الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الآية. الإحصان في اللغة أصله المَنع، وكذلك الحَصَانة، ولذلك قيل: مدينة حصينة، ودرعٌ حصينة، أي: مانعة صاحبها من الجَرح. قال الله تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: 80] معناه: لتمنعكم وتُحرِزَكم [["تهذيب اللغة" 1/ 843 - 844 (حصن) بتصرف.]]، والحصن الموضع الحَصين لمنعه من بغاه من الأعداء [[انظر: "الطبري" 5/ 7.]]. والحِصَان: الفرس لمنعه صاحبه من الهلاك، والحَصَان المرأة العفيفة لمنعها فرجها من الفساد، قال الله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: 12]، أي: منعته من الزنا، ويقال: حَصَنَت المرأة تحصُن: إذا عفّت عن الريبة حُصنا وهي حَصان، مثل: جبنت جُبنًا وهي جبان [[انظر: "جمهرة اللغة" 2/ 543 - 544 (حصن)، والطبري 5/ 7، "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن).]].
قال سيبويه: وقالوا أيضًا: حِصنا كما قالوا: عِلما [[انظر: "الحجة" 3/ 147.]].
وقال أبو عبيد والزجاج والكسائي: حصانة أيضًا [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن).]].
وقال شمر: امرأة حصان وحاصِن، وهي العفيفة، وأنشد:
وحاصن من حاصِنات ملسِ ... من الأذى ومن قِراف الوَقْسِ [[قول شمر وما أنشد في "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن)، وقال الأزهري: الوقس: الجرب. ملس: لا عيب بهن. وانظر "اللسان" 2/ 902، والرجز منسوب للعجاج في "مجاز القرآن" 1/ 122، "جمهرة اللغة" 2/ 543 - 544 (حصن)، و"تفسير الطبري" 5/ 7.]] فقد حصل من هذا أنه امرأة حَاصِن وحَصَان بينة الحِصن والحَصَن والحَصانة، ثلاث مصادر.
وأنشد ابن السكيت [[هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، تقدمت ترجمته.]]:
الحِصن أدنى لو تأييته ... من حثيِك التُّرب على الراكِب [[انظر: "اللسان" 2/ 902 (حصن).]]
وقال الزجاج: يقال: امرأة حصان بينّة الحصن، وفرس حصان: بيّن التحصن والتحصين، وبناء حصين: بيّن الحصانة، ولو قيل في كله: الحصانة، لجاز بإجماع [[ليس في "معاني الزجاج" عند تفسيره لهذه الآية.]].
وأما الإحصان فإنه يقع على معان كلها ترجع إلى معنى واحد، منها الحرية، يدل على ذلك قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: 4] يعني: الحرائر [[انظر: "الطبري" 5/ 24.]]، ألا ترى أنه إذا قذف غير حرة لم يُجلد ثمانين، وكذلك قوله: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النساء: 25] يعني الحرائر، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النساء: 25]، أي: الحرائر [[هذا رأي ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وابن زيد وغيرهم. انظر "تفسير ابن عباس" ص 143، والطبري 5/ 17.]].
ومنها [[أي من المعاني التي يقع عليها لفظ الإحصان.]] العفاف، وهو قوله: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ [النساء: 25]، [[انظر "تفسير ابن عباس" ص 143، والطبري 5/ 19.]]، وقوله تعالى: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ [النساء:24] [المائدة:5] وقوله: ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: 12]، أي: أعفته.
ومنها الإسلام، من ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: 25] قيل في تفسيره: أسلمن [[ممن قال بذلك ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي والسدي. انظر: الطبري 5/ 20، "الدر المنثور" 2/ 255.]].
ومنها كون المرأة ذات زوج، يقال: امرأة محصنة، إذا كانت ذات زوج، والمحصنات: المتزوجات، بدلالة قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يعني: ذوات الأزواج [[انظر: الطبري 5/ 1، "الكشف والبيان" 4/ 36 ب، "الدر المنثور" 2/ 246 - 247.]]. ونذكر ذلك عند التفسير.
وليس تبعد هذه المعاني عما عليه موضوع اللغة، فإن الإحصان هو أن يُحمى الشيء وُيمنع، والحرّة تُحَصِّن نفسها وتَحصُن هي، وليست كالأمة. والعفة أيضًا مانعة من الزنا، والعفيفة تمنع نفسها، وكذلك الإسلام مانع من الفواحش، والمحصنة ذات الزوج؛ لأن الزوج أحصنها ومنع منها.
واختلف القراء في: ﴿الْمُحْصَنَاتُ﴾ فقرأوا بفتح الصاد وكسرها في جميع القرآن [[قراءة الكسر للكسائي، والفتح لبقية العشرة. انظر: "السبعة" ص 230، "الحجة" 3/ 146، "المبسوط في القراءات العشر" ص155، "النشر" 2/ 249.]]، إلا التي في هذه الآية، فإنهم اجتمعوا على الفتح فيها [[انظر المصادر السابقة.]].
فمن قرأ بالكسر جعل الفعل لهن، ومن قرأ بالفتح جعل الفعل لغيرهن [[انظر: "حجة القراءات" ص 196، 197.]].
قال أبو عبيد [[أخذ قول أبي عبيد من "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن).]]: اجتمع القراء على نصب الصاد في الحرف الأول من النساء؛ لأن تأويلها ذوات الأزواج يُسبَين فيُحلهن السِباء [[في (أ)، (د): النساء، والتصويب من "تهذيب اللغة".]] تُوطأ بملك اليمين، ويَنتقض نكاحهن.
فأما ما سوى الحرف الأول فالقراء مختلفون، فمنهم من يكسر الصاد، ومنهم من يفتحها، فمن نصب، ذهب إلى ذوات الأزواج، ومن كسر ذهب إلى أنهن أسلمن فأحصنّ أنفسهن فهن محصنات [[انتهى من "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن).]].
وقال الليث: أُحصِنت المرأة فهي محصنة، وهي التي أحصنها زوجها، وهن المُحصنات، والمعنى أنهن أحُصِنّ بأزواجهن [[انظر: "العين" 3/ 118، "تهذيب اللغة" 1/ 844 (حصن).]].
أخبرني العروضي، عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري، عن ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: كلام العرب كله على: أفْعَل فهو مُفْعِل، إلا ثلاثة أحرف: أَحصَن فهو مُحصَن، وألفَج فهو ملفَج [[في النسخة (أ) وعند هذا اللفظ كتب هامش بغير خط النسخة وهو بحدود سطرين أو ثلاثة، بعضه غير واضح، وقد تبين لي منه ما يلي: ألفج بالجيم المعجمة أفلس قال رؤبة:
أحسابكم في العسر والإلفاج ... شِيبت بعذبٍ طيّب المزاج
وقال:
جارية شبت شبابًا عَسلجا ... في حجر من لم يك عنها ملفجا
يقال: عسلجت الشجرة: أخرجت عساليجها، وهي ما لان واخضر من قضبانها. وانظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1783 (سهب)، 4/ 3280 (لفج)، "الصحاح" 1/ 329 (عسلج)، 2/ 339 (لفج)، "اللسان" 7/ 4052 - 4053 (لفج).]]، وأَسهَب فهو مُسهَب [[في "تهذيب اللغة" 2/ 1783 (سهب) لكن رواية الأزهري، عن طريق شمر، عن ابن الأعرابي، وفيه تقديم أسهب على أحصن.]].
وأما التفسير فالمحصنات في هذه الآية ذوات الأزواج [[انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 122، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 117، والطبري 5/ 1، "الكشف والبيان" 4/ 36/ ب، "الدر المنثور" 2/ 246 - 247.]]، وهن محرمات على كل أحد إلا على أزواجهن، لذلك عُطِفن على المحرمات في الآية التي قبلها [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 405.]].
ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يريد: إلا ما ملكتموهن بالسبي من دار الحرب، فإنها تحل لمالكها ولا عِدّة عليها، فتُستبرأ بحيضة وتوطأ.
وهذا قول ابن مسعود [[قول ابن مسعود أن المراد بقوله: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ هي المشتراة بالمال، لا المسبيّة. انظر: "الطبري" 5/ 3، "الدر المنثور" 2/ 247.]]، وابن عباس، وأبي قلابة، وابن زيد، وأبيه [[هو الإمام أبو عبد الله زيد بن أسلم، له تفسير يرويه عنه ابنه عبد الرحمن هذا.]]، ومكحول [[هو أبو عبد الله مَكْحول الشامي، فقيه، كان مفتي دمشق وعالمها، من مشاهير علماء التابعين، وقد وثقه كثير من أهل العلم وأخرج له مسلم والأربعة. توفي -رحمه الله- سنة 113هـ. وقيل غير ذلك. انظر: "مشاهير علماء الأمصار" ص114، "ميزان الاعتدال" 4/ 177، "تقريب التهذيب" 4/ 148.]]، والزهري [[أخرج الآثار عن ابن عباس، وأبي قلابة، وابن زيد، وأبيه، ومكحول، والزهري، الطبري 5/ 60201، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 247 - 248.]].
قال أبو سعيد الخُدري: لما كان يوم أوْطَاس أَصَبْنا نساءً لهن أزواج في المشركين، فكرههنّ رجال منا، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [[أخرجه مسلم بنحوه (1456) كتاب الرضاع، باب: جواز وطء المسبية بعد == الاستبراء 2/ 1079 (ح 35) وغيره، وكذلك المؤلف في "أسباب النزول" ص 152 - 153 من طرق.]].
ولا يمكن حمل المحصنات في هذه الآية على الحرائر، ولا على المسلمات، ولا على العفائف؛ لأن التحريم مُحالٌ في هذه الأجناس، فتعين حملها على الوجه الرابع وهو المنكوحة.
وإذا وقع السبا على الزوجين الحربيّين أو على أحدهما انقطع منادي رسول الله ﷺ: "ألا لا تُوطأ حاملٌ حتى تضع، ولا حائلٌ حتى تحيض" [[أخرجه الإمام أحمد 3/ 62، وأبو داود (2155) كتاب النكاح، باب: في وطء السبايا، والحاكم 2/ 195، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبي، وعندهم أن هذا الحديث في سبي أوطاس.]].
فأباح وطأهن بعد الاستبراء، لانفساخ نكاحهن.
وذهب جماعة من الصحابة -بظاهر هذه الآية- إلى أن الأَمَة المنكوحة إذا بيعت وقع عليها الطلاق، وبانت من الزوج بالبيع.
واحتجوا بقوله: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قالوا: فإذا ملكها البائع وجب أن يحل له وطؤها.
وهذا يحكى عن ابن عباس وابن مسعود وأُبَيّ [[هو أبو المُنذِر أُبَيّ بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الأنصاري، من رواة الأحاديث وقُرَّاء الصحابة وكتاب الوحي ومن أصحاب العقبة الثانية وقد شهد بدرًا وما بعدها وتوفي - رضي الله عنه - سنة 30 هـ. انظر: "الاستيعاب" 1/ 161 - 162، "الإصابة" 1/ 19، "الأعلام" 1/ 82.]]، وجابر، وأنس، وسعيد بن المسيب، والحسن [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 3 - 4، وانظر: "زاد المسير" 2/ 50، "الدر المنثور" 2/ 247.]].
وليس الأمر على ما ذهبوا إليه؛ فإن هذه الآية مخصوصة بملك اليمن في الحربية إذا سبيت من دار العرب، بدليل حديث بريرة [[هي مولاة عائشة -رضي الله عنهما- كانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل بني هلال، وقيل لآل عتبة بن أبي إسرائيل، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها، وقد عتقت تحت زوجها فخيرها النبي ﷺ، فكانت سنّة. انظر: "الاستيعاب" 4/ 357، "أسد الغابة" 7/ 39، "الإصابة" 4/ 251 - 252.]]، فإن عائشة اشترتها وأعتقتها، ثم خيّرها النبي ﷺ، وكانت مزوجة، فاختارت الفراق [[أخرجه بمعناه البخاري (2536) كتاب العتق، باب: بيع الولاء وهبته، وانظر
"تفسير ابن كثير" 2/ 517.]]، ولو وقع الطلاق بالبيع ما خيرت.
وهذا الذي ذكرنا من أن البيع لا يكون طلاقًا مذهب عمر [[عند ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 50: ابن عمر.]]، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف [[انظر: "زاد المسير" 2/ 50.]]، وإجماع الفقهاء اليوم.
وقوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد: هذا ما حرم الله عليكم [[لم أجده عن ابن عباس، وقد أخرجه الطبري، عن إبراهيم التيمي، "جامع البيان" 5/ 9، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" عن إبراهيم وعزاه -إضافة إلى الطبري- إلى عبد الله بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. انظر. "الدر المنثور" 2/ 249.]]. يعني: كتب تحريم ما ذكر من النساء عليكم.
وانتصابه على مصدر جرى الفعل من غيره، كأنه قيل: حرمت هذه النساء كتابًا من الله عليكم، أي: كتابة [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 260، و"الطبري" 5/ 9، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 406.]].
ومعنى الكتابة ههنا التحريم؛ لأنه كتابة التحريم، أي: إثباته وتأكيده.
ومثله: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي﴾ [النمل: 88]، وقد مر كثير من هذا، (وهذا) [[ليس في (د).]] معنى قول الفراء والزجاج [[انظر: "معاني الفراء" 2/ 260، "معاني الزجاج" 2/ 36.]].
وقد كشف أبو علي عن هذا فقال: ليس انتصابه على: عليكم كتاب الله، ولكن كتاب مصدر، دل ما تقدم على الفعل الناصب له، وذلك أن قوله: ﴿حُرِمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ فيه دلالة على أن ذلك مكتوب عليهم فانتصب ﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ بهذا الفعل الذي دل عليه ما تقدمه من الكلام [[انظر: "الحجة" 2/ 353، "المسائل الحلبيات" ص 203.]]. وعلى ذلك قول الشاعر:
[ما [[ما بين القوسين المعقوفين ليس في النسخ واستدركته من مصادر التوثيق الآتية.]]] إِنْ يمسّ الأرض إلاَ منْكِبٌ ... مِنْه وحرفُ السّاقِ طَيَّ المِحْمَلِ [[البيت لأبي كبير الهُذلي يصف شابًا جلْدًا خفيف الجسم إذا نام لا يمس الأرض إلا منكبه وحرف ساقه دون بطنه. والمقصود بالمِحمَل: محمل السيف.
انظر: "الكتاب" 1/ 359، "الشعر والشعراء" ص 447، "المقتضب" 3/ 204، "الخصائص" 2/ 309، "ديوان الهذليين" 2/ 13. والشاهد منه. أن طي نصب بفعل مقدر، تقديره: طويَ طيّ المِحْمَل.]]
قال الزجاج: ويجوز أن يكون منصوبًا على جهة الأمر، ويكون: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ مُفسرًا له، فيكون المعنى: الزموا كتاب الله [["معاني القرآن" 2/ 36.]].
قال الفراء: وقد قال بعض النحويين: معناه: عليكم كتاب الله، واحتج بقول الشاعر:
يا أيها المائح دلوى دونكا [[حذف المؤلف عجز البيت، وهو عند الفراء:
إني رأيت الناس يحمدونكا
"معاني القرآن" 1/ 60، ونسب في الحاشية إلى شاعر جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، وقد ورد البيت في "الأمالي للقالي" 2/ 244، "تهذيب اللغة" 4/ 3322 (ماح)، "الإنصاف" للأنباري ص 187. والمائح: هو الذي ينزل في البئر إذا قلّ الماء فيملأ الدلو.]]
فالدلو عِنْده في موضع نصب، كما يقال: دونك زيدًا، وهذا لا يصح عند النحويين، لأن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب على حرف الإغراء، لا تقول العرب: زيدًا عليك، أو زيدًا دونك. إنما تقول: عليك زيدًا، ودونك زيدًا [["معاني القرآن" 1/ 260.]].
قال الزجاج [[في "معاني القرآن" 2/ 36.]]: لأن قولك: عليك زيدًا ليس له ناصب في اللفظ متصرف، فيجوز تقديم نصبه [[في "معاني الزجاج": منصوبه، ولعله هو الصواب.]]، وقول الشاعر:
.......... دلوى دونكما [[تقدم البيت قريبًا.]]
الدلو في موضع رفع، على معنى: هذه دلوي دونك، كقولك: زيدٌ فاضربوه، وإن نصبت الدلوَ أضمرت في الكلام شيئًا، كأنك تقول: خذ دلوي، أو دونك دلوي دونك [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 36، 37.]]. وعلى هذا يجوز أن تقول: زيدًا عليك، فيكون منصوبًا بشيء مضمر قبله.
وقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾. وقرئ: ﴿وَأُحِلَّ﴾ بضم الألف [[وكسر الحاء، وهذه القراءة لعاصم برواية حفص وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف. انظر: "المبسوط" ص 156، "الحجة" 3/ 150، "النشر" 2/ 549.]]، والفتح [[أي فتح الألف والحاء (أَحَلّ) وهذه القراءة للباقين من العشرة. انظر المصادر السابقة.]] أشبه بما قبله، لأن معنى ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾: كتب الله عليكم كتابًا وأحلّ لكم فبناء الفتح للفاعل ههنا أحسن.
ومن بين [[هكذا هذه الكلمة في (أ)، ولعل الصواب: بَنَى، لما في "الحجة" 3/ 150.]] الفعل للمفعول به فقال: وأحل لكم، فهو في المعنى يؤول إلى الأول، وفي ذلك مراعاةُ مُشاكلةِ ما بعد بما قبل [[التعقيب على القراءتين من "الحجة" 3/ 150.]]، وهو قوله: ﴿حُرِّمَت﴾، فلما كان التحريم مبنيًّا للمفعول به كذلك الإحلال.
وقوله تعالى: ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ قال الفراء وغيره: يقول ما سوى ذلك، كقوله: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ [البقرة: 91] يريد: سواه [["معاني القرآن" 1/ 261.]].
وقال الزجاج: ومعنى: ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾: أي: ما بعد هذه النساء التي حُرّمت حلال [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 37]].
وهذا الإحلال مخصوص بالسنة، وهو ما ذكرنا من تحريم تَزَوُّج المرأة على عمتها وعلى خالتها [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 37، وقد تقدم الحديث في ذلك.]].
قال أبو إسحاق: لم يقل الله عز وجل: لا أحرم عليكم غير هؤلاء، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، قال: وآتاهم أن الخالة كالوالدة، وأن العمة بمنزلة الوالد في وجوب الحق كالوالدة. [[انتهى كلام أبي إسحاق الزجاج من "معاني القرآن" 2/ 37.]] فإذًا العمة والخالة كالوالدة، وتَزّوج المرأة على عمتها وخالتها كتزوجها على أمها.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾. محل ﴿أَنْ﴾ رفع على البدل من (ما) في قراءة من قرأ ﴿وأُحلَّ﴾ بضم الألف، ومن قرأ بالفتح كان محل (أن) نصبًا. قالوا: ويجوز أن يكون محلّه نصبً على القراءتين بفقد الخافض، كأنه قيل: لأن تبتغوا، ثم حذف الخافض [[انظر "معاني الفراء" 1/ 261، الطبري 5/ 11، "معاني الزجاج" 2/ 37، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 446، "الكشف والبيان" 4/ 37/ أ.]].
والمعنى: أحلّ لكم أن تطلبوا بأموالكم، إما بنكاح وصداق، أو بملك وثمن، وفي هذا دليل على أن الصداق لا يَتَقدّر بشيء؛ لإطلاق قوله: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾، فمن ابتغى بقدر جاز أن يكون ثمنًا في بيعٍ أو أجرة في إجارة فقد استحل.
وقوله تعالى: ﴿مُحْصِنِينَ﴾. أي: متعففين عن الزنا، وهو قول ابن عباس [[لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد ذكر المؤلف هذا القول دون نسبة لأحد في "الوسيط" 2/ 501، وانظر الطبري 5/ 11.]].
وقال مجاهد: ناكحين [["تفسير مجاهد" 1/ 152، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 5/ 11، وهو فيهما بلفظ: متناكحين. وانظر: "الدر المنثور" 2/ 249.]]، وهو اختيار الزجاج؛ لأنه (قال) [[ما بين القوسين ليس في (أ).]]: عاقدين التزويج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 37.]].
وقال الفراء: يقول: أن تبتغوا الحلال [["معاني القرآن" 1/ 261.]].
وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾. أي: غير زانين. عن مجاهد [["تفسيره" 1/ 152، وأخرجه الطبري 5/ 11 بدون لفظ غير.]]، والسدي [[أخرجه الطبري 5/ 11 بلفظ: غير زناة.]].
وقال ابن عباس: السفاح الزنا [[لم أجده إلا في "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 82 بلفظ مجاهد.]].
قال الليث: السفاح والمسافحة: أن تقيم امرأة مع رجل على فجور من غير تزويج صحيح، والمُسافِحة: الزانية [[من "تهذيب اللغة" 2/ 1700، وهو في "العين" 3/ 147 (سفح).]]. وروي أن النبي ﷺ قال: قال لي جبريل: "ما بينك وبين آدم نكاح لا سفاح فيه" [[انظر: "العين" 3/ 147، ولم أقف عليه في المصادر الحديثية.]].
وأصله في اللغة: من السَّفح وهو الصَّبّ، يقال: سفح الدمع مسفوحًا، وسفح الدم: صبّه، وفلان سفّاحٌ للدماء: أي: سفّاك [[انظر: "العين" 3/ 147، "معاني الزجاج" 2/ 38، "تهذيب اللغة" 2/ 1699 "الصحاح" 1/ 375 (سفح).]].
وسمي الزنا سِفاحًا، لأنه ليس ثم حرمةُ نكاح ولا عقد تزويج [[انظر: "معاني القرآن" 2/ 38، "تهذيب اللغة" 2/ 1700 (سفح).]]، وإنما يسفح كل واحد من الزانيين نطفته، أي: يصبها ويريقها، فسمي سفاحًا لهذا المعنى. كما سمي مِذًاء من المذي، وكان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يفجر بالمرأة يقول لها: سافحيني، أو ماذيني [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 117 - 118، "تهذيب اللغة" 4/ 326 (سفح).]].
وقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾. قال الحسن ومجاهد وابن زيد وأكثر المفسرين: يعني: فما انتفعتم وتلذّذتم من النساء بالنكاح الصحيح [[أخرج الآثار عن الحسن ومجاهد وابن زيد الطبري 5/ 11 - 12 بلفظ النكاح، وقد أفاد المؤلف لفظه من "الكشف والبيان" 4/ 37/ ب، وانظر: "الوسيط" 2/ 57.]]. قال أبو إسحاق: يريد فما استمتعتم به منهن على عقد التزويج الذي جرى ذكره [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 38 بتصرف.]].
﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. أي: مهورهن، فإن استمتع بالدخول بها آتى [[في (د): (إلى).]] المهر تامًا، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر [[من "معاني الزجاج" بنصه 2/ 38، وانظر: "الطبري" 5/ 12، "تهذيب اللغة" 4/ 3459 (متع). "الكشف والبيان" 4/ 39/ أ.]].
والاستمتاع في اللغة: الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 38، "تهذيب اللغة" 4/ 3459 (متع).]]. هذا التفسير هو الذي عليه إجماع الفقهاء وعلماء الأمة [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 118، و"الطبري" 5/ 12، "معاني الزجاج" 2/ 38، "الكشف والبيان" 4/ 39 أ.]].
وسُمي المهر في هذه الآية أجرًا لأنه أجر الاستمتاع [[انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 4/ 39 أ.]].
وانتصاب الفريضة ههنا على الحال، أي: مفروضة [[وقيل: مصدر في موضع الحال. انظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 406، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 195.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾.
قال عطاء: يريد: إذا سميت المهر بعدّة من الدنانير أو الحيوان، فلا حرج بعد ذلك أن تحطّ من عدة الدنانير أو الحيوان، إذا كان ذلك برضا المرأة [[لم أقف عليه، وقد ورد بمعناه عن ابن عباس وابن زيد. انظر: "الطبري " 5/ 14، "زاد المسير" 2/ 54.]]. ففسر هذا التراضي بالحطّ من المهر والإبراء.
وقال الزجاج: أي: لا إثم عليكم في أن تَهب المرأة للزوج مهرها، أو يهب الرجل للمرأة تمام المهر إذا طلقها قبل الدخول [[العبارة في "معاني الزجاج" 2/ 39: أي لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للرجل مهرها، أو يهب الرجل للمرأة التي لم يدخل بها نصف المهر الذي لا يجب إلا لمن دخل بها، وهذه العبارة مشكلة؛ لأن غير المدخول بها يجب لها نصف الصداق بلا هبة لقوله سبحانه: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: 237]، إلا أن يكون المراد بعبارة الزجاج هذه: نصف المهر الآخر، ويحتمل التصحيف من النساخ، وعلى كلٍّ فعبارة الزجاج عند المؤلف أوضح وأصوب وقد ذكرها في تفسيره الآخر "الوسيط" 2/ 502.]].
وقيل: هذا في الخُلع، يقول: لا جناح عليكم فيما تَفتدي به المرأة نفسها [[نحوه مَرويّ عن ابن عباس. انظر: "الطبري" 5/ 14، "زاد المسير" 2/ 52.]].
وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالاستمتاع في هذه الآية المُتعة [[هذا قول لابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم. انظر: الطبري 5/ 12 - 13، "الكشف والبيان" 4/ 37 ب.]] التي كانت مُباحةً في ابتداء الإسلام، وهو ما رُوي أن النبي ﷺ، لما قدم مكة في عمرته، تزين نساء أهل مكة، فشكا أصحاب رسول الله ﷺ إليه العُزبة [[العُزبة: من العُزوبة، أي البعد عن النكاح والتجرد عن النساء. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 228.]]، فقال: "استمتعوا من هذه النساء"، وروي أنه قال: "تمتعوا منهن" [[أخرجه بلفظه الأول أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 73، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 38 ب.]].
وكان الرجل في صدر الإسلام يعطي المرأة دينارًا أو دراهم، أو ما كان، مما يتراضيان به، على أن يستمتع بها يومًا أو أسبوعًا، على ما يتراضيان عليه من الأجل، فإذا انقضى الأجل فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليه أن يستبرئ رحمها فإن قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك في الأجر كانت المرأة بالخيار، إن شاءت فَعَلت ذلك، وإن شاءت لم تفعل [[انظر: "الطبري" 5/ 13 - 14، "الكشف والبيان" 4/ 38 ب، "النكت والعيون" 1/ 471.]].
قالوا: وذلك قوله: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ أي: من زيادة الأجل والأجر [[انظر: "النكت والعيون" 1/ 471، "زاد المسير" 2/ 55.]]. ثم أجمع أكثر هؤلاء على أن هذا الحكم منسوخ [[انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 80.]]، إلا ابن عباس وعمران بن حصين [[هو أبو نُجيد عِمران بن حُصين بن عُبيد الخُزاعي أسلم عام خيبر وغزا مع النبي ﷺ، كان من فضلاء الصحابة ومجابَ الدعوة، مرض فكان على سريره ثلاثين عامًا حتى توفي - رضي الله عنه - سنة 52 هـ وكانت الملائكة تسلم عليه. انظر: "الاستيعاب" 3/ 284 - 285، "أسد الغابة" 4/ 281، "الإصابة" 3/ 26 - 27.]]، فإنهما كانا يريان جواز نِكاح المُتعة [[سيورد المؤلف ما يدل على ذلك عن ابن عباس وعمران بن حصين.]]. كان ابن عباس يُفتي بها.
قال عمارة [[هكذا في (أ)، وفي "الدر المنثور" 2/ 253: عمار، بدون تاء.]] مولى الشريد [[تابعي ثقة كما في ثقات العجلي.]]: سألت ابن عباس عن المُتعة، أسِفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح. قلت: فما هي؟ قال: هي المُتعة كما قال الله. قلت: هل لها من عدة؟ قال نعم، عدتها حيضة. قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا [[أخرجه أبو عُبيد في "الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز" ص 80، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 253 بلفظه، وعزاه لابن المنذر.]].
وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة [[هو أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود الهُذلي المدني تابعي ثقة ثبت أحد كبار فقهاء المدينة في عصره، جامع بين العلم والصلاح وهو معلم عمر بن عبد العزيز رحمهما الله كان ضرير البصر، وتوفي سنة 94 هـ وقيل غير ذلك. انظر: "تاريخ الثقات" 2/ 111، "مشاهير علماء الأمصار" ص 64، "التقريب" ص 372 رقم (4309).]]: أن ابن عباس كان يُفتي بها،
ويغمصُ [[غَمِصَ-بفتح الميم وكسرها- يَغمِص غمصًا، وهو الاستصغار أو العيب، انظر "الصحاح" 3/ 1047 (غمص). وفي النسخة (أ) تعليق في الحاشية كلمتين أو ثلاث، لم يتبين، والظاهر أنه شرح لهذه الكلمة الغربية.]] ذلك أهلُ العراق، وأَبَى أن ينكل عن ذلك، حتى طفق بعض الشعراء يقول:
أقول للركب إذْ طَالَ الثَّواءُ بنا ... يا صَاحِ هَلْ لَك في فُتيا ابن عباسِ
هل لك في رَخصة الأطرافِ ناعمة ... تكون مَثواك حتى رجعة الناس [[انظر: "عيون الأخبار" 4/ 59، و"تفسير القرطبي" 5/ 133، و"الدر المنثور"==2/ 487، و"السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 205، و"التمهيد" لابن عبد البر 10/ 117، و"أخبار مكة" للفاكهي 3/ 12.]] قال: فازداد لها أهل العلم قَذرًا وبُغضًا، حين قيل فيها الأشعار [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 81، 82، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 38 أ، "الدر المنثور" 2/ 471.]]
وقال عمران بن حُصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل ولم ينزل آية بعدها تنسخها، وأمرنا بها رسول الله ﷺ وتمتعنا معه، ومات ولم يَنهنا عنه. قال رجلٌ بَعْدُ برأيهِ ما شاء [[أخرجه الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 38 أ.]].
وجميع الصحابة على أن المتعة منسوخة حرام [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 38 أ.]].
روى الربيع بن (سَبرة) [[في (د): (سبر) بالتذكير، والصواب ما أثبته. انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 73.]] الجهني [[هو الربيع بن سبرة بن معبد الجهني المدني تابعي ثقة، وثقه النسائي وابن حبان وأخرج حديثه مسلم وأهل السنن، عده ابن حجر من الطبقة الثالثة. ولم تذكر سنة وفاته. انظر: "تاريخ الثقات" 1/ 354، "تهذيب التهذيب" 1/ 592، "التقريب" ص 206 رقم (1891).]]، عن أبيه قال: غدوت على رسول الله ﷺ فإذا هو قائم بين الركن والمقام، مسندٌ ظهره إلى الكعبة، يقول: "يا أيها الناس إني كنتُ أمرتُكم بالاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرَّم عليكم إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخَلّ سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 73، ومسلم في "صحيحه" كتاب النكاح، باب: 3 نكاح المتعة 2/ 1025 (ح 21)، وفيهما: " .. ألا وإن الله قد حرم عليكم ذلك .. " بزيادة اسم الإشارة، وهو الأصوب.]].
وروى الحارث بن غُزَيّة [[هو الحارث بن غزَيّة، وقيل: غزية بن الحارث الأنصاري المدني، صحابي جليل روى عن رسول الله ﷺ. انظر: "الاستيعاب" 3/ 318، "أسد الغابة" 1/ 410، "الإصابة" 3/ 185.]] أن رسول الله ﷺ قال: "مُتعة النساء حرام" [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 75.]].
وقال عمر - رضي الله عنه -: لَنْ أُوتَى برجلٍ منكم نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة [[جزء من أثر أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 76، ومسلم (1217) كتاب الحج، باب: في المتعة بالحج والعمرة.]].
وروي عن ابن الحَنفيّة [[هو أبو القاسم أو أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي من أفاضل أهل البيت، ومن العلماء الثقات، عرف بابن الحنفية نسبة إلى أمه من بني حنيفة. توفي - رضي الله عنه - سنة 73 هـ وقيل بعد الثمانين. انظر: "مشاهير علماء الأمصار" ص 62، "سير أعلام النبلاء" 4/ 110، "التقريب" ص 497 رقم (6157).]]: أن عليًا - رضي الله عنه - مر بابن عباس وهو يفتي بنكاح المتعة أنه لا بأس بها، فقال: إن رسول الله ﷺ نهى عنها وعن لحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 75، والبخاري (5115) بنحوه في كتاب النكاح، باب: نهى رسول الله ﷺ عن نكاح المتعة آخرا 6/ 129، ومسلم (1407) كتاب النكاح، باب: نكاح المتعة.]].
قال أبو عبيد: هذا التوقيت يرجع إلى النهي عن لحوم الحُمُر؛ لأن الرخصة في المتعة كانت في عمرة النبي ﷺ، وهي بعد خيبر، والنهي عن المتعةُ مطلق غير مُؤَقت [[انظر: "الناسخ والمنسوخ" ص 75.]].
وكانت عائشة إذا ذُكِر لها المتعة قالت: والله ما نجد في كتاب الله إلا النكاح والاستِسرار، ثم تتلو هذه الآيات الثلاثة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 5]، إلى آخرها [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 87، وذكره الثعلبي بمعناه في "الكشف والبيان" 4/ 39 أ.]].
وقال ابن مسعود: المتعة منسوخة، نسخها الطلاق والصَّداق والعِدّة والميراث [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 79.]].
قال أبو عبيد: فالمسلمون اليوم مُجمعون على أن متعة النساء قد نُسخت بالتحريم، نسخها الكتاب والسنة [["الناسخ والمنسوخ" ص 80، وانظر: "البغوي" 2/ 193.]].
هذا قول أهل العلم اليوم جميعًا من أهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل الشام، وأصحاب الأثر، وأصحاب الرأي: أنه لا رُخصة فيها لمضطر ولا غيره.
وقد رُوي عن ابن عباس شيء شبيه بالرجوع عنها، وهو ما روى عطاء الخرساني، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ قال: نسختها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: 1] [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 83، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 191، 192، وضعفه المحقق إسناده.]].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ أي: بما يُصْلِح أمر العباد (حكيمً) فيما بين [[في "معاني الزجاج" 2/ 39: فرض.]] لهم من عقد النكاح الذي به حُفظت الأموال والأنساب [[انتهى من "معاني الزجاج" 2/ 39.]].
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق