الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء 24].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الواو حرف عطف، فأين المعطوف عليه؟
* طالب: المعطوف عليه ﴿النِّسَاءِ﴾.
* الشيخ: أي من النساء؟
* الطالب: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف معطوف عليه؟ معطوف على إيه؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء ٢٣] معطوف على المحرمات.
* الشيخ: على (أمهات) معطوفة يعني: وحرمت المحصنات من النساء.
طيب ما المراد بالمحصنات هنا في الآية؟
* طالب: الإماء المتزوجات.
* الشيخ: الإماء المتزوجات؟
* طالب: النساء المتزوجات المسبيات.
* الشيخ: النساء المتزوجات المسبيات، المسبيات من المتزوجات. ما هو الواجب إذا سبيت المرأة وملكها من يملكها من الجند؟
* طالب: أن تُستبرأ بحيضة.
* الشيخ: أن تستبرأ بحيضة يعني لا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة، بمعنى حتى تحيض، إلا إذا كانت حاملًا فحتى تضع. أحسنت.
رجل جمع بين أختين من الرضاعة؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: لا يجوز، الدليل؟
* الطالب: الدليل قول الله عز وجل: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾.
* الشيخ: بين الأختين، لو ادعى مدعٍ أن المراد بين الأختين من النسب؟
* طالب: وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٥) ومسلم (١٤٤٧ / ١٢) من حديث ابن عباس. ]].
* الشيخ: نعم ، فإذا حرم الجمع بين الأختين من النسب حرم الجمع بين الأختين من الرضاع.
قوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ منصوبة، ما الذي نصبها؟ المعنى؟
* طالب: الزموا كتاب الله عليكم.
* الشيخ: الزموا كتاب الله عليكم، كتاب بمعنى، المعنى معنى الآية؟
* طالب: الزموا ما ألزمه الله عليكم.
* الشيخ: ما كتبه الله عليكم، والكتاب هنا بمعنى المكتوب أي؟
* طالب: الملزوم.
* الشيخ: أي الملزوم؟
* طالب: أي المفروض.
* الشيخ: أي المفروض. ما شاهدك على أن الكتابة تأتي بمعنى الفرض؟
* طالب: قول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرّ﴾ [البقرة ١٧٨].
* الشيخ: لا ، هو فرض؟
* طالب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة ١٨٣] أي فرض.
* الشيخ: أي فرض ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء ١٠٣].
ثم قال الله عز وجل وهو بدء درس الليلة : ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾: ﴿أُحِلَّ﴾ فيها قراءتان سبعيتان صحيحتان، الأولى: ﴿أَحَلَّ﴾ ، والثانية: ﴿أُحِلَّ﴾، ولكل واحدة وجه، أما القراءة بالبناء للمفعول فلأجل المناسبة بينها وبين قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء ٢٣]، وأما بالفتح ﴿وَأَحَلَّ لَكُمْ﴾ فلمناسبة قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ فلكل من القراءتين وجه.
﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ﴾، (أحل) بمعنى أباح، ولم يلحقكم حرج، ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أي ما وراء هذه المذكورات، فالإشارة لما سبق.
وقوله: ﴿ذَلِكُمْ﴾ هذه هي اللغة الفصحى؛ إذا جاء اسم الإشارة مقرونًا بكاف الخطاب أن يراعى فيه المخاطَب، فإن كان مفردًا مذكرًا فهو مفرد مفتوح، مثل: ذلكَ، وإن كان مفردًا مؤنثًا فهو مفرد مكسور، مثل: ذلكِ، وإن كان مثنى فهو بالتثنية ﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ [يوسف ٣٧]، وإن كان لجماعة الذكور فهو لجماعة الذكور: ذلكمْ، وإن كان لجماعة الإناث فهو لجماعة الإناث: ذلكنَّ: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف ٣٢].
هنا ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ الخطاب لمن؟ لجماعة الذكور، هذه هي اللغة الفصحى، وفيه لغة أخرى بالإفراد والفتح للمذكر مطلقًا؛ مفردًا كان أو مثنًّى أو جمعًا، وبالكسر للمؤنث مطلقًا؛ مفردًا كان أو مثنًّى أو جمعًا، وفيه لغة ثالثة بالفتح مطلقًا، ووجه الأخيرة أن المخاطب شخص، فصح أن تأتي بلفظ الإفراد والتذكير، وأما الثانية فوجهه مراعاة المعنى دون مراعاة المخاطب، فالمذكر مفتوح والمؤنث مكسور، وأما اللغة الفصحى فالأمر فيها واضح.
قال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾، (أن) هذه مصدرية، ولهذا نصب الفعل بها ﴿أَنْ تَبْتَغُوا﴾ فحذفت النون، المعنى: أحل بهذا الشرط، أي بأن تبتغوا بأموالكم، أي تطلبوا النكاح بأموالكم، والمال كل ما يتمول من أعيان ومنافع، كل ما يتمول من أعيان ومنافع فإنه مال.
﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾: ﴿مُحْصِنِينَ﴾ هذه حال من فاعل ﴿تَبْتَغُوا﴾، أي حال كونكم محصنين، أي محصنين لفروجكم، محصنين لفروج زوجاتكم. والإحصان في اللغة: المنع، ومنه سمي الحصن للقصر المنيع؛ لأنه يحصن ما فيه، والنكاح الشرعي سبب لمنع الزنا، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٠٥) ومسلم (١٤٠٠ / ١) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
وقوله: ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ المسافحة مفاعلة من السفح، وهو الزنا، وسمي الزنا سفحًا لأن المقصود به سفح الماء، أي نيل الشهوة، فالزاني لا يريد أولادًا ولا يريد عشرة، وإنما يريد أن يسفح هذا الماء الذي ضيق عليه حتى تبرد شهوته، والسفح في الأصل هو الصب والدفع، قال الله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام ١٤٥].
﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ ثم قال: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ يعني أي استمتاع به، أي بالعقد، ﴿مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي أعطوهن أجورهن، والأجور هنا جمع أجر، وهو المهر، أي المال الذي طلبتموهن به ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ يعني فإذا ابتغيتم بأموالكم وعقدتم النكاح فأعطوهن أجورهن. وسمي المهر أجرًا لأنه في مقابلة منفعة، فهو كالرجل يستأجر أجيرًا يبني له بيتًا فيعطيه أجره، كذلك الزوج مع زوجته، وسيأتي إن شاء الله التنبيه على شيء من النكتة في قوله: ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ عند ذكر الفوائد.
﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أي حال كونها -أي الأجور- فريضة بمعنى مفروضة، أي ما فرضتم فأعطوهن من المهور، ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾، يعني ﴿لَا جُنَاحَ﴾ أي لا إثم عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص، يعني إذا سمى المهر وفرضه وعرفت الزوجة نصيبها فلا جناح عليه ولا عليها فيما تراضيا به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص، قد تعفو المرأة عن شيء مما فُرض لها أو عن كل ما فرض لها، وقد تطلب الزيادة ويعطيها الزوج، كل هذا لا بأس به؛ لما قال: ﴿فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، هذه الجملة كما تشاهدون مؤكدة بـ(إن) و(كان)؛ لأن (كان) مسلوبة الزمان هنا فتفيد الثبوت والتحقق، والعلم علم الله عز وجل واسع كامل لم يسبَق بجهل ولا يلحقه نسيان، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا في الحاضر ولا في الماضي ولا في المستقبل.
﴿حَكِيمًا﴾ أي ذا حكمة، والحكمة هي وضع الشيء في مواضعه، سواء كانت مما يتعلق بالقدر أو مما يتعلق بالشرع، فإن أقدار الله ومشروعات الله كلها حكمة، ولكن معنى (حكيم) أوسع مما ذكرت الآن، يعني أوسع من كونه دالًّا على الحكمة، بل هو دال على الحكمة وأيش؟
* طلبة: والإحكام.
* الشيخ: الإحكام من الحكمة والحكم، دال على الحكمة والحكم، فمعنى (حكيم) أي: حاكم محكم، أي حاكم من الحكم، محكم من الإحكام الذي هو الحكمة.
ثم إن حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي، ثم إن الحكمة والإحكام حكمة في صورة الشيء وحكمة في غاية الشيء والمراد منه، وكل ذلك ثابت من قوله: ﴿حَكِيمًا﴾، وعلى هذا تكون أربعة أقسام: حكم كوني، حكم شرعي، إحكام في صورة الشيء، وإحكام في غاية الشيء.
ووجه ختم الآية بهذا هو أن هذه أحكام عظيمة.
(...)
هذين الاسمين الكريمين أن هذه الأحكام صادرة عن علم تام بما يصلح الخلق وعن إحكام تام، (...).
طيب نرجع الآن إلى فوائد الآية الكريمة: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن النساء المسبيات يكن أرقاء لمجرد السبي، وهو كذلك، وعليه عمل المسلمين، فإن سُبيت مع زوجها فإنها تبقى معه لكن بدونه تكون رقيقة.
* ومن فوائدها أيضا: أنه ينفسخ نكاح الزوج، ينفسخ نكاحها من زوجها؛ لأن المسلمين ملكوها.
* فإن قال قائل: وهل يقاس على ذلك ما لو انتقل ملكها وهي مع زوج أن تطلق بهذا الانتقال؟
فالجواب: في هذا قولان للعلماء:
الأول: أن بيع الأمة طلاقها.
والثاني: لا، أنها لا تطلق، تبقى على زواجها ويكون للمشتري إذا لم يعلم بأنها مزوجة يكون له الخيار، لماذا يكون له الخيار؟ لأنه يفوت عليه الاستمتاع بها، والدليل على هذا القول الصحيح «أن بَريرة لما عَتَقَتْ خيَّرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تبقى مع زوجها أو تفسخ النكاح»[[أخرجه مسلم (٢٢٣٤) من حديث عائشة.]]، ولو كان البيع سببًا للطلاق أو الانفساخ لانفسخ بدون تخيير، إذن لا يصح أن يقاس بيع الأمة على سبيها، وإن كان قد انتقل ملكها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الرق؛ كقوله: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين -أعني ثبوت الرق- ولا يمكن لأحد إنكاره؛ لأنه في القرآن وفي السنة وفي إجماع المسلمين، ولكن يبقى النظر في سبب الرق؛ هل يُسترق الإنسان بأي سبب أم لا بد من سبب شرعي؟
الجواب: الثاني، وعلى هذا فكثير من الأرقاء الذين كانوا يوجدون لا حقيقة لرقهم؛ لأنهم كانوا يباعون، أي يبيعهم أهلوهم من حاجة أو غير حاجة، فيشتريهم المشتري ويسترقهم، وهذا ليس سببًا شرعيًّا للرق، لكن إذا ثبت السبب الشرعي ثبت المسبب وثبت الرق، ولا يجوز إلغاؤه؛ لأنه حكم شرعي، فلا يجوز إلغاؤه بأي حال من الأحوال.
لكن لو قال قائل: هؤلاء الأرقاء الموجودون بماذا استرقوا؟ فنلغي الرق هنا لأجل بطلان سببه، ولكن يجب ألا يكون التعبير إلغاء الرق كذا؛ لأن هذا مصادمة للنص والإجماع، ولكن يقال: الرق الموجود الآن ليس على سبب شرعي فلا يجوز اعتماده، هكذا يقال لتبين الحكمة، أو ليبين السبب، حتى يبقى الحكم الشرعي، وهو الاسترقاق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: صحة إطلاق البعض على الكل، من أين؟ ﴿أَيْمَانُكُمْ﴾؛ لأن (أيمان) جمع (يمين) وهي اليد، والملك في الحقيقة ملك للإنسان كله، لكن عبر باليمين لأن الغالب أن الأخذ والإعطاء بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب التزام ما فرض الله علينا؛ لقوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾.
وكتاب الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: كتاب شرعي كما في هذه الآية، وكما في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، وكتاب كوني كما في قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ [النبأ ٢٩]، أي الكتاب القدري، وكما في قوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المحلَّلات أكثر من المحرمات، المحللات من النساء أكثر من المحرمات، وجهه؟ نعم يؤخذ من قوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، لكن وجه ذلك الحصر أنه حصر المحرمات وعمم في المحللات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من ادعى تحريم امرأة فعليه الدليل، يعني لو خطب إنسان امرأة فقال له بعض الناس: هذه المرأة حرام عليك من المحرمات، فالجواب: أنه لا بد أن يقيم دليلًا على ذلك؛ لأن المحرمات محصورات، والمحللات الأمر فيهن مطلق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أننا إذا شككنا في سبب التحريم فالأصل عدم التحريم، يعني الأصل الحل، ومن أمثلة ذلك: لو شككنا في هذا الرضيع هل رضع خمس مرات أو أربع مرات، فالأصل أربع، فلو كانت هذه المرأة قد رضعت من أم الرجل وشككنا هل رضعت خمسًا أم أربعًا فالأصل الحل، وأنها لا تحرم عليه حتى يثبت سبب التحريم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رحمة الله أوسع من غضبه وأسبق من غضبه أيضًا، أما كونها أسبق ففي الحديث الصحيح «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٢٢) ومسلم (٣١٩٤) من حديث أبي هريرة.]]، وأما كونها أوسع فلأن ما أحل الله لعباده أكثر مما حرم عليهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب بذل المال في النكاح، وأنه لا نكاح إلا بمال؛ لقوله: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾.
وعلى هذا فلا بد في النكاح من مال، وفي هذا ثلاث حالات:
* الحال الأولى: أن يشترط معينًا، فيقال: المهر ألف ريال، وهذا جائز أو غير جائز؟ جائز، لا إشكال فيه.
* الحال الثانية: أن يشترط عدمه، فيقول: زوجتك بنتي، فيقبل الزوج ويقول: بشرط أن لا مهر، فيزوجه بشرط أن لا مهر، ففي هذا للعلماء قولان:
* القول الأول: أن النكاح صحيح ولها مهر المثل، وهذا هو المذهب.
* والقول الثاني: أن النكاح غير صحيح، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: لأن الله اشترط للحل أن يكون ذلك بالمال، وإذا شرط عدمه انتفى المشروط، وهو الحل، وقوله قوي، قول شيخ الإسلام رحمه لله قوي، ولعل نكاح الشغار مأخذه من هنا، أنه ليس فيه مال، وإذا ذكر فيه المال فإنه مذكور غير مقصود.
* الحال الثالثة: أن يسكت عنه، لا يشترط ويعين، ولا يشترط عدمه، فيقول: زوجتك بنتي، فيقول: قبلت. في هذه الحال النكاح صحيح، ولها مهر المثل، كما جاء في القرآن والسنة: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ [البقرة ٢٣٦]، هذا إذا طلقت قبل الدخول، فإن طلقت بعد الدخول فلها مهر المثل، كما صح ذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه[[أخرجه أبو داود (٢١١٤) والترمذي (١١٤٥) من حديث ابن مسعود.]].
* من فوائد هذه الآية: أن الطالب للنكاح هو الزوج ﴿أَنْ تَبْتَغُوا﴾، فهل يمكن أن تطلب الزوجة؟ ما يمكن، المرأة تطلب الزوج؟ نقول: يمكن امرأة تخطب نفسها إلى شخص.
* طالب: يندر.
* الشيخ: يندر؟ إي هو على كل حال بالنسبة للثاني نادر لكنه واقع، فهذه المرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم[[أخرجه البخاري (٥٠٢٩) من حديث سهل بن سعد.]]، وهذا عمر عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان[[أخرجه البخاري (٥١٢٢) من حديث عبد الله بن عمر .]]، ولا بأس، لكن الغالب أن الطالب هو الزوج.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المهر إذا كان مغصوبًا فإنه لا يُعتد به، من أين يؤخَذ؟
* طلبة: ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿بِأَمْوَالِكُمْ﴾، هو مال، لكنه ليس له، والله أضاف المال إليه.
* ومن فوائد الآية: ما نشير إليه فيما أشار إليه الأخ: لو كان المهر خمرًا فإنه لا يصح، لماذا؟ لأنه ليس بمال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز جعل المنفعة المال مهرًا، من أين تؤخذ؟
* طالب: من (مال).
* الشيخ: ربما نأخذها من (مال)، إذا جعلنا المال العين والمنفعة أو من أجور إذا قلنا: المال هو العين، فنقول: إن الله سماه أجورًا، والأجرة تكون على المنافع والأعيان، على كل حال المهر يصح أن يكون منفعة، فإن عادت المنفعة إلى الزوجة فالأمر ظاهر، وإن عادت إلى غيرها بإذنها فلا بأس، كما في قصة موسى مع صاحب مدين؛ لأن المهر أن يرعى غنمه ثماني سنوات، فالمنفعة لمن؟ لوالدها، لكن برضاها، إذا رضيت فالحق لها وإلا فالمهر للمرأة.
وهل يصح أن يجعل الزوج مهرها خدمته لها، مثل يعني يقدم (...) يغسل ثوبها، يفرش فراشها، يقدم لها السجادة تصلي عليها (...) يصح أو لا يصح؟ تصح كما قال الأخ، يقول: هذه منفعة، لكن بعض العلماء قال: لا يصح؛ لأن هذا استرقاق للزوج، والعكس هو الصواب؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إِنَّ النِّسَاءَ عَوَانٍ»[[أخرجه الترمذي (١١٦٣) وابن ماجه (١٨٥١) من حديث عمرو بن الأحوص.]] يعني مثل أسرى عندنا، فكيف هي تخدم زوجها؟ تقول: يللا روح يا ولد جيب (...)، مشكلة.
على كل حال، إذا كانت المنفعة خدمة الزوج للزوجة ففيه خلاف بين العلماء؛ نظرًا إلى أن استخدامها إياه نوع من الإذلال وعكس ما يريد الشرع من كون الرجال قوامين على النساء.
* طالب: والصحيح؟
* الشيخ: والله الصحيح إذا دعت الحاجة لا بأس، يعني لو ما وجد امرأة يتزوجها إلا بهذه الحال، أما لو جعلت المهر رعي غنمها وإصلاح بستانها مما لا يكون خدمة مباشرة فهذا لا شك في جوازه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم المتعة؛ لقوله: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾.
وصاحب المتعة لا يريد الإحصان، يريد السفاح؛ لأن من أراد الإحصان فإن الإحصان لا يحصل إلا بالملازمة، أما أن يبقى عندها يومين أو ثلاثة أو أسبوعًا فهذا لا يزيد في الإحصان، بل لا يزيد الأمر إلا شدة؛ لأن كون الإنسان قد كف نفسه وأيس نفسه ربما يتحصن بعض الشيء، لكن إذا استمتع مدة يومين ثلاثة يزداد شبقًا فلا يحصل الإحصان، والله سبحانه وتعالى اشترط أن يكون محصنًا، وزواج المتعة إنما هو للسفاح فقط، لسفح هذا الماء الذي ضيق عليه، ولذلك لا يثبت به شيء من أحكام النكاح، ليس فيه طلاق ولا نسب ولا عدة ولا إحصان، كل أحكام النكاح لا تترتب عليه، حتى عند القائلين بجوازه، لا يترتب عليه شيء من أحكام النكاح، فدل هذا على أنه سفاح كما دلت عليه السنة، فإنه في حديث سبرة بن معبد الجهني «أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أو في غزوة الفتح، أعلن عليه الصلاة والسلام أن المتعة حرام إلى يوم القيامة»[[أخرجه البزار (٦٥٨) من حديث علي بن أبي طالب.]]، وهذا التحريم خبر مؤبد، حرام إلى يوم القيامة، وإنما قلنا: إنه خبر مؤبد لئلا يدعي مدع أنه نسخ؛ لأن جعل غايته يوم القيامة معناه أن نسخه غير ممكن، لو أمكن نسخه لأمكن تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا مستحيل.
وأجاز بعض العلماء المتعة للضرورة، فقال: إذا خاف الإنسان على نفسه الزنا لكونه شديد الشهوة، ولكون الزنا متيسرًا -كما يوجد في بلاد الكفر- وخاف على نفسه الزنا، فلا حرج أن يتمتع، ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: إنه كالميتة، إذا اضطر الإنسان إليه فعله وإلا فلا[[أخرجه عبد الرزاق (١٤٠٢١) من حديث ابن عباس.]]، وحجته أن فيه ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، ما هو الأعلى؟ الزنا الذي يشعر الإنسان بأنه تيس وجد عنزًا في الطريق فأقرعها ومشى، هذا زنا، لكن المتعة فيها نوع من الارتباط بين الرجل والمرأة، ما هو؟ ارتباط إلى المدة التي اتفقا عليها، ففيها شيء من العلاقة التي لا يشك فيها أحد، لكن الزنا على خلاف ذلك.
ولكن القول الراجح أنها لا تحل مطلقًا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور ٣٣] هذا هو الصحيح، وقد أنكر عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه وعن أبيه - أنكر على ابن عباس إنكارًا عظيمًا في هذه المسألة، وهو محل إنكار هذا القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمم قال: «حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه الطبراني في الأوسط (٩٣٨) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري. ]]، وأطلق، ولأن حقيقة المتعة استئجار المرأة ليزني بها في مدة معينة، هذه حقيقتها، إذا تمت المدة خرجت مع الباب الذي دخلت منه ولا تعتد ولا شيء أبدًا، هل الزنا إلا هذا؟
أما الضرورة فقد جعل الشارع لها حلًّا، قال عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٠٥) ومسلم (١٤٠٠ / ١) عن عبد الله بن مسعود. ]]، وأما ارتكاب أدنى المفسدتين فيقال: هذه مفسدة، مثل الأولى، مثل الزنا، لا فرق بينهما، والعلاقة الحاصلة كما لو اتفق مع امرأة يزني بها ليالي معينة يحصل فيها بينهما علاقة في هذه الليالي، فالصواب التحريم مطلقًا.
* طالب: يذكر عن ابن عباس أنه رجع عن قوله بالجواز، فهل هذا صحيح؟
* الشيخ: لا، ما رجع، رجع عما نسب إليه من حلها مطلقًا.
* طالب: بالنسبة للنكاح بنية الطلاق؟
* الشيخ: النكاح بنية الطلاق ليس متعة لأنه ليس فيه شرط، لكن فيه محظور الغش، الغش لمن؟ للزوجة وأهلها؛ لأن الزوجة وأهلها لو علموا أن هذا الرجل يريد أن يطلقها إذا سافر مثلًا، أو إذا طهرت امرأته من النفاس لا يزوجونه.
* طالب: المخرج؟
* الشيخ: المخرج ألا يفعل.
* طالب: طيب يا شيخ إذا ما يستطيع أن (...).
* الشيخ: ما يصوم بالليل؟
* الطالب: يصلي.
* الشيخ: يصلي، ثم هناك شيء أخف من هذا، هناك شيء أخف، أولًا فيه عقاقير الآن تخفف الشهوة -ليست تقضي عليها، أما اللي يقضي عليها ما يجوز- الشيء الثاني يقدر يستمني مثلًا؛ لأن الاستمناء أهون من المتعة والزواج بنية الطلاق.
* طالب: النعناع يقال: إنه يخفف.
* طالب آخر: الاستمناء باليد!
* الشيخ: إي للضرورة، الاستمناء أهون من الزنا، هذا الذي أخبرنا به يحتاج إلى تحقيق.
* طالب: لو أخذ عقاقير هذه تؤثر في المستقبل.
* طالب آخر: لكن النعناع.
* طالب آخر: بعض الخضراوات يا شيخ.
* طالب آخر: عمومًا النعناع يهدئ الأعصاب عمومًا، فإذا هدأت الأعصاب هدأت الشهوة.
* الشيخ: دائمًا الناس يقدموننا النعناع في المجالس، أيش نسوي؟ لا نشربه؟
* طالب: نجيب بحث.
* الشيخ: جيب بحث، أنت طبيب.
* طالب: إذا رجع زوج المسبية مسلمًا فهل ترد إليه؟
* الشيخ: ما ترد؛ لأننا ملكناها، لا يمكن، ترد.
طالب: لكن فى بعض الغزوات (...) رد الصحابة رضي الله عنهم ما سبوه من النساء والذرية؟
الشيخ: لعلهم استرقوها، لكن هي بمجرد السبي تكون رقيقة.
* طالب: (...) أخبر المرأة بأنه سيطلقها..
* الشيخ: هذا ليس بمتعة ما دام ما اشترطوا شرطًا.
(...)
* طالب: هل في العقد إذا اتفق معها إنه سيطلقها...
* الشيخ: إي نعم أجبت أنها ليس متعة.
* الطالب: يعني يجوز له ذلك؟
* الشيخ: يعني سيطلقها كل الناس الخيار يطلقون زوجاتهم.
* طالب: لو حدد مدة؟
* الشيخ: أما لو حدد قال : زوجتكها إياها فإذا دخل الشهر الآتي طلقها والتزم هذه متعة.
* طالب: (...).
* الشيخ: الغاش بيضمر ولا يعلل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: في هذه الحال تحتاط لنفسها إذا شاءت قالت: متى إن حدد قلنا: هذه متعة (...)
* طالب: قلت لنا: إن الاستمناء أهون من المتعة، ذكرت يا شيخ بعض الكتب الاستمناء محرم..
* الشيخ: نذكره الآن، إحنا نقول: هذا حرام.
* الطالب: لكن هذا يا شيخ قولنا للضرورة يفتح بابًا عظيمًا، كل من اضطر يعني (...) قال: أنا مضطر.
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح هذا، يعني إذا دار الأمر بين أن يذهب إلى محل البغاء ويزني، أو يستمني، أين أهون؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يمكن عندنا في بلادنا -والحمد لله- بلاد محافظة، ما هو بواجد الزنا بسهولة، لكن في البلاد الأخرى ما يبي شيء.
طالب: شيخ، نعرف أن أحوال كثير من الشباب (...) لأدنى شهوة؟
* الشيخ: لا، إحنا نقول: للضرورة، ما نقدر نحبس الناس مرة مرة.
* طالب: يأثم؟
* الشيخ: يعني اسكت لقولك: إنها حلال؛ لأن بعض العلماء حللها.
* طالب: يأثم عند الضرورة؟
الشيخ: لا، ما يأثم؛ لأن هذه دفع لأعلى المفسدتين، حلال له.
(...)
وقفنا على قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم المتعة، وقد سبق أن علماء السنة كلهم يقولون بتحريمها، لكن خالف في ذلك الرافضة، وإنك لتعجب أن يخالفوا في ذلك، وإمامهم يقول بتحريمها ويعلن ذلك، لكن هذا ليس بغريب على من يتبع هواه، فها هو علي هو الذي روى، أو هو من جملة من روى المسح على الخفين، ومع ذلك الرافضة لا يقولون بالمسح على الخفين، وعلي -رضي الله عنه- هو من جملة من روى تحريم المتعة، وهم لا يقولون بالتحريم، وعلي -رضي الله عنه- يقول على منبر الكوفة يعلن بأن خير هذه الأمة أبو بكر وعمر[[أخرجه أحمد في المسند (٨٣٣) من حديث علي بن أبي طالب.]]، وهم يقولون: لا، ليسوا خير هذه الأمة، بل بعضهم يقول: إنهما ماتا على النفاق، وبعضهم يقول: إنهم كفار، وما أشبه ذلك مما يدل على أن مبنى عقيدتهم ليس على هدى، ولكنه على هوى، وإلا لو كانوا يتشيعون لآل البيت حقيقة ما صاروا إلى مخالفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي هو أفضل آل البيت.
إذن المتعة حرام، ولكن هل من المتعة أن يتزوج الإنسان بنية الطلاق إلى مدة معينة؟
سبق لنا أنها ليست من المتعة، لكن فيها غشًّا وخداعًا، ورأيت بعد أن تكلمت معكم هذا الكلام للشيخ محمد رشيد رضا كلامًا يؤيد هذا ويقول: إن فيه مثلبة على المسلمين، فيعرف الناس عنهم أنهم متلاعبون في أنكحتهم، ثم إن فيه سدًّا لباب التزويج؛ لأن كل إنسان يعرف أن هؤلاء يتزوجون ثم يطلقون عند السفر، فإنه لا يثق بهم ولا يأمن أن يفعلوا مثل ما فعل، وحينئذ يكون فيه سد لباب التزويج.
ولهذا ينبغي لنا إذا لاحت لنا مصلحة ألا نتعجل في الأخذ بها حتى نرى ماذا يترتب عليها، قد يترتب عليها من المفاسد ما هو أعظم من المصلحة، والذين قالوا بالجواز يقولون: لأن كل إنسان إذا لم تتلاءم معه زوجته فإنه يطلقها، ولكن نقول: هناك فرق بين شخص لم يدخل إلا على أنه سيطلقها في يوم معين وشخص آخر دخل على أنها زوجته، ولكن وُجِد عارض يمنع الاستمرار في الزوجية، فهذا فرق عظيم.
ثم إننا نقول: ألستم تقولون: إن الرجل إذا تزوج المرأة بنية التحليل للزوج الأول، بنية التحليل لا بشرط التحليل، فإن النكاح فاسد، فهذا مثله، هذاك نوى أن يطلق بعد زمن معين وهذا نوى أن يطلق بعد زمن معين، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
فإذا قالوا: هذا يمكن أن يرغب ويبقى، قلنا: والمحلل يمكن أن يرغب ويبقى.
فعلى كل حال أنا لا أرى أنه يجوز للإنسان أن يتزوج بنية الطلاق إذا سافر، لكن يبقى هل يصح النكاح أو لا؟ المذهب عند الحنابلة أن النكاح غير صحيح؛ لأن نية المتعة كشرطها، كما أن نية التحليل كشرطه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المهر يثبت باستمتاع الزوج بزوجته؛ لقوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾، وعلى هذا فيثبت المهر بالجماع وبالاستمتاع بالمرأة استمتاعًا لا يكون إلا من الزوج مع زوجته؛ كالتقبيل والضم ونحو ذلك، ويثبت أيضًا بالخلوة؛ كما جاء ذلك عن الخلفاء الراشدين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تسمية المهر أجرًا، ووجهه أنه عوض في مقابل منفعة، لا في مقابل عين، لو كان في مقابل عين لسمي بيعًا لكنه في مقابل منفعة، وهو استمتاع الزوج بالزوجة، فصار مثل الإجارة.
* ومن فوائد الآية: أن المهر لازم كلزوم الأجرة على المستأجر، ولكن إذا سمح من له الحق فهل يسقط؟
الجواب: نعم؛ لقوله تعالى: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة ٢٣٧].
وهنا مسألة مهمة، وهي لما سمى الله المهر أجرًا هل الزوج يعامل زوجته وهو يشعر أنها كالأجير أو أن معاشرة الزوج لزوجته ومعاملته لها أسمى من ذلك وأعلى؟
الثاني؛ لأنه إذا شعر بأنها كأجير استأجرها ليستمتع بها لم يحصل مقصود النكاح، وهو المودة والرحمة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم ٢١]، ولأنه لو شعر هذا الشعور لكان يغضب حينما تمتنع منه لسبب أو لغير سبب، حتى ربما طلق، لكن إذا شعر بأن الأمر أعلى وأسمى من ذلك قال: نعم، المهر أجر؛ لأنه في مقابلة منفعة، ولكن الذي سيق إليه المهر ليس كالأجير، فالعوض وإن سُمي أجرًا لكن المعوض له ليس كالأجير.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب إتيان النساء مهرهن؛ لقوله: ﴿فَرِيضَةً﴾ أي مفروض عليكم أن تؤتوهن أجورهن.
* ومن فوائدها أي الآية الكريمة: أنه إذا تراضى الزوج والزوجة على زيادة أو نقص أو إسقاط فلا حرج؛ لقوله: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾.
* ومن فوائدها: أن نأخذ قاعدة مهمة، وهي: أن ما أوجبه الله عز وجل لحق الإنسان وأسقط حقه، فلا إثم على من لم يقم به، إذا أوجب الله علينا حقًّا لإنسان وأسقط حقه فلا إثم علينا إذا لم نقم به، وهذه القاعدة سيكون لها فروع كثيرة، منها: إجابة دعوة الوليمة، إجابة دعوة الوليمة واجبة بحق من؟ بحق الزوج، فإذا أسقطها فلا إثم عليه إذا دعاني، لو دعاني وقلت: يا أخي، أنا عندي شغل، أنا لا أستطيع، وما أشبه ذلك، فقال: إذن أنت مسموح، فإنه لا إثم عليك؛ لأن الحق له، والشيء الذي أوجبه الله من باب الحقوق على الناس بعضهم ببعض إذا أسقطه من له الحق سقط.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وهو يعني فائدة قد تكون بعيدة: أن من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجب قتله ولو تاب، ومن سب الله فإنه إذا تاب لا يقتل، أعرفتم؟ أيهما أعظم؟ سب الله أو سب الرسول؟ سب الله أعظم، لكن الله أخبرنا عن نفسه أن من تاب إليه تاب عليه، ولكن حق الرسول عليه الصلاة والسلام لا نعلم أنه أسقطه، حق آدمي، فيقتل لحق الرسول لكن تُقبَل توبته، يُقتل مع قبول توبته، كيف؟
نقول: نقبل توبته، وإذا قتلناه غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين؛ لأنه تاب، لكن القتل لا بد منه.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: العليم والحكيم، وقد سبق تفسيرهما بشرح وافٍ.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء ٢٥].
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق