الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي: ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، لَا يَحِلُّ لِلْغَيْرِ نِكَاحُهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْأَزْوَاجِ، وَهَذِهِ السَّابِعَةُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي حُرِّمَتْ [[في ب: (حرمن) .]] بِالسَّبَبِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءٍ كُنَّ يُهَاجِرْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَيَتَزَوَّجُهُنَّ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَدِمَ أَزْوَاجُهُنَّ مُهَاجِرِينَ فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ [[انظر الدر المنثور: ٢ / ٤٨٠.]] ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي: السَّبَايَا اللَّوَاتِي سُبِينَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَحِلُّ لِمَالِكِهِنَّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِأَنَّ بِالسَّبْيِ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَيْشًا إِلَى أَوَطَاسٍ فَأَصَابُوا سَبَايَا لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَرِهُوا غَشَيَانَهُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [[أخرجه مسلم في الرضاع، باب وطء المسبية بعد الاستبراء. . . برقم (١٤٥٦) : ٢ / ١٠٧٩.]] .
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أَنْ تَكُونَ أَمَتُهُ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ حَرَامٌ مِنْهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنَّهُ لَا عَدَدَ عَلَيْكُمْ فِي الْجَوَارِي.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ: الْزَمُوا كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، أَيْ: فَرْضُ اللَّهُ تعالى.
قوله تعال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ "أُحِلَّ " بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، لِقَوْلِهِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ، أَيْ: مَا سِوَى ذَلِكُمُ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، ﴿أَنْ تَبْتَغُوا﴾ تَطْلُبُوا، ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾ أَيْ تَنْكِحُوا بِصَدَاقٍ أَوْ تَشْتَرُوا بِثَمَنٍ، ﴿مُحْصِنِينَ﴾ أَيْ: مُتَزَوِّجِينَ أَوْ مُتَعَفِّفِينَ، ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أَيْ: غَيْرُ زَانِينَ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْحِ الْمَاءِ وَصَبِّهِ وَهُوَ الْمَنِيُّ، ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ مَا انْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنَ النِّسَاءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أَيْ: مُهُورُهُنَّ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً إِلَى مُدَّةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ بَانَتْ مِنْهُ بِلَا طَلَاقٍ، وَتَسْتَبْرِئُ رَحِمهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، أَنَا أَبِي، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا" [[أخرجه مسلم في النكاح، باب نكاح المتعة برقم (١٤٠٦) ٢ / ١٠٢٥، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ١٠٠.]] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسْنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ [[أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر: ٧ / ٤٨١، ومسلم في النكاح، باب نكاح المتعة برقم (١٤٠٧) : ٢ / ١٠٢٧، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ٩٩. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ٧ / ٤٨٢ - ٤٨٣ "قيل إن في الحديث تقديما وتأخيرا"، والصواب: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء، وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء، لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء". ثم بسط ذلك في كتاب النكاح.]] .
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ حَرَامٌ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَيُرَخِّصُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: " فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى "؟ قُلْت: لَا أَقْرَأْهَا هَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ [[أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه، حتى إذا نزلت الآية: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام. وفيه: موسى بن عبيدة: ضعيف. قال ابن حجر في الفتح: ٩ / ١٧٣ "روي عن ابن عباس الرجوع عن القول بجواز المتعة بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح". وقال ابن المنذر في الإشراف: ٤ / ٧٥ "ثبت أن رسول الله ﷺ نهى عن نكاح المتعة، ودل قوله: "ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة" على أن النسخ لا يجوز أن يقع عليه. وقد روينا أخبارا عن الأوائل بإباحة ذلك، وليس لها معنى ولا فيها فائدة مع سنة رسول الله ﷺ. وممن نهى عن المتعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقال القاسم بن محمد: تحريمها في القرآن: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين" روي عن ابن مسعود أنه قال: نسختها آية الطلاق والعدة والميراث. وروي عن علي أنه قال ذلك. وقال ابن عمر: ما أعلمه إلا السفاح. وقال: ابن الزبير: المتعة: الزنا الصريح، ولا أعلم أحدا يعمل بها إلا رجمته. وقال الحسن البصري: ما كانت المتعة إلا ثلاثة أيام حتى حرمها الله تعالى ورسوله ﷺ. وممن أبطل نكاح المتعة: مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحدا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف القائل به الكتاب والسنة". هذا، وكان ابن عباس رضي الله عنه يتأول في إباحة المتعة للمضطر إليها بطول العزبة وقلة اليسار، ثم توقف عنه بعد أن قيل له: لقد سارت بفتياك الركبان. . . فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله من الميته والدم ولحم الخنزير، وما تحل إلا للمضطر، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير. انظر: تفسير القرطبي: ٥ / ١٢٩ - ١٣٣، فتح الباري: ٩ / ١٦٦ - ١٧٤ معالم السنن للخطابي: ٣ / ١٨، تلخيص الحبير: ٣ / ١٥٤ - ١٥٦، نيل الأوطار: ٧ / ٣٠٤ - ٣١٠، ورسالة عن النكاح للشيخ محمد الحامد في مجموعة رسائله: ص٥ - ٩٧، خاتم النبيين للشيخ محمد أبو زهرة: ٢ / ١٠٨٩ - ١٠٩٧، وعامة كتب الفقه في باب النكاح، الجزء الأول من شرح قانون الأحوال الشخصية للسباعي.]] .
وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَعَدَ الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْكِحُونَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهَا؟، لَا أَجِدُ رَجُلًا نَكَحَهَا إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ: هَدْمُ الْمُتْعَةِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ [[أخرجه ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه انظر: فتح الباري: ٩ / ١٧٣.]] .
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا أُحِلَّ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُحِلُّ ثُمَّ حُرِّمَ غَيْرَ الْمُتْعَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أَيْ: مُهُورَهُنَّ، ﴿فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ فَمَنْ حَمَلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَرَادَ أَنَّهُمَا [إِذَا عَقَدَ عَقْدًا إِلَى أَجَلٍ بِمَالٍ] [[جاءت هذه العبارة في "أ" كما يلي: (إذا عقدا إلى أجل بمال) .]] فَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَإِنْ شَاءَتِ الْمَرْأَةُ زَادَتْ فِي الْأَجَلِ وَزَادَ الرَّجُلُ فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَارَقَهَا، وَمَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ﴾ الْإِبْرَاءُ عَنِ الْمَهْرِ وَالِافْتِدَاءُ وَالِاعْتِيَاضُ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [فَصَلٌ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ وَفِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ]
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَكْثَرِ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُغَالَى فِيهِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرِ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً [[أخرجه أبو داود في النكاح، باب الصداق: ٣ / ٤٦، والترمذي في النكاح، باب ما جاء في مهور النساء: ٤ / ٢٥٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في النكاح، باب القسط في الأصدقة: ٦ / ١١٧، والدارمي في النكاح، باب كم كانت مهور أزواج النبي ﷺ وبناته: ٢ / ١٤١، والبيهقي في السنن: ٧ / ٢٣٤، وصححه الحاكم في المستدرك: ٢ / ١٧٥، وابن حبان برقم (٢٥٩) ص (٣٠٧) من موارد الظمآن، وأحمد في المسند: ١ / ٤٠، ٤١،٤٨.]] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفْلِسُ، أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ ﷺ لِأَزْوَاجِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، هَذَا صَدَاقُ النَّبِيِّ ﷺ لِأَزْوَاجِهِ [[أخرجه مسلم في النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد. . . برقم (١٤٢٦) : ٢ / ١٠٤٢.]] .
أَمَّا أَقَلُّ الصَّدَاقِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّهِ، بَلْ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ والشافعي وأحمد وإسحق، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فِي ثَلَاثِ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا جَازَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَقَدَّرُ: بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا"؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنْ أَعْطَيْتهَا جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا"، فَقَالَ: مَا أَجِدُ، فَقَالَ: "فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ"؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا -لِسُورٍ سَمَّاهَا -فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" [[أخرجه البخاري في النكاح، باب تزويج المعسر: ٩ / ١٣١، ومسلم في النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن. . برقم (١٤٢٥) : ٢ / ١٠٤٠ - ١٠٤١، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ١١٧.]] .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ قَالَ: "الْتَمِسْ شَيْئًا" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ: "وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" وَلَا قِيمَةَ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ إِلَّا الْقَلِيلَ التَّافِهَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يجوز تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَدَاقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكُلُّ عَمَلٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ صَدَاقًا، وَلِمَ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْفَعَةُ الْحُرِّ صَدَاقًا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ جَوَّزَهُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى الْعَمَلِ، فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنِكحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ" [القصص: ٢٧] .
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق