الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسادًا أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِن خِلافٍ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: ٣٣ ـ ٣٤].
بعدَما ذكَرَ اللهُ قصةَ ابنَيْ آدمَ، وأنّ عُدْوانَ الفردِ إنْ تعدّى، اتَّخَذَهُ الناسُ حِرابةً فمِن قتلِ الفردِ إلى قتلِ الجماعةِ، جعَلَ حدودًا للفسادِ، وذلك ببيانِ عاقبةِ القاتلِ والمحارِبِ في الآخِرةِ وبيانِ حَدِّهِ في الدُّنيا، وفي ترتيبِ الآيةِ بعدَ الآياتِ السابقةِ: أنّ اللهَ حَدَّ الحدودَ وشرَعَ العقوباتِ بسببِ مخالَفةِ بني آدمَ، ولولا فسادُهم ومخالفتُهم، ما كلَّفَهم ذلك، فقد ذكَرَ اللهُ بدايةً فتنةَ القتلِ وخطورتَهُ ووقوعَه، ثمَّ بيَّنَ عِقابَهُ وحَدَّهُ لرَدْعِه.
الحِرابةُ ومعناها ونزولُ حُكْمِها:
والمُحارَبةُ مِن المُفاعَلةِ، وتكونُ مِن طرَفَيْنِ كالمُقاتَلةِ، وكأنّ المحارِبَ يَستعدِي غيرَهُ ليفعَلَ مِثلَه، فيَقتتِلَ الطرَفانِ، فتُزهَقَ الأرواحُ وتفسُدَ الأموالُ، ويَحْمِلُ إثمَ الطرَفَيْنِ مَن تسبَّبَ في ذلك، وهو أوَّلُهم.
ولا يَلزَمُ مِن المُحارَبةِ القتلُ، وإنّما أخذُ الأموالِ وسَلْبُها وتخويفُ السائِرِينَ مِن الحِرابةِ، ولذا قال: ﴿ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسادًا﴾.
وجاء الخبرُ: أنّ هذه الآيةَ نزَلتْ في أهلِ الكتابِ، وجاء الخبرُ: أنّها نزَلتْ في المُحارِبِينَ ممَّن ارتَدَّ مِن المُسلِمينَ، فقطَعَ الطريقَ وأخافَ الآمِنينَ، وجاء الخبرُ: أنّها في كلِّ مُحارِبٍ قاطعٍ للطريقِ مُسلِمًا مبتدِعًا أو كافِرًا.
ونزولُها فيمَن ارتَدَّ مِن المُسلِمينَ وقطَعَ الطريقَ وأخافَ الآمِنَ أصحُّ وأشهَرُ.
فأمّا نزولُها في أهلِ الكتابِ، فقد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ أنّ هذه الآيةَ نزَلتْ في أهلِ كتابٍ عاهَدُوا النبيَّ ﷺ، ونقَضُوا عهدَهُ وأفسَدُوا في الأرضِ، فخيَّرَ اللهُ رسولَهُ ﷺ: إنْ شاء أن يقتُلَ، وإن شاء أن يقطَعَ أيديَهم وأرجُلَهم مِن خلافٍ، رواهُ ابنُ جريرٍ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٦٠).]].
ورُوِيَ هذا عن الضحّاكِ وغيرِه[[المرجع السابق.]].
ورَوى عِكْرِمةُ، عن ابنِ عبّاسٍ، أنّها نزَلتْ في المُشرِكينَ، كما رواهُ عنه أبو داودَ والنَّسائيُّ[[أخرجه أبو داود (٤٣٧٢) (٤ /١٣٢)، والنسائي (٤٠٤٦) (٧ /١٠١).]].
وأمّا نزولُها في الحَرُورِيَّةِ وكلِّ مُبتدِعٍ مِن المُسلِمينَ حارَبَ المؤمِنينَ، فقد جاء عن سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ، فقد رَوى مُصعبُ بنُ سعدٍ، عن أبيهِ، أنّ الآيةَ نزَلتْ في الحَرُورِيَّةِ، رواهُ ابنُ مَرْدَوَيْهِ[[«تفسير ابن كثير» (٣ /٩٥).]]، ومرادُ سعدٍ: أنّ الحَروريَّةَ دخَلُوا في هذا الحُكْمِ، ولم يكنْ يُطلَقُ على أحدٍ حَروريَّةٌ زمنَ النبيِّ ﷺ.
وحمَلَ هذه الآيةَ على المُحارِبِ المُسلِمِ الجمهورُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ، وسببُ النزولِ في المُرتدِّ لا يعني عدمَ دخولِ المسلِمِ المُذْنِبِ فيها.
وأمّا نزولُها فيمَنِ ارتَدَّ وقطَعَ السبيلَ، فهذا الأشهَرُ والأصحُّ، وقد أخرَجَ الحديثَ الشيخانِ وأصحابُ الأصولِ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، أنّ نَفَرًا مِن عُكْلٍ ثَمانِيَةً، قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَبايَعُوهُ عَلى الإسْلامِ، فاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ، وسَقِمَتْ أجْسامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ: (ألا تَخْرُجُونَ مَعَ راعِينا فِي إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِن أبْوالِها وأَلْبانِها)، فَقالُوا: بَلى، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِن أبْوالِها وأَلْبانِها، فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرّاعِيَ وطَرَدُوا الإبِلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَبَعَثَ فِي آثارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ، فَقُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ، وسَمَرَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتّى ماتُوا[[أخرجه البخاري (٦٨٩٩) (٩ /٩)، ومسلم (١٦٧١) (٣ /١٢٩٦).]].
هذا لفظُ مسلمٍ، وفي لفظٍ لهما: «مِن عُكْلٍ، أوْ عُرَيْنَةَ»[[أخرجه البخاري (٢٣٣) (١ /٥٦)، ومسلم (١٦٧١) (٣ /١٢٩٧).]]، وفي لفظٍ: «وأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلا يُسْقَوْنَ»[[أخرجه البخاري (٢٣٣) (١ /٥٦)، ومسلم (١٦٧١) (٣ /١٢٩٧).]].
وفي البخاريِّ عن أبي قِلابَةَ، قال: «سَرَقُوا وقَتَلُوا، وكَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ»[[أخرجه البخاري (٢٣٣) (١ /٥٦)، و(٦٨٠٥) (٨ /١٦٣).]].
وعندَ مسلمٍ عن أنسٍ، قال: «وارْتَدُّوا»[[أخرجه مسلم (١٦٧١) (٣ /١٢٩٦).]].
وقد ترَكَ النبيُّ ﷺ سَمْلَ الأَعْيُنِ بعدُ، كما جاء مِن حديثِ أبي هريرةَ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٨٥٤١) (١٠ /١٠٧).]].
واختلافُ العلماءِ في سببِ النزولِ لا يُخرِجُ المُحارِبَ المُسْلِمَ مِن الحدِّ والعقوبةِ بلا خلافٍ.
حديثُ العُرَنِيِّينَ:
وقد اختلَفَ العلماءُ في الحُكْمِ الواردِ في حديثِ العُرَنِيِّينَ: هل نُسِخَ أو ما زال مُحْكَمًا؟:
فمنهم مَن قال بنسخِهِ:
ومَن قال بنسخِهِ، منهم: مَن جعَلَ الناسخَ هذه الآيةَ، إذْ جعَلَ اللهُ حُكْمَ المحارِبِ وقاطِعِ الطريقِ القتلَ أو الصَّلْبَ أو تقطيعَ الأيدِي والأرجُلِ مِن خلافٍ أو أنْ يُنفَوْا مِن الأرضِ.
وممَّن قال بالنسخِ: مَن جعَلَ الناسخَ هو نهيَ النبيِّ ﷺ عن المُثْلَةِ، وأنّ اللهَ عاتَبَهُ على ما فعَلَ، وقال بهذا أبو الزِّنادِ كما رواهُ أبو داودَ[[أخرجه أبو داود (٤٣٧٠) (٤ /١٣١)، والنسائي (٤٠٤٢) (٧ /١٠٠).]]، ولا دليلَ على النسخ بالمُثْلةِ، إذْ لا دليلَ صريحًا يَعضُدُهُ.
ومِن السلفِ ـ كابنِ سِيرِينَ ـ مَن جعَلَ فِعْلَ النبيِّ ﷺ بالعُرَنيِّينَ كان قبلَ فرضِ الحدودِ[[أخرجه البخاري (٥٦٨٦) (٧ /١٢٣).]]، واستُدرِكَ: بأنّ جريرَ بنَ عبدِ اللهِ روى قصةَ العُرنيِّينَ، وإسلامُهُ متأخِّرٌ بعدَ المائدةِ.
ومنهم مَن قال: بإحكامِ حُكْمِ النبيِّ ﷺ في العُرَنيِّينَ، وهذا قولُ الأكثرِ، كمالكٍ والشافعيِّ وغيرِهما، وأمّا سَمْلُ الأَعْيُنِ: فإنّما فعَلَ النبيُّ ﷺ ذلك قِصاصًا، لأنّ العُرنيِّينَ سَمَلُوا أعْيُنَ الرُّعاةِ، كما ثبَتَ في مسلمٍ، عن أنسٍ، قال: «إنَّما سَمَلَ النَّبِيُّ ﷺ أعْيُنَ أُولَئِكَ، لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أعْيُنَ الرِّعاءِ»[[أخرجه مسلم (١٦٧١) (٣ /١٢٩٨).]].
الحِرابةُ في الحضرِ والسفرِ:
ولا يَلزَمُ في المُحارِبِ أنْ يكونَ في فَلاةٍ، وإنّما قطعُ الطريقِ، وتخويفُ الآمِنِ، وخَطْفُهُ وسَلْبُه، ولو كان في حَضَرٍ وفي بَلَدٍ معمورةٍ، فحُكْمُهُ واحدٌ عندَ جمهورِ العلماءِ، نصَّ عليه السلفُ، كمجاهدٍ وغيرِه، وقال به مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ.
خلافًا لأبي حنيفةَ، فقد جعَلَ الحِرابَةَ في الفَلاةِ، لا في المدينةِ المعمورةِ.
وهذا القيدُ فيه نظرٌ، لعمومِ الآيةِ وعمومِ العِلَّةِ، فيجبُ أنْ يَعُمَّ الحُكْمُ، بل إنّ تخويفَ الآمِنِ وسَلْبَهُ وخَطْفَهُ في الحلِّ والحَضَرِ أعظَمُ على الناسِ مِن كونِهِ خارجَ المِصْرِ في السفرِ أو غيرِه، لأنّ المسافرَ يَقْدِرُ على الحِيطةِ بالسفرِ نهارًا وبسلاحٍ ورُفْقةٍ، وأمّا في الحلِّ، فالأصلُ عدمُ الاحتياطِ، والاحتياطُ مِن هذا شاقٌّ، وقطعُ السبيلِ في الحَضَرِ وتخويفُ الناسِ أشَدُّ في تحقُّقِ الإفسادِ مِن السفرِ.
ومَن تأمَّلَ كلامَ السلفِ، وجَدَ أنّهم لا يُقيِّدونَ ذلك بالسفرِ، وإنّما غلَبَ استعمالُ ألفاظٍ تُوهِمُ السفرَ، لأنّ عادةَ المُحارِبينَ البُعْدُ عن المدنِ خوفَ الغوثِ والنُّصْرةِ واللَّحاقِ بهم، وكلامُهم تعليقٌ للحالِ بالأغلبِ.
واشترَطَ الشافعيُّ في الحِرابةِ في المِصْرِ والبلدِ: أنْ يكونَ للمحارِبةِ شوكةٌ تَقهَرُ مع انقطاعِ الغوثِ، وهذا المعنى صحيحٌ، فإنّه لا يُتصوَّرُ خوفُ مَن أُخِذَ مالُهُ مِن جيبِه في السوقِ أو في طريقِ الناسِ.
قصدُ التخويفِ في الحِرابةِ:
ولا يُشترَطُ في الحِرابةِ السلاحُ، فإنّ الخوفَ يتحقَّقُ بقطعِ الطريقِ والخطفِ وما يَتْبَعُ ذلك مِن مَظِنَّةِ الخنقِ أو الضربِ أو الحرقِ، وإنّما الشرطُ الذي يتحقَّقُ معه وصفُ الحِرابةِ: القوةُ والقهرُ.
واشترَطَ السلاحَ أبو حنيفةَ خلافًا لجمهورِ العلماءِ.
حُكْم المحارِبِ:
وقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِن خِلافٍ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾:
وحُكْمُ المحارِبِ كما في الآيةِ، وجاءتْ على التخييرِ ابتداءً بالأشدِّ، وهو القتلُ والصَّلْبُ، وتوسُّطًا بالقطعِ، وانتهاءً بالأخَفِّ، وهو النفيُ مِن الأرضِ، يعني: الإبعادَ مِن أرضِ أهلِه، ليَغترِبَ عنهم، وهذا مِن عقوبةِ النفسِ والمعنى، وما قبلَهُ عقوبةُ الحِسِّ.
ولا يَختلِفُ السلفُ: أنّ الحِرابةَ إن كان فيها قتلٌ أنّ المُحارِبَ يُقتَلُ، واختلَفَ كلامُهم في الصَّلبِ:
فمنهم مَن جعَلَ الصلبَ لازمًا مع كلِّ مَن قتَلَ حِرابةً ولو لم يكنْ معه أخذُ مالٍ، وهذا قال به النخَعيُّ في أحدِ قولَيْه.
ومنـهم مَن أضافَ للقتلِ أخذَ المالِ ليكونَ الصلبُ، رُوِيَ هذا عن ابنِ عبّاسٍ وعطاءٍ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ وأبي مِجْلَزٍ لاحِقِ بنِ حُمَيْدٍ وقتادةَ والنخَعيِّ في قولٍ له آخَرَ.
قطعُ المحارِبِ:
واتَّفَقَ قولُ السلفِ: أنّ القطعَ يكونُ لِمَن قطَعَ الطريقَ وأخَذَ المالَ.
وجاء عن ابنِ جُبيرٍ أنّه قد تَجتمِعُ على المُحارِبِ الحدودُ الثلاثةُ: القطعُ والقتلُ والصلبُ، إنْ جمَعَ التخويفَ وأخْذَ المالِ والقتلَ، فيُقطَعُ ثمَّ يُقتَلُ ثمَّ يُصلَبُ.
وما عدا إيجابَ القتلِ على مَن قتَلَ حِرابةً، والقطعِ على مَن أخَذَ المالَ ـ اجتهادٌ مِن السلفِ، ولهذا تنوَّعَ قولُهُمْ، وإنّما اختلَفَ كلامُهم فيه، لا في أصلِ المسألةِ، لاختلافِ الحالِ التي كان حديثُ الواحدِ منهم عليها، فقد يكونُ القتلُ في أخذِ المالِ فقطْ أو التخويفِ فقطْ إذا عظُمَ أثرُهُ، ولكنْ لا يكونُ النفيُ أو القطعُ فقطْ في حِرابةٍ فيها قتلٌ، ولا يكونُ النفيُ فقطْ في حِرابةٍ فيها أخذُ مالٍ.
اختلافُ أحوالِ المحارِبينَ:
وقد جاء الحُكْمُ على التخييرِ، لاختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ، والزمانِ والمكانِ، فمنها ما يحتاجُ إلى التشديدِ، ومنها ما لا يحتاجُ إليه، فقد تتَّفقُ الصورةُ الواحدةُ في الظاهرِ، ويختلفُ الحُكْمُ، لاختلافِ الحالِ أو الأشخاصِ أو الزمانِ، ولذا جاء عن جماعةٍ مِن السلفِ إطلاقُ تخييرِ الإمامِ، رُوِيَ هذا عن ابنِ عبّاسٍ وابنِ المسيَّبِ وعطاءٍ ومجاهِدٍ والنخَعيِّ والحسنِ، مع أنّ منهم مَن جَزَمَ بنوعٍ مِن الحدودِ على نوعٍ مِن المُحارَبةِ على ما سبَقَ، وذلك لأنّ مِن الحِرابةِ ما يختلِفُ، فيُلحَقُ وهو أدْنى بالأَعْلى، وقد يُخفَّفُ الأعلى لمصلحةٍ عامَّةٍ، كتركِ الصلبِ وإنفاذِ القتلِ في القاتلِ مُحارَبةً، ومنها ما لا يُترَكُ على قولِهم بحالٍ كمَن قتَلَ مُحارَبةً فلا يَختلِفونَ في عدمِ سقوطِ القَوَدِ، وما للحاكمِ هو إسقاطُ صَلْبِه، وإنّما تنوَّعَ كلامُهم ذلك للاعتباراتِ السابقةِ، وهي اختلافُ الأحوالِ والأشخاصِ، والزمانِ والمكانِ:
فأمّا اختلافُ الأحوالِ: فإنّ المحارَبةَ على مراتِبَ، منها ما يكونُ معه قتلٌ وانتهاكُ عِرْضٍ، ومنها ما يكونُ فيه خطفٌ وأخذُ مالٍ، ومنها ما يكونُ فيه التخويفُ وأخذُ المالِ، ومنها ما يكونُ تخويفًا بلا أخذِ مالٍ ولا غيرِه، والتخويفُ على درجاتٍ، وأشَدُّها يكونُ فيه الأخذُ بأشَدِّ الأحكامِ، وهو القتلُ والصلبُ، وكلَّما خَفَّتِ الحالُ خَفَّ الحُكْمُ.
وقد يكونُ أثرُ بعضِ الأحوالِ أشدَّ مِن غيرِه، كشيوعِ خبرِ الحِرابةِ وخوفِ الناسِ منها، لتداوُلِ الناسِ لها في مَجالسِهم وإعلامِهم، فالعقوبةُ فيها أشَدُّ مِن حِرابةٍ مستورةٍ غيرِ متعدِّيةٍ، لأنّ المقصودَ مِن إلحاقِ الحقِّ في حدِّ الحِرابةِ بالحاكمِ أنّ فيها مصلحةَ الناسِ عامَّةً، لا مصلحةَ المجنيِّ عليهم خاصَّةً.
وأمّا اختلافُ الأشخاصِ: فالمرادُ بذلك اختلافُ شخصِ المحارِبِ وشخصِ المحارَبِ، فإنْ كان المحارِبُ له سابقةُ حربٍ وتخويفٍ وشرٍّ، فهذا يَستحقُّ التشديدَ عليه، بمقدارِ ما يَغلِبُ على الظنِّ ردعُهُ وردعُ مَن يُماثِلُه، فقد يُشدَّدُ على محارِبٍ أخافَ أشَدَّ مِن محارِبٍ أخافَ وسلَبَ المالَ، لأنّ الأولَ اعتادَ تخويفَ الناسِ وترهيبَهم، والثاني لم يَسبِقْ له سابقةُ شرٍّ.
ومِن الأشخاصِ المُحارِبِينَ مَن يَظهَرُ عنادُهُ وإصرارُهُ على شرِّهِ وعدمُ توبتِهِ وندمِه، فهذا يُشدَّدُ عليه ولو كانتْ حِرابتُهُ مُخفَّفةً، أو وقَعَ ذلك منه أوَّلَ مرَّةٍ، ومنهم مَن يَظهَرُ ندمُهُ وتوبتُهُ أو يَظهَرُ مِن حالِه الجبنُ عن تكرارِ مِثْلِ ما فعَلَ، فهذا يُؤخَذُ بالأخفِّ.
وكذلك: فإنّ المحارَبَ قد يكونُ حقُّه التعظيمَ والتوقيرَ، كقطعِ الطريقِ على السُّلْطانِ العادلِ، والعالِمِ والقاضي الذي يحتاجُ الناسُ إلى نفعِه، ففي مفسدةِ التعدِّي على هؤلاء أثرٌ في كثيرٍ مِن الناسِ في دينِهم ودُنياهم، فاستحَقَّ المحارِبُ التشديدَ، للأثرِ المتعدِّي مِن فِعلِه على مَن حارَبَ.
وأمّا اختلافُ الزمانِ: فإنّ الأزمنةَ تتبايَنُ، فمنها ما يشتهِرُ فيها الأمنُ ويستقِرُّ، ووقوعُ الحادثةِ الواحدةِ في المحارَبةِ لا تؤثِّرُ في استقرارِ أمنِ البلدِ وأمنِ أهلِه، ولا تُهِيبُهم عن سفرٍ وضربٍ في الأرضِ، لعَدِّهم إياها حادثةَ عَيْنٍ، فهذه حقُّها التخفيفُ ما لم يكنْ فيها قتلٌ أو انتهاكُ عِرْضٍ.
ومِن الأزمنةِ: ما انتشَرَ فيها قطعُ السبيلِ والفسادُ في الأرضِ، حتى تعطَّلتْ مصالحُ الناسِ، وخافوا السفرَ والضربَ في الأرضِ، فهذا يُشدَّدُ فيه، حتى يُؤخَذَ بالأشدِّ في أدْنى وجوهِ المحارَبةِ، وهو التخويفُ.
وأمّا اختلافُ المكانِ والبُلْدانِ: فمنها ما حقُّها التعظيمُ، وحقُّ أهلِها في الأمنِ أكثَرُ مِن غيرِها، كمكَّةَ والمدينةِ وكذا بيتُ المَقْدِسِ، لأنّ اللهَ فضَّلَها على غيرِها وفضَّلَ العبادةَ فيها، وحَثَّ على قصدِ العبادةِ فيها، والمحارَبةُ في طريقِها تحقيقٌ لمفسدتَيْنِ: دينيَّةٍ ودنيويَّةٍ، فيَلزَمُ مِن ذلك دفعُهما، ودفعُهما يكونُ بتغليبِ الأشدِّ مِن العقوبةِ.
ويدخُلُ في هذا قطعُ طريقِ الحاجِّ والمعتمرِ ولو كان في غيرِ هذه البُلْدانِ في أقصى الأرضِ، لأنّه صدٌّ عن مصلحةٍ عُظْمى، ويدخُلُ في ذلك أيضًا البُلْدانُ التي تعظُمُ فيها مصالحُ الناسِ، فيَجلِبونَ منها طعامَهم وماءَهم، وفيها سوقُهم، ولا تقومُ حياتُهم إلاَّ بها، فقطعُ السبيلِ عنها أشدُّ مِن غيرِها، وقد يكونُ حدُّ الحِرابةِ في التخويفِ فقطْ، أشَدَّ مِن حدِّ الحِرابةِ في التخويفِ وأخذِ المالِ في غيرِها.
وبالنظرِ في هذه الاعتباراتِ مجتمِعةً: اعتبارِ اختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ، والزمانِ والبُلْدانِ، يُقضى بها على النازلةِ، وقد يَقْوى وجهٌ على وجهٍ، وقد تَقْوى مِن جميعِ الوجوهِ، وقد تَخِفُّ مِن جميعِ الوجوهِ، والأمرُ في ذلك إلى نظرِ القاضي، ولذا جاء في الآيةِ على التخييرِ، لاختلافِ تلك الأحوالِ، فإنّ ذِكرَ (أوْ) في الأحكامِ للتخييرِ، وقد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ ومجاهدٍ وعمرِو بنِ دِينارٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ والنخَعيِّ: أنّهم قالوا: «كلُّ شيءٍ في القرآنِ (أوْ أوْ) يختارُ منه صاحبُهُ ما شاء»[[«تفسير الطبري» (٣ /٣٩٦ ـ ٣٩٨)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٤ /١١٩٤).]].
ونصَّ على هذا أحمدُ.
التخييرُ في حدِّ الحرابة:
والتخييرُ بـ(أوْ) جاء في مواضعَ مِن القرآنِ، كما في قولِهِ تعالى في جزاءِ الصيدِ وكفّارةِ الفِدْيةِ وكفّارةِ اليمينِ، قال تعالى: ﴿فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ هَدْيًا بالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيامًا﴾ [المائدة: ٩٥]، وقال في الفِدْيةِ: ﴿أوْ بِهِ أذىً مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وقال في اليمينِ: ﴿فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِن أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩].
وبالتخييرِ قال جمهورُ السلفِ، وقد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ، قال: «مَن شَهَرَ السلاحَ في فِئةِ الإسلامِ، وأخافَ السبيلَ، ثمَّ ظُفِرَ به وقُدِرَ عليه، فإمامُ المُسلِمينَ فيه بالخيارِ: إن شاء قتَلَه، وإن شاء صلَبَه، وإن شاء قطَعَ يدَه ورِجلَه»[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٧٩).]].
وبه قال ابنُ المسيَّبِ ومجاهدٌ وعطاءٌ والحسنُ والنخَعيُّ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ، كمالكٍ وأحمدَ.
واستثنى ابنُ جُرَيْجٍ مِن التخييرِ بـ(أوْ) هذه الآيةَ: آيةَ الحِرابةِ، وقال بالاستثناءِ الشافعيُّ، كما رواهُ البيهقيُّ[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٥ /١٨٥).]].
ولم يثبُتْ في تقييدِ هذه الأحكامِ في الآيةِ بنوعٍ معيَّنٍ مِن أنواعِ المحارَبةِ: حديثٌ عن النبيِّ ﷺ، وقد جاء مِن حديثِ أنسٍ مرفوعًا أخرَجَه ابنُ جريرٍ، ولا يصحُّ، وإطلاقُها دليلٌ على اختلافِ الاعتباراتِ على ما تقدَّمَ.
صَلْبُ المحاربِ:
وقد اختُلِفَ في الصَّلْبِ: هل يُصلَبُ حيًّا حتى يموتَ، أم يُصلَبُ بعدَ قتلِه؟ على قولَيْنِ، وقد قطَعَ النبيُّ ﷺ العُرنيِّينَ، وسَمَلَ أعيُنَهم، وترَكَهم ومنَعَهم الطعامَ والشرابَ، وهذا وإن لم يكنْ صَلْبًا للحيِّ، فهو في حُكْمِه، وعلى هذا: فالصلبُ للحيِّ حتى يموتَ جائزٌ إذا قام مُوجِبُه، لعظيمِ أمرِه، وشدَّةِ أثرِه، وقلةِ المفسدةِ مِن إقامتِه.
وقد يكونُ تحقُّقُ المقصودِ مِن الصلبِ حيًّا أظْهَرَ، وقد يكونُ في صَلْبِهِ حيًّا فتنةٌ للناسِ، بأنْ يَسمعوا منه ما يُبرِّئُ نفسَهُ ويَحلِفَ فجورًا، فيَظُنَّ الناسُ بأمرِهِ خيرًا، فتقَعَ الحَمِيَّةُ ويُساءَ بالحُكْمِ والحاكمِ، فيُفتَنَ الناسُ بدلًا مِن الاتِّعاظِ به.
حكمُ النفي:
وقولُهُ تعالى: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ لا يُخرَجُ مِن بُلْدانِ المُسلِمينَ، إذْ إنّ الإقامةَ بينَ ظَهْرانَيِ المُشرِكِينَ لا تجوزُ إلا لشديدِ حاجةٍ أو مَظلِمةٍ، ويُروى عن ابنِ جُبَيْرٍ وغيرِهِ نفيُهُ مِن أرضِ الإسلامِ إلى أرضِ الكفرِ[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٨٦).]]، ولعلَّه أراد دَفْعَ عادِيَتِهِ بمُطاردتِهِ وطَلَبِه، لا بإجلائِهِ لِيُقِيمَ بينَ ظَهْرانَيْهِم.
ومِن السلفِ: مَن حمَلَ النفيَ على طَلَبِهِ لو كان هاربًا، فلا يستقِرُّ له قرارٌ متخفِّيًا.
ومـنـهـم مَن قال: إنّ النفيَ هو التغريبُ إلى بلدٍ غيرِ بلدِه.
ومنهم مَن حمَلَهُ على السجنِ، كمالكٍ في روايةِ مُطَرِّفٍ، وأبي حنيفةَ.
وكلُّ ذلك صحيحٌ بحسَبِ الحالِ.
وجاء عن بعضِ السلفِ: مَن جعَلَ النفيَ لمن أخافَ ولم يأخُذْ مالًا أو يَقتُلْ أو يَنتهِكْ عِرْضًا، وبه قال ابنُ عبّاسٍ وابنُ جُبيرٍ والحسنُ، وأمّا عطاءٌ: فيجعلُ النفيَ لمَن قُدِرَ عليه قبلَ أن يفعَلَ شيئًا وإنّما عزَمَ على قطعِ الطريقِ.
حكمُ سجنِ أهلِ الحِرابةِ:
ويَأخُذُ الحبسُ اليومَ حُكْمَ النفيِ، لأنّ في كلٍّ منهما معنى التغريبِ ومفارقةِ الأهلِ والبلدِ.
وحَدُّ الحِرابةِ للقاضي، يقدِّرُهُ فيما يراهُ مِن صالحِ المُسلِمينَ لا يُقدِّرُهُ بهواهُ، وليس ذلك لأصحابِ المالِ كالسرقةِ، وليس لأصحابِ الدمِ كالقِصاصِ، لأنّ الحِرابةَ أذًى متعدٍّ للناسِ جميعًا بتخويفِهم وقطعِ سبيلِهم، ولا يَملِكُ حقَّ الناسِ في هذا إلا الحاكمُ، ولا يَملِكُ أصحابُ الحقوقِ إسقاطَ الحدِّ.
التشديدُ في حدِّ الحِرابةِ:
وتشديدُ الحدِّ وتخفيفُهُ بحسَبِ الاعتباراتِ السابقةِ، لا بما يهوى الحاكمُ ويُريدُ الناسُ.
ويظُنُّ كثيرٌ مِن الحُكّامِ أنّ إسقاطَ عقوباتِ التعزيرِ وتخفيفَها أو تشديدَها إلى ما يَهْوَوْنَ هم، وهذا غلطٌ، ولذا ترى منهم مَن يعفو عن التعزيرِ كالجَلْدِ والحبسِ بلا سببٍ عامٍّ، وإنّما لسببٍ خاصٍّ به، كشفاءِ الحاكمِ مِن مرضٍ أو تولِّيهِ لزمامِ حُكْمٍ، وهذا خلطٌ في مَناطِ إلحاقِ الحقِّ في أبوابِ التعزيرِ والعفوِ عن المُخطِئِينَ، فإنّ مَناطَ ذلك إلى مصلحةِ المُخْطِئِ ومصلحةِ مَن تأذّى منه، فإنْ رَأى أنّ إطلاقَهُ أصْلَحُ للمُخطئِ وللناسِ، أطلَقَهُ ولو كان القاضي والحاكمُ يُحبُّ بقاءَهُ، وإنْ رأى أنّ بقاءَه أصلَحُ له وأصلَحُ لأمرِ الناسِ، أبقاهُ ولو كان القاضي والحاكمُ يُحبُّ إطلاقَه.
وإجمالُ اللهِ لحَدِّ الحِرابةِ، مع الجزمِ بحدوثِ القتلِ في الأحيانِ، وأخذِ المالِ في أكثرِها ـ دليلٌ على أنّه لا يُشترَطُ في القتلِ المكافأةُ، ولا يُشترَطُ في القطعِ نِصابٌ في المالِ المسروقِ في الحِرابةِ، فليس الحدُّ حدَّ سرقةٍ، ولا يعودُ الحقُّ لصاحِبِ المالِ، ثمَّ إنّ حدَّ السرقةِ يُشترَطُ فيه أنْ يكونَ المالُ في حِرْزٍ، وحدُّ الحِرابةِ لا يُشترَطُ فيه هذا، وشرطُ الحِرْزِ أشَدُّ مِن شرطِ النِّصابِ عندَ إقامةِ حدِّ السرقةِ، وعدمُ اشتراطِ النِّصابِ في المالِ المأخوذِ حِرابةً هو قولُ جمهورِ العلماءِ، خلافًا لأهلِ الرأيِ وقولٍ للشافعيِّ، فاشترَطُوا بلوغَ المالِ نصابًا لوجوبِ حدِّ الحِرابةِ.
الحكمةُ من حدِّ الحِرابةِ:
وقد بَيَّنَ اللهُ تعالى الحِكْمةَ مِن حدِّ الحرابةِ، وذلك في قولِه تعالى: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾، فأولُ المقاصدِ الخزيُ، يعني: ما تعدّى عليه في نفوسِ الناسِ مِن العارِ والاستنكارِ لفِعْلِه، وفي هذا دفعٌ وردعٌ لمَن يفعلُ كفِعْلِه، وكبحٌ لمَن يفكِّرُ في مِثْلِ عملِه، ودَوَرانُ خبرِ ما قام بالمحارِبِ مِن عقوبةٍ في الناسِ ولو في عقودٍ وأجيالٍ: ردعٌ لمَن يفعلُ أو يفكِّرُ في فعلِ مِثْلِ فِعْلِه.
وتتضمَّنُ الآيةُ جوازَ الحديثِ عمَّن أُقِيمَ عليه الحدُّ بفَعْلَتِهِ التي فعَلَ وبالعقوبةِ التي نزَلَتْ عليه، وليس هذا مِن الغِيبةِ، فهو مِن الخزيِ الموعودِ، وفيه ردعٌ للنفوسِ المشابِهةِ له، شريطةَ أن يكونَ الحديثُ عن حالِه بالحقِّ والعدلِ، بلا ظلمٍ ولا بغيٍ ولا عدوانٍ.
تكفيرُ الذنوبِ بالحدودِ:
وذكَرَ اللهُ بعدَ ذلك عقابَ الآخِرةِ، فقال: ﴿ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾، وهذا لمَن أُقِيمَ عليه الحدُّ مِن الكافِرينَ، واختُلِفَ في أمرِ المُسلِمِ الذي يُصِيبُ ذنبًا، ثمَّ يُعاقَبُ عليه الحدَّ في الدُّنيا: هل عقوبتُهُ تلك كفّارةٌ له أو لا؟ على قولَيْنِ: الأشهَرُ: أنّه كفّارةٌ له، وذلك لِما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عُبادَةَ، قال ﷺ: (مَن أصابَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ، ومَن أصابَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَفا عَنْهُ، وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ) [[أخرجه البخاري (١٨) (١ /١٢)، ومسلم (١٧٠٩) (٣ /١٣٣٣).]].
وجاء نحوُه مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أخرَجَه أحمدُ والترمذيُّ وابنُ ماجَهْ[[أخرجه أحمد (٧٧٥) (١ /٩٩)، والترمذي (٢٦٢٦) (٥ /١٦)، وابن ماجه (٢٦٠٤) (٢ /٨٦٨).]].
وقد جاء خلافُ هذا مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (ما أدْرِي الحُدُودُ كَفّارَةٌ لأَهْلِها أمْ لا!) [[أخرجه البزار في «مسنده» (٨٥٤١) (١٥ /١٧٦)، والحاكم في «المستدرك» (١ /٣٦) و(٢ /١٤ و٤٥٠)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٨ /٣٢٩).]].
وحديثُ عُبادةَ أصَحُّ، وفي حديثِ أبي هريرةَ عدمُ العِلْمِ، وظاهرُهُ: أنّه سابقٌ للعِلْمِ الواردِ في حديثِ عُبادةَ، والنبيُّ ﷺ لا يقضي إلا بعِلْمٍ سابقٍ، ولمّا لم يَقْضِ في حديثِ أبي هريرةَ دلَّ على انتفاءِ العِلْمِ وانتظارِ الوحيِ، ولمّا جاء حديثُ عُبادةَ، دلَّ على مجيءِ الوحيِ به، قال تعالى: ﴿وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى إنْ هُوَ إلاَّ وحْيٌ يُوحى ﴾ [النجم: ٣ ـ ٤].
وعدمُ إخراجِ الشيخَيْنِ لِما يُخالِفُ حديثَ عُبادةَ قرينةٌ على إعلالِ الحُكْمِ المُخالِفِ له وردِّه بنسخِهِ أو ردِّ حديثِهِ بإعلالِه، وقد أعَلَّ البخاريُّ في «التاريخِ» حديثَ أبي هريرةَ بالإرسالِ، وقال: «المرسَلُ أصحُّ، ولا يَثبُتُ هذا عن النبيِّ ﷺ وقد ثبَتَ أنّ الحدودَ كفّارةٌ»[[«التاريخ الكبير» للبخاري (١ /١٥٣).]].
وقد قال الشافعيُّ: «لم أسمَعْ في الحدودِ حديثًا أبْيَنَ مِن هذا»، يعني: حديثَ عُبادةَ[[«الأم» (٦ /١٤٩).]].
ويقولُ بحديثِ عُبادةَ أنّ الحَدَّ كفّارةٌ ولو لم يَتُبْ صاحبُ الذنبِ منه: الثوريُّ والشافعيُّ وأحمدُ.
وقال بعضُ العلماءِ: باشتراطِ التوبةِ مع الحدِّ، لظاهرِ الآيةِ: ﴿ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إلاَّ الَّذِينَ تابُوا﴾، والأصلُ: أنّ التوبةَ تكفي في إسقاطِ الذنبِ ولو لم يُقَمِ الحدُّ فيمَن زَنى أو سَكِرَ أو فعَلَ غيرَ ذلك ممّا كان مِن حقِّ اللهِ، فلا حاجةَ لاشتراطِ التوبةِ مع إقامةِ الحدِّ، لتواتُرِ الأحاديثِ على ذلك، ولكنَّ اللهَ ذكَرَ العقوبةَ في الآخِرةِ والدُّنيا بالخزيِ لِمَن لم يَتُبْ ولم يُقَمْ عليه الحدُّ جميعًا، لعدمِ قيامِ مُوجِبِ التكفيرِ مِن العِبادِ، ومَن أُقِيمَ عليه الحدُّ، سقَطَ عنه إثمُ جُرْمِه، كما أنّ مَن تابَ ولم يُقَمْ عليه الحدُّ وحَسُنتْ توبتُه، سقَطَ عنه إثمُ جُرْمِهِ في حقِّ اللهِ، ومُقتضى رحمةِ اللهِ: ألاَّ يَجمَعَ على عبدِه عقوبتَيْنِ.
والأخذُ بظاهرِ الآيةِ مِن غيرِ اعتبارٍ لتفصيلِ السُّنةِ: يَلزَمُ منه أنّ التوبةَ وحدَها مُسقِطةٌ حتى لحقوقِ الآدميِّينَ كما تُسقِطُ حقَّ اللهِ، وتفصيلُ السُّنةِ يُخالِفُ هذا الإطلاقَ.
والتوبةُ في الآيةِ مقيَّدةٌ في إسقاطِ الحدِّ عنه، وهي التوبةُ الظاهرةُ والإقلاعُ عن الذنبِ، فالتوبةُ الظاهِرةُ فقطْ تُسقِطُ الحدَّ بشروطِه، والتوبةُ الباطنةُ تُسقِطُ حقَّ اللهِ في الآخِرةِ بشروطِه، ولذا ختَمَ اللهُ الآيةَ بقولِه: ﴿فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
قال تعالى: ﴿إلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
أحوالُ توبةِ المحاربينَ:
التوبةُ مِن اللهِ مقبولةٌ مِن كلِّ ذنبٍ، وأمّا في حُكْمِ المُحارِبِ في الدُّنيا، فهي على حالَيْنِ:
الأُولى: إن كان المُحارِبُ كافرًا يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشرِكًا أو ملحِدًا، فتابَ مِن كُفْرِهِ ومحاربتِه وأسلَمَ، فتوبتُهُ تأتي على الكفرِ وعلى المحارَبةِ وما فيها مِن إصابةِ دمٍ أو مالٍ، والإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَهُ ولو كان قتلًا وسرقةً واغتصابًا، وقد قَبِلَ النبيُّ ﷺ إسلامَ جماعةٍ مِن الصحابةِ وكانوا قبلَ ذلك يَقطَعونَ طريقَهُ وطريقَ أصحابِهِ ويُخوِّفونَهم وربَّما سلَبُوا مالَهم، ومنهم وحْشِيٌّ، فقد قتَلَ حمزةَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، وقد أقَرَّ بينَ يدَيِ النبيِّ ﷺ بقتلِه له، كما في «الصحيحِ»[[أخرجه البخاري (٤٠٧٢) (٥ /١٠٠).]]، وترَكَه النبيُّ (ص).
وجعَلَ بعضُ السلفِ هذه الآيةَ في المُشرِكينَ، صحَّ عن مجاهدٍ وقتادةَ وعطاءٍ الخراسانيِّ[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٩٢ ـ ٣٩٣).]].
ولا خلافَ عندَ السلفِ والخَلَفِ: أنّ المُشرِكَ المُحارِبَ تسقُطُ مُحاربتُهُ وعقوبتُهُ بإسلامِه، وكلُّ ما أصاب مِن دمٍ أو مالٍ، فهو هَدرٌ، وذلك أنّ في طلبِ ذلك صَدًّا لهم عن الدخولِ في الإسلامِ، فلو عَلِمَ أحدٌ مِن المُشرِكينَ المُحارِبينَ أنّ المُسلِمينَ يَطلُبونَهُ لِما سبَقَ منه مِن تخويفٍ وقطعِ سبيلٍ ودمٍ ومالٍ، لَما أقبَلَ على الإسلامِ أحدٌ منهم إلا ما شاء اللهُ، وما مِن أحدٍ مِن المُشرِكينَ المحارِبينَ بمكةَ إلاَّ وله سابِقةُ محارَبةٍ للنبيِّ ﷺ وأصحابِه، ومع هذا لم يُطالِبِ النبيُّ مَن أسلَمَ منهم بشيءٍ ممّا سبَقَ.
الثانيةُ: إن كان المحارِبُ مُسلِمًا، فلا تخلو توبتُه مِن صورتَيْنِ:
الصورةُ الأُولى: إنْ كان الحاكمُ قادرًا عليه لو طلَبَهُ، وإنْ طال طلبُهُ، والمُدَّة التي يطلُبُه فيها لا يكونُ فيها فسادٌ يُوازِي مصلحةَ طلبِه، فلا تُقبَلُ منه توبتُهُ ولو امتنَعَ عن تسليمِ نفسِهِ إلاَّ بقَبُولِها، وعلى هذا يُحمَلُ نهيُ غيرِ واحدٍ مِن السلفِ عن قَبُولِ توبةِ المحارِبِ، لأنّ مصلحةَ إقامةِ الحدِّ أعظَمُ، وبتركِها وقَبُولِ توبةِ كلِّ محارِبٍ يَعرِضُ توبتَهُ: يتجرَّأُ الناسُ على الحُرُماتِ وقطعِ السبيلِ، وقد صحَّ عن هشامِ بنِ عُرْوةَ: أنّهم سألُوا عُرْوةَ عمَّن تلصَّصَ في الإسلامِ فأصابَ حدودًا ثمَّ جاء تائبًا، فقال: «لا تُقبَلُ توبتُهُ، لو قُبِلَ ذلك منهم، اجترَؤُوا عليه، وكان فسادًا كبيرًا، ولكن لو فَرَّ إلى العدوِّ، ثمَّ جاء تائبًا، لم أرَ عليه عقوبةً»[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٩٨).]].
وبهذا قال غيرُ واحدٍ، كالأوزاعيِّ وغيرِه.
وعليه يُحمَلُ ما جاء عن عِكْرِمةَ والحسنِ في هذه الآيةِ: أنّهما قالا: إنّ آيةَ التوبةِ مِن الحِرابةِ هذه لا تُحرِزُ المُسلِمَ.
والصورةُ الثانيةُ: أنْ يُحارِبَ فيُطلَبَ ويُعرَفَ أمرُهُ ويُعجَزَ عنه، ويُعلِّقَ أمْرَ توبتِهِ بالعفوِ عنه، والإمامُ عاجِزٌ عنه، ولو لم تُقبَلْ توبتُهُ، استمَرَّ فسادُهُ وإفسادُه، فإنّ توبتَهُ تُقبَلُ ويَسقُطُ عنه الحقُّ المُناطُ بالحاكمِ، وهو الصَّلْبُ والقتلُ والقطعُ مِن خِلافٍ، واختُلِفَ في حقوقِ الناسِ: فقال بإسقاطِها جميعًا اللَّيْثُ.
وبقَبُولِ التوبةِ عمِلَ الصحابةُ، فقد جاء عن عليٍّ وأبي موسى وابنِ عبّاسٍ والحسنِ بنِ عليٍّ وعبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ وغيرِهم، كما رَوى ابنُ أبي حاتمٍ، مِن حديثِ مُجالِدٍ، عن الشَّعْبيِّ، قال: «كان حارثةُ بنُ بَدْرٍ التميميُّ مِن أهلِ البصرةِ، وكان قد أفسَدَ في الأرضِ وحارَبَ، فكلَّمَ رجالًا مِن قريشٍ، منهم الحسنُ بنُ عليٍّ وابنُ عبّاسٍ وعبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ، فكلَّمُوا عليًّا فيه، فلم يُؤمِّنْهُ، فأتى سعيدَ بنَ قيسٍ الهَمْدانيَّ فخلفه في دارِه، ثمَّ أتى عليًّا، فقال: يا أميرَ المؤمِنينَ، أرأيتَ مَن حارَبَ اللهَ ورسولَه، وسعى في الأرضِ فسادًا، فقرَأَ حتى بلَغَ: ﴿إلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾، قال: فكتَبَ له أمانًا، قال سعيدُ بنُ قيسٍ: فإنّه حارثةُ بنُ بَدْرٍ»[[«تفسير ابن كثير» (٣ /١٠٢). و ينظر: «تفسير الطبري» (٨ /٣٩٤).]].
ورَوى الشعبيُّ نحوَهُ عن أبي موسى زمنَ عثمانَ بنِ عفّانَ، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٨ /٣٩٥).]].
وذهَبَ الضحّاكُ وابنُ شهابٍ والليثُ ومالكٌ والأوزاعيُّ والشافعيُّ: إلى أنّ مَن خِيفَ استطارةُ شَرِّهِ إنْ لم يُعْفَ عنه، وهو قادرٌ على الاستمرارِ بالإفسادِ: أنّه يُعفى عنه، دفعًا لشرٍّ أعظَمَ مُتحقِّقٍ، وهذا مِن الفِقْهِ، فيُرجَعُ في ذلك إلى تحقُّقِ استمرارِ إفسادِهِ ومدى عجزِ الحاكمِ عنه، ومال إليه ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٨ /٤٠١).]].
ويَنُصُّ مالكٌ والشافعيُّ على أنّ ما أصابتْ يدُه مِن مالٍ أو دمٍ، وطالَبَ به مُدَّعٍ بعينِهِ وقامَتِ البيِّنةُ عليه، فإنّ المالَ يعودُ لأهلِه، والدمَ يُقادُ به، ويسقُطُ عنه حدُّ الحِرابةِ المتعلِّقُ بالحاكمِ.
ومَن حارَبَ وأخافَ وقطَعَ السبيلَ، ثمَّ تابَ واستتَرَ ولم يُعلَمْ أمرُهُ إلاَّ بعدَ زمنٍ مِن صلاحِهِ بشهادةِ أحدٍ عليه، فإنّه يُترَكُ إلاَّ مِن الحقوقِ الخاصَّةِ، لدخولِهِ في التوبةِ قبلَ القُدْرةِ، ولكونِ المفسدةِ مِن قَبُولِ توبتِهِ منتفيةً، لاستتارِهِ وخفاءِ أمرِهِ وانتهاءِ زمنِها، وربَّما يكونُ في إقامةِ الحدِّ عليه بعدَ طولِ زمنِ صلاحِهِ إفسادٌ له، وقدحٌ في عدالتِهِ التي استقَرَّ عليها أمرُه.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق