الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها: أرْبَعَةُ أقْوال.
أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في ناسٍ مِن عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ، فاجْتَوَوْها، فَبَعَثَهم رَسُولُ اللَّهِ في إبِلِ الصَّدَقَةِ، وأمَرَهم أنْ يَشْرَبُوا مِن ألْبانِها وأبْوالها فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، وارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ، وقَتَلُوا الرّاعِيَ، واسْتاقُوا الإبِلَ، فَأرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ في آثارِهِمْ، فَجِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهم وأرْجُلَهم مِن خِلافٍ، وسَمَّرَ أعْيُنَهم، وألْقاهم بِالحَرَّةِ حَتّى ماتُوا، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ قَتادَةُ عَنْ أنَسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: «أنَّ قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ كانَ بَيْنَهم وبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ عَهْدٌ ومِيثاقٌ، فَنَقَضُوا العَهْدَ، وأفْسَدُوا في الأرْضِ. فَخَيَّرُ اللَّهُ رَسُولَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ: إنْ شاءَ أنْ يَقْتُلَهم، وإنْ شاءَ أنْ يَقْطَعَ أيْدِيَهم وأرْجُلَهم مِن خِلافٍ.» رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الضَّحّاكُ.
(p-٣٤٤)والثّالِثُ: أنَّ أصْحابَ أبِي بُرْدَةَ الأسْلَمِيِّ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلى قَوْمٍ جاؤُوا يُرِيدُونَ الإسْلامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: «كانَ أبُو بُرْدَةَ، واسْمُهُ هِلالُ بْنُ عُوَيْمِرٍ، وادَعَ النَّبِيَّ ﷺ عَلى أنْ لا يُعِينَهُ ولا يُعِينَ عَلَيْهِ، ومَن أتاهُ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يُهَجْ، ومِن مَرَّ بِهِلالٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُهَجْ، فَمَرَّ قَوْمٌ مَن بَنِيَ كِنانَةَ يُرِيدُونَ الإسْلامَ بِناسٍ مَن قَوْمِ هِلالٍ، فَنَهَدُوا إلَيْهِمْ، فَقَتَلُوهم وأخَذُوا أمْوالَهم، ولَمْ يَكُنْ هِلالٌ حاضِرًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.»
والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في المُشْرِكِينَ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ. واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ "المُحارَبَةِ" لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ في الآيَةِ مَجازٌ.
(p-٣٤٥)وَفِي مَعْناها لِلْعُلَماءِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ سَمّاهم مُحارِبِينَ لَهُ تَشْبِيهًا بِالمُحارِبِينَ حَقِيقَةً، لِأنَّ المُخالِفَ مُحارِبٌ، وإنْ لَمْ يُحارِبْ، فَيَكُونُ المَعْنى: يُخالِفُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ بِالمَعاصِي.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ: يُحارِبُونَ أوْلِياءَ اللَّهِ، وأوْلِياءَ رَسُولِهِ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أرادَ بِالمُحارَبَةِ لِلَّهِ ورَسُولِهِ، الكُفْرَ بَعْدَ الإسْلامِ. وقالَ مُقاتِلٌ: أرادَ بِها الشِّرْكَ. فَأمّا "الفَسادُ" فَهو القَتْلُ والجِراحُ وأخْذُ الأمْوالِ، وإخافَةُ السَّبِيلِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا﴾ اخْتَلَفَ العُلَماءُ هَلْ هَذِهِ العُقُوبَةُ عَلى التَّرْتِيبِ، أمْ عَلى التَّخْيِيرِ؟ فَمَذْهَبُ أحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّها عَلى التَّرْتِيبِ، وأنَّهم إذا قَتَلُوا، وأخَذُوا المالَ، أوْ قَتَلُوا ولَمْ يَأْخُذُوا، قُتِلُوا وصُلِّبُوا، وإنْ أخَذُوا المالَ، ولَمْ يَقْتُلُوا، قُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ، وإنْ لَمْ يَأْخُذُوا المالَ، نُفُوا. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: فَعَلى هَذا تَكُونُ "أوْ" مُبَعِّضَةً، فالمَعْنى: بَعْضُهم يُفْعَلُ بِهِ كَذا، وبَعْضُهم كَذا، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿كُونُوا هُودًا أوْ نَصارى﴾ [البَقَرَةِ: ١٣٥]
المَعْنى قالَ بَعْضُهم هَذا، وقالَ بَعْضُهم هَذا. وهَذا القَوْلُ اخْتِيارُ أكْثَرِ اللُّغَوِيِّينَ.
وَقالَ الشّافِعِيُّ: إذا قَتَلُوا وأخَذُوا المالَ، قُتِلُوا وصُلِّبُوا، وإذا قَتَلُوا ولَمْ يَأْخُذُوا المالَ، قُتِلُوا ولَمْ يُصَلَّبُوا، وإذا أخَذُوا المالَ ولَمْ يَقْتُلُوا، قُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ. وقالَ مالِكٌ: الإمامُ مُخَيَّرٌ في إقامَةِ أيِّ الحُدُودِ شاءَ، سَواءٌ قَتَلُوا أوْ لَمْ يَقْتُلُوا، أخَذُوا المالَ أوْ لَمْ يَأْخُذُوا، والصَّلْبُ بَعْدَ القَتْلِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، (p-٣٤٦)وَمالِكٌ: يُصْلَبُ ويُبْعَجُ بِرُمْحٍ حَتّى يَمُوتَ. واخْتَلَفُوا في مِقْدارِ زَمانِ الصَّلْبِ، فَعِنْدَنا أنَّهُ يُصْلَبُ بِمِقْدارِ ما يَشْتَهِرُ صَلْبُهُ. واخْتَلَفَ أصْحابُ الشّافِعِيِّ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: ثَلاثَةُ أيّامٍ، وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ، وقالَ بَعْضُهُمْ: يُتْرَكُ حَتّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ومَعْنى "مِن خِلافٍ" أنْ تُقْطَعَ يَدُهُ اليُمْنى ورِجْلُهُ اليُسْرى، يُخالَفُ بَيْنَ قَطْعِهِما. فَأمّا "النَّفْيُ" فَأصْلُهُ الطَّرْدُ والإبْعادُ.
وَفِي صِفَةِ نَفْيِهِمْ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: إبْعادُهم مِن بِلادِ الإسْلامِ إلى دارِ الحَرْبِ، قالَهُ أنَسُ بْنُ مالِكٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وهَذا إنَّما يَكُونُ في حَقِّ المُحارِبِ المُشْرِكِ، فَأمّا المُسْلِمُ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُضْطَرَّ إلى ذَلِكَ.
والثّانِي: أنْ يُطْلَبُوا لِتُقامَ عَلَيْهِمُ الحُدُودُ، فَيُبْعَدُوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ.
والثّالِثُ: إخْراجُهم مِن مَدِينَتِهِمْ إلى مَدِينَةٍ أُخْرى، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وَقالَ مالِكٌ: يُنْفى إلى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ، فَيُحْبَسُ هُناكَ.
والرّابِعُ: أنَّهُ الحَبْسُ، قالَهُ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ. وقالَ أصْحابُنا: صِفَةُ النَّفْيِ: أنْ يُشَرَّدَ ولا يَتْرُكَ يَأْوِي في بَلَدٍ، فَكُلَّما حَصَلَ في بَلَدٍ نُفِيَ إلى بَلَدٍ غَيْرِهِ.
وَفِي "الخِزْيِ" قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ العِقابُ. والثّانِي: الفَضِيحَةُ.
وَهَلْ يَثْبُتُ لَهم حُكْمُ المُحارِبِينَ في المِصْرِ، أمْ لا؟ ظاهِرُ كَلامِ أصْحابِنا أنَّهُ لا يَثْبُتُ لَهم ذَلِكَ في المِصْرِ وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ. وقالَ الشّافِعِيُّ، (p-٣٤٧)وَأبُو يُوسُفَ: المِصْرُ والصَّحارِي سَواءٌ، ويُعْتَبَرُ في المالِ المَأْخُوذِ قَدْرُ نِصابٍ، كَما يُعْتَبَرُ في حَقِّ السّارِقِ، خِلافًا لِمالِكٍ.
{"ayah":"إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق