُوا في زَمانِ النَّبِيِّ ﷺ لِأنَّهم كانُوا عَبَدَةَ أوْثانٍ، فَكانَ إقْرارُهم بِالتَّوْحِيدِ وقَوْلُ القائِلِ مِنهم إنِّي مُسْلِمٌ وإنِّي مُؤْمِنٌ تَرْكًا لِما كانَ عَلَيْهِ ودُخُولًا في الإسْلامِ، فَكانَ يُقْتَصَرُ مِنهُ عَلى هَذا القَوْلِ لِأنَّهُ كانَ لا يَسْمَحُ بِهِ إلّا وقَدْ صَدَّقَ النَّبِيَّ ﷺ وآمَنَ بِهِ.
ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم» وإنَّما أرادَ المُشْرِكِينَ بِهَذا القَوْلِ دُونَ اليَهُودِ؛ لِأنَّ اليَهُودَ قَدْ كانُوا يَقُولُونَ: " لا إلَهَ إلّا اللَّهُ " وكَذَلِكَ النَّصارى يُطْلِقُونَ ذَلِكَ وإنْ ناقَضُوا بَعْدَ ذَلِكَ في التَّفْصِيلِ فَيُثْبِتُونَهُ ثَلاثَةً؛ فَعَلِمْنا أنَّ قَوْلَ: " لا إلَهَ إلّا اللَّهُ " إنَّما كانَ عَلَمًا لِإسْلامِ مُشْرِكِي العَرَبِ لِأنَّهم كانُوا لا يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ إلّا اسْتِجابَةً لِدُعاءِ النَّبِيِّ ﷺ وتَصْدِيقًا لَهُ فِيما دَعاهم إلَيْهِ.
ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّهم كانُوا إذا قِيلَ لَهم لا إلَهَ إلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥] واليَهُودُ والنَّصارى يُوافِقُونَ المُسْلِمِينَ عَلى إطْلاقِ هَذِهِ الكَلِمَةِ وإنَّما يُخالِفُونَ في نُبُوَّةِ النَّبِيِّ، فَمَتى أظْهَرَ مِنهم مُظْهِرٌ الإيمانَ بِالنَّبِيِّ ﷺ فَهو مُسْلِمٌ.
ورَوى الحَسَنُ بْنُ زِيادٍ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ في اليَهُودِيِّ والنَّصْرانِيِّ إذا قالَ: " أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " ولَمْ يَقُلْ إنِّي داخِلٌ في الإسْلامِ ولا بَرِئَ مِنَ اليَهُودِيَّةِ ولا مِنَ النَّصْرانِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا. وأحْسَبُ أنِّي قَدْ رَأيْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلَ هَذا، إلّا أنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ في السِّيَرِ الكَبِيرِ خِلافُ ما رَواهُ الحَسَنُ بْنُ زِيادٍ، ووَجْهُ ما رَواهُ الحَسَنُ بْنُ زِيادٍ أنَّ مِن هَؤُلاءِ مَن يَقُولُ إنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ولَكِنَّهُ رَسُولٌ إلَيْكم، ومِنهم مَن يَقُولُ إنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ولَكِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ بَعْدُ وسَيُبْعَثُ؛ فَلَمّا كانَ فِيهِمْ مَن يَقُولُ ذَلِكَ في حالِ إقامَتِهِ عَلى اليَهُودِيَّةِ أوِ النَّصْرانِيَّةِ لَمْ يَكُنْ في إظْهارِهِ لِذَلِكَ ما يَدُلُّ عَلى إسْلامِهِ حَتّى يَقُولَ إنِّي داخِلٌ في الإسْلامِ أوْ يَقُولَ إنِّي بَرِيءٌ مِنَ اليَهُودِيَّةِ أوِ النَّصْرانِيَّةِ؛ فَقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ (p-٢٢٦)لَوْ خَلَّيْنا وظاهِرَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلى أنَّ فاعِلَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ لَهُ بِالإسْلامِ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنْ لا تَنْفُوا عَنْهُ الإسْلامَ ولا تُثْبِتُوهُ ولَكِنْ تَثَبَّتُوا في ذَلِكَ حَتّى تَعْلَمُوا مِنهُ مَعْنى ما أرادَ بِذَلِكَ.
ألا تَرى أنَّهُ قالَ: ﴿إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ فاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ اللَّفْظِ الأمْرُ بِالتَّثَبُّتِ والنَّهْيُ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الإيمانِ عَنْهُ، ولَيْسَ في النَّهْيِ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الإيمانِ عَنْهُ إثْباتُ الإيمانِ والحُكْمُ بِهِ ألا تَرى أنّا مَتى شَكَكْنا في إيمانِ رِجْلٍ لا نَعْرِفُ لَمْ يَجُزْ لَنا أنْ نَحْكُمَ بِإيمانِهِ ولا بِكُفْرِهِ ولَكِنْ نَتَثَبَّتُ حَتّى نَعْلَمَ ؟ وكَذَلِكَ لَوْ أخْبَرَنا مُخْبِرٌ بِخَبَرٍ لا نَعْلَمُ صِدْقَهُ مِن كَذِبِهِ لَمْ يَجُزْ لَنا أنْ نُكَذِّبَهُ، ولا يَكُونُ تَرْكُنا لِتَكْذِيبِهِ تَصْدِيقًا مِنّا لَهُ؛ كَذَلِكَ ما وُصِفَ مِن مُقْتَضى الآيَةِ لَيْسَ فِيهِ إثْباتُ إيمانٍ ولا كُفْرٍ وإنَّما فِيهِ الأمْرُ بِالتَّثَبُّتِ حَتّى نَتَبَيَّنَ إلّا أنَّ الآثارَ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنا قَدْ أوْجَبَتْ لَهُ الحُكْمَ بِالإيمانِ لِقَوْلِهِ ﷺ: أقَتَلْتَ مُسْلِمًا ؟ " و" قَتَلْتَهُ بَعْدَ ما أسْلَمَ ؟ وقَوْلُهُ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها» فَأثْبَتَ لَهم حُكْمَ الإسْلامِ بِإظْهارِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ في حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مالِكٍ اللَّيْثِيِّ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى أبى عَلَيَّ أنْ أقْتُلَ مُؤْمِنًا»، فَجَعَلَهُ مُؤْمِنًا بِإظْهارِ هَذِهِ الكَلِمَةِ؛ ورُوِيَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في مِثْلِ ذَلِكَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ مُرادَ الآيَةِ إثْباتُ الإيمانِ لَهُ في الحُكْمِ بِإظْهارِ هَذِهِ الكَلِمَةِ.
وقَدْ كانَ المُنافِقُونَ يَعْصِمُونَ دِماءَهم وأمْوالَهم بِإظْهارِ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى بِاعْتِقادِهِمُ الكُفْرَ وعِلْمِ النَّبِيِّ ﷺ بِنِفاقِ كَثِيرٍ مِنهم، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ قَدِ اقْتَضى الحُكْمَ لِقائِلِهِ بِالإسْلامِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ يَعْنِي بِهِ الغَنِيمَةَ. وإنَّما سَمّى مَتاعَ الدُّنْيا عَرَضًا لِقِلَّةِ بَقائِهِ، عَلى ما رُوِيَ في الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ الَّذِي أظْهَرَ الإسْلامَ وأخَذَ ما مَعَهُ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي بِهِ السَّيْرَ فِيها وقَوْلُهُ تَعالى: " فَتَثَبَّتُوا " قُرِئَ بِالياءِ والنُّونِ، وقِيلَ إنَّ الِاخْتِيارَ التَّبَيُّنَ لِأنَّ التَّثَبُّتَ إنَّما هو لِلتَّبَيُّنِ، والتَّثَبُّتُ إنَّما هو سَبَبٌ لَهُ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ قالَ الحَسَنُ: " كُفّارًا مِثْلَهم " وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " كُنْتُمْ مُسْتَخِفِّينَ بِدِينِكم بَيْنَ قَوْمِكم كَما اسْتَخَفُّوا.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنِي بِإسْلامِكم، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ هَداكم لِلإيمانِ﴾ [الحجرات: ١٧] وقِيلَ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِإعْزازِكم حَتّى أظْهَرْتُمْ دِينَكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق