قوله: ﴿وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ الآية.
قال مالك في قوله ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾: هن السبايا ذوات الأزواج، أي: وطؤهن جائز لكم يعني لهن أزواج بأرض الشرك أحلهن الله لنا، يعني بعد الاستبراء والمحصنات هنا ذوات الأزواج وقوله ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ يريد به إلا ما ملكت من ذوات الأزواج التي فرق بينهن وبين أزواجهن السباء.
قال ابن عباس: وطء كل ذات زوج زنا إلا ما سبي، وكذلك قال ابن زيد وابو قلابة ومكحول والزهري.
فالمعنى: حرمت عليكم النساء اللواتي أحصنهن الأزواج إلا ما ملكت أَيْمانكم من ذوات الأزواج السبايا فإنه حلال لكم، ونزل ذلك في سبي (أصاب) المسلمون بأوطاس لهن أزواج فكرهوا أن يقعوا عليه ولهن أزواج، فسألوا النبي ﷺ عن ذلك فنزلت ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ من السبايا ولهن أزواج في بلد الشرك، وإنهنَّ حلال لكم يعني: بعد الاستبراء. وقال آخرون: المعنى في ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ أي: وطئهن جائز لكم يعني بعد الاستبراء، إن الله حرم نكاح المحصنات بالأزواج، واستثنى ملك اليمين، وهي المملوكة، ذوات الزوج يبيعها مولاها سيكون بيعها طلاقها وتحل للمشتري.
قال ابن عباس وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله: بيع المملوكة طلاقها.
وقال أبو العالية "والمحصنات هنا العفائف التي أحصنهن عفافهن، وهو مردود إلى أول السورة، والمعنى عنده ﴿فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ﴾ [النساء: ٣] ثم حرم ما حرم من النسب والصهر، ثم قال: (والمحصنات من النساء) أي: إنهن حرام إلا بصداق وولي وشهود، ويجب على هذا القول نصب المحصنات لأنه عطف على مَثْنَى وما بعده.
وقال ابن جبير وعطاء: ﴿وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ حرم الله المحصنات فوق الأربع مع تحريم القرابة المذكورة.
وقيل المعنى: ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ بنكاح أو ملك، فحرم الله ذوات الأزواج من النساء ما حرم قبله من ذوي الأرحام، واستثنى ما ملكت اليمين بعقد نكاح صحيح أو بثمن، قال ذلك مجاهد، وقيل: المحصنات: الحرائر، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إن الآية نزلت في نساء مهاجرات قدمن المدينة، فتزوجهن بعض المسلمين، ثم قدم أزواجهن مهاجرين، فنُهِيَ المسلمون عن نكاحهن.
وروي أن ابن عباس كان يتوقف في تفسير هذه الآية، قال ابن جبير: كان ابن عباس لا يعلمها.
وروي عن مجاهد أنه قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل يعني ﴿وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾.
والإحصان: يكون بالحرية كقوله ﴿وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] يريد الحرائر من أهل الكتاب ويكون بالإسلام كقوله: ﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ﴾ [النساء: ٢٥] على قراءة من فتح الهمزة يريد أسلمن، ويكون بالعفة كقوله: ﴿وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٤]، يريد العفائف، ويكون بالزوج.
والفائدة في قوله: ﴿مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ أن المحصنات يقع على معنى: والأنفس المحصنات فيكون للرجال والنساء، فبين أنه للنساء بقوله ﴿مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ دليل ذلك أنه قال: ﴿وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ﴾ فلولا أنه يراد به الأنفس المحصنات لم يحد من قذف رجلاً بالنص على ما ذكرنا.
قوله ﴿كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ "نصب: كتاب (الله) عليكم": المصدر عند سيبويه، لأنه لما قال ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ على أنه كتب ذلك، فالمعنى كتب الله عليكم ذلك كتاباً، وقيل نصبه على الإغراء أي: الزموا كتاب الله، وهذا قول ضعيف مردود، وهو قول الكوفيين لأن عليكم هو الذي يقوم مقام الفعل في الإغراء، وهو لا ينصرف ولا يجوز تقديم المفعول عليه عند أحد، لا يجوز زيد عليك، ونصبه عند بعض الكوفيين على الحال كأنه قال: كتاب الله عليكم.
* * *
ومعنى ﴿كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ قال عطاء والنخعي هو الأربع لا يزيد عليهن، وقاله السدي، وقال ابن زيد: معناه أمر الله عليكم، يريد ما حرم الله من هؤلاء وما أحل لهم، وقرأ ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ﴾ الآية.
ومن فتح الهمزة، فلقرب اسم الله تعالى من الفعل، فأسنده إليه، فتقديره كتاب الله ذلك عليكم، وأحل لكم. ومن ضم فإنه أجراه على أول الآية، لأنه جرى على ترك تسمية الفاعل وهو قوله ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ فأجرى التحليل على لفظ التحريم لتسابق الألفاظ ولئلا تختلف، فكأنه حرم عليكم كذا وأحل لكم كذا، ومعنى ﴿مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ﴾ ما دون الخمس ﴿أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ﴾، على وجه النكاح، وقال السدي: ما دون الأربع وقال عطاء: ﴿مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ﴾ ما وراء القرابة التي قد حرمت عليكم أن تبتغوا بأموالكم: المحصنات من الحرائر الأربع والمماليك.
وقال قتادة ﴿مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ﴾؛ ما ملكت يمينكم"
وقال الطبري: بين الله لنا المحرمات بالنسب والصهر، ثم أخبرنا أنه قد أحل لنا ما وراء هؤلاء المحرمات في هاتين الآيتين بأن نبتغيهما بأموالنا نكاحاً، وملك يمين لا سفاحاً، وقد أعلمنا أن ما زاد على أربع حرام، وما كان من الإماء ذوات الأزواج حرام ما لم ينتقل الملك.
* * *
قوله: ﴿مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ﴾ معناه: أعفَّاء غير مزانين والسفاح: الزنا، والإحصان هنا العفاف، وقال مجاهد: محصنين متناكحين.
* * *
قوله: ﴿فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾: يقول: فالشيء الذي استمتعتم به من النساء فأعطوهنّ أجورهنّ أي صدقاتهم فريضة معلومة، وقال ابن عباس: معناها إذا نكح الرجل المرأة مرة واحدة فقد وجب الصداق، فالمعنى فأي شيء استمتعتم به، وإن قلّ فآتوهنّ أجورهن أي صدقاتهنّ والاستمتاع النكاح، وقاله: الحسن ومجاهد.
وقال السدي: وغير الاستمتاع هنا أن يتزوّجها إلى أجلٍ مسمّى بإذن وليّها، ويشهد شاهدين، فإذا تمّ الأجل أمر أن يدفع إليها ما شرط لها، وليس له عليها سبيل وتعتد، ولا ميراث بينهما. وسئل ابن عباس عن متعة النساء فقال: أما تقرؤون فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فقيل له لو قرأناها هكذا لكان الأمر على ذلك. فقال: فإنها كذلك.
وفي قراءة أبي زيادة: إلى أجل مسمى، وكذلك ابن جبير.
وقالت عائشة رضي الله عنها كانت المتعة حلالاً، ثم نسخ الله ذلك بالقرآن، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن المسيب والقاسم وسالم وعروة. قال ابن عباس: نسخها ﴿يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١].
وقال ابن المسيب: نسخت المتعة بآية الميراث يعني: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَٰجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] لأن المتعة كانت لا ميراث بها.
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت حرم الله المتعة بقوله ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٥-٦ والمعارج: ٢٩-٣٠]. وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم، وشرط (ألا) طلاق بينهما، ولا ميراث ولا عدة.
[وقال أبو عبيدة: نسخت المتعة بالقرآن والسنة لأن النبي ﷺ حرم المتعة يوم الفتح وغيره.
ومن قال: إن المعنى إذا تزوجتم المرأة، فنكحتموها ولو مرة واحدة] فأعطوها صداقها، فهي عنده محكمة لا نسخ فيها، والتقدير: فما استمتعتم به من الدخول بالمرأة فلها الصداق كاملاً فأعطوها إياه، ودل على ذلك قوله ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ﴾ أي: إن وهبت لك النصف، أو ما كان فلا جناح، وإن وهبت لها النصف، فأعطيتها الكل، ولم تدخل بها فلا جناح.
وقيل: المعنى: إن أدركتم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ﴾.
وقيل المعنى: لا جناح عليكم إذا تم الأجل الذي اشترطتم في الاستمتاع أن يزدنكم في الأجل، وتزيدهن في الأجر قبل أن يستبرئن أرحامهن، وهو منسوخ. وقال السدي: إن شاء أرضاها بعد الفريضة بأجرة، ثم تقيم معه إلى الوقت الذي يتراضون أيضاً عليه، وهو منسوخ. وقيل: المعنى: لا جناح عليكم فيما وضعه نساؤكم عنكم من صدقاتهن بعد الفريضة.
قال ابن زيد: إن وضعت لكم من صداقها فهو سائغ فالمعنى على هذا لا إثم على الرجل أن تضع المرأة عليه مهرها، أو يهب الرجل للمرأة التي لم يدخل بها نصف الصداق، فيدفعه إليها كاملاً.
قال الأخفش ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ﴾ تمام.
وقال غيره ﴿كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ التمام، وهو أحسن لأن العامل فيه ما قبله من المعنى الذي دل عليه كتاب، وإنما يصح قول الأخفش إذا نصبت ﴿كِتَٰبَ ٱللَّهِ﴾ على الإغراء، وهو بعيد.
(وفريضة) مصدر كأنه قال: فرض ذلك عليكم فريضة وهو التمام.
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}