الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللهِ عَلَيْكم فَتَبَيَّنُوا إنَّ اللهِ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
(p-٦٣٥)تَقُولُ العَرَبُ: "ضَرَبْتُ في الأرْضِ" إذا سِرْتَ لِتِجارَةٍ أو غَزْوٍ أو غَيْرِهِ مُقْتَرِنَةً بِـ "فِي"، وتَقُولُ: "ضَرَبْتُ الأرْضَ" دُونَ "فِي" إذا قَصَدْتَ قَضاءَ حاجَةِ الإنْسانِ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "لا يَخْرُجِ الرَجُلانِ يَضْرِبانِ الغائِطَ يَتَحَدَّثانِ كاشِفَيْنِ عن فَرْجَيْهِما فَإنَّ اللهَ يَمْقُتُ عَلى ذَلِكَ".»
وسَبَبُ هَذِهِ الآيَةِ «أنَّ سَرِيَّةً مِن سَرايا رَسُولِ اللهِ لَقِيَتْ رَجُلًا لَهُ جَمَلٌ ومَتِيعٌ، وقِيلَ: غَنِيمَةٌ، فَسَلَّمَ عَلى القَوْمِ وقالَ: لا إلَهَ إلّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أحَدُهم فَقَتَلَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى رَسُولِ اللهِ ونَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِ.»
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في تَعْيِينِ القاتِلِ والمَقْتُولِ في هَذِهِ النازِلَةِ -فالَّذِي عَلَيْهِ الأكْثَرُ- وهو في سِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ، وفي مُصَنَّفِ أبِي داوُدَ، وغَيْرِهِما: أنَّ القاتِلَ: مُحَلِّمُ بْنُ جَثّامَةَ، والمَقْتُولَ: عامِرُ بْنُ الأضْبَطِ. والحَدِيثُ بِكَمالِهِ في "المُصَنَّفِ" لِأبِي داوُدَ، وفي السِيَرِ، وفي الِاسْتِيعابِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القاتِلُ: أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، والمَقْتُولُ: مِرْداسُ بْنُ نَهْيِكٍ الغَطَفانِيُّ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القاتِلُ: أبُو (p-٦٣٦)قَتادَةَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القاتِلُ: غالِبٌ اللَيْثِيُّ، والمَقْتُولُ مِرْداسٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القاتِلُ هو أبُو الدَرْداءِ، ولا خِلافَ أنَّ الَّذِي لَفِظَتْهُ الأرْضُ حِينَ ماتَ هو مُحَلِّمُ بْنُ جَثّامَةَ.
وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ "فَتَبَيَّنُوا" وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "فَتَثَبَّتُوا" بِالثاءِ مُثَلَّثَةً في المَوْضِعَيْنِ وفي [الحُجُراتِ]. وقالَ قَوْمٌ: "تَبَيَّنُوا" أبْلَغُ وأشَدُّ مِن "تَثَبَّتُوا"، لِأنَّ المُتَثَبِّتَ قَدْ لا يَتَبَيَّنُ، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: هُما مُتَقارِبانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والصَحِيحُ ما قالَ أبُو عُبَيْدٍ، لِأنَّ تَبَيُّنَ الرَجُلِ لا يَقْتَضِي أنَّ الشَيْءَ بانَ لَهُ، بَلْ يَقْتَضِي مُحاوَلَةَ اليَقِينِ، كَما أنَّ تَثَبَّتَ تَقْتَضِي مُحاوَلَةَ اليَقِينِ، فَهُما سَواءٌ.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وابْنُ كَثِيرٍ في بَعْضِ طُرُقِهِ: "السَلَمَ" بِتَشْدِيدِ السِينِ وفَتْحِهِ وفَتْحِ اللامِ، ومَعْناهُ: الِاسْتِسْلامُ، أيْ: ألْقى بِيَدِهِ واسْتَسْلَمَ لَكُمْ، وأظْهَرَ دَعْوَتَكُمْ، وقَرَأ بَقِيَّةُ السَبْعَةِ: "السَلامَ"، يَقُولُ: سَلَّمَ ذَلِكَ المَقْتُولُ عَلى السَرِيَّةِ، لِأنَّ سَلامَهُ بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ مُؤْذِنٌ بِطاعَتِهِ وانْقِيادِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ الِانْحِيازُ والتَرْكُ، قالَ الأخْفَشُ، يُقالُ: "فُلانٌ سَلامٌ" إذا كانَ لا يُخالِطُ أحَدًا، ورُوِيَ في بَعْضِ طُرُقِ عاصِمٍ: "السِلْمَ" بِكَسْرِ السِينِ وشَدِّهِ وسُكُونِ اللامِ، وهو الصُلْحُ، والمَعْنى المُرادُ بِهَذِهِ الثَلاثَةِ يَتَقارَبُ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: "السَلْمَ" بِفَتْحِ السِينِ وسُكُونِ اللامِ.
والعَرَضُ: هو المَتِيعُ والجَمَلُ، أوِ الغَنِيمَةُ الَّتِي كانَتْ لِلرَّجُلِ المَقْتُولِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ، وأبُو حَمْزَةَ، واليَمانِيُّ: "لَسْتَ مُؤْمَنًا" بِفَتْحِ المِيمِ، أيْ: لَسْنا نُؤَمِّنُكَ في نَفْسِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ عِدَةٌ بِما يَأْتِي بِهِ اللهُ عَلى وجْهِهِ، ومِن حِلِّهِ دُونَ ارْتِكابِ مَحْظُورٍ، أيْ: فَلا تَتَهافَتُوا.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾، فَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعْناهُ: كُنْتُمْ مُسْتَخْفِينَ مِن قَوْمِكم بِإسْلامِكُمْ، خائِفِينَ مِنهم عَلى أنْفُسِكُمْ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكم بِإعْزازِ دِينِكُمْ، وإظْهارِ شَرِيعَتِكم. فَهو الآنَ كَذَلِكَ، كُلُّ واحِدٍ مِنهم خائِفٌ مِن قَوْمِهِ، مُتَرَبِّصٌ أنْ يَصِلَ إلَيْكُمْ، فَلَمْ يَصْلُحْ إذا وصَلَ أنْ تَقْتُلُوهُ حَتّى تَتَبَيَّنُوا أمْرَهُ. وقالَ (p-٦٣٧)ابْنُ زَيْدٍ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ كَفَرَةً، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكم بِأنْ أسْلَمْتُمْ، فَلا تُنْكِرُوا أنْ يَكُونَ هو كافِرًا ثُمَّ يُسْلِمَ لِحِينِهِ حِينَ لَقِيَكُمْ، فَيَجِبُ أنْ يُتَثَبَّتَ في أمْرِهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى إشارَةً بِـ "ذَلِكَ" إلى القَتْلِ قَبْلَ التَثَبُّتِ، أيْ: عَلى هَذِهِ الحالِ كُنْتُمْ في جاهِلِيَّتِكم لا تَتَثَبَّتُونَ، حَتّى جاءَ اللهُ بِالإسْلامِ، ومَنَّ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ وكَّدَ تَبارَكَ وتَعالى الوَصِيَّةَ بِالتَبَيُّنِ، وأعْلَمَ أنَّهُ خَبِيرٌ بِما يَعْمَلُهُ العِبادُ، وذَلِكَ مِنهُ خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ تَحْذِيرًا مِنهُ تَعالى، لِأنَّ المَعْنى إنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا، فاحْفَظُوا نُفُوسَكُمْ، وجَنِّبُوا الزَلَلَ المُوبِقَ بِكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق