الباحث القرآني

﴿إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ۝٣٣﴾ - نزول الآية

٢٢٢٦٨- عن أنس بن مالك -من طريق أبي قلابة-: أن نفرًا من عُكْلٍ[[قبيلة من الرباب. معجم البلدان ٤/١٤٣.]] قدِموا على رسول الله ﷺ، فأسلَموا، واجتَوَوُا[[اجتووا المدينة: أي أصابهم الجَوى: وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها. لسان العرب (جوا).]] المدينة، فأمرهم النبي ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، فقتلوا راعيَها، واستاقوها، فبعث النبي ﷺ في طَلَبهم قافَةً، فأُتِي بهم، فقَطَّع أيديهم وأرجلهم، وسَمَل أعينهم، ولم يَحسِمْهم، وتركهم حتى ماتوا؛ فأنزل الله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية[[أخرجه النسائي في الكبرى ١٠/٨١ (١١٠٧٨)، وهو في البخاري ١/٥٦ (٢٣٣)، ٥/١٢٩ (٤١٩٢)، ٤/٦٢ (٣٠١٨)، ٨/١٦٢ (٦٨٠٢)، ٨/١٦٣ (٦٨٠٤، ٦٨٠٥)، ومسلم ٣/١٢٩٦ (١٦٧١) دون ذكر الآية.]]. (٥/٢٨٠)

٢٢٢٦٩- عن يزيد بن أبي حبيب: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية. فكتب إليه أنس يخبرُه أنّ هذه الآية نزلت في أولئك النفر من العُرَنِيِّين، وهم من بَجِيلَةَ، قال أنس: فارتدُّوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، فسأل رسول الله ﷺ جبريلَ عن القضاء في مَن حارب. فقال: مَن سرق وأخاف السبيل فاقطَعْ يده لسرقتِه ورجلَه بإخافتِه، ومَن قتلَ فاقْتُلْه، ومَن قتَل وأخاف السبيل واستحَلَّ الفرْجَ الحرامَ فاصلُبْه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٦، ٣٨٣، من طريق عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الملك بن مروان، عن أنس بن مالك به. قال ابن جرير ٨/٣٨٣: «في إسناده نظر». وقال ابن كثير في تفسيره ٣/١٠٠: «إن صح سنده». وقال الشوكاني في فتح القدير ٢/٤٢: «وهذا مع ما فيه من النكارة الشديدة لا يدرى كيف صحته». وقال الألباني في الضعيفة ١١/١٨٥ (٥١٠٨): «منكر».]]. (٥/٢٨٢)

٢٢٢٧٠- عن أنس، عن النبي ﷺ، في قول الله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾، قال: هم من عُكْلٍ[[أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/١٨٠ (٥٠٠١)، والطبراني في الأوسط ١/١٨٠ (٥٧٣)، من طريق أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أنس به. وسنده صحيح.]]. (٥/٢٨٢)

٢٢٢٧١- عن أنس -من طريق قتادة- أنّ رهطًا من عُكْلٍ وعُرَينةَ[[عُرينة: بطن من بَجِيلة كما تقدم في الأثر السابق. لسان العرب (عرن).]] أتَوُا النبي ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إنّا أهل ضَرْع، ولم نكن أهل ريف[[أي: إنا من أهل البادية لا من أهل المدن. النهاية (ريف).]]، وإنّا اسْتَوْخَمْنا[[أي: استثقلوها، ولم يوافق هواؤها أبدانهم. النهاية (وخم).]] المدينة. فأمر لهم النبي ﷺ بذَودٍ[[الذود من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع. وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر. النهاية (ذود).]] وراعٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيها، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا راعيَ رسول الله ﷺ، واستاقوا الذَّوْدَ، وكفروا بعد إسلامهم، فأُتِيَ بهم النبي ﷺ، فَقَطَّعَ أيديهم وأرجلهم، وسَمَل أعينَهم، وتركهم في الحَرَّة حتى ماتوا. فذُكِر لنا: أنّ هذه الآية نزلت فيهم: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾[[أخرجه البخاري ٥/١٢٩ (٤١٩٢)، ٧/١٢٩ (٥٧٢٧) دون ذكر الآية، وأخرجه بلفظه ابن جرير ٨/٣٦١-٣٦٢.]].(ز) (ز)

٢٢٢٧٢- عن جرير، قال: قدِم على رسول الله ﷺ قومٌ من عُرَيْنَةَ حُفاةً مَضرُورين، فأمر بهم رسول الله ﷺ، فلما صحُّوا واشتدُّوا قتَلوا رِعاءَ اللِّقاح[[اللِّقاح: ذوات الألبان. النهاية (لقح).]]، ثم خرجوا باللِّقاح عامِدين بها إلى أرض قومهم. قال جرير: فبعثني رسول الله ﷺ في نفر من المسلمين، فقدِمنا بهم، فقطَّع أيديهم وأرجلهم مِن خِلاف، وسَمَل أعينهم، فجعلوا يقولون: الماء. ورسول الله ﷺ يقول: «النار». حتى هلكوا، وكَرِه الله سَمْلَ[[أي: فَقأها بحديدة مُحماة أو غيرها. النهاية (سمل).]] الأعين؛ فأنزل الله هذه الآية: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٣-٣٦٤، من طريق عمرو بن هاشم، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم، عن جرير به. قال ابن كثير في تفسيره ٣/٩٧: «هذا حديث غريب، وفي إسناده الربذي، وهو ضعيف ... وأما قوله: فكره الله سمل الأعين، فأنزل الله هذه الآية. فإنه منكر». وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الطبري: «ضعيف جِدًّا، وهو أيضًا لا يصح».]]٢٠٥٤. (٥/٢٨١)

٢٠٥٤ علَّق ابنُ كثير (٥/١٩٠) على هذا الأثر بقوله: «وفيه فائدة، وهو ذكر أمير هذه السرية، وهو جرير بن عبد الله البجلي». وذكر أنّ قوله: فكره الله سمل الأعين، فأنزل الله هذه الآية. منكر؛ لِما ورد في الصحيح عند مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء، فكان ما فعل بهم قصاصًا.

٢٢٢٧٣- عن أبي هريرة، قال: قدِم على رسول الله ﷺ رجال من بني فَزارةَ قد ماتوا هَزْلًا[[أهزَل القوم: إذا أصابت مواشيهم سَنَةٌ فهزلت. والهُزالُ: ضد السِّمَن. النهاية (هزل).]]، فأمر بهم النبي ﷺ إلى لِقاحِه، فشرِبوا منها حتى صحُّوا، ثم عمَدوا إلى لِقاحِه فسرقوها، فطُلِبوا، فأُتِيَ بهم النبي ﷺ، فقَطَّع أيديهم وأرجلَهم، وسَمَل[[جاء في الدر بلفظ: «سَمَر أعينهم»، أي: أحمى لهم مسامير الحديد ثم كحلهم بها. النهاية (سمر).]] أعينَهم قال أبو هريرة: فيهم نزلت هذه الآية: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾. قال: فترك النبي ﷺ سَمْل الأعين بعد[[أخرجه عبد الرزاق ١٠/١٠٧ (١٨٥٤١)، من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة به. وفي سنده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (٢٤١): «متروك».]]٢٠٥٥. (٥/٢٨٣)

٢٠٥٥ علَّق ابنُ كثير (٥/١٩١) على هذا الأثر بقوله: «وروي من وجه آخر عن أبي هريرة».

٢٢٢٧٤- عن عبد الله بن عباس: أنّ قوما من عُرَينةَ جاؤوا إلى النبي ﷺ فأسلموا، وكان منهم مُوارَبَةٌ[[المُواربةُ: المُداهاة والمُخاتَلة. لسان العرب (ورب).]]، قد شَلَّت أعضاؤُهم، واصفرَّت وجوههم، وعظُمت بطونُهم، فأمر بهم النبي ﷺ إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها وألبانها، فشرِبوا حتى صحُّوا وسمِنوا، فعمَدوا إلى راعي النبي ﷺ فقتَلوه، واستاقوا الإبل، وارتَدُّوا عن الإسلام، وجاء جبريل، فقال: يا محمد، ابعث في آثارهم. فبعث، ثم قال: ادعُ بهذا الدعاء: اللهمَّ، إنّ السماءَ سماؤُك، والأرضَ أرضُك، والمشرقَ مشرقُك، والمغربَ مغربُك، اللهمَّ، ضيِّقْ عليهم الأرضَ برُحبِها حتى تَجعلها عليهم أضيقَ مِن مَسْكِ حَمَلٍ حتى تُقْدِرَني عليهم. فجاءوا بهم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية. فأمره جبريل أنّ مَن أخذ المال وقتَل يُصلَب، ومَن قتَل ولم يأخذ المال يُقْتل، ومَن أخذ المال ولم يَقتُل تُقطَّعُ يده ورجله من خِلاف. وقال ابن عباس: هذا الدعاءُ لكلِّ آبِقٍ، ولكلِّ مَن ضلَّت له ضالَّةٌ من إنسانٍ وغيره، يدعو بهذا الدعاء، ويُكتبُ في شيء، ويُدفَنُ في مكانٍ نظيفٍ إلا قدَره اللهُ عليه[[أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق ص٣٤٨ (١٠٧٩)، من طريق عباد بن الوليد، عن محمد بن الصلت، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الضحاك، عن ابن عباس به. وسنده حسن.]]. (٥/٢٨٦)

٢٢٢٧٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾، قال: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبلَ أن يُقدَرَ عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تَحرُزُ هذه الآيةُ الرجلَ المسلمَ مِن الحدِّ إن قتَل أو أفسَد في الأرض أو حاربَ الله ورسوله ثم لحِقَ بالكفار قبل أن يَقْدِروا عليه، لم يمنَعْه ذلك أن يُقام فيه الحدُّ الذي أصابه[[أخرجه أبو داود ٦/٤٢٥ (٤٣٧٢)، والنسائي ٧/١٠١ (٤٠٤٦) واللفظ له. قال ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/١٩٧: «إسناد حسن». وقال الألباني في الإرواء ٨/٩٣: «إسناد جيد».]]. (٥/٢٧٩)

٢٢٢٧٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في هذه الآية، قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله ﷺ عهدٌ وميثاق، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فخيَّر الله نبيه فيهم؛ إن شاء أن يُقتِّل، وإن شاء صلَّب، وإن شاء أن يُقطِّع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، وأما النفي فهو الهرب في الأرض[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٠، ٣٩٢، والطبراني في الكبير ١٢/٢٥٦ (١٣٠٣٢)، واللفظ له، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به. إسناده جيد. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]٢٠٥٦. (٥/٢٨٠)

٢٠٥٦ علَّق ابنُ عطية (٣/١٥٣)على هذا القول الذي قاله ابن عباس من طريق علي، والضحاك بقوله: «ويشبه أن تكون نازلة بني قريظة حين هموا بقتل النبي ﷺ».

٢٢٢٧٧- عن عبد الله بن عمر -من طريق عبد الله بن عبيد الله- قال: نزلت آية المحاربين في العُرَنِيِّين[[أخرجه أبو داود ٦/٤٢٤ (٤٣٦٩)، والنسائي ٧/١٠٠ (٤٠٤١)، من طريق عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الزناد، عن عبد الله بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمر به. وسنده صحيح. انظر: تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر ١٠/٢٤٩.]]. (٥/٢٨١)

٢٢٢٧٨- عن سعد بن أبي وقاص -من طريق مصعب بن سعد- قال: نزلت هذه الآية في الحَرُورِيَّة: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية[[أخرجه ابن مردويه -كما في تفسير ابن كثير ٣/٨٩-.]]. (٥/٢٨٠)

٢٢٢٧٩- عن سعيد بن جبير، قال: كان ناس من بني سُلَيْم أتَوُا النبي ﷺ، فبايعوه على الإسلام وهم كَذَبةٌ، ثم قالوا: إنا نَجْتَوِي المدينة. فقال النبي ﷺ: «هذه اللِّقاح تغدو عليكم وتروح، فاشربوا من أبوالها وألبانها». فبينما هم كذلك إذ جاء الصَّريخُ إلى رسول الله ﷺ، فقال: قتَلوا الراعي، وساقُوا النَّعَمَ. فركِبوا في أثرِهم، فرجع صحابة رسول الله ﷺ وقد أسَرُوا منهم، فأتَوا بهم النبي ﷺ؛ فأنزل الله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية. فقتَل نبي الله ﷺ منهم، وصلَب، وقطَّع، وسَمَل الأعين. قال: فما مثَّل النبي ﷺ قبلُ ولا بعدُ، ونهى عن المُثْلةِ، وقال: «لا تُمثِّلوا بشيء»[[أخرجه عبد الرزاق ١٠/١٠٧ (١٨٥٤٠)، وابن جرير ٨/٣٦٢-٣٦٣ مرسلًا.]]. (٥/٢٨٣)

٢٢٢٨٠- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جُوَيْبِر- قال: كان قومٌ بينَهم وبين النبي ﷺ ميثاقٌ، فنقَضوا العهد، وقطَعوا السُّبُل، وأفسدوا في الأرض، فخيَّر الله نبيه فيهم؛ إن شاء قتَل، وإن شاء صلَب، وإن شاء قطَّع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، ﴿أو ينفوا من الأرض﴾، قال: هو أن يُطلَبوا حتى يُعجِزوا، فمن تاب قبلَ أن يَقدِروا عليه قُبِلَ ذلك منه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٠، ٣٨٥، ٣٩٢. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٢٨١- عن الضحاك بن مزاحم، قال: نزلت هذه الآية في المشركين[[عزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٢٨٢- عن عكرمة مولى ابن عباس= (ز)

٢٢٢٨٣- والحسن البصري -من طريق يزيد- قالا: قال: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ إلى ﴿إن الله غفور رحيم﴾ نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل؛ وليست تُحْرِزُ هذه الآية الرجل المسلم من الحدِّ إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦١.]]. (ز)

٢٢٢٨٤- عن الحسن البصري -من طريق أشعث- ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾، قال: نزلت في أهل الشرك[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦١.]]٢٠٥٧. (ز)

٢٠٥٧ انتَقَد ابنُ عطية (٣/١٥٣) هذا القول الذي قاله عكرمة والحسن مستندًا إلى دلالة نصوص الشرع بقوله: «وفي هذا ضعف؛ لأن توبة المشرك نافعة بعد القدرة عليه وعلى كل حال». وذكر ابنُ كثير (٥/١٩٦) أنّ هذا القول يتأيد بخاتمة الآية: ﴿لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾؛ لأنّ أهل الإسلام قد ثبت في حقهم ما جاء عند مسلم، عن عبادة بن الصامت، قال: أخذ علينا رسول الله ﷺ كما أخذ على النساء: «ألا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه بعضُنا بعضًا، فمَن وفى منكم فأجره على الله، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله؛ إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له»".

٢٢٢٨٥- عن إسماعيل السدي، في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قال: أُنزِلت في سُودانِ عُرَينةَ، أتَوا رسول الله ﷺ وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم فخرجوا إلى إبل الصدقة، فقال: «اشربوا من ألبانها وأبوالها». فشربوا، حتى إذا صَحُّوا وبرِئوا قتَلوا الرُّعاة، واستاقوا الإبل، فبعث رسول الله ﷺ فأُتِيَ بهم، فأراد أن يسمُلَ أعينهم فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٦-٣٦٧ مرسلًا.]]٢٠٥٨. (٥/٢٨٤)

٢٠٥٨ انتقد ابنُ عطية (٣/١٥٤) قول السدي مستندًا لمخالفته ما تظاهرت به الأخبار، فقال: «وهذا قول ضعيف، تخالفه الروايات المتظاهرة». وبنحوه قال ابنُ كثير (٥/١٩٣).

٢٢٢٨٦- عن محمد بن السائب الكلبي: نزلت في قوم هلال بن عويمر، وذلك أنّ رسول الله ﷺ وادع هلال بن عويمر -وهو أبو بردة الأسلمي- على أن لا يُعينه ولا يُعين عليه، ومَن أتاه مِن المسلمين لم يُهَج[[أي: لم يُزعَج ولم يُنفَّر. النهاية (هيج).]]. قال: فمَرَّ قومٌ من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من قوم هلال، ولم يكن هلال يومئذ شاهدًا، فنَهدوا[[نَهَدَ القوم لعدوهم: إذا صمدوا له وشَرعوا في قتاله. النهاية (نهد).]] إليهم، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ؛ فنزل جبرائيل ﵇ بالقضية فيهم[[تفسير الثعلبي ٤/٥٥.]]. (ز)

٢٢٢٨٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورسولهُ﴾ ... وذلك أنّ تسعة نفر من عُرَيْنة -وهم من بُجَيْلة- أتَوُا النبي ﷺ بالمدينة، فأسلموا، فأصابهم وجع شديد، ووقع الماءُ الأصفرُ في بطونهم، فأمرهم النبي ﷺ أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ذلك، فلمّا صحُّوا عمدوا إلى الراعي فقتلوه، وأغاروا على الإبل فاستاقوها، وارتدُّوا عن الإسلام، فبعث النبي ﷺ عليَّ بن أبي طالب ﵁ في نفر، فأخذوهم، فلمّا أتوا بهم النبي ﷺ أمر بهم فقُطعت أيديهم وأرجلهم، وسُمِلت أعينهم؛ فأنزل الله ﷿ فيهم: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورسولهُ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٢.]]٢٠٥٩. (ز)

٢٠٥٩ اختلف المفسرون في نزول هذه الآية على ثلاثة أقوال: الأول: أنها في قوم من أهل الكتاب نقضوا عهدهم مع النبي ﷺ، وأفسدوا في الأرض؛ فنزلت الآية مُعَرِّفةً حكمهم. والثاني: أنها في قوم المشركين. والثالث: أنها في قوم من عكل وعرينة الذين ارتدوا وحاربوا الله ورسوله. ورجَّح ابنُ جرير (٨/٣٦٧) نزولها للتعريف بحكم مَن حارب الله ورسوله وأفسد بعد الذي كان مِن أمر العرنيين مستندًا إلى السياق، وأقوال الصحابة، فقال: «لأن القصص التي قصها الله جل وعز قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسطًا منه يعرف الحكم فيهم وفي نظرائهم أولى وأحق. وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعل رسول الله ﷺ بالعُرَنِيِّين ما فعل لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله ﷺ بذلك». ورجَّح ابنُ تيمية (٢/٤٦٧) عموم الآية، فقال بعد ذكره لما ورد في نزولها من أقوال: «والآية تتناول ذلك كله». ولم يذكر مستندًا. ووافقه ابنُ كثير (٥/١٨٥)، فقال: «والصحيح أنّ هذه الآية عامَّةٌ في المشركين وغيرهم مِمَّن فعل هذه الصفات». ولم يذكر مستندًا.

﴿إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ۝٣٣﴾ - النسخ في الآية

٢٢٢٨٨- عن محمد بن سيرين، قال: لَمّا فعل النبي ﷺ ذلك وُعِظ، ونُسِخ هذا الحكم[[علَّقه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص٣٨٣، وقال قبله: قال قوم في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض﴾: هذه ناسخة لما كان رسول الله ﷺ فعله في أمر العرنيين من التمثيل بهم، وسمل أعينهم، وتركهم حتى ماتوا. ومِمَّن قال هذا محمد بن سيرين.]]٢٠٦٠. (ز)

٢٠٦٠ انتقد ابنُ كثير (٥/١٩٣) هذا القول بالنسخ مستندًا إلى عدم الدليل عليه بقوله: «وهذا القول فيه نظر، ثم صاحبه مُطالَب ببيان تأخر الناسخ الذي ادَّعاه عن المنسوخ». وذكر أنّ هناك مَن قالوا بأنّ هذا كان قبل الحدود، ونسبه لابن سيرين. ثم علَّق (٥/١٩٣) عليه بقوله: «وفي هذا نظر؛ فإنّ قصتهم متأخرة، وفي رواية جرير بن عبد الله [الواردة في نزول الآية] لقصتهم ما يدل على تأخرها؛ فإنه أسلم بعد نزول المائدة». وذكر ابنُ عطية (٣/١٥٤) قولًا بأن هذه الآية ليست بناسخة لذلك الفعل؛ لأن ذلك وقع في المرتدين، وأنها في المحارب المؤمن. وعلَّق عليه بقوله: «لا سيما وفي بعض الطرق أنهم سملوا أعين الرعاة».

٢٢٢٨٩- عن أبي الزِّناد -من طريق محمد بن عجلان-: أنّ رسول الله ﷺ لَمّا قطَّع الذين سرقوا لِقاحَه وسمَل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك؛ فأنزل الله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية[[أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٣/ ٤٣٦ (٣٤٩١)، والبيهقي في سننه ٨/٢٨٣. وقال: «مرسل».]]. (٥/٢٨٥)

٢٢٢٩٠- عن الوليد بن مسلم، قال: ذاكرتُ الليث بن سعد ما كان مِن سمْلِ رسول الله ﷺ أعينهم، وتركِه حَسْمَهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أُنزِلت هذه الآية على رسول الله ﷺ مُعاتبة في ذلك، وعلَّمه عقوبة مثلِهم من القطع والقتل والنفي، ولم يسمُلْ بعدهم غيرهم.= (ز)

٢٢٢٩١- قال: وكان هذا القول ذُكِر لأبي عمرو [الأوزاعي]، فأنكر أن تكون نزلت معاتبةً، وقال: بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانِهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم مِمَّن حارب بعدهم، فرُفِع عنه السَّمْلُ[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٦٨-٣٦٩.]]. (٥/٢٨٤)

﴿إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ﴾ - تفسير

٢٢٢٩٢- عن سعيد بن جبير= (ز)

٢٢٢٩٣- والحسن البصري: المحاربة لله الكفر به[[عزاه الحافظ في الفتح ٨/٢٧٤ إلى ابن أبي حاتم.]]. (ز)

٢٢٢٩٤- عن قتادة بن دعامة= (ز)

٢٢٢٩٥- وعطاء الخراساني -من طريق معمر- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قالا: هذا اللصُّ الذي يَقطعُ الطريق فهو محارِبٌ[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/١٨٨، وفي المصنف (١٨٥٤٢)، وابن جرير ٨/٣٦٩.]]. (٥/٢٨٧)

٢٢٢٩٦- عن محمد بن السائب الكلبي -من طريق معمر-، مثله[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/١٨٨، وفي المصنف (١٨٥٤٢).]]. (ز)

٢٢٢٩٧- عن أبي الزناد، -من طريق ابنه عبد الرحمن- قال: أُتي عبد الحميد وهو أميرٌ على العراق بثلاثة نفر قد قطعوا الطريق، وخَذَمُوا[[خَذَمُوا بالسيوف: أي ضربوا الناس بها في الطريق. النهاية (خذم).]] بالسيوف، فأشار عليه ناس بقتلهم، فاستشارني، فقلت له: لا تفعلْ.= (ز)

٢٢٢٩٨- فنَهَيْتُه أن يقتلهم، لما كنت أعلم من رأي عمر بن عبد العزيز في ذلك أنّه لا يستحل قتل شيء كان على ذلك الحال، فلم يزالوا به حتى قتل أحدهم، ثم أخذ بقلبه بعضُ ما قلت، فكتب بعضهم إلى عمر، فجاءه جوابه جوابًا غليظًا يُقَبِّح له ما صنع، وفي الكتاب: فهلّا إذ تأولتَ هذه الآية ورأيت أنهم أهلها أخذت بأيسر ذلك. قال أبو الزناد: فإنّ رأي الذي ينتهى إلى رأيهم بالمدينة مُدَّعيًا أنه ليس بالمحارب الذي يتلصص ويستخفي من السلطان ويغزو، لكنهم قالوا: إنّ المحارب الذي يفسد نسل المؤمنين، ولا يجيب دعوة السلطان[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٤/١٤٦٢-١٤٦٣ (٧٣٦).]]. (ز)

٢٢٢٩٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورسولهُ﴾، يعني بالمحاربة: الشرك. نظيرها في براءة [١٠٧]: ﴿وإرْصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورسولهُ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٢.]]. (ز)

٢٢٣٠٠- عن أبي حنيفة وأصحابه: أنّ المحارب: هو قاطع الطريق، فأما المكابر في الأمصار فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين[[علَّقه ابن جرير ٨/٣٧١.]]. (ز)

٢٢٣٠١- عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي -من طريق العباس، عن أبيه- قال: هو اللص المُجاهِر بلُصُوصِيَّته، المُكابِر، في المِصْرِ وغيرِه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٠.]]. (ز)

٢٢٣٠٢- عن أبي عمرو [الأوزاعي] -من طريق الوليد-: وتكون المحاربة في المِصْر شَهَر على أهله بسلاحه ليلًا أو نهارًا[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧١.]]. (ز)

٢٢٣٠٣- عن الوليد، قال: سألتُ عن ذلك الليث بن سعد= (ز)

٢٢٣٠٤- وابن لهيعة، قلت: تكون المحاربة في دور المصر والمدائن والقرى؟ فقالا: نعم، إذا هم دخلوا عليهم بالسيوف علانية، أو ليلًا بالنيران. قلت: فقتلوا، أو أخذوا المال ولم يقتلوا؟ فقال: نعم، هم المحاربون، فإن قَتَلوا قُتِلوا، وإن لم يقتلوا وأخَذوا المال قُطعوا مِن خِلاف إذا هم خرجوا به من الدار، ليس مَن حارب المسلمين في الخلاء والسبيل بأعظم مِن محاربة مَن حاربهم في حريمهم ودورهم[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧١.]]. (ز)

٢٢٣٠٥- عن الوليد بن مسلم، قال: قلت لمالك بن أنس: تكون محاربة في المِصر؟ قال: نعم، والمحارب عندنا مَن حمل السلاح على المسلمين في مِصْرٍ أو خلاء، فكان ذلك منه على غير نائِرَة كانت بينهم، ولا ذَحْلٍ[[الذَّحْل: الثأْر. لسان العرب (ذحل).]]، ولا عداوة، قاطعًا للسبيل والطريق والديار، مخيفًا لهم بسلاحه، فقتل أحدًا منهم؛ قَتَله الإمامُ كقتله المحارب، ليس لولي المقتول فيه عَفْوٌ ولا قَوَد[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٠.]]. (ز)

٢٢٣٠٦- عن الوليد: وأخبرني مالك: أنّ قتل الغِيلَة عنده بمنزلة المحاربة. قلت: وما قتل الغِيلَة؟ قال: هو الرجل يخدع الرجل والصبي، فيدخله بيتًا، أو يخلو به، فيقتله ويأخذ ماله، فالإمام وليُّ قتل هذا، وليس لولي الدم والجرح قَوَد ولا قصاص[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧١.]]. (ز)

٢٢٣٠٧- عن محمد بن إدريس الشافعي -من طريق الربيع- أنّه اللص المجاهر بلصوصيته، المكابر، في المصر وغيره[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧١.]]٢٠٦١. (ز)

٢٠٦١ اختلف أهل العلم في المستحق اسم المحارب لله ورسوله الذي يلزمه حكم هذه على ثلاثة أقوال: الأول: هو اللص الذي يقطع الطريق. والثاني: هو قاطع الطريق؛ فأما المكابر في الأمصار فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين. والثالث: هو اللص المجاهر بلصوصيته، المكابر في المصر وغيره. ورجَّح ابنُ جرير (٨/٣٧٢) القول الأخير الذي قاله الأوزاعي، ومالك، وابن لهيعة، والشافعي، والليث مستندًا إلى دلالة العقل، فقال: «لا خلاف بين الحُجَّة أنّ مَن نَصَب حربًا للمسلمين على الظُّلم منه لهم أنّه لهم محارب، ولا خلاف فيه. فالذي وصفنا صفته لا شكَّ فيه أنّه لهم مناصبٌ حربًا ظلمًا، وإذ كان ذلك كذلك فسواء كان نَصْبُه الحربَ لهم في مصرهم وقراهم أو في سبلهم وطرقهم في أنّه لله ولرسوله محارب بحربه مَن نهاه الله ورسوله عن حربه».

٢٢٣٠٨- عن داود بن أبي هند، قال: تذاكرنا المحارب ونحن عند ابن هبيرة في ناس من أهل البصرة، فاجتمع رأيهم أنّ المُحارب ما كان خارجًا مِن المِصْر[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧١.]]٢٠٦٢. (ز)

٢٠٦٢ ذكر ابنُ كثير (٥/١٩٤) أنّ علة مَن قالوا بأنّ المحاربة لا تكون إلا في الطرقات، فأما في الأمصار فلا: هي أن المرء يلحقه الغَوْثُ إذا استغاث في المِصْر، بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه. وعلَّق ابنُ عطية (٣/١٥٥)على هذا القول بقوله: «يريدون أنّ القاطع في المِصر يلزمه حَدُّ ما اجْتَرَح مِن قتل، أو سرقة، أو غصب، ونحو ذلك».

﴿وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا﴾ - تفسير

٢٢٣٠٩- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾، قال: الزِّنا، والسرقة، وقتل النفس، وإهلاك الحرث والنسل[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٩٢. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٨٩)

٢٢٣١٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسادًا﴾: القتل، وأخذ الأموال[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٣.]]. (ز)

﴿أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - تفسير

٢٢٣١١- عن أنس -من طريق يزيد بن أبي حبيب- أنّ رسول الله ﷺ سأل جبريل عن القضاء في مَن حارب، فقال: مَن سرق وأخاف السبيل فاقطَعْ يده لسرقتِه ورجلَه بإخافتِه، ومَن قتلَ فاقْتُلْه، ومَن قتَل وأخاف السبيل واستحَلَّ الفرْجَ الحرامَ فاصلُبْه[[تقدم بتمامه مع تخريجه في نزول الآية.]]٢٠٦٣. (٥/٢٨٢)

٢٠٦٣ علَّق ابنُ عطية (٣/١٥٦)على هذا الأثر بقوله: «وبقي النفي للمخيف فقط».

٢٢٣١٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قال: مَن شهَر السلاحَ في قُبَّةِ الإسلام وأفسَد السبيلَ فظُهِر عليه وقُدِر فإمامُ المسلمين مُخيَّرٌ فيه؛ إن شاء قتَله، وإن شاء صلَبه، وإن شاء قطَع يده ورجله[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٩، والنحاس في ناسخه ص٣٩٢. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٥/٢٨٥)

٢٢٣١٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قال: إذا خرج المحاربُ فأخذ المالَ ولم يَقتُل قُطِع مِن خِلافٍ، وإذا خرَج فقتَل ولم يأخُذ ِالمالَ قُتِل، وإذا خرج وأخذ المال وقتَل قُتِل وصُلِب، وإذا خرج فأخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يَقْتُل نُفِيَ[[أخرجه الشافعي في الأم ٦/١٥١-١٥٢، وعبد الرزاق (١٨٥٤٤)، وابن أبي شيبة ١٠/١٤٧، وابن جرير ٨/٣٧٦-٣٧٧، والبيهقي ٨/٢٨٣، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص٣٩٢. وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٥/٢٨٥)

٢٢٣١٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- قوله: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورسولهُ﴾ إلى قوله: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، قال: إذا حارب فقَتَل فعليه القتل إذا ظُهِر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخذ المال وقَتَل فعليه الصلب إن ظُهِر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخذ ولم يقتل فعليه قطع اليد والرجل مِن خِلاف إن ظُهِر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما عليه النفي[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٣.]]. (ز)

٢٢٣١٥- عن سعيد بن المسيب -من طريق قتادة- في الآية، قال: الإمام مُخَيَّرٌ في المحاربِ يصنعُ به ما شاء[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٢/٢٨٦، وابن جرير ٨/٣٨٠.]]٢٠٦٤. (٥/٢٨٨)

٢٠٦٤ ذكر ابنُ جرير (٨/٣٨٠-٣٨١) أنّ حجة قائلي هذا القول هي أنّ ما كان في القرآن «أو - أو» فإنه للتخيير، كقوله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:١٩٦]، وكآية كفارة اليمين، وآية جزاء الصيد. وإذا كان ذلك كذلك فهو في هذه الآية كذلك. وبنحوه قال ابن عطية (٣/١٥٥-١٥٦)، وكذا ابن كثير (٥/١٦٤). ونقل ابن عطية (٣/١٥٥) عن مالك أنه استحسن أن يأخذ في الذي لم يَقْتل بأيسر العقوبات. وعلَّق عليه بقوله: «لا سيما إن كانت زلَّةً ولم يكن صاحب شرور معروفة، وأما إن قَتل فلا بد من قتله».

٢٢٣١٦- عن سعيد بن جبير -من طريق قيس بن سعد- قال: مَن خرج في الإسلام مُحارِبًا لله ورسوله فقَتَل وأصاب مالًا فإنه يُقتَل ويُصلَب، ومَن قَتَل ولم يُصِب مالًا فإنه يُقتَل كما قَتَل، ومَن أصاب مالًا ولم يقتُل فإنّه يُقطَع مِن خلاف، وإن أخاف سبيل المسلمين نُفِي من بلده إلى غيره؛ لقول الله -جل وعز-: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٤/١٤٥٤-١٤٥٥ (٧٢٩)، وابن جرير ٨/٣٧٦.]]. (ز)

٢٢٣١٧- عن سعيد بن جبير -من طريق أبي معاوية-= (ز)

٢٢٣١٨- وعن محمد بن كعب القرظي -من طريق أبي صخر- في هذه الآية: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا﴾، قالا: إن أخاف المسلمين فاقتطع المال ولم يسفك قُطِع، وإذا سفك دمًا قُتِل وصُلِب، وإن جمعهما فاقتطع مالًا وسَفَك دمًا قُطِع ثم قُتِل ثم صُلِب، كأنّ الصَّلْب مُثْلَة، وكأنّ القطع ﴿السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ [المائدة:٣٨]، وكأن القتل ﴿النفس بالنفس﴾ [المائدة:٤٥]، وإن امتنع فإنّ من الحق على الإمام وعلى المسلمين أن يطلبوه حتى يأخذوه فيقيموا عليه حكم كتاب الله[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٧.]]٢٠٦٥. (ز)

٢٠٦٥ ذكر ابنُ جرير (٨/٣٧٧-٣٧٨) أنّ قائلي هذا القول احتجَّوا بأنّ الحِرابة لا تُوجِب القتل بمجردها ما لم يقتُل؛ لأنّ دم المؤمن حرام إلا بإحدى ثلاث: ارتداد، أو زِنًا بعد إحصان، أو قتل نفس. فالمحارب إذا لم يقتل فلا سبيل إلى قتله، وإلا فذلك تقدُّمٌ على الله ورسوله بالخلاف عليهما في الحُكم. وبنحوه قال ابن عطية (٣/١٥٥).

٢٢٣١٩- عن إبراهيم النخعي -من طريق عبيدة-: الإمام مُخَيَّر في المحارب، أيَّ ذلك شاء فعل؛ إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء نفى، وإن شاء صلب[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٤/١٤٥٦-١٤٥٩ (٧٣٠-٧٣٤)، وابن جرير ٨/٣٧٨.]]. (ز)

٢٢٣٢٠- عن إبراهيم النخعي -من طريق حمّاد- ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾، قال: إذا خرج فأخاف السبيل وأخذ المال قُطِعَت يده ورجله من خلاف، وإذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال نُفِي، وإذا قَتَل قُتِل، وإذا أخاف السبيل وأخذ المال وقَتَل صُلِب[[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (ت: محمد عوامة) ١٧/٤٥٢ (٣٣٤٦٤)، وابن جرير ٨/٣٧٣.]]. (ز)

٢٢٣٢١- عن مجاهد بن جبر -من طريق القاسم بن أبي بزَّة-= (ز)

٢٢٣٢٢- وعطاء [بن أبي رباح] -من طريق قيس بن سعد- قالا: الإمامُ في ذلك مُخَيَّرٌ، أيَّ ذلك شاءَ فعَل؛ إن شاء قطع، وإن شاء صلَب، وإن شاء نفى[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٤/١٤٥٦-١٤٥٩ (٧٣٠-٧٣٤) من طريق حجاج، وابن أبي شيبة ١٠/١٤٥، ١٢/٢٨٥، وابن جرير ٨/٣٧٨-٣٧٩. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٨٧)

٢٢٣٢٣- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جويبر-= (ز)

٢٢٣٢٤- والحسن البصري -من طريق أبي حُرَّة- قال: الإمام مُخَيَّر في المُحارِب، أيَّ ذلك شاء فعل[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٤/١٤٥٦-١٤٥٩ (٧٣٠-٧٣٤). وابن أبي شيبة ١٠/١٤٥، ١٢/٢٨٥، وابن جرير ٨/٣٨٠ عن الحسن من طريق عاصم وغيره.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٣٢٥- عن الحسن البصري -من طريق سماك- ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ إلى قوله: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾، قال: إذا أخاف الطريق ولم يقتُل ولم يأخُذ المال نُفِي[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٤.]]. (ز)

٢٢٣٢٦- عن أبي مجلز لاحق بن حميد -من طريق عمران بن حدير- ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قال: إذا قَتَل وأَخَذ المال وأخاف السبيل صُلِب، وإذا قَتَل لم يَعْدُ ذلك قُتِل، وإذا أخذ المال لم يَعْدُ ذلك قُطِع، وإذا كان يفسد نُفِي[[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (ت: محمد عوامة) ١٧/٤٥٢ (٣٣٤٦٣)، وابن جرير ٨/٣٧٤.]]. (ز)

٢٢٣٢٧- عن مورق العجلي -من طريق قتادة- في المُحارِب قال: إن كان خرج فقَتَل وأَخَذ المال صُلِب، وإن قَتَل ولم يأخذ المال قُتِل، وإن كان أخَذ المال ولم يقتل قُطِع، وإن كان خرج مُشاقًّا للمسلمين نُفِي[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٦.]]. (ز)

٢٢٣٢٨- عن فضيل بن مرزوق، قال: سمعت السديَّ يسأل عطية العوفي عن رجل مُحارِب خرج فأخذ ولم يُصِب مالًا، ولم يُهْرِق دمًا. قال: النفيُ بالسيف، وإن أخذ مالًا فيَدُه بالمال ورجله بما أخاف المسلمين، وإن هو قَتَل ولم يأخذ مالًا قُتِل، وإن هو قَتَل وأَخَذ المال صُلِب. وأكبر ظني أنّه قال: تُقطَع يده ورجله[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٥.]]. (ز)

٢٢٣٢٩- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورسولهُ﴾ إلى قوله: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، قال: حدود أربعة أنزلها الله؛ فأمّا مَن أصاب الدم والمال جميعًا صُلِب، وأمّا مَن أصاب الدم وكَفَّ عن المال قُتِل، ومَن أصاب المالَ وكَفَّ عن الدم قُطِع، ومَن لم يُصِب شيئًا من هذا نُفي[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٤.]]. (ز)

٢٢٣٣٠- عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر-= (ز)

٢٢٣٣١- وعطاء الخراساني -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ الآية، قالا: هذا اللصُّ الذي يَقطعُ الطريق فهو محارِبٌ؛ فإن قتَل وأخَذ مالًا صُلِب، وإن قتَل ولم يأخذْ مالًا قُتِل، وإن أخذ مالًا ولم يَقتُل قُطِعت يده ورجله، وإن أُخِذ قبلَ أن يَفعلَ شيئًا من ذلك نُفِي[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/١٨٨، وفي المصنف (١٨٥٤٢)، وابن جرير ٨/٣٧٥.]]. (٥/٢٨٧)

٢٢٣٣٢- عن محمد بن السائب الكلبي -من طريق مَعْمَر- مثله[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/١٨٨، وفي المصنف (١٨٥٤٢).]]. (ز)

٢٢٣٣٣- عن حُصين [بن عبد الرحمن السلمي] -من طريق هشيم- قال: كان يُقال: مَن حارب فأخاف السبيل وأخذ المال ولم يَقتُل قُطِعَت يده ورجله من خلاف، وإذا أخذ المال وقَتَل صُلِب[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٤.]]. (ز)

٢٢٣٣٤- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: فنَهى اللهُ نبيه عليه الصلاة والسلام عن أن يسْمُل أعين العُرَنِيِّين الذين أغاروا على لقاحه، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه، فنظر إلى مَن أخذ المال ولم يقتُل فقَطَع يده ورجله مِن خلاف؛ يده اليمنى ورجله اليسرى، ونظر إلى مَن قتل ولم يأخذ مالًا فقتله، ونظر إلى مَن أخذ المال وقَتَل فصَلَبه، وكذلك ينبغي لكلِّ مَن أخاف طريق المسلمين وقطع أن يُصنَع به إن أُخِذ وقد أخَذ مالًا قُطِعت يده بأخذه المال ورجله بإخافة الطريق، وإن قتل ولم يأخذ مالًا قُتِل، وإن قَتَل وأخذ المال صُلِب[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٥.]]. (ز)

٢٢٣٣٥- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- في قوله: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾، قال: كان ناس يسعون في الأرض فسادًا وقَتَلوا وقَطَعوا السبيل فصُلِب أولئك، وكان آخرون حاربوا واستحَلَّوا المال ولم يَعْدُوا ذلك فقُطِعت أيديهم وأرجلهم، وآخرون حاربوا واعتزلوا ولم يَعْدُوا ذلك فأولئك أُخرِجوا من الأرض[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٦.]]٢٠٦٦. (ز)

٢٠٦٦ اختلف المفسرون في الخِلال الواردة في الآية أتلزم المحارب باستحقاقه اسم المحاربة، أم يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه مختلفًا باختلاف إجرامه؟ على قولين: الأول: يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه، مختلفًا باختلاف إجرامه. والثاني: الإمام فيه بالخيار أن يفعل أي هذه الأشياء التي ذكرها الله. ورجَّح ابنُ جرير (٨/٣٨١) القول الأول الذي قاله ابن عباس من طريق العوفي، وإبراهيم من طريق حماد، وأبي مجلز، والحسن من طريق سماك، وحصين، وقتادة من طريق سعيد، والسدي، وفضيل بن مرزوق، وسعيد بن جبير، والربيع، ومورق العجلي مستندًا إلى دلالة السنّة فيما مضى ذكره في توجيه القول، وقال: «وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا تأويل من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه». وقال (٨/٣٨٣): «وقد روي عن رسول الله ﷺ بتصحيح ما قلنا في ذلك خبرٌ في إسناده نظر». وساق رواية يزيد بن أبي حبيب عن أنس التي مرت في نزول الآية. وذكر ابنُ كثير (٣/١٠٠) أنّ الرواية تشهد لهذا القول لو صحَّت. وعلَّق ابنُ عطية (٣/١٥٦) على هذا القول بقوله: «وهو أحْوَط للمفتي، وأَصْوَن لدم المحارب». وانتقد ابنُ جرير (٣٨١-٣٨٢) القول الثاني مستندًا لمخالفته اللغة، والسنة، وذلك أنّ «أو» في لغة العرب تأتي بضروب عدة، وهي في هذا الموطن للتعقيب، كقول القائل: جزاء المؤمنين عند الله أن يدخلهم الجنة، أويرفع منازلهم، أو يسكنهم مع الأنبياء. فليس المقصود أنّ جزاء كل مؤمن هو مرتبة من هذه المراتب، بل أن جزاء المؤمن لن يخلو من بعض هذه المنازل. ثم إنّ ﴿أو﴾ لو كانت للتخيير لجاز للإمام قتلُ مَن شهر السلاح مخيفًا السبيل وصلبه، وإن لم يأخذ مالًا ولا قتل أحدًا، وذلك خلاف الثابت عن النبي ﷺ من أنّ دم المسلم لا يحل إلا بإحدى ثلاث: ارتداد، أو زِنًا بعد إحصان، أو قتل نفس، وأنه لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا. ثم قال: «وبعدُ: فإذا كان الإمام مخيرًا في الحكم على المحارب من أجل أن ﴿أو﴾ بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك، أفله أن يصلبه حيًّا ويتركه على الخشبة مصلوبًا حتى يموت من غير قتله؟ فإن قال: ذلك له. خالف في ذلك الأمة. وإن زعم أن ذلك ليس له، وإنما له قتله ثم صلبه أو صلبه ثم قتله، ترك علته من أن الإمام إنما كان له الخيار في الحكم على المحارب من أجل أن ﴿أو﴾ تأتي بمعنى التخيير، وقيل له: فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع ولم يكن له الخيار في الصلب وحده، حتى تجمع إليه عقوبة أخرى؟ وقيل له: هل بينك وبين مَن جعل الخيار حيث أبيت وأبى ذلك حيث جعلته له فرقٌ من أصل أو قياس؟ فلن يقول في أحدهما قولًا إلا ألزم في الآخر مثله». وذكر ابنُ عطية (٣/١٥٦) أنّ في هذا القول سدًّا للذريعة وحفظًا للناس والطرق.

﴿أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ﴾ - تفسير

٢٢٣٣٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِن خِلافٍ﴾، يعني: اليد اليمنى والرجل اليسرى، فالإمام في ذلك بالخيار في القتل، والصلب، وقطع الأيدي والأرجل[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٣.]]. (ز)

٢٢٣٣٧- قال يحيى بن سلّام: سألت الجهم بن وراد الكوفي عن قوله: ﴿من خلاف﴾. فقال: يده اليمنى ورجله اليسرى[[تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢٦.]]. (ز)

﴿أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - تفسير

٢٢٣٣٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي-: نفيُه أن يُطْلَبَ[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٤.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٣٣٩- عن عبد الله بن عباس: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾: أن يعجزوا فلا يقدر عليهم[[تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢٦.]]. (ز)

٢٢٣٤٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- ﴿أو ينفوا من الأرض﴾: يُهَرَّبوا؛ يُخرَجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٤. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (٥/٢٨٥)

٢٢٣٤١- عن أنس بن مالك -من طريق يزيد بن أبي حبيب- قال: نفيُه أن يطلبَه الإمامُ حتى يأخذه، فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله بما استحَل[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٤-٣٨٥.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٣٤٢- عن سعيد بن جبير -من طريق قيس بن سعد- في الآية، قال: مَن أخاف سبيلَ المسلمين نُفِيَ من بلده إلى غيره[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٧.]]. (٥/٢٨٩)

٢٢٣٤٣- عن سعيد بن جبير -من طريق أبي معاوية-= (ز)

٢٢٣٤٤- وعن محمد بن كعب القرظي -من طريق أبي صخر- في قوله: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾: من أرض الإسلام إلى أرض الكفر[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٧٧، ٣٨٦.]]. (ز)

٢٢٣٤٥- عن يزيد بن أبي حبيب: أنّ الصلت كاتب حيان بن سريج أخبرهم أنّ حيان كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أنّ ناسًا من القِبط قامت عليهم البيِّنة بأنّهم حاربوا الله ورسوله، وسعوا في الأرض فسادًا، وأن الله يقول: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا﴾ فقرأ حتى بلغ: ﴿وأرجلهم من خلاف﴾. وسكت عن النفي، وكتب إليه: فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يُمضِي قضاء الله فيهم فليكتب بذلك. فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه قال: لقد اجْتَزَأ حيّان. ثم كتب إليه: إنّه قد بلغني كتابُك، وفهمته، ولقد اجتزأتَ، كأنما كتبت بكتاب يزيد بن أبي مسلم، أو عِلْج صاحب العراق! مِن غير أن أشبهك بهما، فكتبت بأول الآية، ثم سكتَّ عن آخرها، وإنّ الله يقول: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾. فإن كانت قامت عليهم البيِّنة بما كتبتَ به فاعقد في أعناقهم حديدًا، ثم غيِّبْهم إلى شَغْبٍ وبَدا[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٧-٣٨٨.]]٢٠٦٧. (ز)

٢٠٦٧ ذكر ابنُ جرير (٨/٣٨٨) أنّ «شَغْب» و«بَدا» موضعان.

٢٢٣٤٦- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جويبر- ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، قال: أن يُطلبوا حتى يُعجزوا[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٥.]]. (ز)

٢٢٣٤٧- عن الحسن البصري، في قوله: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾، قال: من بلد إلى بلد[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٣٤٨- عن الحسن البصري -من طريق عاصم- قال: يُنفى حتى لا يُقدَرَ عليه[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٥-٣٨٦.]]. (٥/٢٨٨)

٢٢٣٤٩- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- ﴿أو ينفوا من الأرض﴾ إذا لم يقتل ولم يأخذ مالًا طُلِب حتى يعجز[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٦.]]. (ز)

٢٢٣٥٠- عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق معمر- في قوله: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾، قال: نفيه أن يُطلَبَ فلا يُقدَرَ عليه، كلما سُمِع به في أرض طُلِبَ[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٦. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٥/٢٨٩)

٢٢٣٥١- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قوله: ﴿أو ينفوا من الأرض﴾، قال: يطلبهم الإمام بالخيل والرجال حتى يأخذهم، فيقيم فيهم الحكم، أو ينفوا من أرض المسلمين[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٤.]]. (ز)

٢٢٣٥٢- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- في الآية، قال: يُخرَجوا من الأرض، أينما أُدرِكوا أُخرِجوا، حتى يَلحَقوا بأرضِ العدو[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٦.]]. (٥/٢٨٩)

٢٢٣٥٣- عن أبي حنيفة وأصحابه، أنّ معنى النفي من الأرض في هذا الموضع: الحبس[[علَّقه ابن جرير ٨/٣٨٨.]]. (ز)

٢٢٣٥٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، يقول: يخرجوا من الأرض -أرض المسلمين-، فيُنفَوا بالطَّرْد[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٣.]]. (ز)

٢٢٣٥٥- عن الوليد، قال: قلت لمالك بن أنس= (ز)

٢٢٣٥٦- والليث بن سعد: وكذلك يُطلَب المحارب المقيم على إسلامه، يضطره بطلبه من بلد إلى بلد حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو أقصى حوز المسلمين، فإن هم طلبوه دخل دار الشرك؟ قالا: لا يُضطَر مسلم إلى ذلك[[أخرجه ابن جرير ٨/٣٨٥.]]٢٠٦٨. (ز)

٢٠٦٨ اختلف المفسرون في معنى النفي على ثلاثة أقوال: الأول: هو أن يُطلَب حتى يقدر عليه، أو يهرب من دار الإسلام. والثاني: الحبس. والثالث: المعنى: أنّ الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها. ورجَّح ابنُ جرير (٨/٣٨٩ بتصرف) القول الأخير الذي قال به سعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز مستندًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «لأنّ أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة، وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنّ الله -جلَّ ثناؤه- إنما جعل جزاء المحارب القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف بعد القدرة عليه لا في حال امتناعه؛ كان معلومًا أنّ النفي أيضًا إنما هو جزاؤه بعد القدرة عليه لا قبلها، ولو كان هروبه من الطلب نفيًا له من الأرض كان قطع يده ورجله من خلاف في حال امتناعه وحربه على وجه القتال بمعنى إقامة الحد عليه بعد القدرة عليه، وفي إجماع الجميع أنّ ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله ﷿ حدًّا له بعد القدرة عليه [ما يُبطل أن يكون نفيه من الأرض: هروبه من الطلب]، وإذ كان كذلك فمعلومٌ أنّه لم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها، أو السجن. فإذ كان كذلك فلا شك أنّه إذا نُفِي من بلدة إلى أخرى غيرها فلم يُنفَ من الأرض، بل إنما نفي من أرض دون أرض، وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله -جل ثناؤه- إنما أمر بنفيه من الأرض؛ كان معلومًا أنّه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بقعة منها عن سائرها، فيكون منفيًّا حينئذ عن جميعها، إلا مما لا سبيل إلى نفيه منه». وكذا رجَّحه ابنُ عطية (٣/١٥٧) مستندًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «والظاهر أنّ الأَرْض في هذه الآية هي أرض النازلة، وقد جنب الناس قديمًا الأرض التي أصابوا فيها الذنوب، ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة، وينبغي للإمام إن كان هذا المحارب المنفيُّ مخوفَ الجانب يظن أنه يعود إلى حرابة وإفساد أن يسجنه في البلد الذي يغرب إليه، وإن كان غير مخوف الجانب ترك مسرحًا، وهذا هو الأغلب في أنه مخوف، ورجحه الطبري، وهو الراجح؛ لأن نفيه من أرض النازلة أو الإسلام هو نص الآية، وسجنه بعدُ بحسب الخوف منه، فإذا تاب وفُهِم حاله سُرِّح».

﴿ذَ ٰ⁠لِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ۝٣٣﴾ - تفسير

٢٢٣٥٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ذَلِكَ﴾ جزاءهم الخزي ﴿لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾ قطع اليد والرجل، والقتل، والصلب في الدنيا، ﴿ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ يعني: كثيرًا وافرًا لا انقطاع له[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤٧٣.]]. (ز)

﴿ذَ ٰ⁠لِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ۝٣٣﴾ - آثار متعلقة بالآية

٢٢٣٥٨- عن عائشة، أنّ النبي ﷺ قال: «لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاثِ خصال: زانٍ مُحصَنٍ يُرجَم، أو رجل قَتَل متعمدًا فيُقتَل، أو رجل خرج من الإسلام فحارب فيُقتَل، أو يُصلُب، أو يُنفى من الأرض»[[أخرجه أبو داود ٦/٤٠٨-٤٠٩ (٤٣٥٣)، والنسائي ٧/١٠١ (٤٠٤٨)، ٨/٢٣ (٤٧٤٣)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص٣٩١ واللفظ له. وصححه الحاكم ٤/٤٠٨ (٨٠٩٥)، وقال: «حديث صحيح الإسناد، على شرط الشيخين». وقال الذهبي في التلخيص: «على شرط البخاري ومسلم». وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق ٤/٤٦١ (٢٨٧٨): «حديث صحيح، على شرط الصحيح». وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢/٢٦٢ (١٠٠٨): «إسناده صحيح».]]. (٥/٢٨٦)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب