الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ .
اعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ المُبالَغَةُ في تَحْرِيمِ قَتْلِ المُؤْمِنِينَ، وأمْرُ المُجاهِدِينَ بِالتَّثَبُّتِ فِيهِ؛ لِئَلّا يَسْفِكُوا دَمًا حَرامًا بِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ، وهَذِهِ المُبالَغَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الآيَةَ المُتَقَدِّمَةَ خِطابٌ مَعَ المُؤْمِنِينَ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ هُنا، وكَذَلِكَ في الحُجُراتِ ”فَتَثَبَّتُوا“ مِن ثَبَتَ ثَباتًا، والباقُونَ بِالنُّونِ مِنَ البَيانِ، والمَعْنَيانِ مُتَقارِبانِ، فَمَن رَجَّحَ التَّثْبِيتَ قالَ: إنَّهُ خِلافُ الإقْدامِ، والمُرادُ في الآيَةِ التَّأنِّي وتَرْكُ العَجَلَةِ، ومَن رَجَّحَ التَّبْيِينَ قالَ: المَقْصُودُ مِنَ التَّثْبِيتِ التَّبْيِينُ، فَكانَ التَّبْيِينُ أبْلَغَ وأكْمَلَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الضَّرْبُ مَعْناهُ السَّيْرُ فِيها بِالسَّفَرِ لِلتِّجارَةِ أوِ الجِهادِ، وأصْلُهُ مِنَ الضَّرْبِ بِاليَدِ، وهو كِنايَةٌ عَنِ الإسْراعِ في السَّيْرِ فَإنَّ مَن ضَرَبَ إنْسانًا كانَتْ حَرَكَةُ يَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ سَرِيعَةً، فَجُعِلَ الضَّرْبُ كِنايَةً عَنِ الإسْراعِ في السَّيْرِ.
قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى ﴿ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ غَزَوْتُمْ وسِرْتُمْ إلى الجِهادِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ .
أرادَ الِانْقِيادَ والِاسْتِسْلامَ إلى المُسْلِمِينَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [ النَّحْلِ: ٨٧] أيِ: اسْتَسْلَمُوا لِلْأمْرِ، ومَن قَرَأ ”السَّلامَ“ بِالألِفِ فَلَهُ مَعْنَيانِ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ المُرادُ السَّلامَ الَّذِي يَكُونُ هو تَحِيَّةَ المُسْلِمِينَ، أيْ لا تَقُولُوا لِمَن حَيّاكم بِهَذِهِ التَّحِيَّةِ: إنَّهُ إنَّما قالَها تَعَوُّذًا، فَتُقْدِمُوا عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ لِتَأْخُذُوا مالَهُ، ولَكِنْ كُفُّوا واقْبَلُوا مِنهُ ما أظْهَرَهُ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ المَعْنى: لا تَقُولُوا لِمَنِ اعْتَزَلَكم ولَمْ يُقاتِلْكم لَسْتَ مُؤْمِنًا، وأصْلُ هَذا مِنَ السَّلامَةِ؛ لِأنَّ المُعْتَزِلَ طالِبٌ لِلسَّلامَةِ.
قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: قُرِئَ ”مُؤْمَنًا“ بِفَتْحِ المِيمِ مِن آمَنَهُ أيْ: لا نُؤَمِّنُكَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ رِواياتٌ:
الرِّوايَةُ الأُولى: «أنَّ مِرْداسَ بْنَ نَهِيكٍ رَجُلٌ مِن أهْلِ فَدَكَ، أسْلَمَ ولَمْ يُسْلِمْ مِن قَوْمِهِ غَيْرُهُ، فَذَهَبَتْ سَرِيَّةُ (p-٤)الرَّسُولِ ﷺ إلى قَوْمِهِ وأمِيرُهم غالِبُ بْنُ فَضالَةَ، فَهَرَبَ القَوْمُ وبَقِيَ مِرْداسٌ لِثِقَتِهِ بِإسْلامِهِ، فَلَمّا رَأى الخَيْلَ ألْجَأ غَنَمَهُ إلى عاقُولٍ مِنَ الجَبَلِ، فَلَمّا تَلاحَقُوا وكَبَّرُوا كَبَّرَ ونَزَلَ، وقالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكم، فَقَتَلَهُ أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ وساقَ غَنَمَهُ، فَأخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَوَجِدَ وجْدًا شَدِيدًا وقالَ: قَتَلْتُمُوهُ إرادَةَ ما مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأ الآيَةَ عَلى أُسامَةَ، فَقالَ أُسامَةُ: يا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي، فَقالَ: فَكَيْفَ وقَدْ تَلا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ! قالَ أُسامَةُ: فَما زالَ يُعِيدُها حَتّى ودِدْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ إلّا يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِي وقالَ: أعْتِقْ رَقَبَةً» .
الرِّوايَةُ الثّانِيَةُ: «أنَّ القاتِلَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثّامَةَ، لَقِيَهُ عامِرُ بْنُ الأضْبَطِ فَحَيّاهُ بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ، وكانَتْ بَيْنَ مُحَلِّمٍ وبَيْنَهُ إحْنَةٌ في الجاهِلِيَّةِ فَرَماهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ”لا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ“ فَما مَضَتْ بِهِ سَبْعَةُ أيّامٍ حَتّى ماتَ، فَدَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الأرْضُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”إنَّ الأرْضَ لَتَقْبَلُ مَن هو شَرٌّ مِنهُ ولَكِنَّ اللَّهَ أرادَ أنْ يُرِيَكم عِظَمَ الذَّنَبِ عِنْدَهُ“ ثُمَّ أمَرَ أنْ تُلْقى عَلَيْهِ الحِجارَةُ» .
الرِّوايَةُ الثّالِثَةُ: «أنَّ المِقْدادَ بْنَ الأسْوَدِ قَدْ وقَعَتْ لَهُ مِثْلَ واقِعَةِ أُسامَةَ، قالَ: فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفّارِ فَقاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لاذَ بِشَجَرَةٍ، فَقالَ: أسْلَمْتُ لِلَّهِ تَعالى، أفَأقْتُلُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: لا تَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِي، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”لا تَقْتُلْهُ فَإنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ بَعْدَ أنْ تَقْتُلَهُ وأنْتَ بِمَنزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قالَ» “ .
وعَنْ أبِي عُبَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”«إذا أشْرَعَ أحَدُكُمُ الرُّمْحَ إلى الرَّجُلِ، فَإنْ كانَ سِنانُهُ عِنْدَ نُقْرَةِ نَحْرِهِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ فَلْيَرْفَعْ عَنْهُ الرُّمْحَ» “ . قالَ القَفّالُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا مُنافاةَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّواياتِ، فَلَعَلَّها نَزَلَتْ عِنْدَ وُقُوعِها بِأسْرِها، فَكانَ كُلُّ فَرِيقٍ يَظُنُّ أنَّها نَزَلَتْ في واقِعَتِهِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ هَلْ تُقْبَلُ أمْ لا ؟ فالفُقَهاءُ قَبِلُوها واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: هَذِهِ الآيَةُ، فَإنَّهُ تَعالى لَمْ يُفَرِّقْ في هَذِهِ الآيَةِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وبَيْنَ غَيْرِهِ، بَلْ أوْجَبَ ذَلِكَ في الكُلِّ.
الحُجَّةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهم ما قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنْفالِ: ٣٨] وهو عامٌّ في جَمِيعِ أصْنافِ الكَفَرَةِ.
الحُجَّةُ الثّالِثَةُ: أنَّ الزِّنْدِيقَ لا شَكَّ أنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ، والتَّوْبَةُ مَقْبُولَةٌ عَلى الإطْلاقِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ﴾ [الشُّورى: ٢٥] وهَذا عامٌّ في جَمِيعِ الذُّنُوبِ وفي جَمِيعِ أصْنافِ الخَلْقِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: إسْلامُ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ، وقالَ الشّافِعِيُّ: لا يَصِحُّ.
قالَ أبُو حَنِيفَةَ: دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى صِحَّةِ إسْلامِ الصَّبِيِّ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ عامٌّ في حَقِّ الصَّبِيِّ، وفي حَقِّ البالِغِ.
قالَ الشّافِعِيُّ: لَوْ صَحَّ الإسْلامُ مِنهُ لَوَجَبَ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَكانَ ذَلِكَ إذْنًا في الكُفْرِ، وهو غَيْرُ جائِزٍ، لَكِنَّهُ غَيْرُ واجِبٍ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتّى يَبْلُغَ» “ الحَدِيثَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قالَ أكْثَرُ الفُقَهاءِ: لَوْ قالَ اليَهُودِيُّ أوِ النَّصْرانِيُّ: أنا مُؤْمِنٌ، أوْ قالَ أنا مُسْلِمٌ لا يُحْكَمُ بِهَذا القَدْرِ بِإسْلامِهِ؛ لِأنَّ مَذْهَبَهُ أنَّ الَّذِي هو عَلَيْهِ هو الإسْلامُ وهو الإيمانُ، ولَوْ قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعِنْدَ قَوْمٍ لا يُحْكَمُ بِإسْلامِهِ؛ لِأنَّ فِيهِمْ مَن يَقُولُ: إنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلى العَرَبِ لا إلى الكُلِّ، ومِنهم مَن (p-٥)يَقُولُ: إنَّ مُحَمَّدًا الَّذِي هو الرَّسُولُ الحَقُّ بَعْدُ ما جاءَ؛ وسَيَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ لا بُدَّ وأنْ يَعْتَرِفَ بِأنَّ الدِّينَ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ باطِلٌ، وأنَّ الدِّينَ المَوْجُودَ فِيما بَيْنَ المُسْلِمِينَ هو الحَقُّ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* *
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: جَمِيعُ مَتاعِ الدُّنْيا عَرَضٌ بِفَتْحِ الرّاءِ، يُقالُ: إنَّ الدُّنْيا عَرَضٌ حاضِرٌ يَأْخُذُ مِنها البَرُّ والفاجِرُ، والعَرْضُ بِسُكُونِ الرّاءِ: ما سِوى الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ، وإنَّما سُمِّيَ مَتاعُ الدُّنْيا عَرَضًا؛ لِأنَّهُ عارِضٌ زائِلٌ غَيْرُ باقٍ، ومِنهُ يُسَمِّي المُتَكَلِّمُونَ ما خالَفَ الجَوْهَرَ مِنَ الحَوادِثِ عَرَضًا؛ لِقِلَّةٍ لُبْثِهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ يَعْنِي: ثَوابًا كَثِيرًا، فَنَبَّهَ تَعالى بِتَسْمِيَتِهِ عَرَضًا عَلى كَوْنِهِ سَرِيعَ الفَناءِ قَرِيبَ الِانْقِضاءِ، وبِقَوْلِهِ: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ عَلى أنَّ ثَوابَ اللَّهِ مَوْصُوفٌ بِالدَّوامِ والبَقاءِ، كَما قالَ: ﴿والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الكَهْفِ: ٤٦] .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ وهَذا يَقْتَضِي تَشْبِيهَ هَؤُلاءِ المُخاطَبِينَ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ ألْقَوُا السَّلَمَ، ولَيْسَ فِيهِ بَيانُ أنَّ هَذا التَّشْبِيهَ فِيمَ وقَعَ، فَلِهَذا ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ أنَّكم أوَّلَ ما دَخَلْتُمْ في الإسْلامِ كَما سَمِعْتُ مِن أفْواهِكم كَلِمَةَ الشَّهادَةِ، حَقَنْتُ دِماءَكم وأمْوالَكم مِن غَيْرِ تَوْقِيفٍ، ذَلِكَ عَلى حُصُولِ العِلْمِ بِأنَّ قَلْبَكم مُوافِقٌ لِما في لِسانِكم، فَعَلَيْكم بِأنْ تَفْعَلُوا بِالدّاخِلِينَ في الإسْلامِ كَما فُعِلَ بِكم، وأنْ تَعْتَبِرُوا ظاهِرَ القَوْلِ، وأنْ لا تَقُولُوا: إنَّ إقْدامَهم عَلى التَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ؛ لِأجْلِ الخَوْفِ مِنَ السَّيْفِ. هَذا هو الَّذِي اخْتارَهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ، وفِيهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ لَهم أنْ يَقُولُوا: ما كانَ إيمانُنا مِثْلَ إيمانِ هَؤُلاءِ، لِأنّا آمَنّا عَنِ الطَّواعِيَةِ والِاخْتِيارِ، وهَؤُلاءِ أظْهَرُوا الإيمانَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ أحَدِهِما بِالآخَرِ ؟ .
الوَجْهُ الثّانِي: قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: المُرادُ أنَّكم كُنْتُمْ تُخْفُونَ إيمانَكم عَنْ قَوْمِكم كَما أخْفى هَذا الدّاعِي إيمانَهُ عَنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِإعْزازِكم حَتّى أظْهَرْتُمْ دِينَكم، فَأنْتُمْ عامِلُوهم بِمِثْلِ هَذِهِ المُعامَلَةِ، وهَذا أيْضًا فِيهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ إخْفاءَ الإيمانِ ما كانَ عامًّا فِيهِمْ.
الثّالِثُ: قالَ مُقاتِلٌ: المُرادُ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قِبْلِ الهِجْرَةِ حِينَ كُنْتُمْ فِيما بَيْنَ الكُفّارِ تَأْمَنُونَ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ بِكَلِمَةِ: ”لا إلَهَ إلّا اللَّهُ“ فاقْبَلُوا مِنهم مِثْلَ ذَلِكَ، وهَذا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الإشْكالُ الأوَّلُ، والأقْرَبُ عِنْدِي أنْ يُقالَ: إنَّ مَن يَنْتَقِلُ مِن دِينٍ إلى دِينٍ، فَفي أوَّلِ الأمْرِ يَحْدُثُ مَيْلٌ قَلِيلٌ بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ لا يَزالُ ذَلِكَ المَيْلُ يَتَأكَّدُ ويَتَقَوّى إلى أنْ يَكْمُلَ ويَسْتَحْكِمَ ويَحْصُلَ الِانْتِقالُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهم: كُنْتُمْ في أوَّلِ الأمْرِ إنَّما حَدَثَ فِيكم مَيْلٌ ضَعِيفٌ بِأسْبابٍ ضَعِيفَةٍ إلى الإسْلامِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم بِالإسْلامِ بِتَقْوِيَةِ ذَلِكَ المَيْلِ وتَأْكِيدِ النَّفْرَةِ عَنِ الكُفْرِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ كَما حَدَثَ فِيهِمْ مَيْلٌ ضَعِيفٌ إلى الإسْلامِ بِسَبَبِ هَذا الخَوْفِ فاقْبَلُوا مِنهم هَذا الإيمانَ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يُؤَكِّدُ حَلاوَةَ الإيمانِ في قُلُوبِهِمْ، ويُقَوِّي تِلْكَ الرَّغْبَةَ في صُدُورِهِمْ، فَهَذا ما عِنْدِي فِيهِ.
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
* * وفِيهِ احْتِمالانِ:
الأوَّلُ: أنَّ يَكُونَ هَذا مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ يَعْنِي: إيمانُكم كانَ مِثْلَ إيمانِهِمْ في أنَّهُ إنَّما عَرَفَ مِنهُ مُجَرَّدَ القَوْلِ اللِّسانِيِّ دُونَ ما في القَلْبِ، أوْ في أنَّهُ كانَ في ابْتِداءِ الأمْرِ حاصِلًا بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم حَيْثُ قَوّى نُورَ الإيمانِ في قُلُوبِكم وأعانَكم عَلى العَمَلِ بِهِ والمَحَبَّةِ لَهُ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ هَذا مُنْقَطِعًا عَنْ هَذا المَوْضِعِ، ويَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِما قَبْلَهُ؛ وذَلِكَ لِأنَّ القَوْمَ لَمّا قَتَلُوا مَن تَكَلَّمَ بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى نَهاهم عَنْ هَذا الفِعْلِ، وبَيَّنَ لَهم أنَّهُ مِنَ العَظائِمِ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: مَنَّ عَلَيْكم بِأنْ قَبِلَ تَوْبَتَكم عَنْ ذَلِكَ الفِعْلِ المُنْكَرِ.
* * ثُمَّ أعادَ الأمْرَ بِالتَّبْيِينِ فَقالَ: (فَتَبَيَّنُوا) وإعادَةُ الأمْرِ بِالتَّبْيِينِ تَدُلُّ عَلى المُبالَغَةِ في التَّحْذِيرِ عَنْ ذَلِكَ الفِعْلِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ والمُرادُ مِنهُ الوَعِيدُ والزَّجْرُ عَنِ الإظْهارِ بِخِلافِ الإضْمارِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّ في كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: ما ذَكَرْناهُ أنَّهُ تَعالى لَمّا رَغَّبَ في الجِهادِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِبَيانِ أحْكامِ الجِهادِ. فالنَّوْعُ الأوَّلُ مِن أحْكامِ الجِهادِ: تَحْذِيرُ المُسْلِمِينَ عَنْ قَتْلِ المُسْلِمِينَ، وبَيانُ الحالِ في قَتْلِهِمْ عَلى سَبِيلِ الخَطَأِ كَيْفَ، وعَلى سَبِيلِ العَمْدِ كَيْفَ، وعَلى سَبِيلِ تَأْوِيلِ الخَطَأِ كَيْفَ، فَلَمّا ذَكَرَ ذَلِكَ الحُكْمَ أتْبَعَهُ بِحُكْمٍ آخَرَ؛ وهو بَيانُ فَضْلِ المُجاهِدِ عَلى غَيْرِهِ وهو هَذِهِ الآيَةُ.
الوَجْهُ الثّانِي: لَمّا عاتَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى عَلى ما صَدَرَ مِنهم مِن قَتْلِ مَن تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الشَّهادَةِ، فَلَعَلَّهُ يَقَعُ في قَلْبِهِمْ أنَّ الأوْلى الِاحْتِرازُ عَنِ الجِهادِ؛ لِئَلّا يَقَعَ بِسَبَبِهِ في مِثْلِ هَذا المَحْذُورِ، فَلا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى في عَقِيبِهِ هَذِهِ الآيَةَ، وبَيَّنَ فِيها فَضْلَ المُجاهِدِ عَلى غَيْرِهِ؛ إزالَةً لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا عاتَبَهم عَلى ما صَدَرَ مِنهم مِن قَتْلِ مَن تَكَلَّمَ بِالشَّهادَةِ ذَكَرَ عَقِيبَهُ فَضِيلَةَ الجِهادِ، كَأنَّهُ قِيلَ: مَن أتى بِالجِهادِ فَقَدْ فازَ بِهَذِهِ الدَّرَجَةِ العَظِيمَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، فَلْيَحْتَرِزْ صاحِبُها مِن تِلْكَ الهَفْوَةِ؛ لِئَلّا يُخِلَّ مَنصِبَهُ العَظِيمَ في الدِّينِ بِسَبَبِ هَذِهِ الهَفْوَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
(p-٧)المَسْألَةُ الأُولى: قُرِئَ ”غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ“ بِالحَرَكاتِ الثَّلاثِ في (غَيْرُ) فالرَّفْعُ: صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: (القاعِدُونَ) والمَعْنى: لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ المُغايِرُونَ لِأُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ﴾ [النُّورِ: ٣١] . وذَكَرْنا جَوازَ أنْ يَكُونَ (غَيْرِ) صِفَةَ المَعْرِفَةِ في قَوْلِهِ: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ﴾ [الفاتِحَةِ: ٧]، قالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (غَيْرُ) رَفْعًا عَلى جِهَةِ الِاسْتِثْناءِ، والمَعْنى لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ والمُجاهِدُونَ إلّا أُولِي الضَّرَرِ؛ فَإنَّهم يُساوُونَ المُجاهِدِينَ، أيِ الَّذِينَ أقْعَدَهم عَنِ الجِهادِ الضَّرَرُ، والكَلامُ في رَفْعِ المُسْتَثْنى بَعْدَ النَّفْيِ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ما فَعَلُوهُ إلّا قَلِيلٌ مِنهُمْ﴾ [النِّساءِ: ٦٦] .
وأمّا القِراءَةُ بِالنَّصْبِ فَفِيها وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِنَ القاعِدِينَ، والمَعْنى لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ إلّا أُولِي الضَّرَرِ، وهو اخْتِيارُ الأخْفَشِ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى الحالِ، والمَعْنى لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ في حالِ صِحَّتِهِمْ، والمُجاهِدُونَ، كَما تَقُولُ: جاءَنِي زَيْدٌ غَيْرَ مَرِيضٍ، أيْ جاءَنِي زَيْدٌ صَحِيحًا، وهَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ والفَرّاءِ، وكَقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائِدَةِ: ١] .
وأمّا القِراءَةُ بِالجَرِّ فَعَلى تَقْدِيرِ أنْ يُجْعَلَ (غَيْرُ) صِفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَهَذا بَيانُ الوُجُوهِ في هَذِهِ القِراءاتِ.
ثُمَّ هَهُنا بَحْثٌ آخَرُ: وهو أنَّ الأخْفَشَ قالَ: القِراءَةُ بِالنَّصْبِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِثْناءِ أوْلى؛ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنهُ اسْتِثْناءُ قَوْمٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلى الخُرُوجِ. رُوِيَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ «لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى فَضِيلَةَ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ جاءَ قَوْمٌ مِن أُولِي الضَّرَرِ، فَقالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: حالَتُنا كَما تَرى، ونَحْنُ نَشْتَهِي الجِهادَ، فَهَلْ لَنا مِن طَرِيقٍ ؟ فَنَزَلَ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ»﴾ فاسْتَثْناهُمُ اللَّهُ تَعالى مِن جُمْلَةِ القاعِدِينَ. وقالَ آخَرُونَ: القِراءَةُ بِالرَّفْعِ أوْلى؛ لِأنَّ الأصْلَ في كَلِمَةِ (غَيْرُ) أنْ تَكُونَ صِفَةً، ثُمَّ إنَّها وإنْ كانَتْ صِفَةً فالمَقْصُودُ والمَطْلُوبُ مِنَ الِاسْتِثْناءِ حاصِلٌ مِنها؛ لِأنَّها في كِلْتا الحالَتَيْنِ أخْرَجَتْ أُولِي الضَّرَرِ مِن تِلْكَ المَفْضُولِيَّةِ، وإذا كانَ هَذا المَقْصُودُ حاصِلًا عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ وكانَ الأصْلُ في كَلِمَةِ (غَيْرُ) أنْ تَكُونَ صِفَةً كانَتِ القِراءَةُ بِالرَّفْعِ أوْلى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الضَّرَرُ النُّقْصانُ، سَواءٌ كانَ بِالعَمى أوِ العَرَجِ أوِ المَرَضِ، أوْ كانَ بِسَبَبِ عَدَمِ الأُهْبَةِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: حاصِلُ الآيَةِ: لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ المُؤْمِنُونَ الأصِحّاءُ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ، واخْتَلَفُوا في أنَّ قَوْلَهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ هَلْ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ القاعِدِينَ الأضِرّاءَ يُساوُونَ المُجاهِدِينَ أمْ لا ؟ قالَ بَعْضُهم: إنَّهُ لا يَدُلُّ لِأنّا إنْ حَمَلْنا لَفْظَ (غَيْرُ) عَلى الصِّفَةِ وقُلْنا التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ لا يَدُلُّ عَلى نَفْيِ الحُكْمِ عَمّا عَداهُ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، وإنْ حَمَلْناهُ عَلى الِاسْتِثْناءِ، وقُلْنا: الِاسْتِثْناءُ مِنَ النَّفْيِ لَيْسَ بِإثْباتٍ لَمْ يَلْزَمْ أيْضًا ذَلِكَ، أمّا إذا حَمَلْناهُ عَلى الِاسْتِثْناءِ، وقُلْنا: الِاسْتِثْناءُ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ لَزِمَ القَوْلُ بِالمُساواةِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ المُساواةَ في حَقِّ الأضِرّاءِ عِنْدَ مَن يَقُولُ بِها مَشْرُوطَةٌ بِشَرْطٍ آخَرَ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ التَّوْبَةِ وهو قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى﴾ [التَّوْبَةِ: ٩١] إلى قَوْلِهِ: ﴿إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ٩١] .
واعْلَمْ أنَّ القَوْلَ بِهَذِهِ المُساواةِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ النَّقْلُ والعَقْلُ؛ أمّا النَّقْلُ «فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عِنْدَ انْصِرافِهِ مِن بَعْضِ غَزَواتِهِ: ”لَقَدْ خَلَّفْتُمْ بِالمَدِينَةِ أقْوامًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلّا كانُوا مَعَكم، أُولَئِكَ أقْوامٌ حَبَسَهُمُ العُذْرُ“» . وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«إذا مَرِضَ العَبْدُ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ اكْتُبُوا لِعَبْدِي ما كانَ يَعْمَلُهُ في الصِّحَّةِ إلى أنْ يَبْرَأ» “ .
وذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ (p-٨)﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التِّينِ: ٥، ٦] أنَّ مَن صارَ هَرِمًا كَتَبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ أجْرَ ما كانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ هَرَمِهِ، غَيْرَ مَنقُوصٍ مِن ذَلِكَ شَيْئًا.
وذَكَرُوا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«نِيَّةُ المُؤْمِنِ خَيْرٌ مِن عَمَلِهِ» “، أنَّ ما يَنْوِيهِ المُؤْمِنُ مِن دَوامِهِ عَلى الإيمانِ والأعْمالِ الصّالِحَةِ لَوْ بَقِيَ أبَدًا خَيْرٌ لَهُ مِن عَمَلِهِ الَّذِي أدْرَكَهُ في مُدَّةِ حَياتِهِ، وأمّا المَعْقُولُ فَهو: أنَّ المَقْصُودَ مِن جَمِيعِ الطّاعاتِ والعِباداتِ اسْتِنارَةُ القَلْبِ بِنُورِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى، فَإنْ حَصَلَ الِاسْتِواءُ فِيهِ لِلْمُجاهِدِ والقاعِدِ فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِواءُ في الثَّوابِ، وإنْ كانَ القاعِدُ أكْثَرَ حَظًّا مِن هَذا الِاسْتِغْراقِ كانَ هو أكْثَرَ ثَوابًا.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ١١١] . فَقَدَّمَ ذِكْرَ النَّفْسِ عَلى المالِ، وفي الآيَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيها، وهي قَوْلُهُ: ﴿والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ قَدَّمَ ذِكْرَ المالِ عَلى النَّفْسِ، فَما السَّبَبُ فِيهِ ؟ .
وجَوابُهُ: أنَّ النَّفْسَ أشْرَفُ مِنَ المالِ، فالمُشْتَرِي قَدَّمَ ذِكْرَ النَّفْسِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الرَّغْبَةَ فِيها أشَدُّ، والبائِعُ أخَّرَ ذِكْرَها تَنْبِيهًا عَلى أنَّ المُضايَقَةَ فِيها أشَدُّ، فَلا يَرْضى بِبَذْلِها إلّا في آخِرِ المَراتِبِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ المُجاهِدِينَ والقاعِدِينَ لا يَسْتَوِيانِ، ثُمَّ إنَّ عَدَمَ الِاسْتِواءِ يَحْتَمِلُ الزِّيادَةَ ويَحْتَمِلُ النُّقْصانَ، لا جَرَمَ كَشَفَ تَعالى عَنْهُ فَقالَ: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ [النساء: ٩٥]، وفي انْتِصابِ قَوْلِهِ (دَرَجَةً) وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يُحْذَفُ الجارُّ، والتَّقْدِيرُ: بِدَرَجَةٍ فَلَمّا حُذِفَ الجارُّ وُصِلَ الفِعْلُ فَعَمِلَ.
الثّانِي: قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) أيْ فَضِيلَةً، والتَّقْدِيرُ: وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ فَضِيلَةً، كَما يُقالُ: زَيْدٌ أكْرَمَ عَمْرًا إكْرامًا، والفائِدَةُ في التَّنْكِيرِ والتَّفْخِيمِ.
الثّالِثُ: قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) نُصِبَ عَلى التَّمْيِيزِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ أيْ: وكُلًّا مِنَ القاعِدِينَ والمُجاهِدِينَ فَقَدْ وعَدَهُ اللَّهُ الحُسْنى، قالَ الفُقَهاءُ: وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ فَرْضَ الجِهادِ عَلى الكِفايَةِ، ولَيْسَ عَلى كُلِّ واحِدٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأنَّهُ تَعالى وعَدَ القاعِدِينَ الحُسْنى كَما وعَدَ المُجاهِدِينَ، ولَوْ كانَ الجِهادُ واجِبًا عَلى التَّعْيِينِ لَما كانَ القاعِدُ أهْلًا لِوَعْدِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ الحُسْنى.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في انْتِصابِ قَوْلِهِ: (أجْرًا) وجْهانِ:
الأوَّلُ: انْتَصَبَ بِقَوْلِهِ: (وفَضَّلَ)؛ لِأنَّهُ في مَعْنى قَوْلِهِمْ: آجَرَهم أجْرًا، ثُمَّ قَوْلُهُ: ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: (أجْرًا) .
الثّانِي: انْتَصَبَ عَلى التَّمْيِيزِ و(دَرَجاتٍ) عَطْفُ بَيانٍ ﴿ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً﴾ مَعْطُوفانِ عَلى ”دَرَجاتٍ“ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أوَّلًا دَرَجَةً، وهَهُنا دَرَجاتٍ، وجَوابُهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: المُرادُ بِالدَّرَجَةِ لَيْسَ هو الدَّرَجَةَ الواحِدَةَ بِالعَدَدِ، بَلْ بِالجِنْسِ، والواحِدُ بِالجِنْسِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الكَثِيرُ بِالنَّوْعِ، وذَلِكَ هو الأجْرُ العَظِيمُ، والدَّرَجاتُ الرَّفِيعَةُ في الجَنَّةِ المَغْفِرَةُ والرَّحْمَةُ.
الثّانِي: أنَّ المُجاهِدَ أفْضَلُ مِنَ القاعِدِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الأضِرّاءِ بِدَرَجَةٍ، ومِنَ القاعِدِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الأصِحّاءِ بِدَرَجاتٍ، وهَذا الجَوابُ إنَّما يَتَمَشّى إذا قُلْنا بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ لا يُوجِبُ حُصُولَ المُساواةِ بَيْنَ المُجاهِدِينَ وبَيْنَ القاعِدِينَ الأضِرّاءِ.
(p-٩)الثّالِثُ: فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ في الدُّنْيا بِدَرَجَةٍ واحِدَةٍ وهي الغَنِيمَةُ، وفي الآخِرَةِ بِدَرَجاتٍ كَثِيرَةٍ في الجَنَّةِ بِالفَضْلِ والرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ.
الرّابِعُ: قالَ في أوَّلِ الآيَةِ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن هَذا المُجاهِدِ هو المُجاهِدَ بِالمالِ والنَّفْسِ فَقَطْ، وإلّا حَصَلَ التَّكْرارُ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ: مَن كانَ مُجاهِدًا عَلى الإطْلاقِ في كُلِّ الأُمُورِ، أعْنِي في عَمَلِ الظّاهِرِ، وهو الجِهادُ بِالنَّفْسِ والمالِ والقَلْبِ وهو أشْرَفُ أنْواعِ المُجاهَدَةِ، كَما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ» “ . وحاصِلُ هَذا الجِهادِ صَرْفُ القَلْبِ مِنَ الِالتِفاتِ إلى غَيْرِ اللَّهِ، إلى الِاسْتِغْراقِ في طاعَةِ اللَّهِ، ولَمّا كانَ هَذا المَقامُ أعْلى مِمّا قَبْلَهُ لا جَرَمَ جَعَلَ فَضِيلَةَ الأوَّلِ دَرَجَةً، وفَضِيلَةَ هَذا الثّانِي دَرَجاتٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَتِ الشِّيعَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أفْضَلُ مِن أبِي بَكْرٍ؛ وذَلِكَ لِأنَّ عَلِيًّا كانَ أكْثَرَ جِهادًا، فالقَدْرُ الَّذِي فِيهِ حُصُولُ التَّفاوُتُ كانَ أبُو بَكْرٍ مِنَ القاعِدِينَ فِيهِ، وعَلِيٌّ مِنَ القائِمِينَ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أفْضَلَ مِنهُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ . فَيُقالُ لَهم: إنَّ مُباشَرَةَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لِقَتْلِ الكُفّارِ كانَتْ أكْثَرَ مِن مُباشَرَةِ الرَّسُولِ لِذَلِكَ، فَيَلْزَمُكم بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ أنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أفْضَلَ مِن مُحَمَّدٍ ﷺ، وهَذا لا يَقُولُهُ عاقِلٌ.
فَإنْ قُلْتُمْ: إنَّ مُجاهَدَةَ الرَّسُولِ مَعَ الكُفّارِ كانَتْ أعْظَمَ مِن مُجاهَدَةِ عَلِيٍّ مَعَهم؛ لِأنَّ الرَّسُولَ ﷺ كانَ يُجاهِدُ الكُفّارَ بِتَقْرِيرِ الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ وإزالَةِ الشُّبُهاتِ والضَّلالاتِ، وهَذا الجِهادُ أكْمَلُ مِن ذَلِكَ الجِهادِ، فَنَقُولُ: فاقْبَلُوا مِنّا مِثْلَهُ في حَقِّ أبِي بَكْرٍ، وذَلِكَ أنَّ أبا بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمّا أسْلَمَ في أوَّلِ الأمْرِ سَعى في إسْلامِ سائِرِ النّاسِ، حَتّى أسْلَمَ عَلى يَدِهِ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ، وطَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، وسَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وعُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وكانَ يُبالِغُ في تَرْغِيبِ النّاسِ في الإيمانِ وفي الذَّبِّ عَنْ مُحَمَّدٍ ﷺ بِنَفْسِهِ وبِمالِهِ، وعَلِيٌّ في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ صَبِيًّا ما كانَ أحَدٌ يُسَلِّمُ بِقَوْلِهِ، وما كانَ قادِرًا عَلى الذَّبِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَكانَ جِهادُ أبِي بَكْرٍ أفْضَلَ مِن جِهادِ عَلِيٍّ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ جِهادَ أبِي بَكْرٍ كانَ في أوَّلِ الأمْرِ حِينَ كانَ الإسْلامُ في غايَةِ الضَّعْفِ، وأمّا جِهادُ عَلِيٍّ فَإنَّما ظَهَرَ في المَدِينَةِ في الغَزَواتِ، وكانَ الإسْلامُ في ذَلِكَ الوَقْتِ قَوِيًّا.
والثّانِي: أنَّ جِهادَ أبِي بَكْرٍ كانَ بِالدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ، وأكْثَرُ أفاضِلِ العَشَرَةِ إنَّما أسْلَمُوا عَلى يَدِهِ، وهَذا النَّوْعُ مِنَ الجِهادِ هو حِرْفَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأمّا جِهادُ عَلِيٍّ فَإنَّما كانَ بِالقَتْلِ، ولا شَكَّ أنَّ الأوَّلَ أفْضَلُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ نَعِيمَ الجَنَّةِ لا يُنالُ إلّا بِالعَمَلِ؛ لِأنَّ التَّفاوُتَ في العَمَلِ لَمّا أوْجَبَ التَّفاوُتَ في الثَّوابِ والفَضِيلَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ عِلَّةَ الثَّوابِ هو العَمَلُ، وأيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنِ العَمَلُ مُوجِبًا لِلثَّوابِ لَكانَ الثَّوابُ هِبَةً لا أجْرًا، لَكِنَّهُ تَعالى سَمّاهُ أجْرًا، فَبَطَلَ القَوْلُ بِذَلِكَ، فَيُقالُ لَهم: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: العَمَلُ عِلَّةُ الثَّوابِ لَكِنْ لا لِذاتِهِ، بَلْ يَجْعَلُ الشّارِعُ ذَلِكَ العَمَلَ مُوجِبًا لَهُ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَتِ الشّافِعِيَّةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الِاشْتِغالَ بِالنَّوافِلِ أفْضَلُ مِنَ الِاشْتِغالِ بِالنِّكاحِ، لِأنّا بَيَّنّا أنَّ الجِهادَ فَرْضٌ عَلى الكِفايَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ ولَوْ كانَ الجِهادُ مِن فُرُوضِ الأعْيانِ لَما كانَ القاعِدُ عَنِ الجِهادِ مَوْعُودًا مِن عِنْدِ اللَّهِ بِالحُسْنى.
إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إذا قامَتْ طائِفَةٌ بِالجِهادِ سَقَطَ الفَرْضُ عَنِ الباقِينَ، فَلَوْ أقْدَمُوا عَلَيْهِ كانَ ذَلِكَ مِنَ النَّوافِلِ لا مَحالَةَ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ يَتَناوَلُ جَمِيعَ المُجاهِدِينَ (p-١٠)سَواءٌ كانَ جِهادُهُ واجِبًا أوْ مَندُوبًا، والمُشْتَغِلُ بِالنِّكاحِ قاعِدٌ عَنِ الجِهادِ، فَثَبَتَ أنَّ الِاشْتِغالَ بِالجِهادِ المَندُوبِ أفَضْلُ مِنَ الِاشْتِغالِ بِالنِّكاحِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":94,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا","لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ دَرَجَةࣰۚ وَكُلࣰّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ أَجۡرًا عَظِیمࣰا","دَرَجَـٰتࣲ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق