الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: حرمت عليكم المحصناتُ من النساءِ، إلا ما ملكت أيمانكم.
* * *
واختلف أهل التأويل في"المحصنات" التي عناهن الله في هذه الآية.
فقال بعضهم: هن ذواتُ الأزواج غير المسبيَّات منهن، و"ملكُ اليمين": السَّبايا اللواتي فرَّق بينهن وبين أزواجهن السِّبَاء، فحللن لمن صِرْن له بملك اليمين، من غير طلاق كان من زوجها الحرْبيّ لها.
* ذكر من قال ذلك:
٨٩٦١ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كل ذات زوج، إتيانها زنًا، إلا ما سَبَيْتَ.
٨٩٦٢ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطيّة قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. [[الأثران: ٨٩٦١ -٨٩٦٢ - في الإسناد الأول: "عبد الرحمن"، هو: عبد الرحمن بن مهدي، سلف مرارًا. و"إسرائيل" هو: "إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، سلف برقم: ١٢٩١، ١٢٣٩ وغيرها. و"أبو حصين" هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي، ثقة. سلف برقم: ٦٤٢، ٦٤٣. وفي الإسناد الثاني: "ابن عطية" هو: الحسن بن عطية بن نجيح الكوفي، سلف برقم: ١٩٣٩، ٤٩٦٢.
وهذا الأثر، أخرجه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٠٤، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن شعبة، عن أبي حصين، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي = وأخرجه من طريقه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٦٧.]]
٨٩٦٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: كل امرأة لها زوجٌ فهي عليك حرام، إلا أمةٌ ملكتها ولها زوجٌ بأرض الحربِ، فهي لك حلال إذا استبرأتَها. [[في المخطوطة: "إذا استبريتها"، كأنه لين الهمزة.]]
٨٩٦٤ - وحدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: ما سبَيْتُم من النساء. إذا سبيتَ المرأة ولها زوج في قومها، فلا بأس أن تطأها.
٨٩٦٥ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل امرأة محصنة لها زوج فهي مُحرَّمة، إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج، فلا تحرُم عليك به. قال: كان أبي يقول ذلك.
٨٩٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي قال، حدثنا سعيد، عن مكحول في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" قال: السبايا. [[الأثر: ٨٩٦٦ -"عتبة بن سعيد بن حبان بن الرحض السلمي الحمصي"، يقال له: "وجين". ذكره ابن حبان في الثقات.
و"سعيد" الراوي عن مكحول، كأنه"سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي"، صاحب مكحول. وقد سلفت روايته عنه برقم: ٣٩٩٧.]]
* * *
واعتلّ قائلو هذه المقالة، بالأخبار التي رويت أن هذه الآية نزلت فيمن سُبي من أَوْطاس.
ذكر الرواية بذلك:
٨٩٦٧ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري: أن نبيَّ الله ﷺ يوم حنين بعثَ جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًّا، فأصابوا سبايَا لهن أزواجٌ من المشركين، فكان المسلمون يتأثَّمون من غشيانهن، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، أي: هُنّ حلال لكم إذا ما انقضت عِدَدهن. [[الأحاديث: ٨٩٦٧ - ٨٩٧١ - هذه أسانيد خمسة لحديث واحد. وأبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم. مضى توثيقه وترجمته في: ١٨٩٩. وقد اختلف عليه فيه: بين روايته عن أبي سعيد الخدري مباشرة، وبين روايته عنه بواسطة أبي علقمة الهاشمي بينهما. بل إن الخلاف في ذلك على قتادة، لا على أبي الخليل، كما سيأتي، إن شاء الله.
وأبو علقمة الهاشمي: هو المصري مولى بني هاشم. وهو تابعي ثقة.
وسعيد - في الإسنادين الأولين: هو ابن أبي عروبة.
وعثمان البتي - في إسنادين منهما -: هو عثمان بن مسلم البصري. وهو ثقة، وثقه أحمد وابن معين، وابن سعد، وغيرهم. و"البتي" - بفتح الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة: نسبة إلى"البت"، اسم موضع.
وقد جزم المزي في تهذيب الكمال، وتبعه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، بأن رواية أبي الخليل عن أبي سعيد مرسلة! هكذا دون دليل! مع أن مسلمًا روى الحديث بالوجهين. أمارة صحتهما عنده. ولذلك قال النووي في شرحه ١٠: ٣٤-٣٥ في الخلاف في إثبات"أبي علقمة" وحذفه: "ويحتمل أن يكون إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين، فرواه تارة كذا، وتارة كذا". وعندي أن هذا هو الحق، ويكون من المزيد في متصل الأسانيد. والحديث رواه أحمد: ١١٧١٤ (ج٣ ص٧٢ حلبي) ، عن عبد الرزاق، عن سفيان - وهو الثوري - عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد. كالرواية التي هنا: ٨٩٧٠.
وكذلك رواه الترمذي ٤: ٨٦، من طريق هشيم، عن عثمان البتي. وقال: "هذا حديث حسن. وهكذا روى الثوري، عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ - نحوه وليس في الحديث"عن أبي علقمة".
ورواه مسلم ١: ٤١٧، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد مباشرة.
فهذه الروايات توافق الروايات التي هنا: ٨٩٦٩ -٨٩٧١، التي لم يذكر فيها أبو علقمة.
ورواه الطيالسي: ٢٢٣٩، عن هشام، عن قتادة، عن صالح - وهو أبو خليل - عن أبي علقمة. وكذلك رواه أحمد في المسند: ١١٨٢٠، من طريق ابن أبي عروبة. و١١٨٢١، من طريق همام - كلاهما عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي علقمة (ج٣ ص٨٤ حلبي) .
وكذلك رواه مسلم ١: ٤١٦ - ٤١٧، بإسنادين، من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة. ثم من طريق شعبة، عن قتادة - بزيادة"أبي علقمة". ومنه يظهر أن شعبة رواه عن قتادة بالوجهين: بإثبات أبي علقمة وحذفه.
وكذلك رواه أبو داود: ٢١٥٥، من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة.
وكذلك رواه النسائي ٢: ٨٥، من طريق ابن أبي عروبة.
وكذلك رواه البيهقي ٧: ١٦٧، من طريق ابن أبي عروبة.
ورواه الترمذي أيضًا ٤: ٨٦، من طريق همام، عن قتادة. ثم قال: "ولا أعلم أن أحدًا ذكر أبا علقمة في هذا الحديث، إلا ما ذكر همام عن قتادة". هكذا قال الترمذي. وما لم يعلمه هو علمه غيره، فقد تابع همامًا على ذلك - سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، كما تبين من الروايات الماضية. وقد تعقب ابن كثير الترمذي بذلك، حين خرج الحديث في تفسيره ٢: ٣٩٩. وأيا ما كان، فالحديث صحيح، من الوجهين - كما قلنا - وكما خرجه مسلم في صحيحه منهما.
وقد ذكره السيوطي ٢: ١٣٧ - ١٣٨، دون بيان الخلاف في الإسناد، وزاد نسبته للفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطحاوي، وابن حبان.
تنبيه: زدنا في الإسناد: ٨٩٧٠ [عن أبي الخليل] ، لأنه هو الصواب، وهو الموافق لرواية أحمد: ١١٧١٤، من طريق الثوري. فحذفه من الإسناد هنا خطأ من الناسخين.]]
٨٩٦٨ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل: أن أبا علقمة الهاشمي حدَّث، أنّ أبا سعيد الخدري حدث: أن نبيّ الله ﷺ بعث يوم حُنين سريَّة، فأصابوا حيًّا من أحياء العرب يومَ أوطاس، فهزموهم وأصابوا لهم سبايَا، فكان ناسٌ من أصحاب رسول الله ﷺ يتأثَّمون من غشيانهن من أجل أزواجهن، فأنزل الله تبارك وتعالى:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" منهن، فحلالٌ لكم ذلك.
٨٩٦٩ - حدثني علي بن سعيد الكناني قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سوار، عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: لما سبىَ رسولُ الله ﷺ أهلَ أوطاس، قلنا: يا رسول الله، كيف نقَعُ على نساء قد عرفنا أنسابَهنَّ وأزواجَهن؟ قال: فنزلت هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم".
٨٩٧٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عثمان البتي، [عن أبي الخليل] ، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساءً من سَبْي أوطاس لهنّ أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهنَّ أزواج، فسألنا النبي ﷺ، فنزلت:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، فاستحللنا فروجَهنّ.
* * *
٨٩٧١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد قال: نزلت في يوم أوطاس. أصابَ المسلمون سبايَا لهنَّ أزواج في الشرك، فقال:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: إلا ما أفاء الله عليكم. قال: فاستحللنا بها فروجَهن.
وقال آخرون ممن قال:"المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع": بل هُنَّ كل ذات زوج من النساء، حرامٌ على غير أزواجهن، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشترٍ من مولاها، فتحلُّ لمشتريها، ويُبْطِل بيعُ سيِّدها إياها النكاحَ بينها وبين زوجها.
* ذكر من قال ذلك:
٨٩٧٢ - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليك حرام، إلا أن تشتريها، أو ما ملكت يمينك.
٨٩٧٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه سئل عن الأمة تُباع ولها زوج؟ قال: كان عبد الله يقول: بيعُها طلاقُها، ويتلو هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم". [[الأثر: ٨٩٧٣ - في المطبوعة: وحدثنا أحمد بن جعفر، عن شعبة"، وهو خطأ محض، والصواب من المخطوطة، و"محمد بن جعفر" المعروف بغندر، كان ربيب شعبة، وجالسه نحوًا من عشرين سنة، وروى عنه فأكثر، وقد سلف في الأسانيد مئات من المرات.]]
٨٩٧٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت بمالك = وكان يقول: بيعُ الأمة طلاقُها.
٨٩٧٥ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قوله:"والمحصنات من النساء"، قال: هنّ ذوات الأزواج، حرَّم الله نكاحهن، إلا ما ملكت يمينك، فبيعُها طلاقٌها = قال معمر: وقال الحسن مثل ذلك.
٨٩٧٦ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: عن الحسن في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: إذا كان لها زوج، فبيعُها طلاقُها.
٨٩٧٧ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن أبيّ بن كعب، وجابرَ بن عبد الله، وأنسَ بن مالك قالوا: بيعُها طلاقُها.
٨٩٧٨ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن أبي بن كعب وجابرًا وابن عباس قالوا: بيعُها طلاقُها.
٨٩٧٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عمر بن عبيد، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: بيعُ الأمة طلاقُها. [[الأثر: ٨٩٧٩ -"عمر بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي" ثقة. مترجم في التهذيب.]]
٨٩٨٠ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور = ومغيرة والأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله قال، بيعُ الأمة طلاقها.
٨٩٨١ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سعيد، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
٨٩٨٢ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
٨٩٨٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طلاق الأمة ستٌّ: بيعها طلاقُها، وعتْقُها طلاقها، وهبتُها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طَلاقُها. [[الأثر: ٨٩٨٣ - ابن كثير ٢: ٤٠٠، والدر المنثور ٢: ١٣٨. وفي ابن كثير: "خليد، عن عكرمة"، والصواب ما في التفسير، وهو خالد الحذاء: "خالد بن مهران"، وقد سلف رقم: ١٦٨٣، ٣٩١٢م، ٥٤٢٧.
وفي هذه الأصول جميعًا: "طلاق الأمة ست"، ولم يذكر غير خمس منها، وفيها جميعًا علامة استشكال وتنبيه على هذا الخرم. وقد استظهرت أن يكون سادسها"وَإرْثُهَا طَلاقُهَا"، وكأنه الصواب إن شاء الله، فإن وراثة الأمة مطلقة لها.]]
٨٩٨٤ - حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن عيسى ابن أبي إسحاق، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي بن كعب أنه قال: بيع الأمة طلاقها. [[الأثر: ٨٩٨٤ -"أحمد بن المغيرة"، وهو: "أحمد بن محمد بن المغيرة بن سيار" ="أبو حميد الحمصي" مضت ترجمته برقم: ٥٧٥٣، ٥٧٥٤.
و"عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي الحمصي"، ثقة، كان يقال: "هو من الأبدال"، مات سنة ٢٠٩. مترجم في التهذيب.
وأما "عيسى بن أبي إسحاق" فكأنه"عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي" وقد رأى جده أبا إسحاق السبيعي المتوفى فيما اختلف فيه من سنة ١٢٦ - ١٢٩، ولم أجده روى عن"الأشعث بن سوار الكندي"، المتوفى سنة ١٣٦، ولكنه إذ كان رأى جده، فقد كان إذن خليقًا أن يروى عن الأشعث.]]
٨٩٨٥ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن قال: بيع الأمة طلاقُها، وبيعُه طلاقُها.
٨٩٨٦ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا خالد، عن أبى قلابة قال: قال عبد الله: مشتريها أحقُّ بِبُضْعها = يعني الأمة تباع ولها زوج.
٨٩٨٧ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن قال: طلاق الأمة بيعُها.
٨٩٨٨ - حدثنا حميد قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا يونس، عن الحسن: أن أُبَيًّا قال: بيعُها طلاقُها.
٨٩٨٩ - حدثنا أحمد قال، حدثنا سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج، فسيِّدها أحق ببُضْعِها.
٨٩٩٠ - حدثنا حميد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني سعيد، عن قتادة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: بيعُها طلاقُها. قال: فقيل لإبراهيم: فبَيْعُه؟ قال: ذلك ما لا نقول فيه شيئًا.
* * *
وقال آخرون: بل معنى"المحصنات" في هذا الموضع: العفائف. قالوا: وتأويل الآية: والعفائف من النساء حرام أيضًا عليكم، إلا ما ملكت أيمانكم منهن بنكاح وصداق وسُنّة وشُهودٍ، من واحدةٍ إلى أربع. [[قوله: "وسنة" هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة، وكذلك يأتي في الأثر التالي: ٨٩٩١، وخرجه السيوطي في الدر، مثله، وفيه"وسنة" أيضًا. وأنا في شك من هذا اللفظ، ومن اللفظ الذي سيأتي في الأثرين: ٩٠٠٢، ٩٠٠٨، وهو"وبينة" ومجيئها في هذين الأثرين لا يحتمل قط أن تكون"بالسنة" أو "بسنة"، حتى أقول إن صوابه فيهما"سنة". أما "سنة" في هذا الموضع، فيحتمل السياق أن تكون: "وصداق وبينة وشهود". وأيضًا، لم أعرف ما"البينة" في النكاح، كما سترى في التعليق على الأثرين: ٩٠٠٢، ٩٠٠٨.
أما "سنة" في هذا الموضع، وفي الأثر: ٨٩٩١، فإني نظرت فلم أجد أركان النكاح، سوى الصداق والولي والشهود. وقد اختلف العلماء في"الولي" أشرط هو من شروط صحة النكاح، أم ليس بشرط = واختلفوا في أنه سنة أو فرض = واختلفوا في أنه من شروط تمام العقد، أم من شروط صحته. ورأيت سبب اختلافهم أنه لم تأت في"الولي" واشتراطه آية هي نص ظاهر. بل جاء في السنة، سنة رسول الله ﷺ: "لا نكاح إلا بولي"، وإن اختلفوا في محامل هذا الحديث، وهو اختلاف مفصل في كتب الفقه. فبدا لي أن ما جاء في لفظ أبي جعفر، من خبر أبي العالية رقم: ٨٩٩١، إنما سماه أبو العالية"سنة"، وهو يريد"الولي"، لأنه مجيئة في السنة، لا في ظاهر القرآن.
هذا ما استظهرته، فمن أصاب، وجهًا غير هذا الوجه فعلمنيه، فجزاه الله خيرًا، وشكر له ما أفاد. وانظر التعليق على الأثرين: ٩٠٠٢، ٩٠٠٨.]]
* ذكر من قال ذلك:
٨٩٩١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن أبي العالية قال، يقول:"انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ثم حرّم ما حرم من النسب والصهر، ثم قال:"والمحصناتُ من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: فرجع إلى أول السورة، إلى أربع، فقال: هن حرامٌ أيضًا إلا بصداق وسُنَّةٍ وشهود. [[الأثر: ٨٩٩١ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ١٣٨، ونسبه لابن جرير، وعبد بن حميد، ولفظه: "إلا لمن نكح بصداق ... " وانظر التعليق السالف.]]
٨٩٩٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: أحلّ الله لك أربعًا في أول السورة، وحرّم نكاح كلِّ محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك = قال معمر، وأخبرني ابن طاوس، عن أبيه:"إلا ما ملكت يمينك"، قال: فزوجُك مما ملكت يمينُك، يقول: حرم الله الزنا، لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينُك.
٨٩٩٣ - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال، سألت عبيدة عن قول الله تعالى:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم"، قال: أربع.
٨٩٩٤ - حدثني علي بن سعيد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن عمر بن الخطاب مثله.
٨٩٩٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: الأربع، فما بعدهنّ حرام.
٨٩٩٦ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال: حرم الله ذوات القرابة. ثم قال:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: حرم ما فوق الأربع منهن.
٨٩٩٧ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والمحصنات من النساء"، قال: الخامسةُ حرام كَحُرمة الأمهات والأخوات.
* * *
ذكر من قال:"عنى بالمحصنات في هذا الموضع، العفائفَ من المسلمين وأهل الكتاب.
٨٩٩٨ - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"والمحصنات" قال: العفيفة العاقلة، من مسلمةٍ أو من أهل الكتاب.
٨٩٩٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن دريس، عن بعض أصحابه، عن مجاهد:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: العفائف.
* * *
وقال آخرون:"المحصنات" في هذا الموضع، ذوات الأزواج، غير أن الذي حرَّم الله منهن في هذه الآية، الزنا بهنّ، وأباحهن بقوله:"إلا ما ملكت أيمانكم" بالنكاح أو الملك.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٠٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:"والمحصنات"، قال: نهى عن الزنا.
٩٠٠١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والمحصنات من النساء" قال: نهى عن الزنا، أن تنكِحَ المرأة زوجين.
٩٠٠٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليكم حرام، إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبيِّنَةِ والمهر. [[الأثر: ٩٠٠٢ - لم أعرف ما أراد بقوله: "ينكحن بالبينة"، وسيأتي مثله في الأثر رقم: ٩٠٠٨، وقد وجدت في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده ٤: ٥٨، والحاكم في المستدرك ٢: ١٧٢-١٧٤، من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، أن رسول الله ﷺ أرسله إلى حي من الأنصار، ليتزوج امرأة منهم قال: "فأكرموني وزوجوني وألطفوني ولم يسألوني البينة. فرجعت حزينًا، فقال رسول الله ﷺ: ما بالك؟ فقلت: يا رسول الله، أتيت قومًا كرامًا فزوجوني وأكرموني ولم يسألوني البينة! فمن أين لي الصداق؟ " الحديث. فلا أدري أهذا هذا؟!
وقد أشكل على ما أراد ابن عباس في هذا الحديث، وفي الذي يليه: ٩٠٠٨، بقوله: "بالبينة والمهر" أو "ببينة ومهر"، كما أشكل على لفظ"سنة" في ص: ١٥٨ تعليق: ١، والأثر: ٨٩٩١، فانظره هناك. ورحم الله عبدًا علم جاهلا.
وهذا الأثر خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ١٣٨، ونسبه لابن أبي حاتم، والطبراني.]]
٩٠٠٣ - حدثنا أحمد بن عثمان قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت النعمان بن راشد يحدِّث، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن المحصنات من النساء، قال: هن ذوات الأزواج. [[الأثر: ٩٠٠٣ -"أحمد بن عثمان بن أبي عثمان النوفلي" المعروف بابن أبي الجوزاء، روى عنه أبو جعفر في التاريخ ٢: ٢٠٥ بهذا الإسناد نفسه، وهو غير"أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي" الذي يروي عنه أبو جعفر أيضًا في غير هذا الموضع، وقد صرح أبو جعفر في إسناده في التاريخ بأنه"المعروف بابن أبي الجوزاء". مترجم في التهذيب.]]
٩٠٠٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله قال:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين. وقال علي: ذوات الأزواج من المشركين.
٩٠٠٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله:"والمحصنات من النساء"، قال: كل ذات زوج عليكم حرام.
٩٠٠٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن مكحول نحوه.
٩٠٠٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن الصلت بن بهرام، عن إبراهيم نحوه. [[الأثر: ٩٠٠٧ -"الصلت بن بهرام التميمي" مضى برقم: ٤٢٢٣.]]
٩٠٠٨ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، يعني ذوات الأزواج من النساء، لا يحل نكاحهنّ. يقول: لا تُخَبِّبْ ولا تَعِدْ، فتنشُز على زوجها. [[في المطبوعة: "لا تخلب"، وهو كأنه من"الخب"، وهو من قولهم: "خلب المرأة عقلها"، سلبها إياه بحلو حديثه وخداعه. وفي المخطوطة: "تحلب" غير منقوطة، وكذلك في الدر المنثور ٢: ١٣٨، ولكني آثرت قراءتها"تخبب"، لأنه هو اللفظ المستعمل في إفساد النساء على أزواجهن. يقال: "خبب عليه امرأته أو عبده أو صديقه": أفسده عليه بمكره وغشه وخداعه، قال الفرزدق، في قوم اتهمهم بإفساد زوجته النوار عليه: وَإِنَّ امْرَأَ أَمْسَى يُخَبِّبُ زَوْجَتِي ... كَمَاشٍ إلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلُهَا
وَمِنْ دُونِ أَبْوَالِ الأُسُودِ بَسَالَةٌ ... وَبَسْطَةُ أَيْدٍ يَمْنَعُ الضَّيْمَ طُولُها]] وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومَهْرٍ فهي من المحصنات التي حَرّم الله ="إلا ما ملكت أيمانكم"، يعني التي أحلَّ الله من النساء، وهو ما أحلَّ من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع. [[الأثر: ٩٠٠٨ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ١٣٨، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم. وانظر التعليق على الأثر: ٩٠٠٢، في إشكال معنى"بينة" هنا. وانظر أيضًا ص: ١٥٨ تعليق: ١، والتعليق على الأثر: ٨٩٩١.]]
* * *
وقال آخرون: بل هن نساءُ أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٠٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عيسى بن عبيد، عن أيوب بن أبي العَوْجاء، عن أبي مجلز في قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: نساء أهل الكتاب. [[الأثر: ٩٠٠٩ -"يحيى بن واضح الأنصاري، أبو تميلة"، سلفت ترجمته مرارًا منها: ٣٩٢، ٤٦١. و"عيسى بن عبيد بن مالك المروزي - الكندي"، يروي عن أبي مجلز، ولكنه روى عنه هنا بواسطة أيوب بن أبي العوجاء. روى عنه أبي تميلة يحيى بن واضح. وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
و"أيوب بن العوجاء القرشي"، روى عن عكرمة، وعلباء بن أحمر. روى عنه الحسين بن واقد، والمبارك بن مجاهد، وعيسى بن عبيد المروزي، وأيوب. يعد في الخراسانيين، وهو مروزي. مترجم في الكبير ١ / ١ / ٤٢١، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٢٥٤. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "أيوب عن أبي العوجاء"، وهو خطأ، صوابه ما أثبت. و"أبو مجلز" هو"لاحق بن حميد" سلفت ترجمته في رقم: ٢٦٣٤.]] .
* * *
وقال آخرون: بل هن الحرائر.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠١٠ - حدثنا ابن بشار قال، حدثني حماد بن مسعدة قال، حدثنا سليمان، عن عزرة في قوله:"والمحصنات من النساء"، قال: الحرائر. [[الأثر: ٩٠١٠ -"حماد بن مسعدة البصري"، ثقة، من شيوخ أحمد. مضى برقم: ٣٠٥٦.
و"سليمان": هو: سليمان التيمي.
و"عزرة" هو: عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي، مضى برقم: ٢٧٥٢، ٢٧٥٣، وفي هذه الأخيرة خطأ (عروة) والصواب"عزرة" فليصحح.
وكان في المطبوعة: "سليمان بن عرعرة"، ولا أدري من أين جاء بها الطابع، وإن كان"سليمان بن عرعرة بن البرند" مترجمًا في ابن أبي حاتم ٢ / ١ / ١٣٤، وكان في المخطوطة"سليمان بن عزرة"، وليس في الرواة"سليمان بن عزرة"، فظاهر أنه"سليمان بن عزرة" وعزرة، يروي عن سليمان التيمي وقتادة.]]
* * *
وقال آخرون:"المحصنات" هن العفائف وذوات الأزواج، وحرام كُلُّ من الصنفين إلا بنكاحٍ أو ملك يمين.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠١١ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، وسئل عن قول الله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" الآية، قال: نرى أنه حرَّم في هذه الآية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحن مع أزواجهن = والمحصنات، العفائف = ولا يحللن إلا بنكاحٍ أو ملك يمين. والإحصان إحصانَان: إحصان تزويج، وإحصانُ عَفافٍ، في الحرائر والمملوكات. كل ذلك حرّم الله، إلا بنكاح أو ملك يمين.
* * *
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في نساء كنَّ يهاجرن إلى رسول الله ﷺ ولهن أزواج، فيتزوّجُهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجُهن مهاجرين، فنهى المسلمون عن نكاحهن.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠١٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن أبي سعيد الخدري قال: كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن، فمنعناهن = يعني قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم". [[الأثر: ٩٠١٢ -"حبيب بن أبي ثابت" هو: "حبيب بن قيس بن دينار"، ويقال: "حبيب بن قيس بن هند"، ويقال"حبيب بن هند". روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، ومجاهد، وعطاء، وطاوس. وذكره أبو جعفر الطبري في طبقات الفقهاء. لم يذكر له رواية عن أبي سعيد الخدري. وهو ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٣١١، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ١٠٧. والأثر خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ١٣٨، ولم ينسبه إلا لابن جرير.]]
* * *
وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسًا عليهم تأويل ذلك.
٩٠١٣ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال، قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سُئِل عن هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، فلم يقل فيها شيئًا؟ قال فقال: كان لا يعلمها.
٩٠١٤ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن مجاهد قال: لو أعلم من يفسّر لي هذه الآية، لضربت إليه أكباد الإبل، قوله:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى قوله:"فما استمتعتم به منهن"، إلى آخر الآية. [[الأثر: ٩٠١٤ -"عبد الرحمن بن يحيى"، لم أعرف من يكون؟
وهذا الأثر خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ١٣٩، لم ينسبه لغير ابن جرير.]]
* * *
قال أبو جعفر: فأما"المحصنات"، فإنَّهن جمع"مُحْصَنة"، وهي التي قد مُنع فرجها بزوج. يقال منه:"أحْصَن الرجلُ امرأته فهو يُحْصنها إحصانًا"،"وحَصُنت هي فهي تَحْصُن حَصَانة"، إذا عفَّت ="وهي حاصِنٌ من النساء"، عفيفة، كما قال العجاج:
وَحَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسٍ ... عَنِ الأذَى وَعَنْ قِرَافِ الْوَقْسِ [[ديوانه: ٧٩، واللسان (حصن) (قنس) و (وقس) . وقد سلف من هذه القصيدة أبيات في ٣: ٤٠٣، يذكر فيها أبا العباس السفاح وخلافته، وهذا الشعر في ديوانه ملفق غير متصل، فلذلك لم أستطع أن أميز الآن، من على بقوله: "وحاصن"، وكأنه عنى أم أبي العباس.
وقوله: "ملس" جمع"ملساء" وأراد بها البراءة من كل عيب يذم، كالشيء الأملس وهو البريء من الخشونة والعيوب والابن، ويقول المتلمس، وصدق العربي الحر: فَلا تَقْبَلَنْ ضَيْمًا مَخَافَةَ مِيتَةٍ، ... وَمُوتَنْ بِهَا حُرًّا وَجِلْدُكَ أَمْلَسُ
ويعني بقوله: "الأذى" العيب. ويروى"من الأذى"، وهو جيد أيضًا. و"القراف" المخالطة، مصدر"قارف الشيء مقارفة وقرافًا" داناه وخالطه. فقالوا منه: "قارف الجرب البعير"، داناه شيء منه، وهو المراد هنا، أي ملابسة الداء و"الوقس"، الجرب. وضرب الجرب مثلا للفاحشة والعيب.]] ويقال أيضًا، إذا هي عَفَّت وحفِظت فرجها من الفجور:"قد أحصَنَتْ فرجها فهي مُحْصِنة"، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [سورة التحريم: ١٢] ، بمعنى: حفظته من الريبة، ومنعته من الفجور. وإنما قيل لحصون المدائن والقرى:"حُصُون"، لمنعها من أرادَها وأهلَها، وحفظِها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها. ولذلك قيل للدرع:"درع حَصِينة".
* * *
فإذا كان أصل"الإحصان" ما ذكرنا من المنع والحفظ، فبيِّنٌ أنّ معنى قوله:"والمحصنات من النساء"، والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم.
وإذ كان ذلك معناه، وكان الإحصان قد يكون بالحرّية، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [سورة المائدة: ٥] = ويكون بالإسلام، كما قال تعالى ذكره: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [سورة النساء: ٢٥] = ويكون بالعفة، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [سورة النور: ٤] = ويكون بالزوج = [[هذه عطوف متتابعة، والسياق: وإذ كان ذلك معناه، وكان الإحصان قد يكون بالحرية ... ويكون بالإسلام ... ويكون بالعفة ... ويكون بالزوج ...
= ثم عطف مرة أخرى على أول الكلام فكان سياقه: وإذ كان ذلك معناه ... ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة.]] ولم يكن تبارك وتعالى خصّ محصَنة دون محصنة في قوله:"والمحصنات من النساء" = [[هذا جواب"إذ"، والسياق: وإذ كان ذلك معناه ... فواجب أن تكون كل محصنة.]] فواجبٌ أن تكون كلُّ مُحْصنة بأيّ معاني الإحصان كان إحصانها، حرامًا علينا سفاحًا أو نكاحًا إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء، كما أباحه لنا كتابُ الله جل ثناؤه، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله.
فالذي أباحه الله تبارك وتعالى لنا نكاحًا من الحرائر: الأربعُ، سوى اللَّواتي حُرِّمن علينا بالنسب والصهر = ومن الإماء: ما سبينا من العدوِّ، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حُرِّم علينا من الحرائر بالنسب والصهر، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرُم بذلك المعنى، متفقاتُ المعاني = وسوى اللّواتي سبيناهنّ من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السبِّاء يحلُّهن لمن سبَاهن بعد الاستبراء، وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخُمس منهنّ. فأما السِّفاح، فإن الله تبارك وتعالى حرّمه من جميعهن، فلم يحلّه من حُرّة ولا أمة، ولا مسلمة، ولا كافرةٍ مشركة.
وأما الأمة التي لها زوج، فإنها لا تحلّ لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها، أو وفاته وانقضاء عدتها منه. فأمَّا بيع سيدها إياها، فغيرُ موجب بينها وبين زوجها فراقًا ولا تحليلا لمشتريها، لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ: [[خبر بريرة، في مسلم ١٠: ١٣٩-١٤٨، وأخرجه البخاري أيضًا في مواضع من صحيحه.]] أنه خَيَّرَ بَرِيرة إذ أعتقتها عائشة، بين المُقام مع زوجها الذي كان سادَتُها زوَّجوها منه في حال رِقِّها، وبين فراقه = ولم يجعل ﷺ عِتْق عائشة إيّاها لها طلاقًا. ولو كان عتقُها وزوالُ مِلك عائشة إياها لها طلاقًا، لم يكن لتخيير النبيِّ ﷺ إياها بين المقام مع زوجها والفراق، معنًى = ولوجب بالعتق الفراق، [[في المخطوطة: "وقد وجب بالعتق الفراق"، وهو خطأ بين، والصواب ما في المطبوعة.]] وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق. فلما خيَّرها النبي ﷺ بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق، كان معلومًا أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقدُه ثابت كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها. فكان نظيرًا للعتق = الذي هو زوال مِلك مالك المملوكة ذات الزوج عنها = البيعُ، الذي هو زوال ملك مالكها عنها، إذ كان أحدهما زوالا ببيع، والآخر بعتق = في أن الفُرْقة لا تجب بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما، [ولا يجب بهما ولا بواحدٍ منهما طلاقٌ] ، [[في المطبوعة: "في أن الفرقة لا يجب بها بينهما وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما طلاق" وهو كلام فاسد مختل، غير ما في المخطوطة إذ كان ما فيها خطأ، وزاد"بها" في قوله"لا يجب بها"، ولا أدري ما أراد بذلك!!
وفي المخطوطة: "في أن الفرقة لا تجب بينها وبين زوجها بهما، ولا بواحد منها وطلاق". والجملة الأولى مستقيمة، وأما "وطلاق" فإن الناسخ فيما أرجح قد اختلط عليه إعادة الجملة كما أثبتها، فكتب ما كتب. والصواب إن شاء الله هو ما أثبته بين القوسين، وهو استظهار من سياق الحجة السالفة كما ترى.
هذا، وجملة أبي جعفر من أول الفقرة، شديدة التركيب، ولذلك وضعت لها الخطوط الفواصل، لتفصل التفسير عن سياق الكلام، وسياقه كما يلي: "فكان نظيرًا للعتق ... البيع ... في أن الفرقة ... "، يعني أن البيع نظير العتق، ثم فسر في خلال ذلك معنى"العتق" ومعنى"البيع".]] وإن اختلفا في معانٍ أُخر: من أن لها في العتق الخيارُ في المقام مع زوجها والفراق، لعلة مفارقةٍ معنى البيع، وليس ذلك لها في البَيْع.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف يكون معنيًّا بالاستثناء من قوله:"والمحصنات من النساء"، ما وراء الأربع، من الخمس إلى ما فوقهن بالنكاح، والمنكوحات به غير مملوكات؟.
قيل له: إن الله تعالى لم يخصّ بقوله:"إلا ما ملكت أيمانكم"، المملوكات الرقابَ، دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرُها، بل عمَّ بقوله:"إلا ما ملكت أيمانكم"، كلا المعنيين = أعني ملك الرقبة، وملك الاستمتاع بالنكاح = لأن جميع ذلك ملكته أيماننا. أما هذه فملك استمتاع، وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها. ومن ادَّعى أن الله تبارك وتعالى عني بقوله:"والمحصنات من النساء" محصنة وغير محصنة سوى من ذكرنا أولا بالاستثناء بقوله:"إلا ما ملكت أيمانكم"، [[قوله: "بعض" منصوب مفعول به لقوله"عنى بقوله".]] بعضَ أملاك أيماننا دون بعض غيرَ الذي دللنا على أنه غير معنيٍّ به = سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير. [[السياق: "ومن ادعى ... سئل البرهان".]] فلن يقول في ذلك قولا إلا أُلزم في الآخر مثله.
* * *
فإن اعتلّ معتلُّ منهم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في سبايا أوطاس =
= قيل له: إن سبايا أوْطاس لم يُوطأن بالملك والسبِّاء دون الإسلام. وذلك أنهن كن مشركاتٍ من عَبَدة الأوثان، وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام، وأنهن إذا أسلمن فرَّق الإسلام بينهن وبين الأزواج، سبايا كنَّ أو مهاجرات. غير أنّهن إذا كُن سبايا، حللنَ إذا هُنَّ أسلمنَ بالاستبراء. فلا حجة لمحتجّ في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله:"والمحصنات من النساء"، ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن، بخبر أبي سعيد الخدري أنّ ذلك نزل في سبايا أوطاس. لأنه وإن كان فيهن نزل، فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسبِّاء خاصة، دون غيره من المعاني التي ذكرنا. مع أنّ الآية تنزل في معنًى، فتعمُّ ما نزلت به فيه وغيرَه، فيلزم حكمها جميع ما عمَّته، لما قد بيَّنا من القول في العموم والخصوص في كتابنا"كتاب البيان عن أصول الأحكام".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: كتابًا من الله عليكم، فأخرج"الكتاب" مُصَدَّرًا من غير لفظه. [["المصدر" (بضم الميم وفتح الصاد ودال مشدودة مفتوحة) ، أي مفعولا مطلقًا، من"التصدير" - وهو الإخراج على معنى المفعول المطلق. وانظر ما سلف ١: ١١٧، تعليق: ١ ثم ص ١٣٨، تعليق: ٢ / ٢: ٢٩٢ تعليق: ١، ص: ٥٠٠.]] وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى:"حرِّمت عليكم أمهاتكم"، إلى قوله:"كتابَ الله عليكم"، بمعنى: كَتب الله تحريم ما حرَّم من ذلك وتحليلَ ما حلل من ذلك عليكم، كتابًا. [[انظر ما سلف ٧: ٢٦١.]]
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠١٥ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"كتاب الله عليكم"، قال: ما حرَّم عليكم.
٩٠١٦ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال:"كتابَ الله عليكم"، قال: هو الذي كتب عليكم الأربعَ، أن لا تزيدوا.
٩٠١٧ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم"، وأشار ابن عون بأصابعه الأربع.
٩٠١٨ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله:"كتاب الله عليكم"، قال: أربع.
٩٠١٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"كتاب الله عليكم"، الأربع.
٩٠٢٠ - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"كتاب الله عليكم"، قال: هذا أمرُ الله عليكم. قال: يريد ما حرَّم عليهم من هؤلاء وما أحلَّ لهم. وقرأ:"وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم"، إلى أخر الآية. قال:"كتاب الله عليكم"، الذي كتَبه، وأمره الذي أمركم به."كتاب الله عليكم"، أمرَ الله. [[انظر تفسير"كتاب" فيما سلف ٣: ٣٦٤، ٣٦٥، ٤٠٩، ٥٠٨ / ٤: ٢٩٧ / ٥: ٣٠٠. ومعنى"الكتاب" الفرض والحكم والقضاء.]]
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أنّ قوله:"كتاب الله عليكم"، منصوب على وجه الإغراء، بمعنى: عليكم كتابَ الله، الزموا كتابَ الله.
= والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب. وذلك أنها لا [تكاد] تَنصب بالحرف الذي تغرِي به، [إذا أخَّرت الإغراء، وقدمت المغرَى به] . [[هذه الجملة التي بين القوسين، لا بد منها لصحة هذا القول، وقوله: "تكاد" قبلها بين القوسين، ضرورة زيادتها أيضًا، وإلا لم يكن لقوله بعد: "وإن كان ذلك جائزًا" معنى، فإنه يكون قد نفى بمرة واحدة، أن تنصب العرب بالحرف الذي تغرى به، إذا أخرته. وهو تناقض. واستظهرت الجملة الثانية مما سلف من كلامه في ١: ١٢٠، في الإغراء أيضًا.]] لا تكاد تقول:"أخاك عليك، وأباك دونك"، وإن كان جائزًا. [[وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء ١: ٢٦٠.]]
والذي هو أولى بكتاب الله: أن يكون محمولا على المعروف من لسان من نزل بلسانه. هذا، مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا، وخلافِ ما وجَّهه إليه من زعم أنه نُصب على وجه الإغراء.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وأحل لكم ما دون الخمس، أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٢١ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، ما دون الأربع ="أن تبتغوا أموالكم".
٩٠٢٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، يعني: ما دون الأربع.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأحل لكم ما وراء ذلكم: مَن سَمَّى لكم تحريمه من أقاربكم.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٢٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، قال: ما وراء ذات القرابة ="أن تبتغوا بأموالكم"، الآية.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك:"وأحل لكم ما وراء ذلكم: عددَ ما أحل لكم من المحصنات من النّساء الحرائر ومن الإماء.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٢٤ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، قال: ما ملكت أيمانكم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما نحن مبيِّنوه. وهو أن الله جل ثناؤه بيَّن لعباده المحرَّمات بالنسب والصهر، ثم المحرمات من المحصنات من النساء، ثم أخبرهم جل ثناؤه أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرَّمات المبيَّنات في هاتين الآيتين، أن نَبْتغيه بأموالنا نكاحًا وملك يمين، لا سفاحًا.
* * *
فإن قال قائل: عرفنا المحلَّلات اللواتي هن وراء المحرَّمات بالأنساب والأصهار، فما المحلَّلات من المحصَنات والمحرمات منهن؟
قيل: هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع - على ما ذكرنا عن عبيدة والسدي - من الحرائر. فأما ما عدا ذوات الأزواج، فغير عدد محصور بملك اليمين. وإنما قلنا إنّ ذلك كذلك، لأن قوله:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، عامّ في كل محلَّل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا. فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهن بأولى من بعض، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجَّة يجب التسليم لها. ولا حُجة بأن ذلك كذلك.
* * *
واختلف القرأة في قراءة قوله:"وأحل لكم ما وراء ذلكم".
فقرأ ذلك بعضهم:"وَأَحَلَّ لَكُمْ" بفتح"الألف" من"أحل" بمعنى: كتب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم.
وقرأه آخرون: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ ، اعتبارًا بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ ،"وأحل لكم ما وراء ذلكم".
* * *
قال أبو جعفر: والذي نقول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الإسلام، غير مختلفتي المعنى، فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ الحقَّ.
* * *
وأما معنى قوله:"ما وراء ذلكم"، فإنه يعني: ما عدا هؤلاء اللواتي حرَّمتهن عليكم ="أن تبتغوا بأموالكم" يقول: أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم، [[انظر تفسير: "ابتغى" فيما سلف ٣: ٥٠٨ / ٤: ١٦٣ / ٦: ١٩٦، ٥٦٤، ٥٧٠ / ٧: ٥٣.]] إما شراءً بها، وإما نكاحًا بصداق معلوم، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ [سورة البقرة: ٩١] ، يعني: بما عداه وبما سواه. [[انظر تفسير: "وراء" فيما سلف ٢: ٣٤٨، ٣٤٩، ومعاني القرآن للفراء ١: ٦٠، ٢٦١.]]
* * *
وأما موضع:"أن" من قوله:"أن تبتغوا بأموالكم" فرفعٌ، ترجمةً عن"ما" التي في قوله: [["الترجمة" هنا هي"التفسير"، كما ذكره الفراء في معاني القرآن ١: ٢٦١.]] "وأحل لكم ما وراء ذلكم" في قراءة من قرأ"وأحِلَّ" بضم"الألف" = ونصبٌ على ذلك في قراءة من قرأ ذلك:"وأحَل" بفتح"الألف".
وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين، على معنى: وأحلّ لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا. فلما حذفت"اللام" الخافضة، اتصلت بالفعل قبلها فنصبت. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٦١.]] وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض، بهذا المعنى، [[في المخطوطة والمطبوعة: "فهذا المعنى"، وهو خطأ شديد الفساد.]] إذ كانت"اللام" في هذا الموضع معلومًا أن بالكلام إليها الحاجة.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"محصِنين"، أعفَّاء بابتغائكم ما وراء ما حرَّم عليكم من النساء بأموالكم [[انظر تفسير"الإحصان" فيما سلف قريبًا: ١٦٥، ١٦٦.]] ="غير مسافحين"، يقول: غير مُزَانين، كما:-
٩٠٢٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"محصنين"، قال: متناكحين ="غير مسافحين"، قال: زانين بكل زانية.
٩٠٢٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:"محصنين" متناكحين ="غير مسافحين"، السفاحُ الزِّنا.
٩٠٢٧ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"محصنين غير مسافحين"، يقول: محصنين غير زُنَاة.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"فما استمتعتم به منهن". فقال بعضهم: معناه: فما نكحتم منهن فجامعتموهن - يعني: من النساء ="فآتوهن أجورهن فريضة" يعني: صدقاتهن، فريضة معلومة. [[انظر تفسير"الاستمتاع" في"متع"، و"الإيتاء" في"أتى" و"الفريضة" في"فرض" من فهارس اللغة، في الأجزاء السالفة.]]
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٢٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورَهن فريضة"، يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صَداقها كلُّه = و"الاستمتاع" هو النكاح، وهو قوله: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [سورة النساء: ٤] .
٩٠٢٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:"فما استمتعتم به منهن"، قال: هو النكاح.
٩٠٣٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فما استمتعتم به منهن"، النكاح.
٩٠٣١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"فما استمتعتم به منهن"، قال: النكاحَ أراد.
٩٠٣٢ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" الآية، قال: هذا النكاح، وما في القرآن إلا نكاحٌ. إذا أخذتَها واستمتعت بها، فأعطها أجرَها الصداقَ. فإن وضعت لك منه شيئًا، فهو لك سائغ. فرض الله عليها العدة، وفرض لها الميراث. قال: والاستمتاع هو النكاح ههنا، إذا دخل بها.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتَّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولِيٍّ وشهود ومهر.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٣٣ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورَهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، [[قوله في الآية"إلى أجل مسمى"، هو في هذا الأثر من سياق الآية عن السدي، وانظر الآثار التالية: ٩٠٣٥ - ٩٠٤٣، وانظر رد الطبري هذه القراءة في آخر تفسير الآية.]] فهذه المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.
٩٠٣٤ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فما استمتعتم به منهن"، قال: يعني نكاحَ المتعة.
٩٠٣٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن عيسى قال، حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال، حدثني ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفًا فقال: هذا على قراءة أبيّ = قال أبو كريب [[في المخطوطة والمطبوعة: "أبو بكر"، مكان"أبو كريب"، وهو سهو من الناسخ كما ترى.]] قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾ . [[الأثر: ٩٠٣٥ -"يحيى بن عيسى الرملي"، شيخ أبي كريب، مضت ترجمته رقم: ٦٣١٧، ثم ٧٤١٨."نصير بن أبي الأشعث"- ويقال: ابن الأشعث -العرادي الأسدي، روى عن أبي إسحاق السبيعي وغيره. مترجم في التهذيب.
و"ابن حبيب بن أبي ثابت"، لم أستطع أن أثبت أيهم هو، وهم"عبد الله بن حبيب" و"عبيد الله بن حبيب"، و"عبد السلام بن حبيب"، ذكرهم الداراقطني وقال: "بنو حبيب بن أبي ثابت وكلهم ثقات". وكان في المطبوعة: "حبيب بن أبي ثابت" أسقط"ابن"، وهي ثابتة في المخطوطة.
وأبوه: "حبيب بن أبي ثابت"، روى عن ابن عباس، سلفت ترجمته قريبا، رقم: ٩٠١٢.]]
٩٠٣٦ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة قال، سألت ابن عباس عن متعة النساء. قال: أما تقرأ"سورة النساء"؟ قال قلت: بلى! قال: فما تقرأ فيها: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾ ؟ قلت: لا! لو قرأتُها هكذا ما سألتك! قال: فإنها كذا.
٩٠٣٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثني داود، عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فذكر نحوه.
٩٠٣٨ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس:"فما استمتعتم به منهن". قال ابن عباس:"إلى أجل مسمى". قال قلت: ما أقرؤها كذلك! قال: والله لأنزلها الله كذلك! ثلاث مرات.
٩٠٣٩ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير: أن ابن عباس قرأ: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾ .
٩٠٤٠ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة = وحدثنا خلاد بن أسلم قال، أخبرنا النضر قال، أخبرنا شعبة = عن أبي إسحاق، عن ابن عباس بنحوه.
٩٠٤١ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: في قراءة أبيّ بن كعب: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾ .
٩٠٤٢ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى هذا الموضع:"فما استمْتَعتم به منهن"، أمنسوخة هي؟ قال: لا = قال الحكم: وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ.
٩٠٤٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي، عن عمرو بن مرة: أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن﴾ .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوَّله: فما نكحتموه منهن فجامعتموه، فآتوهن أجورهن = لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله ﷺ.
٩٠٤٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال، حدثني الرَّبيع بن سبرة الجهني، عن أبيه: أن النبي ﷺ قال: استمتعوا من هذه النساء = والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج. [[الحديث: ٩٠٤٤ - اختصر الطبري رحمه الله، أو شيخه سفيان بن وكيع - لفظ الحديث! فأوهم شيئًا آخر غير ما يدل عليه سياقه كاملا. وابن وكيع - شيخ الطبري -: هو سفيان بن وكيع. وهو ضعيف، كما بينا فيما مضى: ١٤٢. والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، كاملا: ١٥٤١٥ (ج٣ ص٤٠٥-٤٠٦ حلبي) وشتان بين أحمد وابن وكيع. فرواه عن وكيع، بهذا الإسناد، وفيه: "قال لنا رسول الله ﷺ: استمتعوا من هذه النساء. قال: والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج، قال: فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلا. قال: فذكرنا ذلك للنبي ﷺ فقال: افعلوا" - ثم ذكر القصة في تمتعه بامرأة لعشرة أيام، وأنه بات عندها ليلة: "ثم أصبحت غاديًا إلى المسجد. فإذا رسول الله ﷺ بين الباب والحجر، يخطب الناس يقول: ألا أيها الناس، قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة" - إلى آخر الحديث.
ورواه البيهقي ٧: ٢٠٣، بنحوه من طريق أبي نعيم، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، به.
وروى أحمد في المسند حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة، مطولا ومختصرًا، من أوجه كثيرة (٣: ٤٠٤-٤٠٥) .
وكذلك رواه مسلم ١: ٣٩٥-٣٩٦، مطولا ومختصرًا.
وقصة سبرة بن معبد هذه كانت في حجة الوداع، أو في غزوة الفتح - على اختلاف الرواية عنه في ذلك. وقال الحافظ في الفتح ٩: ١٤٧"والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر". وعلى كل حال فالنهي فيها هو الناسخ الأخير، وقد أفاض الحافظ في بيان النسخ مفصلا ٩: ١٤٣-١٥١.
وانظر المحلى ٩: ٥١٩-٥٢٠، والسنن الكبرى للبيهقي ٧: ٢٠٠-٢٠٧.]]
* * *
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام، في غير هذا الموضع من كتبنا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
وأما ما روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾ ، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئًا لم يأت به الخبرُ القاطعُ العذرَ عمن لا يجوز خلافه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفرَيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك لا حرَج عليكم، [[انظر تفسير"الجناح" فيما سلف: ١٤٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] أيها الأزواج، إن أدركتكم عُسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورَهن فريضة، فيما تراضيتم به من حطٍّ وبراءة، بعد الفرض الذي سَلَف منكم لهن ما كنتم فرضتم.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٤٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ: أن رجالا كانوا يفرضون المهر، ثم عسى أن تُدرك أحدهم العسرة، فقال الله:"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة".
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى، إذا انقضى الأجل الذي أجَّلتموه بينكم وبينهن في الفراق، أن يزدنكم في الأجل، وتزيدوا من الأجر والفريضة، [[في المخطوطة: "أن يزيدوكم في الأجل، وتزيدون من الأجر"، والذي في المطبوعة أجود الكلامين.]] قبل أن يستبرئن أرحامهن.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٤٦ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها - قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال:"أتمتع منك أيضًا بكذا وكذا"، فازداد قبل أن يستبرئ رحمها، ثم تنقضي المدة. وهو قوله:"فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"،
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهن على استمتاعكم بهنّ من مُقام وفراق.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٤٧ - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، والتراضي: أن يوفِّيها صداقها ثم يخيِّرها.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك ولا جناح عليكم فيما وضَعتْ عنكم نساؤكم من صَدُقاتهن من بعد الفريضة.
* ذكر من قال ذلك:
٩٠٤٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، قال: إن وضعتْ لك منه شيئًا فهو لك سائغٌ.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: ولا حرج عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن، من حطِّ ما وجب لهنَّ عليكم، أو إبراء، أو تأخير ووضع. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [سورة النساء: ٤] .
فأما الذي قاله السدي: فقولٌ لا معنى له، لفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين.
* * *
وأما قوله:"إن الله كان عليمًا حكيمًا"، فإنه يعني: إن الله كان ذا علم بما يُصلحكم، أيها الناس، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه، ="حكيما" فيما يدبر لكم ولهم من التدبير، وفيما يأمركم وينهاكم، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل. [[انظر تفسير"عليم" و"حكيم" في فهارس اللغة فيما سلف.]]
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق