الباحث القرآني

(p-١٢٩)ولَمّا كانَ هَذا الإسْرافُ؛ بَعْدَ هَذِهِ المَوانِعِ؛ مُحارَبَةً لِلنّاهِي عَنْهُ؛ وكانَ تارَةً يَكُونُ بِالقَتْلِ؛ وتارَةً بِغَيْرِهِ؛ وكانَ رُبَّما ظَنَّ أنَّ عَذابَ القاتِلِ يَكُونُ بِأكْثَرَ مِنَ القَتْلِ؛ لِكَوْنِهِ كَمَن قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا؛ وصَلَ بِهِ - سُبْحانَهُ – قَوْلَهُ - عَلى طَرِيقِ الحَصْرِ -: ﴿إنَّما جَزاءُ﴾؛ وكانَ الأصْلُ: جَزاؤُهُمْ؛ ولَكِنْ أُرِيدَ تَعْلِيقُ الحُكْمِ بِالوَصْفِ؛ والتَّعْمِيمِ؛ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ؛ ﴿ورَسُولَهُ﴾؛ أيْ: بِمُحارَبَةِ مَن نُهَيا عَنْ مُحارَبَتِهِ؛ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ؛ وهم مُسْلِمُونَ؛ ولَهم مَنعَةٌ مِمَّنْ أرادَهُمْ؛ ويَقْصِدُونَ المُسْلِمِينَ في دِمائِهِمْ؛ وأمْوالِهِمْ؛ سَواءٌ كانُوا في البَلَدِ؛ أوْ خارِجَها. ولَمّا كانَ عِبادُ الرَّحْمَنِ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا؛ أعْلَمَ أنَّ هَؤُلاءِ عُبّادُ الشَّيْطانِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ﴾؛ ولَمّا كانَ هَذا ظاهِرًا في الفَسادِ؛ صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿فَسادًا﴾؛ أيْ: حالَ كَوْنِهِمْ ذَوِي فَسادٍ؛ أوْ لِلْفَسادِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِـ ”يَسْعَوْنَ“؛ عَلى المَعْنى؛ ولَمّا كانَتْ أفْعالُهم مُخْتَلِفَةً؛ قَسَّمَ عُقُوبَتَهم بِحَسَبِها؛ فَقالَ: ﴿أنْ يُقَتَّلُوا﴾؛ أيْ: إنْ كانَتْ جَرِيمَتُهُمُ القَتْلَ فَقَطْ؛ لِأنَّ القَتْلَ جَزاؤُهُ القَتْلُ؛ وزادَ - لِكَوْنِهِ في قَطْعِ الطَّرِيقِ - صَيْرُورَتَهُ حَتْمًا؛ لا يَصِحُّ العَفْوُ عَنْهُ؛ ﴿أوْ يُصَلَّبُوا﴾؛ أيْ: مَعَ القَتْلِ؛ إنْ ضَمُّوا إلى القَتْلِ أخْدَ المالِ؛ بِأنْ يُرْفَعَ المَصْلُوبُ عَلى جِذْعٍ؛ ومِنهم مَن قالَ: يَكُونُ ذَلِكَ وهو حَيٌّ؛ فَحِينَئِذٍ تُمَدُّ يَداهُ مَعَ الجِذْعِ؛ والأصَحُّ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ أنَّهُ يُقْتَلُ؛ ويُصَلّى عَلَيْهِ؛ ثُمَّ يُرْفَعُ عَلى الجِذْعِ زَمَنًا؛ يَشِيعُ خَبَرُهُ فِيهِ؛ لِيَنْزَجِرَ غَيْرُهُ؛ ولا يُزادُ عَلى ثَلاثَةِ أيّامٍ؛ ﴿أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ﴾ (p-١٣٠)؛ أيْ: اليُمْنى؛ بِأخْذِهِمُ المالَ مِن غَيْرِ قَتْلٍ؛ ﴿وأرْجُلُهُمْ﴾؛ أيْ: اليُسْرى؛ لِإخافَةِ السَّبِيلِ؛ وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿مِن خِلافٍ﴾؛ أيْ: إنْ كانَتِ الجَرِيمَةُ أخْذَ المالِ فَقَطْ؛ ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾؛ أيْ: بِالإخافَةِ؛ والإزْعاجِ؛ إنْ لَمْ يَقَعُوا في قَبْضَةِ الإمامِ؛ لِيَكُونُوا مُنْتَقِلِينَ مِن بَلَدٍ إلى آخَرَ؛ ذُعْرًا وخَوْفًا؛ وبِالحَبْسِ إنْ وقَعُوا في القَبْضَةِ؛ وكانُوا قَدْ كَثَّرُوا سَوادَ المُحارِبِينَ؛ وما قَتَلُوا ولا أخَذُوا مالًا؛ ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: النَّكْلُ الشَّدِيدُ المُفَصَّلُ؛ إلى ما ذُكِرَ؛ ﴿لَهُمْ﴾؛ أيْ: خاصًّا بِهِمْ؛ ﴿خِزْيٌ﴾؛ أيْ: إهانَةٌ وذُلٌّ؛ بِإيقاعِهِ بِهِمْ؛ ﴿فِي الدُّنْيا﴾؛ أيْ: لِيَرْتَدِعَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ؛ ﴿ولَهُمْ﴾؛ أيْ: إنْ لَمْ يَتُوبُوا؛ ﴿فِي الآخِرَةِ﴾؛ أيْ: الَّتِي هي مَوْطِنُ الفَصْلِ؛ بِإظْهارِ العَدْلِ؛ ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾؛ أيْ: هو بِحَيْثُ لا يَدْخُلُ تَحْتَ مَعارِفِكم أكْثَرَ مِن وصْفِهِ بِالعِظَمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب