الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾
وهذا من أشكل مواضع الاستثناء لأن مملوكته إذا كانت محصنة إحصان التزويج فهي حرام عليه والإحصان هاهنا إحصان التزويج بلا ريب إذ لا يصح أن يراد به إحصان العفة ولا إحصان الحرية ولا إحصان الإسلام فهو إحصان التزويج قطعا فكيف يستثنى من المحرمات به لمملوكه فقال كثير من الناس الاستثناء هاهنا منقطع والمعنى لكن ما ملكت أيمانكم فهن لكم حلال، ورد هذا بأنه استثناء من موجب والانقطاع إنما يقع حيث يقع التفريغ ورد هذا الرد بأن الانقطاع يقع في الموجب وغيره قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾.
وقالت طائفة: الاستثناء على بابه متصل و ﴿ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مستثنى من المزوجات ثم اختلفوا:
فقالت طائفة من الصحابة منهم ابن عباس وغيره وبعض التابعين: أنه إذا زوج أمته ثم باعها كان بيعها طلاقا وتحل للسيد لأنها ملك يمينه واحتج لهم بالآية.
ورد هذا المذهب بأمور:
أحدها: أنه لو كان صحيحا لكان وطؤها حلالا لسيدها إذا زوجها لأنها ملك يمينه فكما اجتمع ملك سيدها لها وحلها للزوج فكذلك يجتمع ملك مشتريها لها وحلها للزوج وتناول اللفظ لهما واحد ما دامت مزوجة وينتقل إلى المشتري ما كان يملكه فملكها المشترى مسلوبة منفعة البضع.
الثاني: أن المشتري خليفة البائع فانتقل إليه بعقد الشراء ما كان يملكه بائعها وهو كان يملك رقبتها مسلوبة منفعة البضع فإذا فارقها زوجها رجع إليه البضع كما كان يرجع إلى بائعها كذلك فهذا محض الفقه والقياس.
الثالث: أنه قد ثبت في الصحيحين "أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وكانت مزوجة فعتقتها وخيرها النبي ﷺ ﷺ" رواه البخاري ولو بطل النكاح بالشراء لم يخبرها وهذا مما أخذا الأئمة الأربعة وغيرهم فيه برواية ابن عباس وتركوا رأيه فإنه راوي الحديث وهو ممن يقول بيع الأمة طلاقها.
وقالت طائفة أخرى: الآية مختصة بالسبايا قال أبو سعيد الخدري: "نزلت في سبايا أوطاس" قالوا: فأباح الله تعالى للمسلمين وطء ما ملكوه من السبي وإن كن محصنات.
ثم اختلف هؤلاء متى يباح وطء المسبية؟
فقال الشافعي وأبو الخطاب وغيرهما: يباح وطؤها إذا تم استبراؤها سواء كان زوجها موجودا أو مفقودا واحتجوا بثلاث حجج:
إحداها: أن الله سبحانه أباح وطء المسبيات بملك اليمين مستثنيا لهن من المحصنات الثانية ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري "أن رسول الله حين بعث جيشا إلى أوطاس فلقي عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي ﷺ من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ " أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن وفي الترمذي عن أبي سعيد: "أصبنا سبايا يوم أو طاس لهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فنزلت: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ وهذا صريح في إباحتهن في وإن كن ذوات أزواج وفي الترمذي ومسند أحمد من حديث العرباض بن سارية " أن النبي ﷺ حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن" فهذا التحريم إلى غاية وهي وضع الحمل فلا بد أن يحصل الحل بعد الغاية ولو كان وجود أزواجهن مانعا من الوطء لكان له غايتان: إحداهما: عدم الزوج، والثاني: وضع الحمل وهو خلاف ظاهر الحديث. قالوا: ولأن ملك الكافر الحربي البضع لم يبق له حرمة ولا عصمة إذ قد ملك المسلمون عليه ما كان يملكه فملكوا رقبة زوجته فكيف يقال ببقاء العصمة في ملك البضع لا سيما والمسلمون يستحقون ملك رقبته وأولاده وسائر أملاكه فما بال ملك البضع وحده باقيا على العصمة فهذا لا نص ولا قياس ولا معنى قالوا فقد أذن النبي ﷺ وطء السبايا بعد انقضاء عدتهن مطلقا ولو كان بقاء الزوج مانعا لم يأذن في وطئهن إلا بعد العلم بموته وهذا المذهب كما تراه قوة وصحة.
وقال أصحابنا القاضي وغيره: "إنما يباح وطؤها إذا سبيت وحدها فلو سبيت مع زوجها فهما على نكاحهما ولا يباح وطؤها قالوا لأنها إذا سبيت وحدها فبقاء الزوج مجهول والمجهول كالمعدوم فنزلت منزلة من لا زوج لها فحل وطؤها ولا كذلك إذا كان زوجها معها" ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا وهو إذا سبيت وحدها وعلم بقاء زوجها في دار الحرب؟ وهذا سؤال لا محيد لهم عنه ولا ينجيهم منه إلا قولهم بالحل وإن علم بقاء الزوج استنادا إلى زوال عصمة النكاح بالسبي فإنهم إذا أجابوا بالتزام التحريم خالفوا النصوص خلافا بينا وإن أجابوا بالحل مع تحقيق بقاء الزوج نقضوا أصلهم حيث أسندوا الحل إلى كون المسبية خالية من الزوج تنزيلا للمجهول منزلة المعدوم فقول أبي الخطاب أفقه وأصح وعليه تنزل الآية والأحاديث ويظهر به أن الاستثناء متصل وأن الله تعالى أباح من المحصنات من سباها المسلمون.
فإن قيل فعلى ما قررتموه يزول الإحصان بالسبي فلا تدخل في المحصنات فيجيء الانقطاع في الاستثناء؟
قيل: لما كانت محصنة قبل السبي صح شمول الاسم لها فأخرجت الاستثناء.
فإن قيل فما تقولون في الأمة المزوجة إذا بيعت محصنة قد ملكت نفسها فهل هي مخصوصة من هذا العموم أو غير داخلة فيه؟
قيل: هاهنا مسلكان للناس:
أحدهما: أنها خصت من العموم بالأدلة على أن البيع لا يفسخ النكاح وأن الفرج لا يكون حلالا لشخصين في قت واحد.
المسلك الثاني: أنها لم تدخل في المستثنى منه لأن السيد إذا زوجها فقد أخرج منفعة البضع عن ملكه فإذا باعها فقد انتقل إلى المشتري ما كان للبائع فملكها المشتري مسلوبه منفعة البضع فلم تدخل هذه المنفعة في ملكه بعقد البيع فلم تتناولها الآية وهذا المسلك ألطف وأدق من الأول والله أعلم.
* [فصل مَتى حُرِّمَتْ مُتْعَةُ النِّساءِ]
وَمِمّا وقَعَ في هَذِهِ الغَزْوَةِ، إباحَةُ مُتْعَةِ النِّساءِ، ثُمَّ حَرَّمَها قَبْلَ خُرُوجِهِ مِن مَكَّةَ، واخْتُلِفَ في الوَقْتِ الَّذِي حُرِّمَتْ فِيهِ المُتْعَةُ، عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهُ يَوْمَ خَيْبَرَ، وهَذا قَوْلُ طائِفَةٍ مِنَ العُلَماءِ. مِنهُمُ الشّافِعِيُّ وغَيْرُهُ.
والثّانِي: أنَّهُ عامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وطائِفَةٍ.
والثّالِثُ: أنَّهُ عامَ حُنَيْنٍ، وهَذا في الحَقِيقَةِ هو القَوْلُ الثّانِي، لِاتِّصالِ غَزاةِ حُنَيْنٍ بِالفَتْحِ.
والرّابِعُ: أنَّهُ عامَ حَجَّةِ الوَداعِ، وهو وهْمٌ مِن بَعْضِ الرُّواةِ، سافَرَ فِيهِ وهْمُهُ مِن فَتْحِ مَكَّةَ إلى حَجَّةِ الوَداعِ، كَما سافَرَ وهْمُ معاوية مِن عُمْرَةِ الجِعِرّانَةِ إلى حَجَّةِ الوَداعِ، حَيْثُ قالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِشْقَصٍ عَلى المَرْوَةِ في حَجَّتِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في الحَجِّ، وسَفَرُ الوَهْمِ مِن زَمانٍ إلى زَمانٍ، ومِن مَكانٍ إلى مَكانٍ، ومِن واقِعَةٍ إلى واقِعَةٍ كَثِيرًا ما يَعْرِضُ لِلْحُفّاظِ فَمَن دُونَهم.
والصَّحِيحُ: أنَّ المُتْعَةَ إنَّما حُرِّمَتْ عامَ الفَتْحِ؛ لِأنَّهُ قَدْ ثَبَتَ في " صَحِيحِ مسلم " أنَّهُمُ اسْتَمْتَعُوا عامَ الفَتْحِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِإذْنِهِ، ولَوْ كانَ التَّحْرِيمُ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَزِمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وهَذا لا عَهْدَ بِمِثْلِهِ في الشَّرِيعَةِ البَتَّةَ، ولا يَقَعُ مِثْلُهُ فِيها، وأيْضًا: فَإنَّ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ فِيها مُسْلِماتٌ، وإنَّما كُنَّ يَهُودِيّاتٍ، وإباحَةُ نِساءِ أهْلِ الكِتابِ لَمْ تَكُنْ ثَبَتَتْ بَعْدُ، إنَّما أُبِحْنَ بَعْدَ ذَلِكَ في سُورَةِ المائِدَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكم وطَعامُكم حِلٌّ لَهم والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، وهَذا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، وبِقَوْلِهِ: ﴿اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾، وهَذا كانَ في آخِرِ الأمْرِ بَعْدَ حَجَّةِ الوَداعِ أوْ فِيها، فَلَمْ تَكُنْ إباحَةُ نِساءِ أهْلِ الكِتابِ ثابِتَةً زَمَنَ خَيْبَرَ، ولا كانَ لِلْمُسْلِمِينَ رَغْبَةٌ في الِاسْتِمْتاعِ بِنِساءِ عَدُوِّهِمْ قَبْلَ الفَتْحِ، وبَعْدَ الفَتْحِ اسْتُرِقَّ مَنِ اسْتُرِقَّ مِنهُنَّ وصِرْنَ إماءً لِلْمُسْلِمِينَ.
فَإنْ قِيلَ: فَما تَصْنَعُونَ بِما ثَبَتَ في " الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ: " أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «نَهى عَنْ مُتْعَةِ النِّساءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وعَنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ»، وهَذا صَحِيحٌ صَرِيحٌ؟
قِيلَ: هَذا الحَدِيثُ قَدْ صَحَّتْ رِوايَتُهُ بِلَفْظَيْنِ هَذا أحَدُهُما. والثّانِي: الِاقْتِصارُ عَلى نَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ نِكاحِ المُتْعَةِ، وعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، هَذِهِ رِوايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قالَ قاسِمُ بْنُ أصْبَغَ: قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَعْنِي أنَّهُ نَهى عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، لا عَنْ نِكاحِ المُتْعَةِ، ذَكَرَهُ أبو عمر، وفي " التَّمْهِيدِ ": ثُمَّ قالَ عَلى هَذا أكْثَرُ النّاسِ، انْتَهى، فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الرُّواةِ أنَّ يَوْمَ خَيْبَرَ ظَرْفٌ لِتَحْرِيمِهِنَّ فَرَواهُ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ والحُمُرَ الأهْلِيَّةَ»، واقْتَصَرَ بَعْضُهم عَلى رِوايَةِ بَعْضِ الحَدِيثِ فَقالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ، فَجاءَ بِالغَلَطِ البَيِّنِ.
فَإنْ قِيلَ: فَأيُّ فائِدَةٍ في الجَمْعِ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ إذا لَمْ يَكُونا قَدْ وقَعا في وقْتٍ واحِدٍ، وأيْنَ المُتْعَةُ مِن تَحْرِيمِ الحُمُرِ؟ قِيلَ: هَذا الحَدِيثُ رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحْتَجًّا بِهِ عَلى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ في المَسْألَتَيْنِ، فَإنَّهُ كانَ يُبِيحُ المُتْعَةَ ولُحُومَ الحُمُرِ، فَناظَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ في المَسْألَتَيْنِ، ورَوى لَهُ التَّحْرِيمَيْنِ، وقَيَّدَ تَحْرِيمَ الحُمُرِ بِزَمَنِ خَيْبَرَ، وأطْلَقَ تَحْرِيمَ المُتْعَةِ، وقالَ: إنَّكَ امْرُؤٌ تائِهٌ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّمَ المُتْعَةَ، وحَرَّمَ لُحُومَ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، كَما قالَهُ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وعَلَيْهِ أكْثَرُ النّاسِ، فَرَوى الأمْرَيْنِ مُحْتَجًّا عَلَيْهِ بِهِما، لا مُقَيِّدًا لَهُما بِيَوْمِ خَيْبَرَ، واللَّهُ المُوَفِّقُ.
وَلَكِنْ هاهُنا نَظَرٌ آخَرُ، وهو أنَّهُ هَلْ حَرَّمَها تَحْرِيمَ الفَواحِشِ الَّتِي لا تُباحُ بِحالٍ، أوْ حَرَّمَها عِنْدَ الِاسْتِغْناءِ عَنْها، وأباحَها لِلْمُضْطَرِّ؟ هَذا هو الَّذِي نَظَرَ فِيهِ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ: أنا أبَحْتُها لِلْمُضْطَرِّ كالمَيْتَةِ والدَّمِ، فَلَمّا تَوَسَّعَ فِيها مَن تَوَسَّعَ، ولَمْ يَقِفْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أمْسَكَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ الإفْتاءِ بِحِلِّها، ورَجَعَ عَنْهُ. وقَدْ كانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرى إباحَتَها، ويَقْرَأُ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٧٨]،
فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ قالَ: «كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَيْسَ لَنا نِساءٌ، فَقُلْنا: ألا نَخْتَصِي؟ فَنَهانا، ثُمَّ رَخَّصَ لَنا أنْ نَنْكِحَ المَرْأةَ بِالثَّوْبِ إلى أجَلٍ، ثُمَّ قَرَأ عبد الله: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكم ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾» [المائدة: ٧٨].
وَقِراءَةُ عبد الله هَذِهِ الآيَةَ عَقِيبَ هَذا الحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: الرَّدُّ عَلى مَن يُحَرِّمُها، وأنَّها لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَما أباحَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ أرادَ آخِرَ هَذِهِ الآيَةِ، وهو الرَّدُّ عَلى مَن أباحَها مُطْلَقًا، وأنَّهُ مُعْتَدٍ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إنَّما رَخَّصَ فِيها لِلضَّرُورَةِ، وعِنْدَ الحاجَةِ في الغَزْوِ، وعِنْدَ عَدَمِ النِّساءِ، وشِدَّةِ الحاجَةِ إلى المَرْأةِ. فَمَن رَخَّصَ فِيها في الحَضَرِ مَعَ كَثْرَةِ النِّساءِ، وإمْكانِ النِّكاحِ المُعْتادِ، فَقَدِ اعْتَدى، واللَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ.
فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِما رَوى مسلم في " صَحِيحِهِ " مِن حَدِيثِ جابر، وسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، قالا: «خَرَجَ عَلَيْنا مُنادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ (قَدْ أذِنَ لَكم أنْ تَسْتَمْتِعُوا) يَعْنِي: مُتْعَةَ النِّساءِ»، قِيلَ: هَذا كانَ زَمَنَ الفَتْحِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ حَرَّمَها بَعْدَ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ ما رَواهُ مسلم في " صَحِيحِهِ "، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قالَ: «رَخَّصَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عامَ أوْطاسٍ في المُتْعَةِ ثَلاثًا، ثُمَّ نَهى عَنْها». وعامُ أوْطاسٍ: هو عامُ الفَتْحِ؛ لِأنَّ غَزاةَ أوْطاسٍ مُتَّصِلَةٌ بِفَتْحِ مَكَّةَ.
فَإنْ قِيلَ: فَما تَصْنَعُونَ بِما رَواهُ مسلم في " صَحِيحِهِ "، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: «كُنّا نَسْتَمْتِعُ بِالقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ والدَّقِيقِ الأيّامَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأبي بكر، حَتّى نَهى عَنْها عمر في شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ» وفِيما ثَبَتَ عَنْ عمر أنَّهُ قالَ: «مُتْعَتانِ كانَتا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنا أنْهى عَنْهُما: مُتْعَةُ النِّساءِ، ومُتْعَةُ الحَجِّ»
قِيلَ: النّاسُ في هَذا طائِفَتانِ، طائِفَةٌ تَقُولُ: إنَّ عمر هو الَّذِي حَرَّمَها ونَهى عَنْها، وقَدْ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِاتِّباعِ ما سَنَّهُ الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ، ولَمْ تَرَ هَذِهِ الطّائِفَةُ تَصْحِيحَ حَدِيثِ سبرة بن معبد في تَحْرِيمِ المُتْعَةِ عامَ الفَتْحِ، فَإنَّهُ مِن رِوايَةِ عبد الملك بن الربيع بن سبرة عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، ولَمْ يَرَ البُخارِيُّ إخْراجَ حَدِيثٍ في " صَحِيحِهِ " مَعَ شِدَّةِ الحاجَةِ إلَيْهِ، وكَوْنِهِ أصْلًا مِن أُصُولِ الإسْلامِ، ولَوْ صَحَّ عِنْدَهُ لَمْ يَصْبِرْ عَنْ إخْراجِهِ والِاحْتِجاجِ بِهِ قالُوا: ولَوْ صَحَّ حَدِيثُ سبرة، لَمْ يَخْفَ عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ حَتّى يَرْوِيَ أنَّهم فَعَلُوها،، ويَحْتَجُّ بِالآيَةِ، وأيْضًا ولَوْ صَحَّ لَمْ يَقُلْ عمر: إنَّها كانَتْ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأنا أنْهى عَنْها، وأُعاقِبُ عَلَيْها، بَلْ كانَ يَقُولُ: إنَّهُ ﷺ حَرَّمَها ونَهى عَنْها. قالُوا: ولَوْ صَحَّ لَمْ تُفْعَلْ عَلى عَهْدِ الصِّدِّيقِ، وهو عَهْدُ خِلافَةِ النُّبُوَّةِ حَقًّا.
والطّائِفَةُ الثّانِيَةُ: رَأتْ صِحَّةَ حَدِيثِ سبرة، ولَوْ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّساءِ»
فَوَجَبَ حَمْلُ حَدِيثِ جابر عَلى أنَّ الَّذِي أخْبَرَ عَنْها بِفِعْلِها لَمْ يَبْلُغْهُ التَّحْرِيمُ، ولَمْ يَكُنْ قَدِ اشْتَهَرَ حَتّى كانَ زَمَنُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمّا وقَعَ فِيها النِّزاعُ ظَهَرَ تَحْرِيمُها واشْتَهَرَ، وبِهَذا تَأْتَلِفُ الأحادِيثُ الوارِدَةُ فِيها. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
{"ayah":"۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق