الباحث القرآني
ولَمّا تَبَيَّنَ بِهَذا المَنعِ الشَّدِيدِ مِن قَتْلِ العَمْدِ؛ وما في قَتْلِ الخَطَإ مِنَ المُؤاخَذَةِ المُوجِبَةِ لِلتَّثَبُّتِ؛ وكانَ الأمْرُ قَدْ بَرَزَ بِالقِتالِ؛ والقَتْلِ في الجِهادِ؛ ومُؤَكَّدًا بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ؛ وكانَ رُبَّما التَبَسَ الحالُ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ التَّصْرِيحَ بِالأمْرِ بِالتَّثَبُّتِ؛ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ماذا نَفْعَلُ بَيْنَ أمْرَيِ الإقْدامِ؛ والإحْجامِ؟ فَقالَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ مُشِيرًا بِأداةِ البُعْدِ؛ والتَّعْبِيرِ بِالماضِي؛ الَّذِي هو لِأدْنى الأسْنانِ؛ إلى أنَّ الرّاسِخِينَ غَيْرُ مُحْتاجِينَ إلى مَزِيدِ التَّأْكِيدِ في التَّأْدِيبِ؛ وما أحْسَنَ التِفاتَهُ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٨٤]؛ إشارَةً مِنهُ (تَعالى) إلى أنَّهم يَتَأثَّرُونَ مِن تَحْرِيضِهِ ﷺ؛ (p-٣٦٦)ويَنْقادُونَ لِأمْرِهِ؛ بِما دَلَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ”إذا“؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إذا ضَرَبْتُمْ﴾؛ أيْ: سافَرْتُمْ؛ وسِرْتُمْ في الأرْضِ؛ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ لِأجْلِ وجْهِهِ خالِصًا؛ ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾؛ أيْ: اطْلُبُوا بِالتَّأنِّي؛ والتَّثَبُّتِ؛ بَيانَ الأُمُورِ؛ والثَّباتَ في تَلَبُّسِها؛ والتَّوَقُّفَ الشَّدِيدِ عِنْدَ مَنالِها؛ وذَلِكَ بِتَمَيُّزِ بَعْضِها مِن بَعْضٍ؛ وانْكِشافِ لَبْسِها غايَةَ الِانْكِشافِ؛ ولا تُقْدِمُوا إلّا عَلى ما بانَ لَكُمْ؛ ﴿ولا تَقُولُوا﴾؛ قَوْلًا؛ فَضْلًا عَمّا هو أعْلى مِنهُ؛ ﴿لِمَن ألْقى﴾؛ أيْ: كائِنًا مَن كانَ؛ ﴿إلَيْكُمُ السَّلامَ﴾؛ أيْ: بادَرَ بِأنْ حَيّاكم بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ؛ مُلْقِيًا قِيادَهُ؛ ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾؛ أيْ: بَلْ مُتَعَوِّذٌ؛ لِتَقْتُلُوهُ.
ولَمّا كانَ اتِّباعُ الشَّهَواتِ عِنْدَ العَرَبِ في غايَةِ الذَّمِّ؛ قالَ - مُوَبِّخًا؛ مُنَفِّرًا عَنْ مِثْلِ هَذا؛ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلِ ”تَقُولُوا“ - ﴿تَبْتَغُونَ﴾؛ أيْ: حالَ كَوْنِكم تَطْلُبُونَ طَلَبًا حَثِيثًا؛ بِقَتْلِهِ؛ ﴿عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾؛ أيْ: بِأخْذِ ما مَعَهُ مِنَ الحُطامِ الفانِي؛ والعَرَضِ الزّائِلِ؛ أوْ بِإدْراكِ ثَأْرٍ كانَ لَكم قِبَلَهُ؛ رَوى البُخارِيُّ؛ في التَّفْسِيرِ؛ ومُسْلِمٌ؛ في آخِرِ كِتابِهِ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُما -: ”﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ﴾ قالَ: (p-٣٦٧)كانَ رَجُلٌ في غَنِيمَةٍ لَهُ؛ فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ؛ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ؛ فَقَتَلُوهُ؛ وأخَذُوا غَنِيمَتَهُ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - في ذَلِكَ؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾“؛ ورَواهُ الحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ وزادَ: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾؛ تُخْفُونَ إيمانَكُمْ؛ وأنْتُمْ مَعَ المُشْرِكِينَ؛ ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾؛ وأظْهَرَ الإسْلامَ؛ ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾؛ ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ هَذِهِ الحالَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ؛ ﴿مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾؛ أيْ: يُغْنِيكم بِها عَمّا تَطْلُبُونَ مِنَ العَرَضِ؛ مَعَ طِيبِها؛ ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ مِن أصْلِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أيْ: مِثْلُ هَذا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ؛ بِجَعْلِكم إيّاهُ بَعِيدًا عَنِ الإسْلامِ؛ ﴿كُنْتُمْ﴾؛ وبَعَّضَ زَمانَ القَتْلِ - كَما هو الواقِعُ - بِقَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلُ﴾؛ أيْ: قَبْلَما نَطَقْتُمْ بِكَلِمَةِ الإسْلامِ؛ ﴿فَمَنَّ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿عَلَيْكُمْ﴾؛ أيْ: بِأنْ ألْقى في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ قَبُولَ ما أظْهَرْتُمُ؛ امْتِثالًا لِأمْرِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِذَلِكَ؛ فَقَوّى أمْرَ الإيمانِ في قُلُوبِكم قَلِيلًا قَلِيلًا؛ (p-٣٦٨)حَتّى صِرْتُمْ إلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ في الرُّسُوخِ في الدِّينِ؛ والشُّهْرَةِ بِهِ؛ والعِزِّ؛ ولَوْ شاءَ لَقَسّى قُلُوبَكُمْ؛ وسَلَّطَهم عَلَيْكُمْ؛ فَقَتَلُوكُمْ؛ فَإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ فَعَلَيْكم أنْ تَفْعَلُوا بِالدّاخِلِينَ في الدِّينِ مِنَ القَبُولِ ما فَعَلَ بِكُمْ؛ وهو مَعْنى ما سَبَّبَ عَنِ الوَعْظِ مِن قَوْلِهِ - تَأْكِيدًا لِما مَضى؛ إعْلامًا بِفَظاعَةِ أمْرِ القَتْلِ -: ”فَتَبَيَّنُوا“؛ أيْ: الأُمُورَ؛ وتَثَبَّتُوا فِيها حَتّى تَنْجَلِيَ؛ ثُمَّ عَلَّلَ هَذا الأمْرَ بِقَوْلِهِ - مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا -: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: المُخْتَصَّ بِأنَّهُ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ؛ ﴿كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾؛ أيْ: يَعْلَمُ ما أقْدَمْتُمْ عَلَيْهِ؛ عَنْ تَبْيِينٍ؛ وغَيْرِهِ؛ فاحْذَرُوهُ بِحِفْظِ بَواطِنِكُمْ؛ وظَواهِرِكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











