الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ: «أنَّ رَجُلًا مِن سُلَيْمٍ مَرَّ عَلى نَفَرٍ مِنَ الصَّحابَةِ ومَعَهُ غَنَمٌ؛ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقالُوا: ما سَلَّمَ إلّا لِيَتَعَوَّذَ فَقَتَلُوهُ، وأخَذُوا غَنَمَهُ، وأتَوْا بِها الرَّسُولَ فَنَزَلَتْ» . وقِيلَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيها المِقْدادُ؛ فَتَفَرَّقَ القَوْمُ وبَقِيَ رَجُلٌ لَهُ مالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَبْرَحْ فَتَشَهَّدَ؛ فَقَتَلَهُ المِقْدادُ؛ فَأخْبَرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ فَقالَ: «أقَتَلْتَ رَجُلًا قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ فَكَيْفَ لَكَ بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ غَدًا ؟» . وقِيلَ لَقِيَ الصَّحابَةُ المُشْرِكِينَ فَهَزَمُوهم؛ فَشَدَّ رَجُلٌ مِنهم عَلى رَجُلٍ؛ فَلَمّا غَشِيَهُ السِّنانُ قالَ: إنِّي مُسْلِمٌ؛ فَقَتَلَهُ وأخَذَ مَتاعَهُ؛ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلى الرَّسُولِ فَقالَ: «قَتَلْتَهُ وقَدْ زَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ ؟ فَقالَ: قالَها مُتَعَوِّذًا قالَ: " هَلّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ؟» في قِصَّةٍ آخِرُها: إنَّ القاتِلَ ماتَ فَلَفَظَتْهُ الأرْضُ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثًا؛ فَطُرِحَ في بَعْضِ الشِّعابِ. وقِيلَ هي السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيها أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِرْداسَ بْنَ نَهِيكٍ مِن أهْلِ فَدَكَ، وهي مَشْهُورَةٌ. وقِيلَ «بَعَثَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ أبا حَدْرَدٍ الأسْلَمِيَّ وأبا قَتادَةَ، ومُحَلَّمَ بْنَ جَثّامَةَ في سِرِّيَّةٍ إلى أسْلَمَ؛ فَلَمّا بَلَغُوا إلى عامِرِ بْنِ الأضْبَطِ الأشْجَعِيِّ حَيّاهم بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ؛ فَقَتَلَهُ مُحَلَّمٌ وسَلَبَهُ؛ فَلَمّا قَدِمُوا قالَ: أقَتَلْتَهُ بَعْدَما قالَ آمَنتُ ؟ فَنَزَلَتْ».
ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ؛ وهي أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ جَزاءَ مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، وأنَّ لَهُ جَهَنَّمَ، وذَكَرَ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِ، ولَعْنَتَهُ، وإعْدادَ العَذابِ العَظِيمِ لَهُ؛ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالتَّثَبُّتِ والتَّبَيُّنِ، وأنْ لا يُقْدِمَ الإنْسانُ عَلى قَتْلِ مَن أظْهَرَ الإيمانَ، وأنْ لا يَسْفِكُوا دَمًا حَرامًا بِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ، وكَرَّرَ ذَلِكَ آخِرَ الآيَةِ تَأْكِيدًا أنْ لا يُقَدَّمَ عِنْدَ الشُّبَهِ والإشْكالِ حَتّى يَتَّضِحَ لَهُ ما يُقْدِمُ عَلَيْهِ. ولَمّا كانَ خَفاءُ ذَلِكَ مَنُوطًا بِالأسْفارِ والغَمَزاتِ، قالَ: إذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ وإلّا فالتَّثَبُّتُ والتَّبَيُّنُ لازِمٌ في قَتْلِ مَن تَظاهَرَ بِالإسْلامِ في السَّفَرِ وفي الحَضَرِ. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الضَّرْبِ في قَوْلِهِ: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] .
وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: فَتَثَبَّتُوا بِالثّاءِ المُثَلَّثَةِ، والباقُونَ: فَتَبَيَّنُوا. وكِلاهُما تَفَعَّلَ بِمَعْنى اسْتَفْعَلَ الَّتِي لِلطَّلَبِ؛ أيِ اطْلُبُوا إثْباتَ الأمْرِ وبَيانَهُ، ولا تَقَدَّمُوا مِن غَيْرِ رَوِيَّةٍ وإيضاحٍ. وقالَ قَوْمٌ: (تَبَيَّنُوا) أبْلَغُ وأشَدُّ مِن (فَتَثَبَّتُوا)؛ لِأنَّ المُتَثَبِّتَ قَدْ لا يَتَبَيَّنُ. وقالَ الرّاغِبُ؛ لِأنَّهُ قَلَّما يَكُونُ إلّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ، وقَدْ يَكُونُ التَّثَبُّتُ ولا تَبَيُّنَ، وقَدْ قُوبِلَ بِالعَجَلَةِ في قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «التَّبَيُّنُ مِنَ اللَّهِ والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطانِ» . وقالَ أبُو عُبَيْدٍ هُما: مُتَقارِبانِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والصَّحِيحُ ما قالَ أبُو عُبَيْدٍ؛ لِأنَّ تَبَيُّنَ الرَّجُلِ لا يَقْتَضِي أنَّ الشَّيْءَ بانَ، بَلْ يَقْتَضِي مُحاوَلَةً لِلتَّبَيُّنِ؛ كَما أنَّ تَثَبَّتَ يَقْتَضِي مُحاوَلَةً لِلتَّبَيُّنِ؛ فَهُما سَواءٌ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: التَّثَبُّتُ هو خِلافُ الإقْدامِ والمُرادُ: التَّأنِّي والتَّثَبُّتُ أشَدُّ اخْتِصاصًا بِهَذا المَوْضِعِ. ومِمّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وأشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦]؛ أيْ أشَدَّ وقْفًا لَهم عَنْ ما وُعِظُوا بِأنْ لا يُقْدِمُوا عَلَيْهِ. وكَلامُ النّاسِ تَثَبَّتْ في أمْرِكَ. وقَدْ جاءَ: «إنَّ التَّبَيُّنَ مِنَ اللَّهِ والعَجَلَةَ مِنَ الشَّيْطانِ»؛ ومُقابَلَةُ العَجَلَةِ بِالتَّبَيُّنِ دَلالَةٌ عَلى تَقارُبِ اللَّفْظَيْنِ.
والأكْثَرُونَ عَلى أنَّ القاتِلَ هُ ومُحَلَّمٌ والمَقْتُولَ عامِرٌ كَما ذَكَرْنا؛ وكَذا هو في سِيَرِ ابْنِ إسْحاقَ، ومُصَنَّفِ أبِي داوُدَ، وفي الِاسْتِيعابِ. وقِيلَ: المَقْتُولُ مِرْداسٌ وقاتِلُهُ أُسامَةُ. وقِيلَ قاتِلُهُ غالِبُ بْنُ فَضالَةَ اللِّيثِيُّ. وقِيلَ القاتِلُ أبُو الدَّرْداءِ. وقِيلَ أبُو قَتادَةَ.
وقَرَأ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ، والكِسائِيُّ وحَفْصٌ (السَّلامَ) بِألِفٍ. قالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى التَّسْلِيمِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الِاسْتِسْلامِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وابْنُ كَثِيرٍ. مِن بَعْضِ طُرُقِهِ، وجَبَلَةُ عَنِ المُفَضَّلِ عَنْ عاصِمٍ: بِفَتْحِ السِّينِ واللّامِ مِن غَيْرِ ألِفٍ، وهو مِنَ الِاسْتِسْلامِ. وقَرَأ أبانُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عاصِمٍ: بِكَسْرِ السِّينِ، (p-٣٢٩)وإسْكانِ اللّامِ، وهو الِانْقِيادُ والطّاعَةُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالسَّلامِ الِانْحِيازُ والتَّرْكُ؛ قالَ الأخْفَشُ: يُقالُ فُلانٌ سَلامٌ إذا كانَ لا يُخالِطُ أحَدًا. قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ؛ أيْ لا تَقُولُوا لِمَنِ اعْتَزَلَكم ولَمْ يُقاتِلْكم لَسْتَ مُؤْمِنًا؛ وأصْلُهُ مِنَ السَّلامَةِ؛ لِأنَّ المُعْتَزِلَ عَنِ النّاسِ طالِبٌ لِلسَّلامَةِ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: بِفَتْحِ السِّينِ، وسُكُونِ اللّامِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: مَأْمَنًا بِفَتْحِ المِيمِ؛ أيْ لا نُؤَمِّنُكَ في نَفْسِكَ، وهي قِراءَةُ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، وأبِي العالِيَةِ، ويَحْيى بْنِ يَعْمَرَ. ومَعْنى قِراءَةِ الجُمْهُورِ لَيْسَ لِإيمانِكَ حَقِيقَةٌ أنَّكَ أسْلَمْتَ خَوْفًا مِنَ القَتْلِ. قالَ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ: حَكَمَ تَعالى بِصِحَّةِ إسْلامِ مَن أظْهَرَ الإسْلامَ وأمَرَ بِإجْرائِهِ عَلى أحْكامِ المُسْلِمِينَ؛ وإنْ كانَ في الغَيْبِ عَلى خِلافِهِ. وهَذا مِمّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلى تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ إذا أظْهَرَ الإسْلامَ، فَهو مُسْلِمٌ انْتَهى. والغَرَضُ هُنا هو ما كانَ مَعَ المَقْتُولِ مِن غَنِيمَةٍ أوْ مِن حَمْلٍ ومَتاعٍ، عَلى الخِلافِ الَّذِي في سَبَبِ النُّزُولِ.
والمَعْنى: تَطْلُبُونَ الغَنِيمَةَ الَّتِي هي حُطامٌ سَرِيعُ الزَّوالِ. وتَبْتَغُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ (ولا تَقُولُوا)؛ وفي ذَلِكَ إشْعارٌ بِأنَّ الدّاعِيَ إلى تَرْكِ التَّثَبُّتِ أوِ التَّبَيُّنِ هو طَلَبُكم عَرَضَ الدُّنْيا؛ فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ؛ هَذِهِ عِدَّةٌ بِما يُسْنِي اللَّهُ تَعالى لَهم مِنَ الغَنائِمِ عَلى وجْهِها مِن حِلٍّ دُونَ ارْتِكابِ مَحْظُورٍ بِشُبْهَةٍ وغَيْرِ تَثَبُّتٍ؛ قالَهُ الجُمْهُورُ. وقالَ مُقاتِلٌ: أرادَ ما أعَدَّهُ تَعالى لَهم في الآخِرَةِ مِن جَزِيلِ الثَّوابِ والنَّعِيمِ الدّائِمِ الَّذِي هو أجَلُّ المَغانِمِ.
﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم فَتَبَيَّنُوا﴾ قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مَعْناهُ كُنْتُمْ مُسْتَخْفِينَ مِن قَوْمِكم بِإسْلامِكم؛ خائِفِينَ مِنهم عَلى أنْفُسِكم؛ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِإعْزازِ دِينِكم، فَهُمُ الآنَ كَذَلِكَ كُلٌّ مِنهم خائِفٌ في قَوْمِهِ مُتَرَبِّصٌ أنْ يَصِلَ إلَيْكم؛ فَلَمْ يَصْلُحْ إذا وصَلَ أنْ تَقْتُلُوهُ، حَتّى تَتَبَيَّنُوا أمْرَهُ.
قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: وهَذا فِيهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ إخْفاءَ الإيمانِ ما كانَ عامًّا فِيهِمْ، انْتَهى. ولا إشْكالَ فِيهِ؛ لِأنَّ المُسْلِمِينَ كانُوا أوَّلَ الإسْلامِ يُحِبُّونَ دِينَهم؛ فالتَّشْبِيهُ وقَعَ بِتِلْكَ الحالِ الأُولى. وعَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أنَّ إخْفاءَ الإيمانِ ما كانَ عامًّا فِيهِمْ؛ لا إشْكالَ أيْضًا؛ لِأنَّهُ يُنْسَبُ إلى الجُمْلَةِ ما وُجِدَ مِن بَعْضِهِمْ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ كَفَرَةً فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِأنْ أسْلَمْتُمْ؛ فَلا تُنْكِرُوا أنْ يَكُونَ هو كافِرًا ثُمَّ يُسْلِمُ لِحِينِهِ حِينَ لَقِيَكم؛ فَيَجِبُ أنْ يُتَثَبَّتَ في أمْرِهِ، وقالَ الأكْثَرُونَ: المَعْنى أنَّكم قَبْلَ الهِجْرَةِ حِينَ كُنْتُمْ فِيما بَيْنَ الكُفّارِ تُؤْمِنُونَ بِكَلِمَةِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ فاقْبَلُوا مِنهم ذَلِكَ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: فِيهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ لَهم أنْ يَقُولُوا ما كانَ إيمانُنا مِثْلَ إيمانِهِمْ؛ لِأنّا آمَنّا اخْتِيارًا؛ وهَؤُلاءِ أظْهَرُوا الإيمانَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ انْتَهى. ولا إشْكالَ في ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ مِن كُلِّ الوُجُوهِ؛ إذْ كانَ يَكُونُ المُشَبَّهُ هو المُشَبَّهَ بِهِ؛ وذَلِكَ مُحالٌ، ولا مِن مُعْظَمِ الوُجُوهِ. والتَّشْبِيهُ هُنا وقَعَ في بَعْضِ الوُجُوهِ؛ وهو: أنَّ الدُّخُولَ في الإسْلامِ هو كانَ بِكَلِمَةِ الشَّهادَةِ، وقَدْ حَسَّنَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذا القَوْلَ؛ وطَوَّلَهُ جِدًّا. فَقالَ: أوَّلَ ما دَخَلْتُمْ في الإسْلامِ سَمِعْتُ مِن أفْواهِكم كَلِمَةَ الشَّهادَةِ؛ فَحَصَّنْتُ دِماءَكم وأمْوالَكم، مِن غَيْرِ انْتِظارِ الِاطِّلاعِ عَلى مُواطَأةِ قُلُوبِكم لِألْسِنَتِكم؛ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِالِاسْتِقامَةِ والِاشْتِهارِ بِالإيمانِ والتَّقَدُّمِ؛ وإنْ صِرْتُمْ أعْلامًا فِيهِ فَعَلَيْكم أنْ تَفْعَلُوا بِالدّاخِلِينَ في الإسْلامِ كَما فُعِلَ بِكم، وأنْ تَعْتَبِرُوا ظاهِرَ الإسْلامِ في الكافَّةِ، ولا تَقُولُوا إنَّ تَهْلِيلَ هَذا لِاتِّقاءِ القَتْلِ لا لِصِدْقِ النِّيَّةِ فَتَجْعَلُوهُ سِلْمًا إلى اسْتِباحَةِ دَمِهِ ومالِهِ، وقَدْ حَرَّمَهُما اللَّهُ تَعالى، انْتَهى.
قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: والأقْرَبُ عِنْدِي أنْ يُقالَ: إنَّ مَن يَنْتَقِلُ عَنْ دِينٍ إلى دِينٍ؛ فَفي أوَّلِ الأمْرِ يَحْدُثُ لَهُ مَيْلٌ بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ لا يَزالُ ذَلِكَ المَيْلُ يَتَأكَّدُ ويَتَقَوّى إلى أنْ يَكْمُلَ ويَسْتَحْكِمَ ويَحْصُلَ الِانْتِقالُ؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهم: كُنْتُمْ في أوَّلِ الإسْلامِ إنَّما حَدَثَ فِيكم مَيْلٌ ضَعِيفٌ بِأسْبابِ ضَعِيفَةٍ إلى الإسْلامِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِتَقْوِيَةِ ذَلِكَ المَيْلِ، وتَأْكِيدِ النُّفْرَةِ عَنِ الكُفْرِ؛ فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ لَمّا حَدَثَ فِيهِمْ مَيْلٌ ضَعِيفٌ إلى الإسْلامِ بِسَبَبِ هَذا الخَوْفِ فاقْبَلُوا (p-٣٣٠)مِنهم هَذا الإيمانَ؛ فَإنَّ اللَّهَ يُؤَكِّدُ حَلاوَةَ الإيمانِ في قُلُوبِهِمْ، ويُقَوِّي تِلْكَ الرَّغْبَةَ في صُدُورِهِمْ، انْتَهى كَلامُهُ. ولَيْسَ كُلُّ مَن آمَنَ مِنَ الصَّحابَةِ كانَ مَيْلُهُ أوَّلًا إلى الإسْلامِ مَيْلًا ضَعِيفًا ثُمَّ يَقْوى، بَلْ مِنَ الصَّحابَةِ مَنِ اسْتَبْصَرَ بِأوَّلِ وهْلَةٍ دُعاءَ الرَّسُولِ، أوْ رَأى الرَّسُولَ كَأبِي بَكْرٍ، وأبِي ذَرٍّ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وأمْثالِهِمْ مِمَّنْ كانَ مُسْتَبْصِرًا مُنْتَظِرًا. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى إشارَةً بِذَلِكَ إلى القَتْلِ قَبْلَ التَّثَبُّتِ؛ أيْ عَلى هَذِهِ الحالِ في جاهِلِيَّتِكم لا تَثْبُتُونَ؛ حَتّى جاءَ الإسْلامُ، ومَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم، انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم، هو مِن تَمامِ ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ . وقِيلَ مِن تَمامِ ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾، وما قَبْلَهُ؛ فالمَعْنى: مَنَّ عَلَيْكم بِأنْ قَبِلَ تَوْبَتَكم عَنْ ذَلِكَ الفِعْلِ المُنْكَرِ؛ قالَهُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ، ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾: تَقَدَّمَ أنَّهُ قُرِئَ فَتَثَبَّتُوا. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا تَأْكِيدًا لِلْأوَّلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ في قِراءَةِ مَن جَعَلَهُ مِنَ التَّبَيُّنِ أنْ لا يَكُونَ تَأْكِيدُ الِاخْتِلافِ مُتَعَلَّقَ التَّبَيُّنِ؛ فالمَعْنى في الأوَّلِ: فَتَبَيَّنُوا أمْرَ مَن تُقْدِمُونَ عَلى قَتْلِهِ، وفي الثّانِي: فَتَبَيَّنُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم بِالإسْلامِ.
﴿إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾؛ أيْ خَبِيرًا بِنِيّاتِكم وطَلَباتِكم؛ فَكُونُوا مُحْتاطِينَ فِيما تَقْصِدُونَهُ؛ مُتَوَخِّينَ أمْرَ اللَّهِ تَعالى. وهَذا فِيهِ تَحْذِيرٌ؛ فاحْفَظُوا أنْفُسَكم مِن مَوارِدِ الزَّلَلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (إنَّ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى الِاسْتِئْنافِ. وقُرِئَ بِفَتْحِها عَلى أنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً لِقَوْلِهِ: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ .
﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٥] قالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: نَزَلَتْ مِن أجْلِ قَوْمٍ كانُوا إذا حَضَرَتْ غَزاةٌ يَسْتَأْذِنُونَ في القُعُودِ والتَّخَلُّفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وأمّا غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فَسَبَبُها قَوْلُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ: كَيْفَ مَن لا يَسْتَطِيعُ الجِهادَ ؟ .
ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ تَعالى لَمّا رَغَّبَ المُؤْمِنِينَ في القِتالِ في سَبِيلِ اللَّهِ أعْداءَ اللَّهِ الكُفّارَ، واسْتَطْرَدَ مِن ذَلِكَ إلى قَتْلِ المُؤْمِنِ خَطَأً وعَمْدًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وبِتَأْوِيلٍ؛ فَنَهى أنْ يُقْدِمَ عَلى قَتْلِهِ بِتَأْوِيلِ أمْرٍ يَحْمِلُهُ عَلى الإسْلامِ؛ إذا كانَ ظاهِرُهُ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ. ذَكَرَ بَيانَ فَضْلِ المُجاهِدِ عَلى القاعِدِ وبَيانَ تَفاوُتِهِما، وأنَّ ذَلِكَ لا يَمْنَعُ مِنهُ كَوْنُ الجِهادِ مَظِنَّةَ أنْ يُصِيبَ المُجاهِدُ مُؤْمِنًا خَطَأً، أوْ مَن يُلْقِي السَّلَمَ فَيَقْتُلَهُ بِتَأْوِيلٍ فَيَتَقاعَسُ عَنِ الجِهادِ لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ؛ فَأتى عَقِيبَ ذَلِكَ بِفَضْلِ الجِهادِ، وفَوْزِهِ بِما ذَكَرَ في الآيَةِ مِنَ الدَّرَجاتِ والمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ والأجْرِ العَظِيمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ.
ويَسْتَوِي هُنا مِنَ الأفْعالِ الَّتِي لا تَكْتَفِي بِفاعِلٍ واحِدٍ، وإثْباتُهُ لا يَدُلُّ عَلى عُمُومِ المُساواةِ، وكَذَلِكَ نَفْيُهُ؛ وإنَّما عَنى نَفْيَ المُساواةِ في الفَضْلِ، وفي ذَلِكَ إبْهامٌ عَلى السّامِعِ، وهو أبْلَغُ مِن تَحْرِيرِ المَنزِلَةِ الَّتِي بَيْنَ القاعِدِ والمُجاهِدِ. فالمُتَأمِّلُ يَبْقى مَعَ فِكْرِهِ، ولا يَزالُ يَتَخَيَّلُ الدَّرَجاتِ بَيْنَهُما والقاعِدُ هو المُتَخَلِّفُ عَنِ الجِهادِ. وعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالقُعُودِ؛ لِأنَّ القُعُودَ هَيْئَةُ مَن لا يَتَحَرَّكُ إلى الأمْرِ المَقْعُودِ عَنْهُ في الأغْلَبِ. وأُولُو الضَّرَرِ هم مَن لا يَقْدِرُ عَلى الجِهادِ لِعَمًى، أوْ مَرَضٍ أوْ عَرَجٍ أوْ فَقْدِ أُهْبَةٍ. والمَعْنى: لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ القادِرُونَ عَلى الغَزْوِ والمُجاهِدُونَ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ: (غَيْرُ) بِرَفْعِ الرّاءِ. ونافِعٌ وابْنُ عامِرٍ والكِسائِيُّ: بِالنَّصْبِ، ورَوَيا عَنْ عاصِمٍ. وقَرَأ الأعْمَشُ وأبُو حَيْوَةَ: بِكَسْرِها. فَأمّا قِراءَةُ الرَّفْعِ فَوَجَّهَها الأكْثَرُونَ عَلى الصِّفَةِ؛ وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ؛ كَما هي عِنْدَهُ صِفَةٌ في ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]، ومِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎وإذا جُوزِيتَ قَرْضًا فاجْزِهِ إنَّما يَجْزِي الفَتى غَيْرُ الجُمَلْ
كَذا ذَكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ، ويُرْوى: لَيْسَ الجَمَلْ. وأجازَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ البَدَلَ. قِيلَ: وهو إعْرابٌ ظاهِرٌ؛ لِأنَّهُ جاءَ بَعْدَ نَفْيٍ، وهو أوْلى مِنَ الصِّفَةِ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ الأفْصَحَ في النَّفْيِ البَدَلُ، ثُمَّ النَّصْبُ عَلى الِاسْتِثْناءِ، ثُمَّ الوَصْفُ في رُتْبَةٍ ثالِثَةٍ. الثّانِي: أنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أنْ غَيْرًا نَكِرَةٌ في (p-٣٣١)أصْلِ الوَضْعِ، وإنْ أُضِيفَتْ إلى مَعْرِفَةٍ؛ هَذا هو المَشْهُورُ، ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. وإنْ كانَتْ قَدْ تَتَعَرَّفُ في بَعْضِ المَواضِعِ؛ فَجَعَلَها هُنا صِفَةً يُخْرِجُها عَنْ أصْلِ وضْعِها؛ إمّا بِاعْتِقادِ التَّعْرِيفِ فِيها، وإمّا بِاعْتِقادِ أنَّ القاعِدِينَ لَمّا لَمْ يَكُونُوا ناسًا مُعَيَّنِينَ؛ كانَتِ الألِفُ واللّامُ فِيهِ جِنْسِيَّةً، فَأُجْرِيَ مَجْرى النَّكِراتِ حَتّى وُصِفَ بِالنَّكِرَةِ، وهَذا كُلُّهُ ضَعِيفٌ.
وأمّا قِراءَةُ النَّصْبِ فَهي عَلى الِاسْتِثْناءِ مِنَ القاعِدِينَ. وقِيلَ اسْتِثْناءٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ. والأوَّلُ أظْهَرُ؛ لِأنَّهُ المُحَدَّثُ عَنْهُ. وقِيلَ انْتَصَبَ عَلى الحالِ مِنَ القاعِدِينَ. وأمّا قِراءَةُ الجَرِّ فَعَلى الصِّفَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ كَتَخْرِيجِ مَن خَرَّجَ ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧] عَلى الصِّفَةِ مِنَ ﴿الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]، ومِنَ المُؤْمِنِينَ في مَوْضِعِ الحالِ مِن قَوْلِهِ: ﴿القاعِدُونَ﴾ [النساء: ٩٥]؛ أيْ كائِنِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
واخْتَلَفُوا: هَلْ أُولُو الضَّرَرِ يُساوُونَ المُجاهِدِينَ أمْ لا ؟ فَإنِ اعْتَبَرْنا مَفْهُومَ الصِّفَةِ، أوْ قُلْنا بِالأرْجَحِ مِن أنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ؛ لَزِمَتِ المُساواةُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا مَرْدُودٌ؛ لِأنَّ الضَّرَرَ لا يُساوُونَ المُجاهِدِينَ. وغايَتُهم إنْ خَرَجُوا مِنَ التَّوْبِيخِ والمَذَمَّةِ الَّتِي لَزِمَتِ القاعِدِينَ مِن غَيْرِ عُذْرٍ، وكَذا قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الِاسْتِثْناءُ لِرَفْعِ العِقابِ، لا لِنَيْلِ الثَّوابِ. المَعْذُورُ يَسْتَوْفِي في الأجْرِ مَعَ الَّذِي خَرَجَ إلى الجِهادِ؛ إذْ كانَ يَتَمَنّى لَوْ كانَ قادِرًا لَخَرَجَ. قالَ: اسْتَثْنى المَعْذُورَ مِنَ القاعِدِينَ والِاسْتِثْناءُ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ؛ فَثَبَتَ الِاسْتِواءُ بَيْنَ المُجاهِدِ والقاعِدِ المَعْذُورِ. انْتَهى. وإنَّما نَفى الِاسْتِواءَ فِيما عَلِمَ أنَّهُ مُنْتَفٍ ضَرُورَةً لِإذْكارِهِ ما بَيْنَ القاعِدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ والمُجاهِدِ مِنَ التَّفاوُتِ العَظِيمِ؛ فَيَأْنَفُ القاعِدُ مِنَ انْحِطاطِ مُنْزِلَتِهِ فَيَهْتَزُّ لِلْجِهادِ، ويَرْغَبُ فِيهِ. ومِثْلُهُ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] أُرِيدَ بِهِ التَّحْرِيكُ مِن حَمِيَّةِ الجاهِلِ، وأنَفَتِهِ لِيَنْهَضِمَ إلى التَّعَلُّمِ، ويَرْتَقِيَ عَنْ حَضِيضِ الجَهْلِ إلى شَرَفِ العِلْمِ.
قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: كانَ نُزُولُ هَذِهِ الآيَةِ في الوَقْتِ الَّذِي كانَ الجِهادُ فِيهِ تَطَوُّعًا وإلّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: لا يَسْتَوِي مَعْنى؛ لِأنَّ مَن تَرَكَ الفَرْضَ لا يُقالُ: إنَّهُ لا يَسْتَوِي هو والآتِي بِهِ؛ بَلْ يَلْحَقُ الوَعِيدُ بِالتّارِكِ، ويَرْغَبُ الآتِي بِهِ في الثَّوابِ. وقالَ الماتُرِيدِيُّ: نَفْيُ التَّساوِي بَيْنَ فاعِلِ الجِهادِ وتارِكِهِ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ الجِهادَ ما كانَ فَرْضًا في ذَلِكَ الوَقْتِ. ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أفَمَن كانَ مُؤْمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] نَفى المُساواةَ بَيْنَ المُؤْمِنِ والفاسِقِ والإيمانِ فَرْضًا. وقالَ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ﴾ [الجاثية: ٢١] الآيَةَ، وقالَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]، والعِلْمُ في كَثِيرٍ مِنَ الأشْياءِ فَرْضٌ. وإذْ جازَ نَفْيُ الِاسْتِواءِ بَيْنَ فاعِلِ التَّطَوُّعِ وتارِكِهِ، فَلِأنْ يَجُوزَ بَيْنَ فاعِلِ الفَرْضِ، وتارِكِهِ بِطَرِيقِ الأوْلى؛ وإنَّما لَمْ يَلْحَقِ الإثْمُ تارِكَهُ؛ لِأنَّهُ فَرْضُ كِفايَةٍ، انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ نَفْيَ هَذا الِاسْتِواءِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِقاعِدَةٍ عَنْ جِهادٍ مَخْصُوصٍ، ولا مُجاهِدٍ جِهادًا مَخْصُوصًا بَلْ ذَلِكَ عامٌّ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ عَنْ بَدْرٍ والخارِجُونَ إلَيْها. وعَنْ مُقاتِلٍ: إلى تَبُوكَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: أُولُو الضَّرَرِ هم أهْلُ الأعْذارِ. إذْ قَدْ أضَرَّتْ بِهِمْ حَتّى مَنَعَتْهُمُ الجِهادَ. وفي الحَدِيثِ: «لَقَدْ خَلَّفْتُمْ بِالمَدِينَةِ أقْوامًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلّا كانُوا مَعَكم حَبَسَهُمُ العُذْرُ» . وجاءَ هُنا تَقْدِيمُ الأمْوالِ عَلى الأنْفُسِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] تَقْدِيمُ الأنْفُسِ عَلى الأمْوالِ لِتَبايُنِ الغَرَضَيْنِ؛ لِأنَّ المُجاهِدَ بائِعٌ، فَأخَّرَ ذِكْرَها تَنْبِيهًا عَلى أنَّ المُضايَقَةَ فِيها أشَدُّ؛ فَلا يَرْضى بِبَذْلِها إلّا في آخِرِ المَراتِبِ. والمُشْتَرِي قُدِّمَتْ لَهُ النَّفْسُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الرَّغْبَةَ فِيها أشَدُّ؛ وإنَّما يَرْغَبُ أوَّلًا في الأنْفَسِ الغالِي.
﴿فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ [النساء: ٩٥] الظّاهِرُ أنَّ المُفَضَّلَ عَلَيْهِمْ هُمُ القاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ نَفى التَّسْوِيَةَ بَيْنَهم؛ فَذَكَرَ ما امْتازُوا بِهِ عَلَيْهِمْ، وهو تَفْضِيلُهم عَلَيْهِمْ (p-٣٣٢)بِدَرَجَةٍ؛ فَهَذِهِ الجُمْلَةُ بَيانٌ لِلْجُمْلَةِ الأُولى جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ؛ كَأنَّ قائِلًا قالَ: ما لَهم لا يَسْتَوُونَ ؟ فَقِيلَ ﴿فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ﴾ [النساء: ٩٥] والمُفَضَّلُ عَلَيْهِمْ هُنا دَرَجَةً هُمُ المُفَضَّلُ عَلَيْهِمْ آخِرًا دَرَجاتٍ وما بَعْدَها، وهُمُ القاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. وتَكَرَّرَ التَّفْضِيلانِ بِاعْتِبارِ مُتَعَلِّقِهِما؛ فالتَّفْضِيلُ الأوَّلُ بِالدَّرَجَةِ هو ما يُؤْتى في الدُّنْيا مِنَ الغَنِيمَةِ، والتَّفْضِيلُ الثّانِي هو ما يُخَوِّلُهم في الآخِرَةِ؛ فَنَبَّهَ بِإفْرادِ الأوَّلِ، وجَمَعَ الثّانِي عَلى أنَّ ثَوابَ الدُّنْيا في جَنْبِ ثَوابِ الآخِرَةِ يَسِيرٌ. وقِيلَ المُجاهِدُونَ تَتَساوى رُتَبُهم في الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إلى أحْوالِهِمْ؛ كَتَساوِي القاتِلِينَ بِالنِّسْبَةِ إلى أخْذِ سَلَبِ مَن قَتَلُوهُ، وتَساوِي نَصِيبِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الفُرْسانِ، ونَصِيبِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الرِّجالِ، وهم في الآخِرَةِ مُتَفاوِتُونَ بِحَسَبِ إيمانِهِمْ؛ فَلَهم دَرَجاتٌ بِحَسَبِ اسْتِحْقاقِهِمْ؛ فَمِنهم مَن يَكُونُ لَهُ الغُفْرانُ، ومِنهم مَن يَكُونُ لَهُ الرَّحْمَةُ فَقَطْ. فَكَأنَّ الرَّحْمَةَ أدْنى المَنازِلِ، والمَغْفِرَةُ فَوْقَ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ بُعْدُ الدَّرَجاتِ عَلى الطَّبَقاتِ؛ وعَلى هَذا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿هم دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣] . ومَنازِلُ الآخِرَةِ تَتَفاوَتُ. وقِيلَ الدَّرَجَةُ المَدْحُ والتَّعْظِيمُ والدَّرَجاتُ مَنازِلُ الجَنَّةِ. وقِيلَ المُفَضَّلُ عَلَيْهِمْ أوَّلًا غَيْرُ المُفَضَّلِ عَلَيْهِمْ ثانِيًا. فالأوَّلُ هُمُ القاعِدُونَ بِعُذْرٍ والثّانِي هُمُ القاعِدُونَ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ ولِذَلِكَ اخْتَلَفَ المُفَضَّلُ بِهِ: فَفي الأوَّلِ دَرَجَةٌ، وفي الثّانِي دَرَجاتٌ وإلى هَذا ذَهَبَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وهو مَن لا يَسْتَوِي عِنْدَهُ أُولُو الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ.
وقِيلَ اخْتَلَفَ الجِهادانِ، فاخْتَلَفَ ما فُضِّلَ بِهِ. وذَلِكَ أنَّ الجِهادَ جِهادانِ: صَغِيرٌ وكَبِيرٌ؛ فالصَّغِيرُ مُجاهَدَةُ الكُفّارِ، والكَبِيرُ مُجاهَدَةُ النَّفْسِ. وعَلى ذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ»؛ وإنَّما كانَ مُجاهَدَةُ النَّفْسِ أعْظَمَ؛ لِأنَّ مَن جاهَدَ نَفْسَهُ فَقَدْ جاهَدَ الدُّنْيا، ومَن غَلَبَ الدُّنْيا هانَتْ عَلَيْهِ مُجاهَدَةُ العِدا؛ فَخَصَّ مُجاهَدَةَ النَّفْسِ بِالدَّرَجاتِ تَعْظِيمًا لَها. وقَدْ تَناقَضَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ القاعِدِينَ فَقالَ: فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ جُمْلَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِما نُفِيَ مِنَ اسْتِواءِ القاعِدِينَ والمُجاهِدِينَ؛ كَأنَّهُ قِيلَ ما لَهم لا يَسْتَوُونَ ؟ فَأُجِيبَ بِذَلِكَ: والمَعْنى عَلى القاعِدِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، لِكَوْنِ الجُمْلَةِ بَيانًا لِلْجُمْلَةِ الأُولى المُتَضَمِّنَةِ لِهَذا الوَصْفِ. ثُمَّ قالَ: فَإنْ قُلْتَ: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى مُفَضَّلِينَ دَرَجَةً ومُفَضَّلِينَ دَرَجاتٍ، مَن هم ؟ قُلْتُ: أمّا المُفَضَّلُونَ دَرَجَةً واحِدَةً فَهُمُ الَّذِينَ فُضِّلُوا عَلى القاعِدِينَ الأضِرّاءِ، وأمّا المُفَضَّلُونَ دَرَجاتٍ فالَّذِينَ فُضِّلُوا عَلى القاعِدِينَ الَّذِينَ أُذِنَ لَهم في التَّخَلُّفِ اكْتِفاءً بِغَيْرِهِمْ؛ لِأنَّ الغَزْوَ فَرْضُ كِفايَةٍ، انْتَهى كَلامُهُ. فَقالَ: أوَّلًا المَعْنى عَلى القاعِدِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، وقالَ في هَذا الجَوابِ: عَلى القاعِدِينَ الأضِرّاءِ، وهَذا تَناقُضٌ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: دَرَجاتٍ، لا يُرادُ بِهِ عَدَدٌ مَخْصُوصٌ؛ بَلْ ذَلِكَ عَلى حَسَبِ اخْتِلافِ المُجاهِدِينَ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي السَّبْعُ المَذْكُورَةُ في بَراءَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ﴾ [التوبة: ١٢٠] الآياتِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: دَرَجاتُ الجِهادِ لَوْ حُصِرَتْ لَكانَتْ أكْثَرَ مِن هَذِهِ، انْتَهى. وقالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ: الدَّرَجاتُ في الجَنَّةِ سَبْعُونَ دَرَجَةً؛ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ حَضْرُ الجَوادِ المُضْمَرِ سَبْعِينَ سَنَةً. وإلى نَحْوِهِ ذَهَبَ مُقاتِلٌ، ورَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ. وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أنَّ في الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّها اللَّهُ تَعالى لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِهِ بَيْنَ الدَّرَجَةِ والدَّرَجَةِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ» . وذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ إلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا دَرَجاتٍ مِنهُ﴾ [النساء: ٩٥] هو عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، لا أنَّ مَدْلُولَ دَرَجَةٍ مُخالِفٌ لِمَدْلُولِ دَرَجاتٍ في المَعْنى؛ بَلْ هُما سَواءٌ في المَعْنى. قالَ تَعالى: ﴿ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨] لا يُرادُ بِها شَيْءٌ واحِدٌ؛ بَلْ أشْياءُ. وكَرَّرَ التَّفْضِيلَ لِلتَّأْكِيدِ والتَّرْغِيبِ في أمْرِ الجِهادِ وإلى هَذا ذَهَبَ الماتُرِيدِيُّ قالَ: وفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ الجِهادَ فَرْضُ كِفايَةٍ؛ حَيْثُ يَسْقُطُ بِقِيامِ بَعْضٍ، وإنْ كانَ خِطابُ قَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] يَعُمُّ، انْتَهى.
﴿وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ [النساء: ٩٥]؛ أيْ (وكُلًّا) مِنَ القاعِدِينَ والمُجاهِدِينَ. وقِيلَ (وكُلًّا) مِنَ (p-٣٣٣)القاعِدِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، وأُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدِينَ. والحُسْنى هُنا: الجَنَّةُ بِاتِّفاقٍ. وقالَ عَبْدُ الجَبّارِ: هَذا الوَعْدُ لا يَلِيقُ بِأمْرِ الآخِرَةِ. ولَمّا ذَكَرَ ما لِلْمُجاهِدِينَ مِنَ الحَظِّ عاجِلًا جازَ أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّهُ كَما اخْتُصَّ بِهَذِهِ النِّعَمِ؛ فَكَذَلِكَ يُخْتَصُّ بِالثَّوابِ. فَبَيَّنَ أنَّ لِلْقاعِدِينَ ما لِلْمُجاهِدِينَ مِنَ الحُسْنى في الوَعْدِ مَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ لَهم فَضْلَ دَرَجاتٍ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَأوْهَمَ أنَّ حالَهُما في الوَعْدِ بِالحُسْنى سَواءٌ، انْتَهى. وانْتَصَبَ كُلًّا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ أوَّلُ لِـ (وعَدَ) والثّانِي هو الحُسْنى. وقُرِئَ: وكُلٌّ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، وحَذْفِ العائِدِ؛ أيْ وكُلَّهم وعَدَ اللَّهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق