الباحث القرآني
(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ مِنَ المُحَرَّماتِ.
والمُرادُ بِهِنَّ عَلى المَشْهُورِ ذَواتُ الأزْواجِ، أحْصَنَهُنَّ التَّزَوُّجُ، أوِ الأزْواجُ، أوِ الأوْلِياءُ، أيْ مَنَعَهُنَّ عَنِ الوُقُوعِ في الإثِمْ، وأجْمَعَ القُرّاءُ كَما قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: عَلى فَتْحِ الصّادِ هُنا، ورِوايَةُ الفَتْحِ عَنِ الكِسائِيِّ لا تَصِحُّ، والمَشْهُورُ رِوايَةُ ذَلِكَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، ويَحْيى بْنِ وثّابٍ، وعَلَيْهِ يَكُونُ اسْمَ فاعِلٍ؛ لِأنَّهُنَّ أحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ عَنْ غَيْرِ أزْواجِهِنَّ، أوْ أحْصَنَّ أزْواجَهُنَّ.
وقِيلَ: الصِّيغَةُ لِلْفاعِلِ عَلى القِراءَةِ الأُولى أيْضًا، فَقَدْ قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: كَلُّ أفْعَلَ اسْمُ فاعِلِهِ بِالكَسْرِ إلّا ثَلاثَةَ أحْرُفٍ: أحْصَنَ وألْفَجَ؛ إذا ذَهَبَ مالُهُ، وأسْهَبَ؛ إذا كَثُرَ كَلامُهُ.
وحُكِيَ عَنِ الأزْهَرِيِّ مِثْلُهُ، وقالَ ثَعْلَبٌ: كُلُّ امْرَأةٍ عَفِيفَةٍ مُحْصَنَةٌ ومُحْصِنَةٌ، وكُلُّ امْرَأةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مُحْصَنَةٌ بِالفَتْحِ لا غَيْرَ، ويُقالُ: حُصِنَتِ المَرْأةُ - بِالضَّمِّ - حُصْنًا أيْ عَفَّتْ، فَهي حاصِنٌ وحَصْنانُ بِالفَتْحِ وحَصْناءُ أيْضًا بَيِّنَةُ الحَصانَةِ، وفَرَسٌ حِصانٌ بِالكَسْرِ بَيِّنُ التَّحْصِينِ والتَّحَصُّنِ.
ويُقالُ: إنَّهُ سُمِّيَ حِصانًا؛ لِأنَّهُ ضَنَّ بِمائِهِ فَلَمْ يَنْزُ إلّا عَلى كَرِيمَةٍ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتّى سَمَّوْا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الخَيْلِ حِصانًا.
والإحْصانُ في المَرْأةِ ورَدَ في اللُّغَةِ، واسْتُعْمِلَ في القُرْآنِ بِأرْبَعَةِ مَعانٍ: الإسْلامُ، والحُرِّيَّةُ، والتَّزَوُّجُ، والعِفَّةُ، وزادَ الرّافِعِيُّ العَقْلَ؛ لِمَنعِهِ مِنَ الفَواحِشِ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ (المُحْصَناتِ) أيْ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المُحْصَناتُ كائِناتٍ مِنَ النِّساءِ، وفائِدَتُهُ تَأْكِيدُ عُمُومِها، وقِيلَ: دَفْعُ تَوَهُّمِ شُمُولِها لِلرِّجالِ، بِناءً عَلى كَوْنِها صِفَةً لِلْأنْفُسِ، وهي شامِلَةٌ لِلذُّكُورِ والإناثِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ، كَما لا يَخْفى، وفي المُرادِ بِالآيَةِ غُمُوضٌ، حَتّى قالَ مُجاهِدٌ: لَوْ كُنْتُ أعْلَمُ مَن يُفَسِّرُها لِي لَضَرَبْتُ إلَيْهِ أكْبادَ الإبِلِ، أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ أبِي السَّوْداءِ قالَ: سَألْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿والمُحْصَناتُ﴾ إلَخْ فَقالَ: لا أدْرِي، ولِلْعُلَماءِ المُتَقَدِّمِينَ فِيها أقْوالٌ، أحُدُها: أنَّ المُرادَ بِها المُزَوَّجاتُ، كَما قَدَّمْنا.
والمُرادُ بِالمِلْكِ المِلْكُ بِالسَّبْيِ خاصَّةً؛ فَإنَّهُ المُقْتَضِي لِفَسْخِ النِّكاحِ وحَلِّها لِلسّابِي دُونَ غَيْرِهِ، وهو قَوْلُ عُمَرَ، وعُثْمانَ وجُمْهُورِ الصَّحابَةِ، والتّابِعِينَ، والأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ، لَكِنْ وقْعَ الخِلافُ، هَلْ مُجَرَّدُ السَّبْيِ مُحِلٌّ لِذَلِكَ، أوْ سَبْيُها وحْدَها؟ فَعِنْدَ الشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - مُجَرَّدُ السَّبْيِ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ ومُحِلٌّ لِلنِّكاحِ، وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - سَبْيُها وحْدَها، حَتّى لَوْ سُبِيَتْ مَعَهُ لَمْ تَحِلَّ لِلسّابِي، واحْتَجَّ أهْلُ هَذا القَوْلِ بِما أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - قالَ: «أصَبْنا سَبْيًا يَوْمَ أوْطاسٍ، ولَهُنَّ أزْواجٌ، فَكَرِهْنا أنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ، فَسَألْنا النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَنَزَلَتِ الآيَةُ، فاسْتَحْلَلْناهُنَّ،» وهَذِهِ الرِّوايَةُ عَنْهُ أصَحُّ مِنَ الرِّوايَةِ الأُخْرى أنَّها نَزَلَتْ في المُهاجِراتِ، واعْتُرِضَ بِأنَّ هَذا مِن قَصْرِ العامِّ عَلى سَبَبِهِ، وهو مُخالِفٌ لِما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ مِن أنَّهُ لا يُعْتَبَرُ خُصُوصُ السَّبَبِ، وأُجِيبَ بِأنَّهُ لَيْسَ مِن ذاكَ القَصْرِ في شَيْءٍ، وإنَّما خُصَّ لِمُعارَضَةِ دَلِيلٍ آخَرَ، وهو الحَدِيثُ (p-3)المَشْهُورُ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - «أنَّها لَمّا اشْتَرَتْ بِرَيْرَةَ وكانَتْ مُزَوَّجَةً أعْتَقَتْها، وخَيَّرَها النَّبِيُّ ﷺ» فَلَوْ كانَ بَيْعُ الأمَةِ طَلاقًا ما خَيَّرَها، فاقْتُصِرَ بِالعامِّ حِينَئِذٍ عَلى سَبَبِهِ الوارِدِ عَلَيْهِ؛ لَمّا كانَ غَيْرُ البَيْعِ مِن أنْواعِ الِانْتِقالاتِ كالبَيْعِ في أنَّهُ مِلْكٌ اخْتِيارِيٌّ مُتَرَتِّبٌ عَلى مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ، بِخِلافِ السِّباءِ فَإنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ قَهْرِيٌّ فَلا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، كَذا قِيلَ، واعْتَرَضَ أصْحابُ الشّافِعِيِّ بِإطْلاقِ الآيَةِ والخَبَرِ عَلى الإمامِ الأعْظَمِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - وجَعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ فِيما ذَهَبَ إلَيْهِ، وأجابَ الشِّهابُ بِأنَّ الإطْلاقَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَفي الأحْكامِ المَرْوِيِّ أنَّهُ لَمّا كانَ يَوْمُ أوْطاسٍ لَحِقَتِ الرِّجالُ بِالجِبالِ، وأخَذَتِ النِّساءَ، فَقالَ المُسْلِمُونَ: كَيْفَ نَصْنَعُ ولَهُنَّ أزْواجٌ؟ فَأنْزَلُ اللَّهُ تَعالى الآيَةَ، وكَذا في حُنَيْنٍ، كَما ذَكَرَهُ أهْلُ المَغازِي، فَثَبَتَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ أزْواجٌ، فَإنِ احْتَجُّوا بِعُمُومِ اللَّفْظِ قِيلَ لَهُمْ: قَدِ اتَّفَقْنا عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِعامٍّ، وأنَّهُ لا تَجِبُ الفُرْقَةُ بِتَجَدُّدِ المِلْكِ، فَإذا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنا أنَّ الفُرْقَةَ لِمَعْنًى آخَرَ، وهو اخْتِلافُ الدّارَيْنِ، فَلَزِمَ تَخْصِيصُها بِالمَسْبِيّاتِ وحْدَهُنَّ، ولَيْسَ السَّبْيُ سَبَبَ الفُرْقَةِ؛ بِدَلِيلِ أنَّها لَوْ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً أوْ ذِمِّيَّةً ولَمْ يَلْحَقْ بِها زَوْجُها وقَعَتِ الفُرْقَةُ بِلا خِلافٍ.
وقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعالى بِهِ في المُهاجِراتِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ﴾ فَلا يَرِدُ ما أُورِدَ.
وثانِيها: أنَّ المُرادَ بِالمُحْصَناتِ ما قَدَّمْنا، وبِالمِلْكِ مُطْلَقُ مِلْكِ اليَمِينِ، فَكُلُّ مَنِ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِلْكُ أمَةٍ بِبَيْعٍ أوْ هِبَةٍ أوْ سِباءٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وكانَتْ مُزَوَّجَةً كانَ ذَلِكَ الِانْتِقالُ مُقْتَضِيًا لِطَلاقِها وحِلِّها لِمَنِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وجَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الإمامِيَّةِ.
وثالِثُها: أنَّ المُحْصَناتِ أعَمُّ مِنَ العَفائِفِ والحَرائِرِ وذَواتِ الأزْواجِ، والمِلْكَ أعَمُّ مِن مِلْكِ اليَمِينِ ومِلْكِ الِاسْتِمْتاعِ بِالنِّكاحِ، فَيَرْجِعُ مَعْنى الآيَةِ إلى تَحْرِيمِ الزِّنا، وحُرْمَةِ كُلِّ أجْنَبِيَّةٍ إلّا بِعَقْدٍ أوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ جُبَيْرٍ وعَطاءٌ والسُّدِّيُّ، وحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ، واخْتارَهُ مالِكٌ في المُوَطَّأِ.
ورابِعُها: كَوْنُ المُرادِ مِنَ المُحْصَناتِ الحَرائِرَ، ومِنَ المِلْكِ المُطْلَقَ، والمَقْصُودُ تَحْرِيمُ الحَرائِرِ بَعْدَ الأرْبَعِ.
أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وغَيْرُهُ، عَنْ عُبَيْدَةَ أنَّهُ قالَ في هَذِهِ الآيَةِ: «أحَلَّ اللَّهُ تَعالى لَكَ أرْبَعًا في أوَّلِ السُّورَةِ، وحَرَّمَ نِكاحَ كُلِّ مُحْصَنَةٍ بَعْدَ الأرْبَعِ إلّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ» ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ كَثِيرٍ.
وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: المُرادُ مِنَ المُحْصَناتِ ذَواتُ الأزْواجِ، والمَوْصُولُ إمّا عامٌّ حَسَبَ عُمُومِ صِلَتِهِ، والِاسْتِثْناءُ لَيْسَ لِإخْراجِ جَمِيعِ الأفْرادِ مِن حُكْمِ التَّحْرِيمِ بِطَرِيقِ شُمُولِ النَّفْيِ، بَلْ بِطَرِيقِ نَفْيِ الشُّمُولِ المُسْتَلْزِمِ لِإخْراجِ البَعْضِ، أيْ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المُحْصَناتُ عَلى الإطْلاقِ إلّا المُحْصَناتِ اللّاتِي مَلَكْتُمُوهُنَّ، فَإنَّهُنَّ لَسْنَ مِنَ المُحَرَّماتِ عَلى الإطْلاقِ، بَلْ فِيهِنَّ مَن لا يَحْرُمُ نِكاحُهُنَّ في الجُمْلَةِ، وهُنَّ المَسْبِيّاتُ بِغَيْرِ أزْواجِهِنَّ، أوْ مُطْلَقًا عَلى اخْتِلافِ المَذْهَبَيْنِ، وإمّا خاصٌّ بِالمَسْبِيّاتِ، فالمَعْنى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المُحْصَناتُ إلّا اللّاتِي سُبَيْنَ؛ فَإنَّ نِكاحَهُنَّ مَشْرُوعٌ في الجُمْلَةِ، أيْ لِغَيْرِ مُلّاكِهِنَّ، وأمّا حِلُّهُنَّ لَهم بِحُكْمِ مِلْكِ اليَمِينِ فَمَفْهُومٌ بِدَلالَةِ النَّصِّ؛ لِاتِّحادِ المَناطِ لا بِعِبارَتِهِ؛ لِأنَّ مَساقَ النَّظْمِ الكَرِيمِ لِبَيانِ حُرْمَةِ التَّمَتُّعِ بِالمُحَرَّماتِ المَعْدُودَةِ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكاحِ، وإنَّما ثُبُوتُ حُرْمَةِ التَّمَتُّعِ بِهِنَّ بِحُكْمِ مِلْكِ اليَمِينِ بِطَرِيقِ دَلالَةِ النَّصِّ، وذَلِكَ مِمّا لا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِثْناءُ قَطْعًا، وأمّا عَدُّهُنَّ مِن ذَواتِ الأزْواجِ مَعَ تَحَقُّقِ الفُرْقَةِ بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ أزْواجِهِنَّ قَطْعًا بِتَبايُنِ الدّارَيْنِ أوْ بِالسِّباءِ فَمَبْنِيٌّ عَلى اعْتِقادِ النّاسِ؛ حَيْثُ كانُوا غافِلِينَ عَنِ الفُرْقَةِ، كَما يُنْبِي عَنْ (p-4)ذَلِكَ خَبَرُ أبِي سَعِيدٍ، ولَيْسَ في تَرَتُّبِ ما فِيهِ مِنَ الحُكْمِ عَلى نُزُولِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ما يَدُلُّ عَلى كَوْنِها مَسُوقَةً لَهُ، فَإنَّ ذَلِكَ إنَّما يَتَوَقَّفُ عَلى إفادَتِها لَهُ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ الدَّلالاتِ، لا عَلى إفادَتِها بِطَرِيقِ العِبارَةِ أوْ نَحْوِها.
واعْتُرِضَ بِأنَّ فِيهِ ارْتِكابَ خِلافِ الظّاهِرِ مِن غَيْرِ ما وجْهٍ، ولا مانِعَ عَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أنْ يَكُونَ مَساقُ النَّظْمِ الكَرِيمِ لِبَيانِ حُرْمَةِ التَّمَتُّعِ بِالمُحَرَّماتِ المَعْدُودَةِ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكاحِ فَقَطْ، مِن أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ بِاعْتِبارِ لازِمِ تَحْرِيمِ النِّكاحِ، وهو تَحْرِيمُ الوَطْءِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يَحْرُمُ عَلَيْكم نِكاحُ المُحْصَناتِ، فَلا يَجُوزُ لَكم وطْؤُهُنَّ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ، فَإنَّهُ يَجُوزُ لَكم وطْؤُهُنَّ، فَتَدَبَّرْ ﴿كِتابَ اللَّهِ﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، أيْ: كَتَبَ اللَّهُ تَعالى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ تَحْرِيمَ هَؤُلاءِ كِتابًا، ولا يُنافِيهِ الإضافَةُ كَما تُوُهِّمَ، والجُمْلَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِما قَبْلَها و﴿عَلَيْكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالفِعْلِ المُقَدَّرِ وقِيلَ: ﴿كِتابَ﴾ مَنصُوبٌ عَلى الإغْراءِ، أيِ: الزَمُوا كِتابَ اللَّهِ و﴿عَلَيْكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ إمّا بِالمَصْدَرِ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنهُ، وقِيلَ: هو إغْراءٌ آخَرُ مُؤَكِّدٌ لِما قَبْلَهُ، وقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِعَلَيْكُمْ، واسْتَدَلُّوا بِهِ عَلى جَوازِ تَقْدِيمِ المَفْعُولِ في بابِ الإغْراءِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقَرَأ أبُو السَّمَيْقَعِ: (كُتُبُ اللَّهِ) بِالجَمْعِ والرَّفْعِ، أيْ هَذِهِ فَرائِضُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْكم و(كَتَبَ اللَّهُ) بِلَفْظِ الفِعْلِ.
﴿وأُحِلَّ لَكُمْ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والباقُونَ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى القِراءَةِ الأُولى مَعْطُوفًا عَلى (حُرِّمَتْ) وعَلى الثّانِيَةِ مَعْطُوفًا عَلى (كَتَبَ) المُقَدَّرِ، وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّ ما اخْتارَهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ غَيْرُ مُخْتارٍ؛ لِأنَّ جُمْلَةَ (كَتَبَ) لِتَأْكِيدِ ما قَبْلَها، وهَذِهِ غَيْرُ مُؤَكِّدَةٍ، فَلا يَنْبَغِي عَطْفُها عَلى المُؤَكَّدَةِ، بَلْ عَلى الجُمْلَةِ المُؤَسَّسَةِ، خُصُوصًا مَعَ تَناسُبِهِما بِالتَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ، ونَظَرِ فِيهِ الحَلَبِيُّ ولَعَلَّ وجْهَ النَّظَرِ أنَّ تَحْلِيلَ ما سِوى ذَلِكَ مُؤَكِّدٌ لِتَحْرِيمِهِ مَعْنًى، وما ذُكِرَ أمْرٌ اسْتِحْسانِيٌّ؛ رِعايَةً لِمُناسَبَةٍ ظاهِرَةٍ ﴿ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ المُحَرَّماتِ، أيْ: أُحِلَّ لَكم نِكاحُ ما سِواهُنَّ انْفِرادًا وجَمْعًا، وفي إيثارِ اسْمِ الإشارَةِ عَلى الضَّمِيرِ إشارَةٌ إلى مُشارَكَةِ مَن في مَعْنى المَذْكُوراتِ لِلْمَذْكُوراتِ في حُكْمِ الحُرْمَةِ، فَلا يَرِدُ حُرْمَةُ الجَمْعِ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمَّتِها، وكَذا الجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأتَيْنِ أيَّتُهُما فَرَضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لَها الأُخْرى، كَما بُيِّنَ في الفُرُوعِ؛ لِأنَّ تَحْرِيمَ مَن ذُكِرَ داخِلٌ فِيما تَقَدَّمَ بِطَرِيقِ الدَّلالَةِ، كَما مَرَّتْ إلَيْهِ الإشارَةُ عَنْ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ، وحَدِيثُ تَخْصِيصِ هَذا العُمُومِ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ مَشْهُورٌ.
﴿أنْ تَبْتَغُوا﴾ مَفْعُولٌ لَهُ لِما دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، أيْ بَيَّنَ لَكم تَحْرِيمَ المُحَرَّماتِ المَذْكُوراتِ وإحْلالَ ما سِواهُنَّ إرادَةَ وطَلَبَ أنْ تَبْتَغُوا، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أيْ: تَبْتَغُوا النِّساءَ، أوْ مَتْرُوكٌ، أيْ تَفْعَلُوا الِابْتِغاءَ بِأمْوالِكُمْ، بِأنْ تَصْرِفُوها إلى مُهُورِهِنَّ، أوْ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن ﴿ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ بِتَقْدِيرِ المَفْعُولِ ضَمِيرًا.
وجَوَّزَ بَعْضَهم كَوْنَ (ما) عِبارَةً عَنِ الفِعْلِ، كالتَّزَوُّجِ والنِّكاحِ، وجَعَلَ هَذا بَدَلَ كُلٍّ مِن كُلٍّ، والمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ تَعْمِيمُ الكَلامِ، بِحَيْثُ يَشْمَلُ صَرْفَ الأمْوالِ إلى المُهُورِ والأثْمانِ، ﴿مُحْصِنِينَ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ (تَبْتَغُوا) والمُرادُ بِالإحْصانِ هُنا العِفَّةُ وتَحْصِينُ النَّفْسِ عَنِ الوُقُوعِ فِيما لا يُرْضِي اللَّهَ تَعالى، ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ البارِزِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ، وهي في الحَقِيقَةِ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، والسِّفاحُ الزِّنا، مِنَ السَّفْحِ، وهو صَبُّ الماءِ، وسُمِّيَ الزِّنا بِهِ؛ لِأنَّ الزّانِيَ لا غَرَضَ لَهُ إلّا صَبَّ النُّطْفَةِ فَقَطْ لا النَّسْلُ، وعَنِ الزَّجّاجِ: المُسافِحَةُ والمُسافِحُ الزّانِيانِ اللَّذانِ لا يَمْتَنِعانِ مِن أحَدٍ، ويُقالُ لِلْمَرْأةِ إذا كانَتْ تَزْنِي بِواحِدٍ: ذاتُ خِدْنٍ، ومَفْعُولُ الوَصْفَيْنِ مَحْذُوفٌ، أيْ: مُحْصِنِينَ فُرُوجَكم أوْ نُفُوسَكم غَيْرَ مُسافِحِينَ الزَّوانِيَ، وظاهِرُ الآيَةِ حُجَّةٌ لِمَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَهْرَ لا بُدَّ وأنْ (p-5)يَكُونَ مالًا كالإمامِ الأعْظَمِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - وقالَ بَعْضَ الشّافِعِيَّةِ: لا حُجَّةَ في ذَلِكَ؛ لِأنَّ تَخْصِيصَ المالِ لِكَوْنِهِ الأغْلَبَ المُتَعارَفَ، فَيَجُوزُ النِّكاحُ عَلى ما لَيْسَ بِمالٍ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ سَألَ رَجُلًا خَطَبَ الواهِبَةَ نَفْسَها لِلنَّبِيِّﷺ ماذا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قالَ: مَعِيَ سُورَةُ كَذا وكَذا، وعَدَّدَهُنَّ قالَ: تَقْرَأُهُنَّ عَلى ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ،» ووَجْهُ التَّأْيِيدِ أنَّهُ لَوْ كانَ في الآيَةِ حُجَّةٌ لَما خالَفَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
وأُجِيبَ بِأنَّ كَوْنَ القُرْآنِ مَعَهُ لا يُوجِبُ كَوْنَهُ بَدَلًا، والتَّعْلِيمُ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ في الخَبَرِ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: زَوَّجْتُكَ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ، ولِأجْلِ ما مَعَكَ مِنهُ، قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ، ولَعَلَّ في الخَبَرِ إشارَةً إلَيْهِ ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ﴾ (ما) إمّا عِبارَةٌ عَنِ النِّساءِ أوْ عَمّا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ مِنَ الأفْعالِ، وعَلَيْهِما فَهي إمّا شَرْطِيَّةٌ أوْ مَوْصُولَةٌ، وأيًّا ما كانَ فَهي مُبْتَدَأٌ وخَبَرُها عَلى تَقْدِيرِ الشَّرْطِيَّةِ فِعْلُ الشَّرْطِ أوْ جَوابُهُ أوْ كِلاهُما، وعَلى تَقْدِيرِ المَوْصُولِيَّةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ والفاءُ لِتَضَمُّنِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِ، ثُمَّ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِها بِمَعْنى النِّساءِ بِتَقْدِيرِيَّةِ العائِدِ إلى المُبْتَدَأِ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ في (فَآتُوهُنَّ) و(مِن) بَيانِيَّةٌ أوْ تَبْعِيضِيَّةٌ في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ (بِهِ)، واسْتِعْمالُ (ما) لِلْعُقَلاءِ؛ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِها الوَصْفُ كَما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وقَدْ رُوعِيَ في الضَّمِيرِ أوَّلًا جانِبُ اللَّفْظِ وأخِيرًا جانَبُ المَعْنى، والسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ لا لِلطَّلَبِ، والمَعْنى: فَأيُّ فَرْدٍ أوِ فالفَرْدُ الَّذِي تَمَتَّعْتُمْ بِهِ حالَ كَوْنِهِ مِن جِنْسِ النِّساءِ أوْ بِعْضِهِنَّ فَأعْطُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِها عِبارَةً عَمّا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ (فَمِنِ) ابْتِدائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالِاسْتِمْتاعِ بِمَعْنى التَّمَتُّعِ أيْضًا، و(ما) لِما لا يَعْقِلُ، والعائِدُ إلى المُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ، أيْ فَأيُّ فِعْلٍ تَمَتَّعْتُمْ بِهِ مِن قِبَلِهِنَّ مِنَ الأفْعالِ المَذْكُورَةِ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لِأجْلِهِ أوْ بِمُقابَلَتِهِ، والمُرادُ مِنَ الأُجُورِ المُهُورُ، وسُمِّيَ المَهْرُ أجْرًا؛ لِأنَّهُ بَدَلٌ عَنِ المَنفَعَةِ لا عَنِ العَيْنِ، ﴿فَرِيضَةً﴾ حالٌ مِنَ الأُجُورِ، بِمَعْنى مَفْرُوضَةٍ أوْ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: إيتاءً مَفْرُوضًا، أوْ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، أيْ: فُرِضَ ذَلِكَ فَرِيضَةً، فَهي كالقَطِيعَةِ بِمَعْنى القَطْعِ، ﴿ولا جُناحَ﴾ أيْ لا إثْمَ ﴿عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ﴾ مِنَ الحَطِّ عَنِ المَهْرِ أوِ الإبْراءِ مِنهُ أوِ الزِّيادَةِ عَلى المُسَمّى، ولا جُناحَ في زِيادَةِ الزِّيادَةِ؛ لِعَدَمِ مُساعَدَةِ (لا جُناحَ) إذا جَعَلَ الخِطابَ لِلْأزْواجِ تَغْلِيبًا؛ فَإنَّ أخْذَ الزِّيادَةِ مَظِنَّةُ ثُبُوتِ المَنفِيِّ لِلزَّوْجَةِ ﴿مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ﴾ أيِ الشَّيْءِ المُقَدَّرِ، وقِيلَ: ﴿فِيما تَراضَيْتُمْ﴾ مِن نَفَقَةٍ ونَحْوِها، وقِيلَ: مِن مَقامٍ أوْ فِراقٍ، وتَعَقَّبَهُ شَيْخُ الإسْلامِ بِأنَّهُ لا يُساعِدُهُ ذِكْرُ الفَرِيضَةِ إذْ لا تَعَلُّقَ لَهُما بِها، إلّا أنْ يَكُونَ الفِراقُ بِطَرِيقِ المُخالَعَةِ، وقِيلَ: الآيَةُ في المُتْعَةِ وهي النِّكاحُ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ مِن يَوْمٍ أوْ أكْثَرَ، والمُرادُ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ﴾ مِنِ اسْتِئْنافِ عَقْدٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضاءِ الأجَلِ المَضْرُوبِ في عَقْدِ المُتْعَةِ، بِأنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ في الأجْرِ وتُزِيدَهُ المَرْأةُ في المُدَّةِ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَتِ الإمامِيَّةُ، والآيَةُ أحَدُ أدِلَّتِهِمْ عَلى جَوازِ المُتْعَةِ، وأيَّدُوا اسْتِدْلالَهم بِها بِأنَّها في حَرْفِ أُبَيٍّ: (فَما اسْتَمَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ إلى أجَلٍ مُسَمًّى) وكَذَلِكَ قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ، والكَلامُ في ذَلِكَ شَهِيرٌ، ولا نِزاعَ عِنْدَنا في أنَّها أُحِلَّتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ، وذَكَرَ القاضِي عِياضٌ في ذَلِكَ كَلامًا طَوِيلًا، والصَّوابُ المُخْتارُ أنَّ التَّحْرِيمَ والإباحَةَ كانا مَرَّتَيْنِ، وكانَتْ حَلالًا قَبْلَ يَوْمِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وهو يَوْمُ أوْطاسٍ لِاتِّصالِهِما، ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ ثَلاثٍ (p-6)تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ، واسْتَمَرَّ التَّحْرِيمُ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ الإباحَةَ مُخْتَصَّةٌ بِما قَبْلَ خَيْبَرَ، والتَّحْرِيمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلتَّأْبِيدِ، وإنَّ الَّذِي كانَ يَوْمَ الفَتْحِ مُجَرَّدَ تَوْكِيدِ التَّحْرِيمِ مِن غَيْرِ تَقَدُّمِ إباحَةِ يَوْمِ الفَتْحِ، إذِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَأْبى ذَلِكَ، وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ما فِيهِ مَقْنَعٌ.
وحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ كانَ يَقُولُ بِحِلِّها، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قالَ لَهُ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ -: إنَّكَ رَجُلٌ تائِهٌ؛ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ نَهى عَنِ المُتْعَةِ،» كَذا قِيلَ، وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ حِينَ قالَ لَهُ عَلِيٌّ ذَلِكَ، فَقَدْ أخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - قامَ بِمَكَّةَ فَقالَ: إنَّ ناسًا أعْمى اللَّهُ قُلُوبَهم كَما أعْمى أبْصارَهم يُفْتُونَ بِالمُتْعَةِ، يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ، يَعْنِي ابْنَ عَبّاسٍ، كَما قالَ النَّوَوِيُّ، فَناداهُ فَقالَ: إنَّكَ لَجِلْفٌ جافٍّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كانَتِ المُتْعَةُ تُفْعَلُ في عَهْدِ إمامِ المُتَّقِينَ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِﷺ فَقالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ نَفْسَكَ، فَواللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَها لَأرْجُمَنَّكَ بِأحْجارِكَ، فَإنَّ هَذا إنَّما كانَ في خِلافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وذَلِكَ بَعْدَ وفاةِ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - فَقَدْ ثَبَتَ أنَّهُ مُسْتَمِرُّ القَوْلِ عَلى جَوازِها، لَمْ يَرْجِعْ إلى قَوْلِ الأمِيرِ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - وبِهَذا قالَ العَلّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ في شَرْحِ المِنهاجِ، فالأوْلى أنْ يُحْكَمَ بِأنَّهُ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ بِناءً عَلى ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ والبَيْهَقِيُّ والطَّبَرانِيُّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «إنَّما كانَتِ المُتْعَةُ في أوَّلِ الإسْلامِ، كانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِها مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ المَرْأةَ بِقَدْرِ ما يَرى أنَّهُ مُقِيمٌ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتاعَهُ وتَصْلُحُ لَهُ شَأْنَهُ» حَتّى نَزَلَتِ الآيَةُ: ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ فَكُلُّ فَرْجٍ سِواهُما حَرامٌ، ويُحْمَلُ هَذا عَلى أنَّهُ اطَّلَعَ عَلى أنَّ الأمْرَ إنَّما كانَ عَلى هَذا الوَجْهِ، فَرَجَعَ إلَيْهِ وحَكاهُ، وحُكِيَ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ إنَّما أباحَها حالَةَ الِاضْطِرارِ والعَنَتِ في الأسْفارِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: لَقَدْ سارَتْ بِفُتْياكَ الرُّكْبانُ، وقالَ فِيها الشُّعَراءُ، قالَ: وما قالُوا؟ قُلْتُ: قالُوا:
؎قَدْ قُلْتُ لِلشَّيْخِ لَمّا طالَ مَجْلِسُهُ يا صاحِ هَلْ لَكَ في فَتْوى ابْنِ عَبّاسِ
؎هَلْ لَكَ في رُخْصَةِ الأطْرافِ آنِسَةٍ ∗∗∗ تَكُونُ مَثْواكَ حَتّى مَصْدَرِ النّاسِ
فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ! ما بِهَذا أفْتَيْتُ، وما هي إلّا كالمَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ، ولا تَحِلُّ إلّا لِلْمُضْطَرِّ، ومِن هُنا قالَ الحازِمِيُّ: إنَّهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أباحَها لَهم وهم في بُيُوتِهِمْ وأوْطانِهِمْ، وإنَّما أباحَها لَهم في أوْقاتٍ بِحَسَبِ الضَّرُوراتِ، حَتّى حَرَّمَها عَلَيْهِمْ في آخِرِ الأمْرِ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ، وأمّا ما رُوِيَ أنَّهم كانُوا يَسْتَمْتِعُونَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ حَتّى نَهى عَنْها عُمَرُ فَمَحْمُولٌ عَلى أنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ النَّسْخُ، ونَهْيُ عُمَرَ كانَ لِإظْهارِ ذَلِكَ، حَيْثُ شاعَتِ المُتْعَةُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلَغْهُ النَّهْيُ عَنْها، ومَعْنى: أنا مُحَرِّمُها في كَلامِهِ - إنَّ صَحَّ -: مُظْهِرٌ تَحْرِيمِها لا مُنْشِئُهُ، كَما يَزْعُمُهُ الشِّيعَةُ، وهَذِهِ الآيَةُ لا تَدُلُّ عَلى الحِلِّ، والقَوْلُ بِأنَّها نَزَلَتْ في المُتْعَةِ غَلَطٌ، وتَفْسِيرُ البَعْضِ لَها بِذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لِأنَّ نَظْمَ القُرْآنِ الكَرِيمِ يَأْباهُ؛ حَيْثُ بَيَّنَ سُبْحانَهُ أوَّلًا المُحَرَّماتِ، ثُمَّ قالَ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكم أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكُمْ﴾ وفِيهِ شَرْطٌ بِحَسَبِ المَعْنى، فَيَبْطُلُ تَحْلِيلُ الفَرْجِ وإعارَتُهُ، وقَدْ قالَ بِهِما الشِّيعَةُ، ثُمَّ قالَ جَلَّ وعَلا: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ وفِيهِ إشارَةٌ إلى النَّهْيِ عَنْ كَوْنِ القَصْدِ مُجَرَّدَ قَضاءِ الشَّهْوَةِ، وصَبِّ الماءِ، واسْتِفْراغِ أوْعِيَةِ المَنِيِّ، فَبَطَلَتِ المُتْعَةُ بِهَذا القَيْدِ؛ لِأنَّ مَقْصُودَ المُتَمَتِّعِ لَيْسَ إلّا ذاكَ، دُونَ التَّأهُّلِ والِاسْتِيلادِ، وحِمايَةِ الذِّمارِ والعِرْضِ، ولِذا تَجِدُ المُتَمَتَّعَ بِها في كُلِّ شَهْرٍ تَحْتَ صاحِبٍ، وفي كُلِّ سَنَةٍ بِحِجْرِ مُلاعِبٍ، فالإحْصانُ غَيْرُ حاصِلٍ في امْرَأةِ المُتْعَةِ أصْلًا، ولِهَذا قالَتِ الشِّيعَةَ: إنَّ المُتَمَتِّعَ الغَيْرَ النّاكِحِ (p-7)إذْ زَنى لا رَجْمَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ فَرَّعَ سُبْحانَهُ عَلى حالِ النِّكاحِ قَوْلَهُ عَزَّ مِن قائِلٍ: (فَإذا اسْتَمْتَعْتُمْ) وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالِاسْتِمْتاعِ هو الوَطْءُ والدُّخُولُ، لا الِاسْتِمْتاعُ بِمَعْنى المُتْعَةِ الَّتِي يَقُولُ بِها الشِّيعَةِ، والقِراءَةُ الَّتِي يَنْقُلُونَها عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنَ الصَّحابَةِ شاذَّةٌ.
وما دَلَّ عَلى التَّحْرِيمِ كَآيَةِ: ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ قَطْعِيٌّ، فَلا تُعارِضْهُ عَلى أنَّ الدَّلِيلَيْنِ إذا تَساوَيا في القُوَّةِ وتَعارَضا في الحِلِّ والحُرْمَةِ قَدِّمْ دَلِيلَ الحُرْمَةِ مِنهُما، ولَيْسَ لِلشِّيعَةِ أنْ يَقُولُوا: إنَّ المَرْأةَ المُتَمَتَّعَ بِها مَمْلُوكَةٌ؛ لِبَداهَةِ بُطْلانِهِ، أوْ زَوْجَةٌ؛ لِانْتِفاءِ جَمِيعِ لَوازِمِ الزَّوْجِيَّةِ، كالمِيراثِ والعِدَّةِ والطَّلاقِ والنَّفَقَةِ فِيها، وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عُلَماؤُهم.
ورَوى أبُو نُصَيْرٍ مِنهم في صَحِيحِهِ عَنِ الصّادِقِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - أنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأةِ المُتْعَةِ، أهِيَ مِنَ الأرْبَعِ؟ قالَ: لا، ولا مِنَ السَّبْعِينَ، وهو صَرِيحٌ في أنَّها لَيْسَتْ زَوْجَةً، وإلّا لَكانَتْ مَحْسُوبَةً في الأرْبَعِ، وبِالجُمْلَةِ: الِاسْتِدْلالُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى حِلِّ المُتْعَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَما لا يَخْفى، ولا خِلافَ الآنَ بَيْنَ الأئِمَّةِ وعُلَماءِ الأمْصارِ - إلّا الشِّيعَةَ - في عَدَمِ جَوازِها، ونَقَلُ الحَلِّ عَنْ مالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى – غَلَطٌ، لا أصْلَ لَهُ، بَلْ في حَدِّ المُتَمَتِّعِ رِوايَتانِ عَنْهُ، ومَذْهَبُ الأكْثَرِينَ أنَّهُ لا يُحَدُّ لِشُبْهَةِ العَقْدِ وشُبْهَةِ الخِلافِ، ومَأْخَذُ الخِلافِ عَلى ما قالَ النَّوَوِيُّ: اخْتِلافُ الأُصُولِيِّينَ في أنَّ الإجْماعَ بَعْدَ الخِلافِ هَلْ يَرْفَعُ الخِلافَ؟ وتَصِيرُ المَسْألَةُ مُجْمَعًا عَلَيْها، فَبَعْضٌ قالَ: لا يَرْفَعُهُ بَلْ يَدُومُ الخِلافُ ولا تَصِيرُ المَسْألَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَيْها أبَدًا، وبِهِ قالَ القاضِي أبُو بَكْرٍ الباقِلّانِيُّ، وقالَ آخَرُونَ: بِأنَّ الإجْماعَ اللّاحِقَ يَرْفَعُ الخِلافَ السّابِقَ، وتَمامُهُ في الأُصُولِ، وحَكى بَعْضُهم عَنْ زُفَرَ أنَّهُ قالَ: مَن نَكَحَ نِكاحَ مُتْعَةٍ تَأبَّدَ نِكاحُهُ، ويَكُونُ ذِكْرُ التَّأْجِيلِ مِن بابِ الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في النِّكاحِ، وهي مَلْغِيَّةٌ فِيها، والمَشْهُورُ في كُتُبِ أصْحابِنا أنَّهُ قالَ ذَلِكَ في النِّكاحِ المُؤَقَّتِ - وفي كَوْنِهِ عَيْنَ نِكاحِ المُتْعَةِ – بَحْثٌ، فَقَدْ قالَ بَعْضُهم بِاشْتِراطِ الشُّهُودِ في المُؤَقَّتِ وعَدَمِهِ في المُتْعَةِ، ولَفْظُ التَّزْوِيجِ أوِ النِّكاحِ في الأوَّلِ، وأسْتَمْتِعُ أوْ أتَمَتَّعُ في الثّانِي، وقالَ آخَرُونَ: النِّكاحُ المُؤَقَّتُ مِن أفْرادِ المُتْعَةِ، وذَكَرَ ابْنُ الهُمامِ أنَّ النِّكاحَ لا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ المُتْعَةِ، وإنْ قُصِدَ بِهِ النِّكاحَ الصَّحِيحَ المُؤَبَّدَ، وحَضَرَ الشُّهُودُ؛ لِأنَّهُ لا يَصْلُحُ مَجازًا عَنْ مَعْنى النِّكاحِ، كَما بَيَّنَهُ في المَبْسُوطِ، بَقِيَ: ما لَوْ نَكَحَ مُطْلَقًا ونِيَّتُهُ أنْ لا يَمْكُثَ مَعَها إلّا مُدَّةً نَواها، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نِكاحًا صَحِيحًا حَلالِيًّا أمْ لا؟ الجُمْهُورُ عَلى الأوَّلِ، بَلْ حَكى القاضِي الإجْماعَ عَلَيْهِ، وشَذَّ الأوْزاعِيُّ فَقالَ: هو نِكاحُ مُتْعَةٍ، ولا خَيْرَ فِيهِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ نِيَّةِ ذَلِكَ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا﴾ بِما يُصْلِحُ أمْرَ الخَلْقِ ﴿حَكِيمًا﴾ فِيما شَرَعَ لَهُمْ، ومِن ذَلِكَ عَقْدُ النِّكاحِ الَّذِي يَحْفَظُ الأمْوالَ والأنْسابَ.
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق