الباحث القرآني
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا﴾
قال أبو جعفر: وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم"الفساد في الأرض"، الذي ذكره في قوله:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض"= أعلم عباده: ما الذي يستحق المفسدُ في الأرض من العقوبة والنكال، فقال تبارك وتعالى: لا جزاء له في الدنيا إلا القتلُ، والصلب، وقطعُ اليد والرِّجل من خلافٍ، أو النفي من الأرضِ، خزيًا لهم. وأما في الآخرة إن لم يتبْ في الدنيا، فعذاب عظيم.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نزلت في قوم مِن أهل الكتاب كانوا أهل مودَاعةٍ لرسول الله ﷺ، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فعرَّف الله نبيَّه ﷺ الحكمَ فيهم.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٠٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا"، قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي ﷺ عهدٌ وميثاق، فنقضوا العهدَ وأفسدوا في الأرض، فخيَّرَ الله رسوله: إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خِلافٍ.
١١٨٠٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين رسول الله ﷺ ميثاقٌ، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيَّر الله جل وعز نبيَّه ﷺ فيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صَلَب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.
١١٨٠٥ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
* * *
وقال آخرون: نزلت في قوم من المشركين.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٠٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى "أن الله غفور رحيم"، نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدِروا عليه لم يكن عليه سبيل. وليست تُحْرِزُ هذه الآية الرجلَ المسلم من الحدِّ. إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يُقْدَر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحدُّ الذي أصاب. [[الأثر: ١١٨٠٦-"يزيد" هو"يزيد النحوي"، "يزيد بن أبي سعيد النحوي المروزي" مضى برقم: ٦٣١١. وكان في المطبوعة هنا: "زيد"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. وأخرجه النسائي في سننه ٧: ١٠١ بمثله. وأبو داود في سننه ٤: ١٨٧، رقم ٤٣٧٢، وسيأتي برقم: ١١٨٧٢.]]
١١٨٠٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الحسن:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، قال: نزلت في أهل الشرك.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في قوم من عُرَيْنه وعُكْل، ارتدُّوا عن الإسلام، وحارَبوا الله ورسوله.
[ذكر من قال ذلك] :
١١٨٠٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: أن رهطًا من عُكْلٍ وعُرَينة، أتوا النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله، إنا أهل ضَرْع، ولم نكن أهل ريفٍ، [["أهل ضرع": أهل إبل وشاء. و"الضرع"، ثدي كل ذات خف أو ظلف، يعني أنهم أهل بادية= و"أهل ريف": أهل زرع وحرث، وهم الحضر. و"الريف"، ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها.]] وإنا استوخمنا المدينة، [["استوخموا المدينة": استثقلوها، ولم يوافق هواؤها أبدانهم، فمرضوا.]] فأمر لهم النبي ﷺ بِذَوْدٍ وراعٍ، [["الذود": القطيع من الإبل، من الثلاث إلى التسع.]] وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا راعيَ رسول الله ﷺ، واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتيَ بهم النبي ﷺ، فقطع أيديهم وأرجلهم، وَسَمل أعينهم، [["سمل عينه": فقأها بحديدة محماة، أو بشوك، أو ما شابه ذلك. وإنما فعل بهم ذلك، لأنهم فعلوا بالرعاة مثله، فجازاهم على صنيعه بمثله.]] وتركهم في الحرَّة حتى ماتوا [["الحرة" (بفتح الحاء) : أرض ذات حجارة سود نخرات، كأنها أحرقت بالنار. ومدينة رسول الله ﷺ بين حرتين.]] = فذُكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله". [[الأثران: ١١٨٠٨، ١١٨٠٩-"روح بن عباة القيسي"، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: ٣٠١٥، ٣٣٥٥، ٣٩١٢.
و"هشام بن أبي عبد الله" في الأثر الثاني هو"الدستوائي".
وهذا حديث صحيح، رواه أحمد من طرق في مسنده ٣: ١٦٣، من طريق معمر، عن قتادة/ و١٧٠، من طريق سعيد عن قتادة/ و٢٣٣، من طريق سعيد أيضا/ و٢٨٧ من طريق حماد، عن قتادة/ و٢٩٠ من طريق عفان عن قتادة. ورواه البخاري في صحيحه (الفتح ٧: ٣٥١) من طريق عبد الأعلى بن حماد، عن يزيد بن زريع، عن سعيد، بمثله. وأشار إليه مسلم في صحيحه ١١: ١٥٧. وأبو داود في سننه ٤: ١٨٦، رقم ٤٣٦٨، من طريق هشام، عن قتادة، والنسائي في سننه من طرق ٧: ٩٧، والبيهقي في السنن ٨: ٦٢.]]
١١٨٠٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا روح قال، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ، بمثل هذه القصة. [[الأثران: ١١٨٠٨، ١١٨٠٩-"روح بن عباة القيسي"، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: ٣٠١٥، ٣٣٥٥، ٣٩١٢.
و"هشام بن أبي عبد الله" في الأثر الثاني هو"الدستوائي".
وهذا حديث صحيح، رواه أحمد من طرق في مسنده ٣: ١٦٣، من طريق معمر، عن قتادة/ و١٧٠، من طريق سعيد عن قتادة/ و٢٣٣، من طريق سعيد أيضا/ و٢٨٧ من طريق حماد، عن قتادة/ و٢٩٠ من طريق عفان عن قتادة. ورواه البخاري في صحيحه (الفتح ٧: ٣٥١) من طريق عبد الأعلى بن حماد، عن يزيد بن زريع، عن سعيد، بمثله. وأشار إليه مسلم في صحيحه ١١: ١٥٧. وأبو داود في سننه ٤: ١٨٦، رقم ٤٣٦٨، من طريق هشام، عن قتادة، والنسائي في سننه من طرق ٧: ٩٧، والبيهقي في السنن ٨: ٦٢.]]
١١٨١٠ - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال، سمعت أبى يقول: أخبرنا أبو حمزة، عن عبد الكريم= وسئل عن أبوال الإبل= فقال: حدثني سعيد بن جبير عن المحاربين فقال: كان ناس أتوا النبي ﷺ فقالوا: نبايعك على الإسلام! فبايعوه وهم كَذَبة، وليس الإسلامَ يريدون. ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة! [["اجتوى الأرض والبلد": إذا كره المقام فيه، وإن كانت موافقة له في بدنه. ويقال: "الاجتواء": أن لا تستمرئ الطعام بالأرض والشراب، غير أنك إذ أحببت المقام بها ولم يوافقك طعامها، فأنت"مستوبل"، ولست بمجتو. ويقال في شرح حديث العرنيين: أصابهم"الجوى"، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول.]] فقال النبي ﷺ:"هذه اللَّقاح تغدو عليكم وتروح، [["اللقاح" (بكسر اللام) جمع"لقحة" (بكسر فسكون) ، وهي ذوات الألبان من النوق.]] فاشربوا من أبوالها وألبانها. قال: فبينا هم كذلك، إذ جاء الصريخُ، فصرخ إلى رسول الله ﷺ، [["الصريخ" و"الصارخ": المستغيث. وقوله: "صرخ إلى رسول الله"، كأنه يعني: انتهى باستغاثته إلى رسول الله. وهو تعبير قلما تظفر به في المراجع فقيده.]] فقال: قتلوا الراعي، وساقوا النَّعَم! فأمر نبي الله فنودي في الناس: أنْ"يا خيل الله اركبي"! [[قال ابن الأثير: "هذا على حذف المضاف، أراد: يا فرسان خيل الله اركبي، وهذا من أحسن المحازات وألطفها"، وهي في التنزيل: "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك"، أي بفرسانك ورجالتك.]] قال: فركبوا، لا ينتظر فارسٌ فارسًا. قال: فركب رسول الله ﷺ على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنَهم، فرجع صحابة رسول الله ﷺ وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي ﷺ، فأنزل الله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية. قال: فكان نفيُهم: أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنَهم وأرضهم، ونفوهم من أرض المسلمين. وقتل نبي الله منهم، وصلب وقَطَع، وَسَمل الأعين. قال: فما مثَّل رسول الله ﷺ قبلُ ولا بعدُ. قال: ونهَى عن المُثْلة، وقال: لا تمثِّلوا بشيء. قال: فكان أنس بن مالك يقول ذلك، غير أنه قال: أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم. [[الأثر: ١١٨١٠-"أبو حمزة"، هو"ميمون، أبو حمزة الأعور القصاب"، ضعيف جدا، مضى برقم: ٦١٩٠.
و"عبد الكريم"، هو"عبد الكريم بن مالك الجزري: " أبو سعيد، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٨٩٢.]]
* * *
قال: وبعضهم يقول: هم ناس من بني سليم، ومنهم من عرينة، وناس من بَجيلة
[ذكر من قال ذلك] :
١١٨١١ - حدثني محمد بن خلف قال، حدثنا الحسن بن حماد، عن عمرو بن هاشم، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم، عن جرير قال: قَدِم على النبي ﷺ قوم من عرينة، حفاةً مضرورين، [["المضرور" و"الضرير": المريض المهزول الذي أصابه الضر.]] فأمر بهم رسول الله ﷺ. [[يعني بقوله: "فأمر بهم"، يعني: أمر ان يمرضوا ويعتني بأمرهم.]] فلما صَحُّوا واشتدُّوا، قتلوا رِعاءَ اللقاح، [["الرعاء" و"الرعاة" جمع"راع".]] ثم خرجوا باللِّقاح عامدين بها إلى أرض قومهم. قال جرير: فبعثني رسولُ الله ﷺ في نفر من المسلمين حتى أدركناهم بعد ما أشرَفُوا على بلاد قومهم، فقدِمنا بهم على رسول الله ﷺ، فقطع أيديهم وأرجلَهم من خلاف، وسملَ أعينهم، وجعلوا يقولون:"الماء"! ورسول الله ﷺ يقول:"النار"! حتى هلكوا. قال: وكره الله عز وجلَ سَمْل الأعين، فأنزل هذه الآية:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى آخر الآية. [[الأثر: ١١٨١١-"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني"، شيخ الطبري، مضى برقم: ١٢٦، ٦٥٣٤.
و"الحسن بن حماد بن كسيب الحضرمي"، وهو"سجادة". روي عن حفص بن غياث ويحيى بن سعيد الأموي، وأبي خالد الأحمر، وأبي مالك الجنبي، ووكيع، وغيرهم. روى عنه أبو داود، وابن ماجه وغيرهم. ثقة. قال أحمد: "صاحب سنة، ما بلغني عنه إلا خيرًا". توفى سنة ٢٤١. وكان في المطبوعة: "الحسن بن هناد"، خطأ، صوابه في المخطوطة. وتفسير ابن كثير.
و"عمرو بن هاشم"، هو"أبو مالك الجنبي"، صدوق يخطئ، لينوه. مضى برقم: ١٥٣٠
و"موسى عبيدة بن نشيط الربذي" ضعيف نمرة، قال أحمد: "لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة". مضى برقم: ١٨٧٥، ٣٢٩١، ٨٣٦١، ١١١٣٤= وكان في المطبوعة والمخطوطة: "موسى بن عبيد"، وهو خطأ، صوابه من تفسير ابن كثير.
وأما "محمد بن إبراهيم"، فكأنه"محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي"، رأى سعد بن أبي وقاص، وأبا سعيد الخدري، وأرسل عن ابن عمر وابن عباس. فلا أدري أسمع من جرير بن عبد الله، أم لا. وجرير مات سنة ٥١.
وهذا الخبر ضعيف جدا، وهو أيضا لا يصح، لأن جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله ﷺ وفد على النبي ﷺ في العام الذي توفى فيه، وخبر العرنيين كان في شوال سنة ست، في رواية الواقدي (ابن سعد٢/١/٦٧) ، وكان أمير السرية كرز بن جابر الفهري. وذلك قبل وفاة رسول الله ﷺ في شهر ربيع الأول سنة ١١ من الهجرة، بأعوام.
وهذا الخبر، ذكره الحافظ ابن حجر، في ترجمة"جرير بن عبد الله البجلي"، وضعفه جدا. أما ابن كثير، فذكره في تفسيره ٣: ١٣٩، وقال: "هذا حديث غريب، وفي إسناده الربذي، وهو ضعيف. وفي إسناده فائدة: وهو ذكر أمير هذه السرية. وهو جرير بن عبد الله البجلي. وتقدم في صحيح مسلم أن هذه السرية كانوا عشرين فارسًا من الأنصار. وأما قوله: فكره الله سمل الأعين، فإنه منكر. وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء، فكان ما فعل بهم قصاصًا، والله أعلم".
والعجب لابن كثير، يظن فائدة فيما لا فائدة فيه، فإن أمير هذه السرية، كان، ولا شك، كرز ابن جابر الفهري، ولم يرو أحد أن أميرها كان جرير بن عبد الله البجلي، إلا في هذا الخبر المنكر.]]
١١٨١٢ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير= ح، وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، وسعيد بن عبد الرحمن وابن سمعان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أغار ناس من عرينة على لِقَاح رسول الله ﷺ، فاستاقوها وقتلوا غلامًا له فيها، فبعث في آثارهم، فأخِذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم وَسَمل أعينهم. [[الأثر: ١١٨١٢-"أبو الأسود"، "محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي"، هو"يتيم عروة" ثقة. سلف برقم: ٢٨٩١، ١١٥١٠.
"يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب"، ثقة، مستقيم الحديث. مترجم في التهذيب.
و"سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حميل الجمحي"، قاضي بغداد. ثقة، قال أحمد: "ليس به بأس، وحديثه مقارب". وقال ابن أبي عدي: "له غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يهم في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلا، لا عن تعمد". مترجم في التهذيب.
و"ابن سمعان"، هو"عبد الله بن سليمان بن سمعان المخزومي"، وهو ضعيف كذاب. سئل مالك عنه فقال: "كذاب". وقال هشام بن عروة (الذي روى عنه هذا الأثر هنا) : "حدث عني بأحاديث، والله ما حدثته بها، ولقد كذب علي". وقد أجمعوا على أنه لا يكتب حديثه، كما قال النسائي.
قال ابن عدي: "أروى الناس عنه ابن وهب، والضعف على حديثه ورواياته بين". أما ابن وهب الراوي عنه هنا، فقد سأله عنه أحمد بن صالح فقال: "ما كان مالك يقول في ابن سمعان؟ "، قال: "لا يقبل قول بعضهم في بعض".
وهذا الخبر الذي رواه الطبري بهذا الإسناد، صحيح، إلا ما كان من ضعف ابن سمعان وتركه، ولذلك رواه النسائي في سننه ٧: ٩٩، ١٠٠، فساق إسناد الطبري ولكنه أغفل ذكر ابن سمعان فقال: "أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال، أنبأنا ابن وهب قال. وأخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم وسعيد بن عبد الرحمن، وذكر آخر، عن هشام بن عروة، عن عروة بن الزبير"، فنكر ذكر"ابن سمعان"، لأنه متروك عنده.
وهذا الخبر روي بأسانيد صحاح أخرى مرفوعا إلى عائشة. انظر السنن للنسائي ٧: ٩٩.]]
١١٨١٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الزناد، عن عبد الله بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمر= أو: عمرو، شك يونس=، عن رسول الله ﷺ بذلك، ونزلت فيهم آية المحاربة. [[الأثر: ١١٨١٣-"عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري"، ثقة حافظ، مضى برقم: ١٣٨٧، ٥٩٧٣، ٦٨٨٩.
و"سعيد بن أبي هلال الليثي المصري"، ثقة، من أتباع التابعين. مضى برقم: ١٤٩٥، ٥٤٦٥. و"أبو الزناد" هو: "عبد الله بن ذكوان القرشي"، قيل إن أباه كان أخا أبي لؤلؤة، قاتل عمر بن الخطاب. ثقة، لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم منه.
و"عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب". روى عن عمه عبد الله، وروى عنه أبو الزناد. ثقة. روى له أبو داود والنسائي حديثًا واحدًا، هو هذا الحديث.
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عبد الله بن عبد الله"، وهو خطأ محض.
وأما ما شك فيه يونس من أنه"عبد الله بن عمر بن الخطاب "أو"عبد الله بن عمرو بن العاص"، فشك لا مكان له. والصحيح أنه"عبد الله بن عمر بن الخطاب".
وهذا الحديث رواه أبو داود في سننه ٤: ١٨٦- ١٨٧، رقم ٤٣٦٩، مطولا. ورواه النسائي في سننه ٧: ١٠٠ بمثل رواية أبي جعفر.]]
١١٨١٤ - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قدم ثمانية نفَرٍ من عُكْلٍ على رسول الله ﷺ، فأسلموا، ثم اجتووا المدينة، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها.
ففعلوا، فقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل. فأرسل رسول الله ﷺ في أثرهم قَافَة، [["القافة" جمع"قائف": وهو الذي يعرف آثار الأقدام ويتبعها."قاف الأثر يقوفه قيافة، واقتافه اقتيافا".]] فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، [["حسمه الدم يحسمه حسمًا": أي قطعة بالكي بالنار.]] وتركهم فلم يحسِمْهُم حتى ماتوا. [[الأثر: ١١٨١٤- هذا الخبر رواه أحمد في مسند أنس من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة الجرمي ٣: ١٩٨، من طريق أبي جعفر نفسها، وفيه"قتلوا رعاتها- أو رعاءها"، وفيه زيادة"ولم يحسمهم حتى ماتوا، وسمل أعينهم".
ورواه البخاري في صحيحه من طريق أيوب، عن أبي قلابة (الفتح ١: ٢٨٩/٦: ١٠٨/٧: ٣٥٢/١٢: ٩٩) ، ورواه أيضا من طريق أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أنس (الفتح ٨: ٢٠٦) واستوفى الحافظ الكلام في شرحه وبيانه.
ورواه مسلم في صحيحه من طرق ١١: ١٥٣- ١٥٧.
ورواه أبو داود في سننه ١: ١٨٥، ١٨٦ من طرق.
ورواه النسائي في سننه من طرق ٧: ٩٣- ٩٥.]]
١١٨١٥ - حدثنا علي قال، حدثنا الوليد قال، حدثني سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: كانوا أربعة نفرٍ من عرينة، وثلاثةً من عكل. فلما أتي بهم، قطع أيديهم وأرجلهم، وَسَمل أعينهم، ولم يحسمهم، وتركهم يتلقَّمون الحجارة بالحرَّة، [["يتلقمون الحجارة": أي يضعون الحجارة في أفواههم من العطش، كي تستدر الريق. وجاء مفسرًا في ألفاظ الحديث الأخرى. قال أنس: "فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشًا". يقال: "لقم الطعام وتلقمته والتقمه".]] فأنزل الله جل وعز في ذلك:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، الآية. [[الأثر: ١١٨١٥- انظر الأثرين السالفين رقم: ١١٨٠٨، ١١٨٠٩.]]
١١٨١٦ - حدثني علي قال، حدثنا الوليد، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة. قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام. [[الأثر: ١١٨١٦- انظر سنن النسائي ٧: ٩٨، وقول أمير المؤمنين عبد الملك لأنس وهو يحدثه حديث العرنيين: "بكفر أو بذنب؟ "، فقال أنس: "بكفر". وسيأتي هذا الخبر مطولا، وقول أبي جعفر فيه، وتخريجه هناك برقم: ١١٨٥٤.]]
١١٨١٧ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا"، قال: أنزلت في سُودان عرينة. قال: أتوا رسول الله ﷺ وبهم الماءُ الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم فخرجوا إلى إبل رسول الله ﷺ من الصدقة، فقال: اشربوا من ألبانها وأبوالها! فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى إذا صَحُّوا وبرأوا، قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيِّه ﷺ، معرِّفَه حكمه على من حارب الله ورسوله، [[في المطبوعة: "معرفة حكمه"، وهو خطأ.]] وسعى في الأرض فسادًا، بعد الذي كان من فعل رسول الله ﷺ بالعرنيِّين ما فعل.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن القِصَص التي قصّها الله جل وعزّ قبلَ هذه الآية وبعدَها، من قَصَص بنى إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسِّطًا، [["متوسطًا"، منصوب على الحال.]] من تعريف الحكم فيهم وفي نظرائهم، [[في المطبوعة: "من يعرف الحكم"، ومثلها في المخطوطة، ولكنها غير منقوطة، ورجحت أن يكون صوابها ما أثبت.]] أولى وأحقّ.
وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعلِ رسول الله ﷺ بالعرنيِّين ما فعل، لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله ﷺ بذلك.
* * *
وإذ كان ذلك أولى بالآية لما وصفنا، فتأويلها: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، أنه من قتل نفسًا بغير نفس، أو سعى بفسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا= ولقد جاءتهم رُسُلنا بالبينات ثُمَّ إن كثيًرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون- يقول: لساعون في الأرض بالفساد، وقاتلوا النفوس بغير نفس، وغير سعي في الأرض بالفسادِ حربًا لله ولرسوله= فمن فعل ذلك منهم، يا محمد، فإنما جزاؤه: أن يقتَّلوا، أو يصلَّبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرتَ: من حال نقض كافرٍ من بني إسرائيل عهدَه= ومن قولك إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام، [[قوله: "ومن قولك"، الواو واو الحال، يعني: كيف يجوز ذلك، وأنت تقول كذا وكذا.]] دون أهل الحرب من المشركين؟
قيل: جازَ أن يكون ذلك كذلك، لأن حكم من حارب الله ورسوله وسَعى في الأرض فسادًا من أهل ذمَّتنا وملَّتنا واحد. والذين عنوا بالآية، كانوا أهل عهد وذِمَّة، وإن كان داخلا في حكمها كل ذمِّي وملِّي، وليس يَبْطُل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس، أن يكون صحيحًا نزولها فيمن نزلت فيه.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبي ﷺ في العرنيين.
فقال بعضهم: ذلك حكم منسوخ، نسخَه نهيُه عن المثلة بهذه الآية= أعني بقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الآية. وقالوا: أنزلت هذه الآية عِتابًا لرسول الله ﷺ فيما فعل بالعُرَنيين.
* * *
وقال بعضهم: بل فِعْلُ النبيِّ ﷺ بالعرنيين، حكمٌ ثابت في نظرائهم أبدًا، لم ينسخ ولم يبدّل. وقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، حكمٌ من الله فيمن حارب وسَعى في الأرض فسادًا بالحِرَابة. [["الحرابة" (بكسر الحاء) مصدر مثل"العبادة" و"الرعاية" و"التجارة"، يراد به معنى: "المحاربة لله ورسوله، والسعي في الأرض فسادًا". وهو مصدر من قولهم: "حربه" أي سلبه وأخذ ماله وتركه بلا شيء. وليس مصدر"حارب"، فإن مصدر ذلك"محاربة وحرابًا"مثل"قاتل مقاتلة وقتالا". وهذا اللفظ على كثرة دورانه في كتب الأئمة لم يرد له ذكر في كتب اللغة، كأنهم عدوه مما استعمله الفقهاء، ولم تأت به رواية اللغة. وهو، إن شاء الله، عربي صحيح البناء.]]
قالوا: والعرنيون ارتدُّوا، وقتلوا، وسرقوا، وحاربوا الله ورسوله، فحكمهم غير حكم المحارب الساعي في الأرض بالفساد من أهل الإسلام أو الذمة. [[في المطبوعة: "الإسلام والذمة"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
وقال آخرون: لم يسمُل النبي ﷺ أعين العرنيِّين، ولكنه كان أراد أن يسمُل، فأنزل الله جل وعز هذه الآية على نبيه، يعرِّفه الحكم فيهم، ونهاه عن سمل أعينهم.
ذكر القائلين ما وصفنا:
١١٨١٨ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت اللَّيث بن سعد ما كان من سَمْل رسول الله ﷺ أعيُنهم، وتركه حَسْمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ معاتبةً في ذلك، وعلَّمه عقوبة مثلهم: من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدَهم غيرَهم. قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو، [["أبو عمرو" يعني الأوزاعي.]] فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بَلَى، [["بلى" استعملها هنا جوابًا في غير حجد سبقها. وقد سلفت قبل ذلك، انظر ما سلف ص ٩٨: تعليق: ٤.]] كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم، فرفع عنهم السمل.
١١٨١٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: فبعث رسول الله ﷺ، فأتي بهم= يعني العرنيين= فأراد أن يسمُل أعينهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود، كما أنزلها الله عليه. [[انظر الاختلاف في نسخ هذه الآية في"الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس: ١٢٣- ١٢٨، فهو فصل مهم.]]
* * *
واختلف أهل العلم في المستحق اسم"المحارب لله ورسوله"، الذى يلزمه حكمُ هذه. فقال بعضهم: هو اللص الذي يقطَع الطريق.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٢٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وعطاء الخراساني في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الآية، قالا هذا، اللص الذي يقطع الطريق، [[في المطبوعة: "هذا هو اللص"، زيادة لا خير فيها، زادها من نفسه.]] فهو محارب.
* * *
وقال آخرون: هو اللص المجاهر بلصوصيته، المكابرُ في المصر وغيره. [[في المخطوطة: "المكاثر" بالثاء المثلثة. والذي في المطبوعة هو الصواب: "كابره على حقه" جاحده وغالبه عليه. و"إنه لمكابر عليه"، إذا أخذ منه عنوة وقهرًا. وهي كثيرة في كتاب الأم للشافعي في هذا الموضع من باب الفقه. انظر الأم ٦: ١٤٠، وغيرها.]]
وممن قال ذلك الأوزاعي.
١١٨٢١ - حدثنا بذلك العباس، عن أبيه عنه. [[الأثر: ١١٨٢١-"العباس"، يعني"العباس بن الوليد بن مزيد العذري الآملي البيروتي"، شيخ أبي جعفر، مضى برقم: ٨٩١.
وأبوه: "الوليد بن مزيد العذري البيروتي". روى عن الأوزاعي، وروى عنه ابنه العباس. ويروى عن الأوزاعي أنه قال: "ما عرض علي كتاب أصح من كتب الوليد بن مزيد". مترجم في التهذيب.
وكان في المخطوطة هنا: "حدثنا بذلك العباس، عن أبيه وعنه عن مالك والليث ... "، وهو خطأ لا شك. فإن"الوليد بن مزيد" لم تذكر له رواية عن مالك أو الليث أو ابن لهيعة. والذي رواه عنهم هو: "الوليد بن مسلم" الآتي في الآثار التالية. فمن أجل ذلك صح بعض ما في المطبوعة، وصححت ما تركه. ففي المطبوعة: " ... عن أبيه، عنه وعن مالك ... "، فجعلته: "وعنه وعن مالك ... " لأنه سيروي في ذلك قول الأوزاعي أيضا من طريق الوليد بن مسلم برقم: ١١٨٢٤، كما سيأتي. واستقام بذلك الكلام.]]
* * *
=وعنه، وعن مالك، والليث بن سعد، وابن لهيعة.
١١٨٢٢ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: تكونُ محاربةٌ في المصر؟ قال: نعم، والمحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصرٍ أو خلاء، فكان ذلك منه على غير نائرة كانت بينهم ولا ذَحْل ولا عداوة، [["النائرة": الفتنة الحادثة في عداوة وشحناء، و"نار الحرب" و"نائرتها": شرها وهيجها. و"الذحل": الثأر.]] قاطعًا للسبيل والطريق والديار، مخيفًا لهم بسلاحه، فقتل أحدًا منهم، قتله الإمام كقِتْلة المحارب، [[في المطبوعة والمخطوطة: "كقتله المحارب"، والمخطوطة غير منقوطة، فهذا صواب قراءتها. و"القتلة": هيأة القتل.]] ليس لوليّ المقتول فيه عَفْوٌ ولا قَوَد.
١١٨٢٣ - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: وسألت عن ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة، قلت تكون المحاربة في دُور المصر والمدائن والقُرى؟ فقالا نعم، إذا هم دخَلوا عليهم بالسيوف عَلانيةً، أو ليلا بالنيران. [[قوله"قلت" هنا، ليست في المخطوطة، وزادها الناشر الأول، وأحسن في فعله.]] قلت: فقتلوا أو أخذُوا المال ولم يقتلوا؟ فقال: نعم هم المحاربون، فإن قَتَلوا قُتِلوا، وإن لم يَقْتُلوا وأخذوا المال، قُطِعوا من خلاف إذا هم خرجوا به من الدّار، ليس من حارب المسلمين في الخَلاء والسبيل، بأعظم محاربةً مِمَن حاربهم في حَرِيمهم ودورهم!
١١٨٢٤ - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: [["الوليد بن مسلم"، و"أبو عمرو" هو: الأوزاعي، انظر التعليق السالف ص: ٢٥٤، رقم: ٣.]] وتكون المحاربة في المصر، شَهَر على أهله بسلاحه ليلا أو نهارًا= قال علي، قال الوليد: وأخبرني مالك: أن قتل الغِيلة عنده بمنزلة المحاربة. قلت: وما قتل الغِيلَة؟ قال: هو الرجل يخدَع الرَّجل والصبيَّ، فيدخِلُه بيتًا أو يخلُو به، فيقتله، ويأخذ ماله. فالإمام وليّ قتل هذا، وليس لولي الدم والجرح قَوَد ولا قصاص.
* * *
=وهو قول الشافعي.
١١٨٢٥- حدثنا بذلك عنه الربيع.
* * *
وقال آخرون:"المحارب"، هو قاطع الطريق. فأما"المكابر في الأمصار"، [[انظر تفسير"المكابر" فيما سلف قريبًا ص: ٢٥٤، تعليق: ٢.]] فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين. وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه.
١١٨٢٦ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا بشر بن المفضل، عن داود بن أبي هند، قال: تذاكرنا المحاربَ ونحن عند ابن هبيرة، في أناس من أهل البصرة، فاجتمع رأيهم: أن المحارب ما كان خارجًا من المصر.
* * *
وقال مجاهد بما:-
١١٨٢٧ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" قال: الزنا، والسرقة، وقتل الناس، وإهلاك الحرث والنسل.
١١٨٢٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:"ويسعون في الأرض فسادًا" قال:"الفساد"، القتل، والزنا، والسرقة.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال:"المحارب لله ورسوله"، من حارب في سابلة المسلمين وذِمَّتهم، والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حِرَابة. [[انظر ما قلته في"الحرابة" فيما سلف ص: ٢٥٢، تعليق: ٢.]]
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأنه لا خلاف بين الحجة أن من نصب حربًا للمسلمين على الظلم منه لهم، أنه لهم محارب، ولا خلاف فيه. فالذي وصفنا صفته، لا شك فيه أنه لهم نَاصبٌ حربًا ظلمًا. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان نصبه الحربَ لهم في مصرهم وقُراهم، أو في سُبلهم وطرقهم: في أنه لله ولرسوله محارب، بحربه من نَهَاه الله ورسوله عن حربه.
* * *
وأما قوله:"ويسعون في الأرض فسادًا"، فإنه يعني: ويعملون في أرض الله بالمعاصي: من إخافة سُبُل عباده المؤمنين به، أو سُبُل ذمتهم، وقطعِ طرقهم، وأخذ أموالهم ظلمًا وعدوانًا، والتوثُّب على حرمهم فجورًا وفُسُوقًا. [[انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف ص: ٢٣٢، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما للذي حاربَ الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، من أهل ملة الإسلام أو ذمتهم- إلا بعض هذه الخلال التي ذكرها جل ثناؤه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الخلال، أتلزم المحاربَ باستحقاقه اسم"المحاربة"، أم يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جُرْمه، مختلفًا باختلاف أجرامه؟
[فقال بعضهم: تجب على المحارب العقوبة على قدر استحقاقه، ويلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جُرْمه، مختلفًا باختلاف أجرامه] . [[هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، فإن أبا جعفر سيذكر هذا القول، والقول الآخر، فيما اختلفوا فيه. ومن دأبه أن يصدر كل قول قاله العلماء بترجمة قولهم. فسقط من هذا الموضع ترجمة هذا الباب، فاستظهرتها من سؤاله السالف، ومن معنى الآثار التالية، ومن ترجيح أبي جعفر بين هذين التأويلين فيما سيأتي ص: ٢٦٤، والظاهر أن الناسخ سها، واختلط عليه ختام جملة بختام جملة أخرى، فأسقط الترجمة.]]
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٢٩ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: إذا حارب فقتَل، فعليه القتل إذا ظُهِر عليه قبْلَ توبته. [["ظهر عليه" (بالبناء للمجهول) : أي غلب فأخذ.]] وإذا حارب وأخذ المال وقتل، فعليه الصَّلب إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ ولم يقتل، فعليه قطعُ اليدِ والرجل من خلافٍ إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخاف السبيل، فإنما عليه النّفي.
١١٨٣٠ - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن حماد، عن إبراهيم:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" قال: إذا خرج فأخاف السبيل وأخذ المال، قُطعت يده ورجله من خِلافٍ. وإذا أخاف السبيلَ، ولم يأخذ المال وقتل، صُلب.
١١٨٣١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم -فيما أرى - في الرجل يخرج محاربًا، قال: إن قطع الطريق وأخذ المال، قطعت يدُه ورجله. وإن أخذ المال وقَتل، قُتل، وإن أخذ المال وقَتَل ومثَّل، صُلب.
١١٨٣٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، قال: إذا قتل وأخذ المال وأخاف السبيل، صُلب. وإذا قتل لم يعدُ ذلك، قُتل. إذا أخذ المالَ لم يعدُ ذلك، قُطِع. وإذا كان يُفْسد نُفي.
١١٨٣٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن الحسن:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض" قال: إذا أخافَ الطريق ولم يَقتُل ولم يأخذ المال، نُفي.
١١٨٣٤ - حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين قال: كان يقال: من حارب فأخاف السبيل وأخذ المال ولم يقتُل، قطِعت يده ورجله من خلاف. وإذا أخذ المال وقَتَل، صُلب.
١١٨٣٥ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه كان يقول في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، حدودٌ أربعة أنزلها الله. فأما من أصاب الدم والمال جميعًا، صلب. وأما من أصاب الدم وكفّ عن المال، قُتل. ومن أصاب المال وكفَّ عن الدم، قُطع. ومن لم يصب شيئًا من هذا، نفي.
١١٨٣٦ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: نهى الله نبيَّه عليه السلام عن أن يسمل أعينَ العرنيين الذين أغاروا على لِقَاحه، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه. فنظر إلى من أخذ المال ولم يقتل، فقطَع يدَه ورجلَه من خلاف، يدَه اليمنى ورجلَه اليسرى. ونظر إلى من قتل ولم يأخذ مالا فقَتَله. ونظر إلى من أخذ المال وقتل، فصلبه. وكذلك ينبغي لكل من أخاف طريقَ المسلمين وقَطَع، أن يصنع به إن أخِذ وقد أخَذ مالا قطعت يده بأخذِه المال، ورجلُه بإخافة الطريق. وإن قَتَل ولم يأخذ مالا قُتِل، وإن قتل وأخذ المال، صُلِب.
١١٨٣٧ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق قال: سمعت السدي يسأل عطيّة العوفيّ، عن رجل محاربٍ، خرج فأخذ ولم يصبْ مالا ولم يهرق دمًا. قال: النفي بالسيف، [[قوله: "النفي بالسيف"، يعني أن يطارد حتى يخرج من الأرض، حتى يدخلوا مأمنهم وأرضهم، كما سلف في الأثر رقم: ١١٨١٠.]] وإن أخذ مالا فيده بالمال، ورجلُه بما أخاف المسلمين. وإن هو قتل ولم يأخذ مالا قتل. وإن هو قتل وأخذ المال، صُلب= وأكبر ظني أنه قال: تقطع يده ورجله.
١١٨٣٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني وقتادة في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، قال: هذا، اللصُّ الذي يقطع الطريقَ، فهو محارب. فإن قتل وأخذ مالا صُلب. وإن قتل ولم يأخذ مالا قُتِل. وإن أخذ مالا ولم يقتل، قطعت يده ورجله. [[في المخطوطة: "وإن قتل ولم يأخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله"، وهو خطأ محض، صوابه ما في المطبوعة بلا شك.]] وإن أخِذ قبل أن يفعل شيئا، من ذلك، نفي.
١١٨٣٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير قال: من خرج في الإسلام محاربًا لله ورسوله فقتل وأصاب مالا فإنه يقتل ويُصْلَب. ومن قتل ولم يصب مالا فإنه يقتل كما قَتَل. ومن أصاب مالا ولم يقتل، فإنه يُقْطَع من خلاف. وإن أخاف سبيل المسلمين، نُفي من بلده إلى غيره، لقول الله جل وعز:"أو ينفَوا من الأرض".
١١٨٤٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، قال: كان ناس يسعون في الأرض فسادًا، وقَتَلوا وقَطَعوا السبيل، فصُلِب أولئك. وكان آخرون حاربُوا واستحلُّوا المال ولم يعدُوا ذلك، فقطعت أيديهم وأرجلهم. وآخرون حارَبوا واعتزَلوا ولم يعدوا ذلك، فأولئك أخْرجوا من الأرض.
١١٨٤١ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي هلال. قال، حدثنا قتادة، عن مورِّق العجلي في المحارب قال: إن كان خرج فقتَل وأخذ المال، صُلب. وإن كان قتل ولم يأخذ المالَ، قُتل. وإن كان أخذ المال ولم يقتل، قُطع. وإن كان خرج مُشَاقًا للمسلمين: نُفي.
١١٨٤٢ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطية العوفي، عن ابن عباس قال: إذا خرج المحاربُ وأخاف الطريق وأخذ المال، قطعت يده ورجله من خلاف. فإن هو خرج فقَتَل وأخذ المال، قطعت يده ورجله من خِلافٍ ثم صُلب. وإن خرج فقَتَل ولم يأخذ المال، قُتِل. وإن أخاف السبيل ولم يقْتُل ولم يأخذ المال، نفي.
١١٨٤٣ - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" قالا إن أخاف المسلمين فقَطَع المال ولم يسفك، قُطِع. [[في المطبوعة: "فاقتطع المال"، وأثبت ما في المخطوطة، وهما بمعنى واحد.]] وإذا سفك دمًا: قتل وصُلب. وإن جمعهما فاقتطع مالا وسفك دمًا، قُطع ثُمّ قتل ثم صلب، كأن الصلب مُثْلَةٌ، وكأن القطع:"السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"، [[في المخطوطة: "وكان السارق والسارقة ... "، والصواب ما في المطبوعة. وهذا والذي بعده تضمين لآيتي الحكمين: في السرقة وقتل النفس.]] وكأن القتل:"النفس بالنفس". وإن امتنع، فإن من الحقّ على الإمام وعلى المسلمين أن يطلُبوه حتى يأخذوه، فيقيموا عليه حكم كتاب الله:"أو ينفوا من الأرض"، من أرض الإسلام إلى أرضِ الكفر.
قال أبو جعفر: واعتلَّ قائلو هذه المقالة لقولهم هذا، بأن قالوا: إن الله أوجبَ على القاتل القوَد، وعلى السارق القَطع. وقالوا: قال النبي ﷺ:"لا يحل دَمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خِلال: رجل قتل فقتل، ورجل زنى بعد إحصان فرُجم، ورجل كفر بعد إسلامه". [[هذا حديث صحيح متفق على معناه، رواه بغير إسناده. انظر مسلم ١١: ١٦٤، ١٦٥.]] قالوا: فحظر النبيُ ﷺ قتل رجل مسلم إلا بإحدى هذه الخلال الثلاث. فأما أن يقتل من أجل إخافته السبيل من غير أن يقتل أو يأخذ مالا فذلك تقدُّمٌ على الله ورسوله بالخلافِ عليهما في الحكم. قالوا: ومعنى قول من قال:"الإمام فيه بالخيار، إذا قَتَل وأخاف السبيل وأخذ المال"، فهنالك خيار الإمام في قولهم بين القتل، أو القتل والصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف. وأما صلبه باسم المحاربة، من غير أن يفعل شيئًا من قتل أو أخذ مال، فذلك ما لم يقله عالم.
* * *
وقال آخرون: الإمام فيه بالخيار: أن يفعل أيَّ هذه الأشياء التي ذكرَها الله في كتابه.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٤٤ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن عطاء= وعن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في المحارب: أن الإمام مخير فيه، أيَّ ذلك شاءَ فعل.
١١٨٤٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عبيدة، عن إبراهيم: الإمام مخير في المحارب، أيَّ ذلك شاء فعل. إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء نفى، وإن شاء صلب.
١١٨٤٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، إلى قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: يأخذ الإمام بأيِّها أحب.
١١٨٤٧ - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" قال: الإمام مخيَّرٌ فيها.
١١٨٤٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله.
١١٨٤٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد قال، قال عطاء: يصنع الإمام في ذلك ما شاء. إن شاء قتل، أو قطع، أو نَفَى، لقول الله:"أن يقتَّلوا أو يصلبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض"، فذلك إلى الإمام الحاكم، يصنع فيه ما شاء.
١١٨٥٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، قال: من شَهَر السلاح في قُبّة الإسلام، [[في المطبوعة: "في فئة الإسلام"، ولا معنى لها، ولم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة والصواب ما قرأت. و"قبة الإسلام" يعني في ظله، وحيث مستقر سلطانه. ولذلك سموا"البصرة": قبة الإسلام، قال الشاعر: بَنَتْ قُبَّةَ الإِسْلامِ قَيْسٌ لأَهْلِهَا ... وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوهَا لَطَالَ الْتِوَاؤُهَا
وأصل"القبة": خيمة من أدم مستديرة. وذلك كقولهم أيضا: "دار الإسلام" بهذا المعنى الذي بينته.]] وأخاف السبيل، ثم ظُفِر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجلَه.
١١٨٥١ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة قال، أخبرنا أبو هلال قال، أخبرنا قتادة، عن سعيد بن المسيب: أنه قال في المحارب: ذلك إلى الإمام، إذا أخذه يصنع به ما شاء.
١١٨٥٢ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي هلال قال، حدثنا هارون، عن الحسن في المحارب قال: ذاك إلى الإمام، يصنع به ما شاء.
١١٨٥٣ - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الحسن:"إنما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله"، قال: ذلك إلى الإمام.
* * *
قال أبو جعفر: واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن قالوا: وجدنا العطوف التي بـ"أو" في القرآن بمعنى التخيير، في كل ما أوجب الله به فرضًا منها، وذلك كقوله في كفارة اليمين: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [سورة المائدة: ٨٩] ، وكقوله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [سورة البقرة: ١٩٦] ، وكقوله: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [سورة المائدة: ٩٥] . قالوا: فإذا كانت العُطوفُ التي بـ"أو" في القرآن، في كل ما أوجب الله به فرضًا منها في سائر القرآن، بمعنى التخيير، فكذلك ذلك في آية المحاربين= الإمام مخير فيما رأى الحكم به على المحارب إذا قَدَر عليه قبل التوبة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا، تأويلُ من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه، وجعل الحكم على المحاربين مختلِفًا باختلاف أفعالهم. فأوجب على مُخيف السبيل منهم= إذا قُدِر عليه قبل التوبة، وقبل أخذ مالٍ أو قتل= النفيَ من الأرض. وإذا قُدر عليه بعد أخذ المال وقتل النفس المحرم قتلُها= الصلب، لما ذكرت من العلة قبل لقائلي هذه المقالة.
* * *
فأما ما اعتلّ به القائلون: إنّ الإمام فيه بالخيار، من أن"أو" في العطف تأتي بمعنى التخيير في الفرض، فقولٌ لا معنى له، [[في المطبوعة: "فنقول: لا معنى له". وهو كلام متهالك، صوابه ما في المخطوطة.]] لأن"أو" في كلام العرب قد تأتي بضروب من المعاني، لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها، وقد بينت كثيرًا من معانيها فيما مضى، وسنأتي على باقيها فيما يستقبل في أماكنها إن شاء الله. [[انظر ما سلف ١: ٣٣٦، ٣٣٧/٢: ٢٣٥- ٢٣٧/٤: ٧٥، ٧٦/٦: ٥١٣/٧: ١٩٤.]]
=فأما في هذا الموضع، فإن معناها التعقيب، وذلك نظير قول القائل:"إن جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة، أو يرفع منازلهم في علِّيين، أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين"، فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقيله إلى أن جزاء كل مؤمن آمن بالله ورسوله، فهو في مرتبة واحدة من هذه المراتب، ومنزلة واحدة من هذه المنازل= بإيمانه، بل المعقول عنه أن معناه: أن جزاء المؤمن لن يخلُو عند الله عز ذكره من بعض هذه المنازل. فالمقتصد منزلته دون منزلة السابق بالخيرات، والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة، والظالم لنفسه دونهما، [[اقرأ آية"سورة فاطر": ٣٢ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ .]]
وكلٌّ في الجنة كما قال جل ثناؤه: ﴿جنات عدن يدخلونها﴾ [سورة فاطر: ٣٣] . فكذلك معنى العطوف بـ"أو" في قوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله"، الآية، إنما هو التعقيب.
فتأويله: إن الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادًا، لن يخلو من أن يستحق الجزاءَ بإحدى هذه الخلال الأربع التي ذكرها الله عز ذكره= لا أن الإمام محكم فيه ومخيَّرٌ في أمره= كائنةً ما كانت حالته، عظمت جريرته أو خفَّتْ، [[في المطبوعة: "وعظمت" بواو لا مكان لها هنا.]] لأن ذلك لو كان كذلك، لكان للإمام قتل من شَهر السلاح مخيفًا السبيلَ وصلْبُه، وإن لم يأخذ مالا ولا قتل أحدًا، وكان له نفيُ من قَتَل وأخذَ المال وأخافَ السبيل. وذلك قولٌ إن قاله قائل، خلافُ ما صحّت به الآثار عن رسول الله ﷺ من قوله:"لا يحل دَمُ امرئ ٍمسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل قتل رجلا فقتل به، أو زنى بعد إحصان فرجم، أو ارتَدّ عن دينه" [[انظر تخريج هذا الخبر فيما سلف قريبًا ص: ٢٦١، تعليق: ٣.]] =وخلاف قوله: "القطعُ في رُبْع دينارٍ فصاعدًا"، [[هذا خبر مجمع عليه في الصحاح، انظر فتح الباري ١٢: ٨٩- ٩١، وسيأتي تخريجه برقم: ١١٩١٢.]] وغيرُ المعروف من أحكامه. [[قوله: "وغير المعروف من أحكامه"، معطوف على ما سلف: "وذلك قول إن قاله قائل: خلاف ما صححت به الآثار عن رسول الله ... ".]]
* * *
فإن قال قائل: فإن هذه الأحكام التي ذكرتَ، كانت عن رسول الله ﷺ في غير المحارب، وللمحارب حكم غير ذلك منفرد به.
قيل له: فما الحكم الذي انفرد به المحارب في سننه؟
فإن ادَّعى عنه ﷺ حكمًا خلاف الذي ذكرنا، أكذبه جميعُ أهل العلم، لأن ذلك غير موجود بنقلِ واحدٍ ولا جماعة.
وإن زعم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهر الكتاب، قيل له: فإن أحسن حالاتك إن سُلِّم لك، [[في المطبوعة: "أن يسلم لك"، غير ما في المخطوطة، وهو محض الصواب.]] أن ظاهر الآية قد يحتمل ما قلت وما قاله من خالفك =فما برهانك على أنّ تأويلك أولى بتأويل الآية من تأويله؟
وبعد، فإذ كان الإمام مخيَّرًا في الحكم على المحارب، من أجل أنّ"أو" بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك، أفله أن يصلبه حيًّا، ويتركه على الخشبة مصلوبًا حتى يموت من غير قتله.
فإن قال:"ذلك له"، خالف في ذلك الأمة.
وإن زعم أنَّ ذلك ليس له، وإنما له قتله ثم صلبه، أو صلبه ثم قتله= ترك علّته من أنّ الإمام إنما كان له الخيار في الحكم على المحارب من أجل أن"أو" تأتي بمعنى التخيير.
وقيل له: فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع، ولم يكن له الخيار في الصلب وحده، حتى تجمع إليه عقوبة أخرى؟ وقيل له: هل بينك وبين من جعل الخيار حيث أبيت، وأبى ذلك حيث جعلته له= فرقٌ من أصلٍ أو قياس؟ [[السياق: "هل بينك وبين من جعل الخيار.... فرق من أصل أو قياس".]] فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم الآخر مثله.
* * *
وقد روي عن رسول الله ﷺ بتصحيح ما قلنا في ذلك، بما في إسناده نظر، وذلك ما"-
١١٨٥٤ - حدثنا به علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة. قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابُوا الفرجَ الحرام. قال أنس: فسأل رسول الله ﷺ جبريل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سَرَق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته، ورجلَه بإخافته. ومن قتل فاقتله. ومن قتل وأخاف السبيل واستحلَّ الفرج الحرام، فاصلبه. [[الأثر: ١١٨٥٤-"الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي"، ثقة حافظ متقن، من شيوخ أحمد سلفت ترجمته مرارًا منها: ٢١٨٤، ٦٦١١.
"ابن لهيعة" هو: "عبد الله بن لهيعة"، تكلموا فيه كثيًرا، ووثقه أخي السيد أحمد فيما سلف رقم: ١٦٠، ٢٩٤١، وبعضهم يقول: "لا يحتج بحديثه".
و"يزيد بن أبي حبيب المصري"، ثقة أخرج له الجماعة، مضى برقم: ٤٣٤٨، ٥٤١٨، ٥٤٩٣.
وعلة هذا الخبر، ضعف ابن لهيعة، عند من يرى ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه. ثم إن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك أن يسمع من أنس، ولم يذكر أنه سمع منه.
وقد مضى صدر هذا الخبر فيما سلف برقم: ١١٨١٦، فانظر التعليق عليه هناك. وسيأتي في الأثر: ١١٨٨٥، أن رواية يزيد بن أبي حبيب لهذا الخبر، عن كتاب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان.]]
* * *
وأما قوله:"أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف"، فإنه يعني به جل ثناؤه: أنه تقطع أيديهم مخالِفًا في قطعها قَطْع أرجلهم. وذلك أن تقطع أيْمُن أيديهم، وأشمُلُ أرجلهم. فذلك"الخلاف" بينهما في القطع.
ولو كان مكان"من" في هذا الموضع"على" أو"الباء"، فقيل:"أو تقطع أيديهم وأرجلهم على خلاف= أو: بخلاف"، لأدَّيا عما أدّت عنه"من" من المعنى.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى"النفي" الذي ذكر الله في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه، أو يهرب من دار الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٥٥ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: يطلبهم الإمام بالخيل والرّجال حتى يأخذهم فيقيم فيهم الحكم، أو ينفوا من أرض المسلمين.
١١٨٥٦ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال، نفيُه: أن يطلب.
١١٨٥٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"أو ينفوا من الأرض"، يقول: أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب.
١١٨٥٨ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كتاب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان: أنه كتب إليه:"ونفيه، أن يطلبه الإمام حتى يأخذه، فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله جل وعز بما استحل". [[الأثر: ١١٨٥٨- انظر التعليق السالف على الأثر: ١١٨٥٤.]]
١١٨٥٩ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال: فذكرت ذلك لليث بن سعد فقال: نفيُه، طلبُه من بلد إلى بلد حتى يؤخذ، أو يخرجه طلبُه من دار الإسلام إلى دار الشرك والحرب، إذا كان محاربًا مرتدًّا عن الإسلام= قال الوليد: وسألت مالك بن أنس، فقال مثله.
١١٨٦٠ - حدثني علي قال، حدثنا الوليد قال: قلت لمالك بن أنس والليث بن سعد: وكذلك يطلب المحاربُ المقيم على إسلامه، يضطرّه بطلبه من بلد إلى بلد حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين أو أقصى حَوْزِ المسلمين، [[في المطبوعة: "حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين أو أقصى جوار المسلمين" وصواب ذلك"حتى"، و"أو أقصى حوز المسلمين"، كما في المخطوطة.
و"الحوز" من الأرض (بفتح فسكون) : أن يتخذها رجل، ويبين حدودها فيستحقها، فلا يكون لأحد حق معه، فذلك"الحوز". ومنه"حوز الدار"، ومنه أيضًا"حوزة الإسلام"، أي حدوده ونواحيه، وفي الحديث: "فحمى حوزة الإسلام".]] فإن هم طلبوه دخل دار الشرك؟ قالا لا يُضْطَرّ مسلم إلى ذلك.
١١٨٦١ - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك:"أو ينفوا من الأرض" قال: أن يطلبوه حتى يعجزوا.
١١٨٦٢ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
١١٨٦٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الحسن:"أو ينفوا من الأرض"، قال: ينفى حتى لا يُقْدَر عليه.
١١٨٦٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: أخرجوا من الأرض. أينما أدركوا أخْرجوا حتى يلحقوا بأرض العدّو.
١١٨٦٥ - حدثنا الحسن قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا معمر، عن الزهري في قوله:"أو ينفوا من الأرض"، قال: نفيه: أن يُطلب فلا يُقْدر عليه، كلَّما سُمع به في أرض طُلِب.
١١٨٦٦ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني سعيد، عن قتادة:"أو ينفوا من الأرض"، قال: إذا لم يَقْتُل ولم يأخذ مالا طُلب حتى يُعْجِز.
١١٨٦٧ - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرني نافع بن يزيد قال، حدثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي= وعن أبي معاوية، عن سعيد بن جبير:"أو ينفوا من الأرض"، من أرض الإسلام إلى أرض الكفر.
* * *
وقال آخرون: معنى"النفي" في هذا الموضع: أن الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلدته إلى بلدةٍ أخرى غيرها.
* ذكر من قال ذلك:
١١٨٦٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير:"أو ينفوا من الأرض"، قال: من أخاف سبيل المسلمين، نُفي من بلده إلى غيره، لقول الله جل وعز:"أو ينفوا من الأرض".
١١٨٦٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب وغيره، عن حيَّان بن سُرَيج: أنه كتب إلى عمر بن عبدْ العزيز في اللصوص، ووصف له لصوصيتهم، وحبَسهم في السجون، قال: قال الله في كتابه:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف"، وترك:"أو ينفوا من الأرض". فكتب إليه عمر بن عبد العزيز:"أما بعد، فإنك كتبت إليّ تذكر قول الله جل وعزّ:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتّلوا أو يصِلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ"، وتركت قول الله:"أو ينفوا من الأرض"، فنبيٌّ أنت، يا حيّان!! لا تحرّك الأشياء عن مواضِعها، أتجرَّدت للقتل والصَّلب كأنك عبدُ بني عقيل، [["تجرد للأمر": جد فيه جدا بالغًا، وتفرغ له وشمر فيه، كما يتجرد المرء من ثيابه وينضوها عنه لكيلا تعوقه. يقال: "تجرد فلان للعبادة"، وقال الأخطل: وَأَطْفَأْتُ عَنِّي نَارَ نُعْمَانَ بَعْدَ مَا ... أَعَدَّ لأَمْرٍ فَاجِرٍ وَتَجَرَّدَا
وقال ابن قيس الرقيات: تَجَرَّدُوا يَضْرِبُونَ بَاطِلَهُمْ ... بِالحقِّ حَتَّى تَبَيَّنَ الْكَذِبُ
و"عبد بني عقيل"، الصواب أن يقال"عبد بني أبي عقيل"، فإن أبا عقيل، هو جد"الحجاج ابن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي". وذلك أن ثقيفا جد الحجاج الأعلى، كان فيما يقولون، هو: "قسى (ثقيف) بن منبه بن النبيت بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار"، وأنه ليس كما جاء في نسب ثقيف أنه من"مضر بن نزار"، وأن ثقيفًا، فيما يروي عن ابن عباس: كان عبدًا لامرأة نبي الله صالح، فوهبته لصالح، وأنه هو"أبو رغال" الذي يرجم قبره. يقول حسان بن ثابت في هجاء ثقيف (ديوانه: ٣٤١، ٣٤٢) : إِذَا الثَّقَفِيُّ فَاخَرَكُمْ فَقُولُوا: ... هَلُمَّ نَعُدُّ أُمَّ أَبِي رِغَالِ
أَبُوكُمْ أَخْبَثُ الآبَاءِ طُرًّا ... وأَنْتُمْ مُشْبِهُوهُ عَلَى مِثالِ
وفي هذا الشعر زعم حسان أن ثقيفًا كان عبدًا للفرز، وهو سعد بن زيد مناة بن تميم، فقال: عَبِيدُ الْفِزْرِ أَوْرَثَهُمْ بَنِيِه ... وَآلَى لا يَبِيعُهُمُ بِمَالِ
وَمَا لِكَرَامَةٍ حُبِسُوا، وَلَكِنْ ... أَرَادَ هَوَانَهُمْ أُخْرَى اللَّيَالِي
وأما هجاء الحجاج بأنه"عبد من إياد"، فيقول مالك بن الريب (الكامل ١: ٣٠٢) : فَمَاذَا تَرَى الحجَّاجَ يَبْلُغُ جُهْدُهُ ... إِذَا نَحْنُ جَاوَزْنَا حَِيرَ زِيادِ
فَلَوْلا بَنُوا مَرْوَانَ كَانَ ابْنُ يُوسُفٍ ... كَمَا كَانَ، عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ إيَادِ
زَمَانَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُقِرُّ بِذِلَّةٍ ... يُرَاوِحُ صِبْيَانَ الْقُرَى وَيُغَادِي
فإن الحجاج كان معلمًا بالطائف، وكان يهجى بذلك. فهذا تفسير"عبد بني أبي عقيل". وكان الحجاج، كما تعلم، مسرفًا في القتل، فلذلك قال عمر رضي الله عنه ما قال.]] من غير ما أُشبِّهك به؟ إذا أتاك كتابي هذا، فانفهم إلى شَغْبٍ".
١١٨٧٠ - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني الليث، عن يزيدَ وغيره، بنحو هذا الحديث= غير أن يونس قال في حديثه:"كأنك عبد بني أبي عقال، [[لم أجد وجها لقوله: "عبد بن أبي عقال"، فإن جده الذي ينسب إليه هو"أبو عقيل" كما سلف في الأثر الماضي.]] من غير أن أشبهك به".
١١٨٧١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن الصَّلت، كاتب حيَّان بن سُرَيج، أخبرهم: أن حيّان كتب إلى عمر بن عبد العزيز:"أن ناسًا من القبط قامت عليهم البيَّنة بأنهم حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادًا، وأن الله يقول:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" فقرأ حتى بلغ،"وأرجلهم من خلاف"، وسكت عن النفي. وكتب إليه:"فإن رأى أمير المؤمنين أن يُمْضي قضاءَ الله فيهم، فليكتب بذلك". فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه قال: لقد اجتزأ حيان! ثم كتب إليه:"إنه قد بلغني كتابك وفهمته، ولقد اجتزأتَ، كأنما كتبتَ بكتاب يزيد بن أبي مسلم، أو عِلْج صاحبِ العراق، [["يزيد بن أبي مسلم"، و"يزيد بن دينار"، من موالي ثقيف، وليس مولى عتاقة، وكان أخا الحجاج من الرضاعة. وكان من أصحاب الحجاج وولاته، وكان يتشبه به في سيرته، وولي العراق وإفريقية. قال ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز: ٣٤، ٣٥: "وكان يظهر التأله، والنفاذ لكل ما أمر به السلطان، مما جل أو صغر، من السيرة بالجور، والمخالفة للحق. وكان في هذا يكثر الذكر والتسبيح، ويأمر بالقوم فيكونون بين يديه يعذبون، وهو يقول: سبحان الله والحمد لله، شد يا غلام موضع كذا وكذا -لبعض مواضع العذاب- وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، شد يا غلام موضع كذا وكذا. فكانت حالته شر تلك الحالات".
وكان يزيد يوم استخلف عمر بن عبد العزيز، واليًا على إفريقية، فلم يكد عمر يواري جثة سليمان بن عبد الملك، حتى عجل ودعا بقرطاس ودواة، فكتب ثلاثة كتب، لم يسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يؤخرها، فأمضاها من فوره. فأخذ الناس يهمزون عمر بن عبد العزيز، لما رأوو من عجلته، فقالوا: "ما هذه العجلة؟ أما كان يصبر إلى أن يرجع إلى منزله؟ هذا حب السلطان! هذا الذي يكره ما دخل فيه!!. ولم يكن بعمر عجلة، ولا محبة لما صار إليه، ولكنه حاسب نفسه، ورأى أن تأخير ذلك لا يسعه. فكان أحد هذه الكتب الثلاثة كتابه بعزل يزيد بن أبي مسلم. (سيرة عمر بن عبد العزيز: ٣٤، ٣٥ / والوزراء للجهشياري: ٤٢) .
وأما "علج صاحب العراق" = و"العلج" الرجل من كفار العجم وغيرهم = فإنه يعني الحجاج نفسه وكان واليًا على العراق، وجعله"علجًا"، كأنه مولى من الموالي غليظ، كما سماه عبدا في الأثر السالف.]] من غير أن أشبهك بهما، فكتبت بأول الآية، ثم سكتَّ عن آخرها، وإن الله يقول:"أو ينفوا من الأرض"، فإن كانت قامت عليهم البينة بما كتبتَ به، فاعقد في أعناقهم حديدًا، ثم غيّبهم إلى شَغْبٍ وبَدَا." [[الآثار: ١١٨٦٩-١١٨٧١-"يزيد بن أبي حبيب المصري"، مضى قريبًا في الأثر رقم: ١١٨٥٤.
وأما "الصلت"، فهو: "الصلت بن أبي عاصم"، ولم أعثر له على ترجمة، ورأيت ذكره في كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم ص: ٩٠.
وأما "حيان بن سريج المصري"، فكان عاملا لعمر بن عبد العزيز على مصر. ترجم له ابن أبي حاتم ١/٢/ ٢٤٧، والكبير للبخاري ٢/١/٥٢. وضبط"سريج" بالسين غير معجمة، والجيم في المؤتلف لعبد الغني بن سعيد الأزدي المصري ص: ٧٦، وقال ناشر التاريخ الكبير في تعليقه: "وكذا ضبطه ابن ماكولا في الإكمال.... ووقع هنا في الأصل: "شريح".
وكذلك يقع في كثير من الكتب"شريح"، وكذلك كان هنا في المطبوعة في سائر المواضع، أما المخطوطة، فهي غير منقوطة. وتبعت ضبط الحافظ عبد الغني، لأنه مصري، وهو أعلم بأنساب المصريين.
وكان في المطبوعة"حبان" بالباء الموحدة، وهو خطأ محض.]]
* * *
قال أبو جعفر:"شَغْبٌ و"بَدَا"، موضعان. [["شغب" (بفتح فسكون) : منهل بين طريق مصر والشام، و"بدا": واد قرب أيلة، من ساحل البحر، وهما من ديار بني عذرة، يقول كثير: وَأَنْتِ الَّتيِ حَبَّبْتِ شَغْبًا إلَى بَدَا ... إلَيَّ، وَأَوْطَانِي بِلادٌ سِوَاهُمَا
ويقول عبد الله بن السائب: فَلَمَّا عَلَوْا شَغْبًا تَبَيَّنْتُ أَنَّهُ ... تَقَطَّعَ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ عَلائِقِي
فقال ابنه: فَلا زِلْنَ حَسْرَى ظُلَّعًا، لِمْ حَمَلْنَنَا ... إلَى بَلَدٍ نَاءٍ قَلِيلِ الأَصَادِقِ!!
فهذا يؤيد أنها منفى بعيد لأهل الحجاز والشام، كما جاء في هذا الخبر.]]
* * *
وقال آخرون: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع: الحبس.
ذكر من روى ذلك عنه:
وهو قول أبى حنيفة وأصحابه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع، هو نفيه من بلد إلى بلد غيره، وحبْسُه في السجن في البلد الذي نفي إليه، حتى تظهر توبته من فسوقه، ونزوعه عن معصيته ربَّه.
وإنما قلتُ ذلك أولى الأقوال بالصحة، لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت. وإذْ كان ذلك كذلك= وكان معلومًا أن الله جل ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب: القتلَ أو الصلبَ أو قطعَ اليد والرجل من خلافٍ، بعد القدرة عليه، لا في حال امتناعه= كان معلومًا أنّ النفي أيضًا إنما هو جزاؤه بعد القُدرة عليه، لا قبلها. ولو كان هَرَبه من الطلب نفيًا له من الأرض، [[في المطبوعة: "هروبه"، وفي المخطوطة: "هو به"، و"الهروب" ليس مصدرًا عربيًا، وإن كان قد كثر استعماله في زماننا هذا، وإنما المصدر"الهرب" (بفتحتين) ، فالصواب"هربه" كما أثبت.]] كان قطع يده ورجله من خلافٍ في حال امتناعه وحربه على وجه القتال، بمعنى إقامة الحدِّ عليه بعد القدرة عليه. وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدًّا له بعد القدرة عليه، [بطل أن يكون نفيُه من الأرض، هربَهُ من الطلب] . [[هذه الزيادة بين القوسين، زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام. وقد استظهرتها من كلام أبي جعفر فيما سلف، وما سيأتي بعده.]]
وإذْ كان كذلك، فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها، أو السَّجْن. فإذْ كان كذلك، فلا شك أنه إذا نُفي من بلدةٍ إلى أخرى غيرها، فلم ينف من الأرض، بل إنما نفي من أرض دون أرض. وإذ كان ذلك كذلك= وكان الله جل ثناؤه إنما أمر بنفيه من الأرض= كان معلومًا أنه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بُقْعة منها عن سائرها، فيكون منفيًّا حينئذ عن جميعها، إلا مما لا سبيل إلى نفيه منه.
* * *
وأما معنى"النفي"، في كلام العرب، فهو الطرد، ومن ذلك قول أوس بن حجر:
يُنْفَوْنَ عَنْ طْرُقِ الكِرَامِ كَمَا ... تَنْفِي المَطَارِقُ مَا بَلِي القَرَدُ [[شرح المفضليات: ٨٢٧، وليس في ديوان أوس، وهو من شعره، من القصيدة الخامسة التي أولها: أَبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إِلا يَدٌ لَيْسِتْ لَهَا عَضُدُ
ويهجوهم، ورواية المفضليات"من طرق الكرام". و"المطارق" جمع"مطرقة" و"مطرق" وهو القضيب الذي يضرب به الصوف أو القطن لينتفش، وينفي منه القرد. و"القرد" (بفتحتين) : ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد وانعقدت أطرافه، وهو نفاية الصوف، ثم استعمل فيما سواه من الوبر والشعر والكتان. وقوله: "ما يلي القرد"، أي: ما وليه القرد، من قولهم"وليه يليه"، أي: قاربه ودنا منه. يعني: ما قاربه القرد وباشره ولصق به تعقده.
وكان في المطبوعة: "ما يلي الفردا"، وهو خطأ، ومخالفة للمخطوطة، وهي فيها منقوطة، على خلاف العادة في مثلها.]]
ومنه قيل للدراهم الرديئة وغيرها من كل شيء:"النُّفَاية". [["النفاية" هنا (بضم النون) ، لا شك في ذلك. انظر التعليق التالي.]] وأما المصدر من"نفيت"، فإنه"النفي""والنَّفَاية"، [[و"النفاية" هنا (بكسر النون) ، لأنه عدها مصدرًا، مثل: "رعت الماشية رعيًا ورعاية" (بكسر الراء) . هكذا استظهرته. وأما كتب اللغة فلم تذكر في مصادر"نفي" إلا"نفيًا" و"نفيانًا" فهذا مصدر يزاد عليها إن صح له شاهد من الشعر أو الآثار.]] ويقال:"الدلو ينفي الماء"، ويقال لما تطاير من الماء من الدلو:"النّفِيُّ"، ومنه قول الراجز: [[هو الأخيل الطائي.]]
كأَنَّ مَتْنَيِه مِنَ النَّفِيِّ ... مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ [[سلف البيت وشرحه وتخريجه في ٣: ٢٢٥/ ٥: ٥٢٣، ولم أشر هناك إلى مجيئه في هذا المكان في التفسير، فأثبته هناك.]]
ومنه قيل:"نَفىَ شَعَرُه"، إذا سقط، يقال:"حَال لونُك، ونَفىَ شعرُك". [[هذا في خبر محمد بن كعب القرظي وعمر بن عبد العزيز لما استخلف فرآه شعثًا قال:
" ... وكان عهدنا به بالمدينة أميًرا علينا، حسن الجسم، ممتلئ البضعة، فجعلت أنظر إليه نظرًا، لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: يا ابن كعب، مالك تنظر إلي نظرًا ما كنت تنظره إلي قبل؟ قال فقلت: لعجبي! قال: ومما عجبك؟ فقلت: لما نحل من جسمك، ونفى من شعرك، وتغير من لونك؟ قال: وكيف لو رأيتني بعد ثلاث في قبري، حين تقع عيناي على وجنتي، ويسيل منخري وفمي دودًا وصديدًا، لكنت لي أشد نكرة منك اليوم! ".
"نفى الشعر": ثار وذهب وشعث وتساقط.]]
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ذلك"، هذا الجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا الله ورسولَه، وسعوا في الأرض فسادًا في الدنيا، من قتلٍ أو صلبٍ أو قطع يد ورجل من خلاف="لهم"، يعني: لهؤلاء المحاربين="خزي في الدنيا"، يقول: هو لهم شرٌّ وعار وذلةٌ، ونكال وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
* * *
يقال منه:"أخزيتُ فلانًا، فَخَزِي هو خِزْيًا". [[انظر تفسير"الخزي" فيما سلف ٢: ٣١٤، ٥٢٥/٧: ٤٧٩.]]
* * *
وقوله:"ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، يقول عز ذكره: لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسولَه وسعوا في الأرض فسادًا، فلم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا= في الآخرة، [[السياق: "لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله.... في الآخرة ... ".]] مع الخزي الذي جازيتهم به في الدنيا، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها="عذاب عظيم"، يعني: عذاب جهنم. [[انظر تفسير"عذاب عظيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عذب) (عظم) .]]
{"ayah":"إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق