الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ في الآيَةِ الأُولى تَغْلِيظَ الإثْمِ في قَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ قَتْلِ نَفْسٍ ولا فَسادٍ في الأرْضِ أتْبَعَهُ بِبَيانِ أنَّ الفَسادَ في الأرْضِ الَّذِي يُوجِبُ القَتْلَ ما هو، فَإنَّ بَعْضَ ما يَكُونُ فَسادًا في الأرْضِ لا يُوجِبُ القَتْلَ فَقالَ ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ: (p-١٦٩)
المَسْألَةُ الأُولى: في أوَّلِ الآيَةِ سُؤالٌ، وهو أنَّ المُحارَبَةَ مَعَ اللَّهِ تَعالى غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلى المُحارَبَةِ مَعَ أوْلِياءِ اللَّهِ، والمُحارَبَةُ مَعَ الرُّسُلِ مُمْكِنَةٌ، فَلَفْظَةُ المُحارَبَةِ إذا نُسِبَتْ إلى اللَّهِ تَعالى كانَ مَجازًا؛ لِأنَّ المُرادَ مِنهُ المُحارَبَةُ مَعَ أوْلِياءِ اللَّهِ، وإذا نُسِبَتْ إلى الرَّسُولِ كانَتْ حَقِيقَةً، فَلَفْظُ يُحارِبُونَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلى المَجازِ والحَقِيقَةِ مَعًا، وذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَهَذا تَقْرِيرُ السُّؤالِ.
وجَوابُهُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنّا نَحْمِلُ المُحارَبَةَ عَلى مُخالَفَةِ الأمْرِ والتَّكْلِيفِ، والتَّقْدِيرُ: إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُخالِفُونَ أحْكامَ اللَّهِ وأحْكامَ رَسُولِهِ ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا كَذا وكَذا.
والثّانِي: تَقْدِيرُ الكَلامِ إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ أوْلِياءَ اللَّهِ تَعالى وأوْلِياءَ رَسُولِهِ كَذا وكَذا. وفي الخَبَرِ أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ”«مَن أهانَ لِي ولِيًّا فَقَدْ بارَزَنِي بِالمُحارَبَةِ» “ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: هَذا الوَعِيدُ مُخْتَصٌّ بِالكُفّارِ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ في فُسّاقِ المُؤْمِنِينَ، أمّا الأوَّلُونَ فَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنَّها نَزَلَتْ في «قَوْمٍ مِن عُرَيْنَةَ نَزَلُوا المَدِينَةَ مُظْهَرِينَ لِلْإسْلامِ، فَمَرِضَتْ أبْدانُهم واصْفَرَّتْ ألْوانُهم، فَبَعَثَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى إبِلِ الصَّدَقَةِ لِيَشْرَبُوا مِن أبْوالِها وألْبانِها فَيَصِحُّوا، فَلَمّا وصَلُوا إلى ذَلِكَ المَوْضِعِ وشَرِبُوا وصَحُّوا قَتَلُوا الرُّعاةَ وساقُوا الإبِلَ وارْتَدُّوا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ في أثَرِهِمْ وأمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أيْدِيهم وأرْجُلُهم وسَمَلَ أعْيُنَهم وتُرِكُوا هُناكَ حَتّى ماتُوا»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَسْخًا لِما فَعَلَهُ الرَّسُولُ، فَصارَتْ تِلْكَ السُّنَّةُ مَنسُوخَةً بِهَذا القُرْآنِ، وعِنْدَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمّا لَمْ يَجُزْ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالقُرْآنِ كانَ النّاسِخُ لِتِلْكَ السُّنَّةِ سَنَةً أُخْرى ونَزَلَ هَذا القُرْآنُ مُطابِقًا لِلسُّنَّةِ النّاسِخَةِ.
والثّانِي: أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في قَوْمِ أبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ، وكانَ قَدْ عاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَمَرَّ قَوْمٌ مِن كِنانَةَ يُرِيدُونَ الإسْلامَ وأبُو بَرْزَةَ غائِبٌ، فَقَتَلُوهم وأخَذُوا أمْوالَهم.
الثّالِثُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في هَؤُلاءِ الَّذِينَ حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم مِن بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهم بَعْدَ أنْ غَلَّظَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عِقابَ القَتْلِ العَمْدِ العُدْوانِ فَهم مُسْرِفُونَ في القَتْلِ مُفْسِدُونَ في الأرْضِ، فَمَن أتى مِنهم بِالقَتْلِ والفَسادِ في الأرْضِ فَجَزاؤُهم كَذا وكَذا.
والوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في قُطّاعِ الطَّرِيقِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وهَذا قَوْلُ أكْثَرِ الفُقَهاءِ، قالُوا: والَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ حَمْلُ الآيَةِ عَلى المُرْتَدِّينَ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ قَطْعَ المُرْتَدِّ لا يَتَوَقَّفُ عَلى المُحارَبَةِ ولا عَلى إظْهارِ الفَسادِ في دارِ الإسْلامِ، والآيَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ.
وثانِيها: لا يَجُوزُ الِاقْتِصارُ في المُرْتَدِّ عَلى قَطْعِ اليَدِ ولا عَلى النَّفْيِ، والآيَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ.
وثالِثُها: أنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي سُقُوطَ الحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ القُدْرَةِ وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ (المائِدَةِ: ٣٤) والمُرْتَدُّ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ القُدْرَةِ وبَعْدَها، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الآيَةَ لا تَعَلُّقَ لَها بِالمُرْتَدِّينَ.
ورابِعُها: أنَّ الصَّلْبَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ في حَقِّ المُرْتَدِّ وهو مَشْرُوعٌ هَهُنا، فَوَجَبَ أنْ لا تَكُونَ الآيَةُ مُخْتَصَّةً بِالمُرْتَدِّ.
وخامِسُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا﴾ يَتَناوَلُ كُلَّ مَن كانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، سَواءٌ كانَ كافِرًا أوْ مُسْلِمًا، أقْصى ما في البابِ أنْ يُقالَ: الآيَةُ نَزَلَتْ في الكُفّارِ لَكِنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: المُحارِبُونَ المَذْكُورُونَ في هَذِهِ الآيَةِ هُمُ القَوْمُ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ ولَهم مَنَعَةٌ مِمَّنْ أرادَهم بِسَبَبِ أنَّهم يَحْمِي بَعْضَهم بَعْضًا ويَقْصِدُونَ المُسْلِمِينَ في أرْواحِهِمْ ودِمائِهِمْ، وإنَّما اعْتَبَرْنا القُوَّةَ والشَّوْكَةَ لِأنَّ (p-١٧٠)قاطِعَ الطَّرِيقِ إنَّما يَمْتازُ عَنِ السّارِقِ بِهَذا القَيْدِ، واتَّفَقُوا عَلى أنَّ هَذِهِ الحالَةَ إذا حَصَلَتْ في الصَّحْراءِ كانُوا قَطّاعَ الطَّرِيقِ، فَأمّا لَوْ حَصَلَتْ في نَفْسِ البَلْدَةِ فَقالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ يَكُونُ أيْضًا ساعِيًا في الأرْضِ بِالفَسادِ ويُقامُ عَلَيْهِ هَذا الحَدُّ. قالَ: وأراهم في المِصْرِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أعْظَمَ ذَنْبًا فَلا أقَلَّ مِنَ المُساواةِ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٌ رَحِمَهُما اللَّهُ: إذا حَصَلَ ذَلِكَ في المِصْرِ فَإنَّهُ لا يُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ. وجْهُ قَوْلِ الشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّصُّ والقِياسُ، أمّا النَّصُّ فَعُمُومُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا﴾ ومَعْلُومٌ أنَّهُ إذا حَصَلَ هَذا المَعْنى في البَلَدِ كانَ لا مَحالَةَ داخِلًا تَحْتَ عُمُومِ هَذا النَّصِّ، وأمّا القِياسُ فَهو أنَّ هَذا حَدٌّ فَلا يَخْتَلِفُ في المِصْرِ وغَيْرِ المِصْرِ كَسائِرِ الحُدُودِ. وجْهُ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ الدّاخِلَ في المِصْرِ يَلْحَقُهُ الغَوْثُ في الغالِبِ فَلا يَتَمَكَّنُ مِنَ المُقاتَلَةِ فَصارَ في حُكْمِ السّارِقِ.
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ لِلْعُلَماءِ في لَفْظِ (أوْ) في هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّها لِلتَّخْيِيرِ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ وقَوْلُ الحَسَنِ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ ومُجاهِدٍ، والمَعْنى أنَّ الإمامَ إنْ شاءَ قَتَّلَ وإنْ شاءَ صَلَّبَ، وإنْ شاءَ قَطَّعَ الأيْدِيَ والأرْجُلَ، وإنْ شاءَ نَفى، أيَّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الأقْسامِ شاءَ فَعَلَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ: كَلِمَةُ (أوْ) هَهُنا لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، بَلْ هي لِبَيانِ أنَّ الأحْكامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الجِناياتِ، فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلى القَتْلِ قُتِّلَ، ومَن قَتَلَ وأخَذَ المالَ قُتِّلَ وصُلِّبَ، ومَنِ اقْتَصَرَ عَلى أخْذِ المالِ قُطِّعَ يَدُهُ ورِجْلُهُ مِن خِلافٍ. ومَن أخافَ السُّبُلَ ولَمْ يَأْخُذِ المالَ نُفِيَ مِنَ الأرْضِ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ مِنَ العُلَماءِ، وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، والَّذِي يَدُلُّ عَلى ضَعْفِ القَوْلِ الأوَّلِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ لَوْ كانَ المُرادُ مِنَ الآيَةِ التَّخْيِيرَ لَوَجَبَ أنْ يُمَكَّنَ الإمامُ مِنَ الِاقْتِصارِ عَلى النَّفْيِ، ولَمّا أجْمَعُوا عَلى أنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلِمْنا أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ مِنَ الآيَةِ التَّخْيِيرَ.
والثّانِي: أنَّ هَذا المُحارِبَ إذا لَمْ يَقْتُلْ ولَمْ يَأْخُذِ المالَ فَقَدْ هَمَّ بِالمَعْصِيَةِ ولَمْ يَفْعَلْ، وذَلِكَ لا يُوجِبُ القَتْلَ كالعَزْمِ عَلى سائِرِ المَعاصِي، فَثَبَتَ أنَّهُ لا يَجُوزُ حَمْلُ الآيَةِ عَلى التَّخْيِيرِ، فَيَجِبُ أنْ يُضْمِرَ في كُلِّ فِعْلٍ عَلى حِدَةٍ فِعْلًا عَلى حِدَةٍ، فَصارَ التَّقْدِيرُ: أنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا، أوْ يُصَلَّبُوا إنْ جَمَعُوا بَيْنَ أخْذِ المالِ والقَتْلِ، أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ إنِ اقْتَصَرُوا عَلى أخْذِ المالِ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ إنْ أخافُوا السُّبُلَ، والقِياسُ الجَلِيُّ أيْضًا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ ما ذَكَرْناهُ؛ لِأنَّ القَتْلَ العَمْدَ العُدْوانَ يُوجِبُ القَتْلَ، فَغَلَّظَ ذَلِكَ في قاطِعِ الطَّرِيقِ، وصارَ القَتْلُ حَتْمًا لا يَجُوزُ العَفْوُ عَنْهُ، وأخْذُ المالِ يَتَعَلَّقُ بِهِ القَطْعُ في غَيْرِ قاطِعِ الطَّرِيقِ، فَغَلَّظَ ذَلِكَ في قاطِعِ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الطَّرَفَيْنِ، وإنْ جَمَعُوا بَيْنَ القَتْلِ وبَيْنَ أخْذِ المالِ جَمَعَ في حَقِّهِمْ بَيْنَ القَتْلِ وبَيْنَ الصَّلْبِ؛ لِأنَّ بَقاءَهُ مَصْلُوبًا في مَمَرِّ الطَّرِيقِ يَكُونُ سَبَبًا لِاشْتِهارِ إيقاعِ هَذِهِ العُقُوبَةِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ زاجِرًا لِغَيْرِهِ عَنِ الإقْدامِ عَلى مِثْلِ هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وأمّا إنِ اقْتَصَرَ عَلى مُجَرَّدِ الإخافَةِ اقْتَصَرَ الشَّرْعُ مِنهُ عَلى عُقُوبَةٍ خَفِيفَةٍ وهي النَّفْيُ مِنَ الأرْضِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذا قَتَلَ وأخَذَ المالَ فالإمامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ ثَلاثَةِ أشْياءَ: أنْ يُقَتِّلَهم فَقَطْ، أوْ يُقَتِّلَهم ويُقَطِّعَ أيْدِيَهم وأرْجُلَهم قَبْلَ القَتْلِ، أوْ يُقَتِّلَهم ويُصَلِّبَهم، وعِنْدَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا بُدَّ مِنَ الصَّلْبِ، وهو قَوْلُ أبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
حُجَّةُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّهُ تَعالى نَصَّ عَلى الصَّلْبِ كَما نَصَّ عَلى القَتْلِ فَلَمْ يَجُزْ إسْقاطُ الصَّلْبِ (p-١٧١)كَما لَمْ يَجُزْ إسْقاطُ القَتْلِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ الصَّلْبِ، فَقِيلَ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُزَجُّ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتّى يَمُوتَ، وقالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقْتَلُ ويُصَلّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ.
* * *
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ النَّفْيِ مِنَ الأرْضِ. قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْناهُ إنْ وجَدَ هَؤُلاءِ المُحارِبِينَ قَتَلَهم وصَلَبَهم وقَطَعَ أيْدِيَهم وأرْجُلَهم مِن خِلافٍ، وإنْ لَمْ يَجِدْهم طَلَبَهم أبَدًا حَتّى إذا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فَعَلَ بِهِمْ ما ذَكَرْناهُ، وبِهِ قالَ أحْمَدُ وإسْحاقُ رَحِمَهُما اللَّهُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّفْيُ مِنَ الأرْضِ هو الحَبْسُ، وهو اخْتِيارُ أكْثَرِ أهْلِ اللُّغَةِ، قالُوا: ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ إمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ النَّفْيَ مِن جَمِيعِ الأرْضِ، وذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَعَ بَقاءِ الحَياةِ، وإمّا أنْ يَكُونَ إخْراجُهُ مِن تِلْكَ البَلْدَةِ إلى بَلْدَةٍ أُخْرى، وهو أيْضًا غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّ الغَرَضَ مِن هَذا النَّفْيِ دَفْعُ شَرِّهِ عَنِ المُسْلِمِينَ، فَلَوْ أخْرَجْناهُ إلى بَلَدٍ آخَرَ لاسْتَضَرَّ بِهِ مَن كانَ هُناكَ مِنَ المُسْلِمِينَ، وإمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ إخْراجَهُ إلى دارِ الكُفْرِ وهو أيْضًا غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّ إخْراجَ المُسْلِمِ إلى دارِ الكُفْرِ تَعْرِيضٌ لَهُ بِالرِّدَّةِ وهو غَيْرُ جائِزٍ، ولَمّا بَطَلَ الكُلُّ لَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ النَّفْيِ نَفْيَهُ عَنْ جَمِيعِ الأرْضِ إلّا مَكانَ الحَبْسِ. قالُوا: والمَحْبُوسُ قَدْ يُسَمّى مَنفِيًّا مِنَ الأرْضِ؛ لِأنَّهُ لا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِن طَيِّباتِ الدُّنْيا ولَذّاتِها، ولا يَرى أحَدًا مِن أحْبابِهِ، فَصارَ مَنفِيًّا عَنْ جَمِيعِ اللَّذّاتِ والشَّهَواتِ والطَّيِّباتِ فَكانَ كالمَنفِيِّ في الحَقِيقَةِ. ولَمّا حَبَسُوا صالِحَ بْنَ عَبْدِ القُدُّوسِ عَلى تُهْمَةِ الزَّنْدَقَةِ في حَبْسٍ ضَيِّقٍ وطالَ لُبْثُهُ هُنالِكَ ذَكَرَ شِعْرًا، مِنهُ قَوْلُهُ:
؎خَرَجْنا عَنِ الدُّنْيا وعَنْ وصْلِ أهْلِها فَلَسْنا مِنَ الأحْيا ولَسْنا مِنَ المَوْتى
؎إذا جاءَنا السَّجّانُ يَوْمًا لِحاجَةٍ ∗∗∗ عَجِبْنا وقُلْنا جاءَ هَذا مِنَ الدُّنْيا
قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذا النَّفْيُ المَذْكُورُ في الآيَةِ مَحْمُولٌ عَلى وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ هَؤُلاءِ المُحارِبِينَ إذا قَتَلُوا وأخَذُوا المالَ فالإمامُ إنْ أخَذَهم أقامَ عَلَيْهِمُ الحَدَّ، وإنْ لَمْ يَأْخُذْهم طَلَبَهم أبَدًا؛ فَكَوْنُهم خائِفِينَ مِنَ الإمامِ هارِبِينَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ هو المُرادُ مِنَ النَّفْيِ.
الثّانِي: القَوْمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الواقِعَةَ ويُكْثِرُونَ جَمْعَ هَؤُلاءِ المُحارِبِينَ ويُخِيفُونَ المُسْلِمِينَ ولَكِنَّهم ما قَتَلُوا وما أخَذُوا المالَ فالإمامُ إنْ أخَذَهم أقامَ عَلَيْهِمُ الحَدَّ، وإنْ لَمْ يَأْخُذْهم طَلَبَهم أبَدًا. فَيَقُولُ الشّافِعِيُّ هَهُنا: إنَّ الإمامَ يَأْخُذُهم ويُعَزِّرُهم ويَحْبِسُهم، فالمُرادُ بِنَفْيِهِمْ عَنِ الأرْضِ هو هَذا الحَبْسُ لا غَيْرَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ لَهم خِزْيٌ في الدُّنْيا﴾ أيْ فَضِيحَةٌ وهَوانٌ ﴿ولَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ .
قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: الآيَةُ دالَّةٌ عَلى القَطْعِ بِوَعِيدِ الفُسّاقِ مِن أهْلِ الصَّلاةِ، ودالَّةٌ عَلى أنَّ قَتْلَهم قَدْ أحْبَطَ ثَوابَهم؛ لِأنَّهُ تَعالى حَكَمَ بِأنَّ ذَلِكَ لَهم خِزْيٌ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِمْ مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ، وكَوْنُهم مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ في الحالِ يَمْنَعُ مِن بَقاءِ اسْتِحْقاقِهِمْ لِلْمَدْحِ والتَّعْظِيمِ لِما أنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ القَوْلُ بِالقَطْعِ بِوَعِيدِ الفُسّاقِ، وثَبَتَ القَوْلُ بِالإحْباطِ. (p-١٧٢)
والجَوابُ: لا نِزاعَ بَيْنَنا وبَيْنَكم في أنَّ هَذا الحَدَّ إنَّما يَكُونُ واقِعًا عَلى جِهَةِ الخِزْيِ والِاسْتِخْفافِ إذا لَمْ تَحْصُلِ التَّوْبَةُ، فَأمّا عِنْدَ حُصُولِ التَّوْبَةِ فَإنَّ هَذا الحَدَّ لا يَكُونُ عَلى جِهَةِ الخِزْيِ والِاسْتِخْفافِ، بَلْ يَكُونُ عَلى جِهَةِ الِامْتِحانِ، فَإذا جازَ لَكم أنْ تَشْتَرِطُوا هَذا الحُكْمَ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلى اعْتِبارِ هَذا الشَّرْطِ، فَنَحْنُ أيْضًا نَشْرُطُ هَذا الحُكْمَ بِشَرْطِ عَدَمِ العَفْوِ، وحِينَئِذٍ لا يَبْقى الكَلامُ إلّا في أنَّهُ هَلْ دَلَّ هَذا الدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ تَعالى يَعْفُو عَنِ الفُسّاقِ أمْ لا ؟ وقَدْ ذَكَرْنا هَذِهِ المَسْألَةَ بِالِاسْتِقْصاءِ في سُورَةِ البَقَرَةِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ (البَقَرَةِ: ٨١) .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إلّا الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: لَمّا شَرَحَ ما يَجِبُ عَلى هَؤُلاءِ المُحارِبِينَ مِنَ الحُدُودِ والعُقُوباتِ اسْتَثْنى عَنْهُما إذا تابُوا قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِمْ. وضَبْطُ هَذا الكَلامِ أنَّ ما يَتَعَلَّقُ مِن تِلْكَ الأحْكامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعالى فَإنَّهُ يَسْقُطُ بَعْدَ هَذِهِ التَّوْبَةِ، وما يَتَعَلَّقُ مِنها بِحُقُوقِ الآدَمِيِّينَ فَإنَّهُ لا يَسْقُطُ، فَهَؤُلاءِ المُحارِبُونَ إنْ قَتَلُوا إنْسانًا ثُمَّ تابُوا قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِمْ كانَ ولِيُّ الدَّمِ عَلى حَقِّهِ في القَصاصِ والعَفْوِ، إلّا أنَّهُ يَزُولُ حَتْمُ القَتْلِ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّوْبَةِ، وإنْ أخَذَ مالًا وجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ولَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَطْعُ اليَدِ أوِ الرِّجْلِ، وأمّا إذا تابَ بَعْدَ القُدْرَةِ فَظاهِرُ الآيَةِ أنَّ التَّوْبَةَ لا تَنْفَعُهُ، وتُقامُ الحُدُودُ عَلَيْهِ. قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: ويُحْتَمَلُ أنْ يَسْقُطَ كُلُّ حَدِّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأنَّ ماعِزًا لَمّا رُجِمَ أظْهَرَ تَوْبَتَهُ، فَلَمّا تَمَّمُوا رَجْمَهُ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: ”«هَلّا تَرَكْتُمُوهُ» “، أوْ لَفْظٌ هَذا مَعْناهُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ عَنِ المُكَلَّفِ كُلَّ ما يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعالى.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق