الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾، اَلْقِراءَةُ بِالفَتْحِ، قَدْ أُجْمِعَ عَلى الفَتْحِ في هَذِهِ، لِأنَّ مَعْناها: ”اَللّاتِي أُحْصِنَّ بِالأزْواجِ“، ولَوْ قُرِئَتْ: ”والمُحْصِناتِ“، لَجازَ، لِأنَّهُنَّ يُحْصِنَّ فُرُوجَهُنَّ بِأنْ يَتَزَوَّجْنَ، وقَدْ قُرِئَتِ الَّتِي سِوى هَذِهِ: ”اَلْمُحْصَناتُ“، و”اَلْمُحْصِناتِ“ .
﴿إلا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾، أيْ: إنْ مَلَكَ الرَّجُلُ مُحْصَنَةً في بِلادِ الشِّرْكِ فَلَهُ أنْ يَطَأها، إلّا أنَّ جَمِيعَ الوَطْءِ لا يَكُونُ في مِلْكِ اليَمِينِ إلّا عَنِ اسْتِبْراءٍ، وقَدْ قالَ بَعْضُهم: إنَّ الرَّجُلَ إذا مَلَكَ جارِيَةً وكانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَبَيْعُها ومَلْكُها قَدْ أحَلَّ فَرْجَها، وإنْ لَمْ تَكُنْ (p-٣٦)أُحْصِنَتْ في بِلادِ الشِّرْكِ، والتَّفْسِيرُ عَلى ما وصَفْنا في ذَواتِ الأزْواجِ في الشِّرْكِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، مَنصُوبٌ عَلى التَّوْكِيدِ، مَحْمُولٌ عَلى المَعْنى، لِأنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] ”كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكم هَذا كِتابًا“، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أيَّ إذْلالِ
لِأنَّ مَعْنى ”رُضْتُ“: أذْلَلْتُ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى جِهَةِ الأمْرِ، ويَكُونَ ”عَلَيْكم“، مُفَسِّرًا لَهُ، فَيَكُونَ المَعْنى: اِلْزَمُوا كِتابَ اللَّهِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِـ ”عَلَيْكم“، لِأنَّ قَوْلَكَ: ”عَلَيْكَ زَيْدًا“، لَيْسَ لَهُ ناصِبٌ مُتَصَرِّفٌ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ مَنصُوبِهِ، وقَوْلُ الشّاعِرِ:
؎يا أيُّها الماتِحُ دَلْوِي دُونَكا ∗∗∗ إنِّي رَأيْتُ النّاسَ يَحْمَدُونَكا
يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”دَلْوِي“، في مَوْضِعِ نَصْبٍ، بِإضْمارِ ”خُذْ دَلْوِي“، ولا يَجُوزُ عَلى أنْ يَكُونَ ”دُونَكَ دَلْوِي“، لِما شَرَحْناهُ.
(p-٣٧)وَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”دَلْوِي“، في مَوْضِعِ رَفْعٍ، والمَعْنى: ”هَذا دَلْوِي دُونَكا“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكم“، رَفْعًا عَلى مَعْنى ”هَذا فَرْضُ اللَّهِ عَلَيْكم“، كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إلا ساعَةً مِن نَهارٍ بَلاغٌ﴾ [الأحقاف: ٣٥]
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾، و”أحَلَّ“، أيْضًا يُقْرَآنِ جَمِيعًا، ومَعْنى ”ما وراءَ ذَلِكم“: ما بَعْدَ ذَلِكُمْ، أيْ: ”ما بَعْدَ هَذِهِ الأشْياءِ الَّتِي حُرِّمَتْ، حَلالٌ، عَلى ما شَرَعَ اللَّهُ“، إلّا أنَّ السُّنَّةَ قَدْ حَرَّمَتْ تَزَوُّجَ المَرْأةِ عَلى عَمَّتِها، وكَذَلِكَ تَزَوُّجَها عَلى خالَتِها، ولَمْ يَقُلِ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ”لا أُحَرِّمُ عَلَيْكم غَيْرَ هَذا“، وقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وأتَوَهَّمُ أنَّ الخالَةَ كالوالِدَةِ، وأنَّ العَمَّةَ كالوالِدِ، لِأنَّ الوالِدَ في وُجُوبِ الحَقِّ كالوالِدَةِ، وتَزَوُّجُها عَلى عَمَّتِها وخالَتِها مِن أعْظَمِ العُقُوقِ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكُمْ﴾، نَصْبٌ، وإنْ شِئْتَ رَفْعٌ، المَعْنى: ”أُحِلَّ لَكم أنْ تَبْتَغُوا مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ“، أيْ: عاقِدِينَ التَّزْوِيجَ ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ أيْ: غَيْرَ زُناةٍ، و”اَلْمُسافِحُ“، و”اَلْمُسافِحَةُ“: الزّانِيانِ غَيْرُ المُمْتَنِعَيْنِ مِنَ الزِّنا، فَإذا كانَتْ تَزْنِي بِواحِدٍ، فَهي ذاتُ خِدْنٍ، فَحَرَّمَ اللَّهُ الزِّنا عَلى الجِهاتِ كُلِّها، عَلى السِّفاحِ، وعَلى اتِّخاذِ الصَّدِيقِ، والإحْصانُ: إحْصانُ الفَرْجِ، وهو إعْفافُهُ، يُقالُ: ”اِمْرَأةٌ حَصانٌ، بَيِّنَةُ الحُصْنِ“، (p-٣٨)و”فَرَسٌ حَصانٌ“، بَيِّنَةٌ التَّحَصُّنِ، والتَّحْصِينِ، و”بِناءٌ حَصِينٌ“، بَيِّنُ الحَصانَةِ، ولَوْ قِيلَ في كُلِّهِ: ”اَلْحِصانَةُ“، لَكانَ بِإجْماعٍ، والسِّفاحُ في الزِّنا اشْتُقَّ مِن قَوْلِهِمْ: ”سَفَحْتُ الشَّيْءَ“، إذا صَبَبْتُهُ، وأمْرُ الزِّنا سِفاحٌ لِأنَّهُ جارٍ عَلى غَيْرِ عَقْدٍ، كَأنَّهُ بِمَنزِلَةِ السُّفُوحِ الَّذِي لا يَحْبِسُهُ شَيْءٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾، هَذِهِ آيَةٌ قَدْ غَلِطَ فِيها قَوْمٌ غَلَطًا عَظِيمًا جِدًّا، لِجَهْلِهِمْ بِاللُّغَةِ، وذَلِكَ أنَّهم ذَهَبُوا إلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ﴾، مِن ”اَلْمُتْعَةُ“، اَلَّتِي قَدْ أجْمَعَ أهْلُ الفِقْهِ أنَّها حَرامٌ، وإنَّما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ﴾، أيْ: فَما نَكَحْتُمُوهُ، عَلى الشَّرِيطَةِ الَّتِي جَرَتْ في الآيَةِ، آيَةِ الإحْصانِ: ﴿أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكم مُحْصِنِينَ﴾، أيْ: عاقِدِينَ التَّزْوِيجَ الَّذِي جَرى ذِكْرُهُ، فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، أيْ: مُهُورَهُنَّ، فَإنِ اسْتَمْتَعَ بِالدُّخُولِ بِها أعْطى المَهْرَ تامًّا، وإنِ اسْتَمْتَعَ بِعَقْدِ النِّكاحِ آتى نِصْفَ المَهْرِ، و”اَلْمَتاعُ“، في اللُّغَةِ: كُلُّ ما انْتُفِعَ بِهِ، فَهو مَتاعٌ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ - في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ -: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلى المُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، لَيْسَ بِمَعْنى زَوِّجُوهُنَّ المُتَعَ، إنَّما المَعْنى: أعْطُوهُنَّ ما يَسْتَمْتِعْنَ بِهِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٤١]، ومَن زَعَمَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ﴾، اَلْمُتْعَةُ الَّتِي هي الشَّرْطُ في التَّمَتُّعِ، الَّذِي تَعْمَلُهُ الرّافِضَةُ، فَقَدْ أخْطَأ خَطَأً عَظِيمًا، لِأنَّ الآيَةَ واضِحَةٌ بَيِّنَةٌ.
(p-٣٩)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ﴾، أيْ: لا إثْمَ عَلَيْكم في أنْ تَهَبَ المَرْأةُ لِلرَّجُلِ مَهْرَها، أوْ يَهَبَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِها نِصْفَ المَهْرِ الَّذِي لا يَجِبُ إلّا لِمَن دَخَلَ بِها، ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، أيْ: عَلِيمًا بِما يُصْلِحُ أمْرَ العِبادِ، حَكِيمًا فِيما فَرَضَ لَهم مِن عَقْدِ النِّكاحِ، الَّذِي حُفِظَتْ بِهِ الأمْوالُ والأنْسابُ.
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق