الباحث القرآني

﴿إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ۝٣٧﴾ - قراءات

٣٢٣٣٧- قال سفيان الثوري: كان أصحابُ عبدِ الله بن مسعود يقرءونها: ‹يَضِلُّ›[[تفسير الثوري ص١٢٦. وهي قراءة العشرة، ما عدا حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف العاشر، فإنّهم قرؤوا ‹يُضِلُّ› بضم الياء. انظر: النشر ٢/٢٧٩، والإتحاف ص٣٠٣.]]٢٩٤١. (ز)

٢٩٤١ اختَلَف القُرّاء في قراءة قوله تعالى: ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ فقرأه بعضهم: ﴿يُضَلُّ﴾ بضمّ الياء، وفتح الضاد، بمعنى: يُضِلُّ اللهُ بالنسيء الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا. وعلَّقَ ابنُ عطية (٤/٣١٢) على هذه القراءة بقوله: «ويُؤَيّد ذلك قولُه تعالى: ﴿زُيِّنَ﴾؛ للتناسب في اللفظ». وقرأه بعضهم: ›يَضِلُّ‹ بفتح الياء، وكسر الضاد، والمعنى: يزولُ عن محجةِ الله التي جعلها لعباده طريقًا يسلكونه إلى مرضاته الذين كفروا". وصوَّبَ ابنُ جرير (١١/٤٥٠) القراءتين، فقال: «الصوابُ من القول في ذلك أن يقال: هما قراءتان مشهورتان، قد قَرَأَتْ بكل واحدةٍ القرأةُ أهلُ العلم بالقرآن والمعرفة به، وهما متقاربتا المعنى؛ لأنّ مَن أضله الله فهو ضالٌّ، ومَن ضلَّ فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضلّ. فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب في ذلك مصيب». وحَكى قراءة ثالثة بضمّ الياء، وكسر الضاد، هكذا: (يُضِلُّ). ونسبها ابنُ عطية (٤/٣١٢) لابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وعمرو بن ميمون، وبَيَّنَ أنّ معناها مُحتَمل بقوله: «إما على معنى: يُضِلُّ اللهُ...، وإمّا على معنى: يُضِلُّ به الذين كفروا أتباعَهم. فـ﴿الذين﴾ في التأويل الأول في موضع نصب، وفي الثاني في موضع رفع».

﴿إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ۝٣٧﴾ - نزول الآية

٣٢٣٣٨- عن أبي وائل شقيق بن سلمة -من طريق سفيان- في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، قال: نزَلت في رجلٍ من بني كِنانةَ يُقالُ له: نَسِيءٌ، كان يجعلُ المُحرَّم صفرَ[[قال ثعلب: الناس كلهم يصرفون صفرًا إلا أبا عبيدة فإنه قال: لا ينصرف. اللسان (صرف). وينظر الخصائص لابن جنى ٢/١٨٩.]]، يستحِلُّ فيه المغانم[[أخرجه سفيان الثوري ص١٢٦، وابن جرير ١١/٤٥٣، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٤. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]٢٩٤٢. (٧/٣٥٠)

٢٩٤٢ علَّقَ ابنُ تيمية (٣/٣٤٩) على قول أبي وائل هذا بقوله: «وهذا مِمّا أجمع عليه أهل العلم بالأخبار والتفسير والحديث، وفي ذلك نزل قوله: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا...﴾ الآية والتي بعدها».

٣٢٣٣٩- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق سفيان الثوري-، مثله[[أخرجه سفيان الثوري ص١٢٦.]]. (ز)

٣٢٣٤٠- عن أبي مالك غزوان الغفاري -من طريق حُصَين- قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثةَ عشر شهرًا، فيجعلون المحرَّمَ صفرًا، فيستحِلُّون فيه الحُرُمات؛ فأنزَل الله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٤. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ]]. (٧/٣٤٩)

٣٢٣٤١- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا﴾ الآية، قال: هذا رجل مِن بني كنانة، يُقال له: القَلَمَّسُ، كان في الجاهلية، وكانوا في الجاهلية لا يُغِيرُ بعضُهم على بعضٍ في الشهر الحرام، يلقى الرجلُ قاتلَ أبيه فلا يَمُدُّ إليه يدَه. فلما كان هو قال: اخرُجوا بنا. قالوا له: هذا المُحَرَّم! فقال: نَنسَؤُه العامَ، هما العامَ صفران، فإذا كان عامُ قابلٍ قضينا فجعلناهما مُحَرَّمَيْن. قال: ففعل ذلك. فلمّا كان عامُ قابِلٍ قال: لا تغزوا في صَفَر. حَرِّموه مع المُحَرَّم، هُما مُحَرَّمان٢٩٤٣، المحرم أنسأناه عامًا أول ونقضيه. ذلك الإنساء. وقال مُنافِرُهم: ومِنّا مُنسِئُ الشِّهْرِ القَلَمَّس وأنزل الله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾ إلى آخر الآية[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٦.]]. (ز)

٢٩٤٣ اسْتَدْرَكَ ابنُ كثير (٧/٢٠١) على قول ابن زيد هذا بقوله: «هذه صفة غريبة في النسيء، وفيها نظر؛ لأنهم في عام إنما يحرمون على هذا ثلاثة أشهر فقط، وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر، فأين هذا من قوله تعالى: ﴿يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله﴾؟!».

﴿إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ﴾ - تفسير

٣٢٣٤٢- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: كانت العربُ يُحِلُّون عامًا شهرًا، وعامًا شهرين، ولا يُصِيبون الحجَّ إلا في كُلِّ ستةٍ وعشرين سنةً مرَّةً، وهو النسيءُ الذي ذكَر الله تعالى في كتابه، فلمّا كان عامُ حجَّ أبو بكر بالناسِ وافَق ذلك العامُ الحجَّ، فسمّاه اللهُ الحجَّ الأكبر، ثم حجَّ رسولُ الله ﷺ من العام المُقْبِل، فاستقبل الناسُ الأهِلَّة، فقال رسول الله ﷺ: «إنّ الزمان قد استدار كهيئتِه يومَ خلَق الله السماوات والأرض»[[أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٤/٩٠-٩١ (١٤٥٧)، والطبراني في الأوسط ٣/١٩٦ (٢٩٠٩)، من طريق الصلت بن مسعود الجحدري، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، حدثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به. قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن شعيب إلا داود بن أبي هند، ولا عن داود إلا محمد بن عبد الرحمن، تفرَّد به الصلت». وقال الهيثمي في المجمع ٧/٢٩ (١١٠٣٨): «رجاله ثقات».]]. (٧/٣٤٧)

٣٢٣٤٣- عن عبد الله بن عمر، قال: وقَف رسولُ الله ﷺ بالعَقَبة، فقال: «إنّ النسيءَ من الشيطان زيادةٌ في الكفر، يُضَلُّ به الذين كفروا، يُحِلُّونه عامًا، ويُحَرِّمونه عامًا». فكانوا يُحرِّمون المحرَّم عامًا ويَسْتَحِلُّون صَفَرَ، ويُحَرِّمون صفرَ عامًا ويَسْتَحِلُّون المُحَرَّم، وهو النَّسِيء[[أخرجه أبو يعلى -كما في إتحاف الخيرة المهرة ٦/٣٠٧ (٥٩٠٨)-، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٤ (١٠٠١٩) واللفظ له. وهو جزء من الحديث المتقدم في تفسير قوله تعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا﴾ عن ابن عمر في خطبة الرسول ﷺ في حِجة الوداع بمنًى، وتقدم تخريجه هناك.]]. (٧/٣٤٨)

٣٢٣٤٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، قال: المُحَرَّمُ كانوا يُسَمُّونه: صفر، وصفرُ يقولون: صَفَران؛ الأوَّلُ والآخِرُ، يُحِلُّ لهم مرةً الأول، ومَرَّةً الآخِر[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٧٩٤.]]. (٧/٣٤٩)

٣٢٣٤٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، قال: فهو المُحَرَّم، كان يُحَرَّم عامًا، وصفر عامًا، وزيد صفر آخَرُ في الأشهر الحرم، وكانوا يُحَرِّمون صفرًا مرَّةً، ويُحِلُّونه مرَّةً، فعاب اللهُ ذلك، وكانت هوازِنُ وغَطَفان وبنو سليم تفعله[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٢.]]. (ز)

٣٢٣٤٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- قال: ﴿النسيء﴾ أنّ جُنادة بن عوف بن أُميّة الكِناني كان يُوافي الموسمَ كلَّ عام، وكان يُكْنى: أبا ثُمامة، فينادي: ألا إنّ أبا ثُمامة لا يُحابُ[[الحَوْبُ: الإثم. النهاية (حوب).]]، ولا يُعابُ، ألا وإنّ صفرَ الأول العامَ حلالٌ، فيُحِلُّه للناس، فيُحَرِّمُ صفرَ عامًا، ويُحرِّمُ المُحَرَّمَ عامًا، فذلك قوله تعالى: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا﴾ إلى قوله:﴿الكافرين﴾. وقوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾ يقول: يَتْرُكون المحرّم عامًا٢٩٤٤، وعامًا يُحَرِّمُونَه، ﴿ليواطئوا﴾: ليشبهوا[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥١-٤٥٢، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٣-١٧٩٤.وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن مردويه.]]. (٧/٣٤٨)

٢٩٤٤ علَّقَ ابنُ جرير (١١/٤٥٢) على قول ابن عباس هذا بقوله: «هذا التأويلُ مِن تأويل ابن عباس يدُلُّ على صِحَّة قراءة مَن قرأ:(النَّسْيُ)، بترك الهمزة وترك المدّ، وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه: فَعْلٌ من قول القائل: نسيت الشيء أنساه، ومن قول الله: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة:٦٧]، بمعنى: تركوا الله فتركهم».

٣٢٣٤٧- عن عبد الله بن عباس، قال: كانت النَّسَأَةُ حيًّا مِن بني مالك مِن كنانة مِن بني فُقَيْمٍ، فكان آخرُهم رجلًا يُقالُ له: القَلَمَّسُ، وهو الذي أنسَأ المحرَّم، وكان ملِكًا، كان يُحِلُّ المحرَّمَ عامًا ويُحَرِّمِه عامًا، فإذا حرَّمه كانت ثلاثةُ أشهرٍ متوالية؛ ذو القَعدة وذو الحِجة والمحرَّم، وهي العِدَّةُ التي حرَّم اللهُ في عهد إبراهيم ﵇، فإذا أحلَّه دخَل مكانَه صفرٌ في المحرم لِيُواطِئَ العِدَّة، يقول: قد أكملتُ الأربعةَ كما كانت؛ لأنِّي لم أُحِلَّ شهرًا إلا وقد حرَّمتُ مكانَه شهرًا. فكانت على ذلك العَرَبُ مَن يَدِينُ للقَلَمَّسِ بمُلْكِه، حتى بعَث الله محمدًا ﷺ، فأكملَ الحُرُم، ثلاثة أشهر متوالية، ورجبُ شهرُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشعبان[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٧/٣٥٠)

٣٢٣٤٨- عن أبي وائل شقيق بن سلمة -من طريق منصور- قال: كان الناسِئُ رجلًا مِن كنانةَ ذا رأيٍ يأخذون مِن رأيه، رأسًا فيهم٢٩٤٥، فكان عامًا يجعلُ المحرمَ صفرَ، فيُغِيرون فيه، ويستحِلُّونه، فيُصِيبون فيَغْنَمون، وكان عامًا يُحَرِّمُه[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٣، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٤.]]. (٧/٣٥١)

٢٩٤٥ علَّقَ ابنُ عطية (٤/٣١٠) على قول أبي وائل: كان الناسِئُ رجلًا من بني كنانة. بقوله: «هذا ضعيف».

٣٢٣٤٩- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، قال: حَجُّوا في ذي الحِجَّة عامين، ثم حَجُّوا في المُحَرَّم عامين، ثم حجُّوا في صفر عامين، فكانوا يَحُجُّون في كل سنةٍ في كل شهرٍ عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر الآخِر مِن العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي ﷺ بسنة، ثم حجَّ النبيُّ ﷺ مِن قابلٍ في ذي الحجة، فذلك حين يقول النبي ﷺ في خطبته: «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يومَ خلق الله السموات والأرض»[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٤٩ (١٠٨٥)، وابن جرير ٣/٤٨٦-٤٨٧، ١١/٤٥٥-٤٥٦ مرسلًا.]]. (ز)

٣٢٣٥٠- عن مجاهد بن جبر، في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، قال: فرَض الله الحجَّ في ذي الحجة، وكان المشركون يُسَمُّون الأشهر: ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيعٌ، وربيعٌ، وجُمادى، وجُمادى، ورجبُ، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القَعدة، وذو الحِجة، ثم يَحُجُّون فيه، ثم يسكُتون عن المحرَّم، فلا يذكُرونه، ثم يعودون فيسمُّون صفرَ صفرَ، ثم يسمُّون رجبَ جمادى الآخرة، ثم يسمُّون شعبان رمضان، ورمضانَ شوال، ويسمُّون ذا القَعدةِ شوال، ثم يسمُّون ذا الحجة ذا القَعدة، ثم يسمُّون المحرَّمَ ذا الحِجة، ثم يحُجُّون فيه، واسمُه عندَهم ذو الحجة، ثم عادوا مثلَ هذه القصة، فكانوا يحُجُّون في كلِّ شهرٍ عامًا، حتى وافَق حجةُ أبي بكرٍ الآخرةَ من العام في ذي القعدة، ثم حجَّ النبيُّ ﷺ حجتَه التي حجَّ فيها فوافَق ذا الحجة، فذلك حين يقولُ النبيُّ ﷺ في خطبته: «إنّ الزمان قد استدار كهيئتِه يوم خلَق الله السماواتِ والأرض»[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٤٩ (١٠٨٥)، وابن جرير ١١/٤٥٤-٤٥٥، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٥ (١٠٠٢١) دون ذكر المرفوع مرسلًا.]]٢٩٤٦. (٧/٣٥٢)

٢٩٤٦ استغرب ابنُ كثير (٧/٢٠١) قول مجاهد هذا، واسْتَدْرَكَ عليه مستندًا لدلالة العقل، وظاهر القرآن بقوله: «هذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضًا، وكيف تصِحُّ حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة؟!، وأنّى هذا، وقد قال الله تعالى: ﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله﴾ الآية، وإنّما نُودِي بذلك في حجة أبي بكر، فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: ﴿يوم الحج الأكبر﴾؟! ولا يلزم مِن فِعْلِهم النسيءَ هذا الذي ذكره مِن دوران السنة عليهم، وحجهم في كلّ شهر عامين؛ فإنّ النسيء حاصل بدون هذا».

٣٢٣٥١- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جريج- ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾، يقول: ازدادوا به كفرًا إلى كفرهم[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٧، وابن أبي حاتم ٦/١٧٩٤.]]. (ز)

٣٢٣٥٢- عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾: وهو جنادةُ بن عوف بن أميةَ الكِناني، ويُكْنى: أبا ثُمامة، كان يُوافِي الموسم كلَّ عامٍ، فيُنادِي: ألا إنّ أبا ثمامةَ لا يُحابُ، ولا يُعابُ. فيقول: ألا إنّ صفرَ الأولَ حلالٌ. وكان طوائفُ من العرب إذا أرادوا أن يُغِيروا على بعضِ عدوِّهم أتَوْه، فقالوا: أحِلَّ لنا هذا الشهر. يعنون: صفرَ، وكانت العربُ لا تقاتلُ في الأشهرِ الحرم، فيُحِلُّه لهم عامًا، ويُحَرِّمُه عليهم في العام الآخر، ويُحَرِّمُ المحرَّمَ في قابلٍ، ﴿ليواطئوا عدة ما حرم الله﴾ يقول: ليجعلوا الحُرُمَ أربعةً، غيرَ أنهم جعلوا صفرَ عامًا حلالًا وعامًا حرامًا[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٧/٣٤٩)

٣٢٣٥٣- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد بن سليمان- يقول في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾: النسيء: المُحَرَّم، وكان يُحَرِّم المحرمَ عامًا، ويُحَرِّم صفرًا عامًا، فالزيادة صَفَر، وكانوا يُؤَخِّرون الشهورَ حتى يجعلون صفر المحرم، فيُحِلُّوا ما حرَّم الله، وكانت هوازن وغطفان وبنو سليم يُعَظِّمونه، هم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٤.]]. (ز)

٣٢٣٥٤- عن طاووس بن كيسان، قال: الشهرُ الذي نزَعه اللهُ من الشيطان: المُحَرَّم[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٧/٣٤٩)

٣٢٣٥٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿إنما النسيء زيادة الكفر﴾ الآية، قال: عمَد أناسٌ مِن أهلِ الضلالة فزادوا صفرَ في أشهرِ الحُرُم، وكان يقومُ قائمُهم في الموسم، فيقول: ألا إنّ آلهتَكم قد حرَّمَت المُحَرَّم. فيُحَرِّمونه ذلك العام، ثم يقومُ في العام المقبل، فيقول: ألا إنّ آلهتَكم قد حرَّمت صفر. فيُحَرِّمونه ذلك العام، وكان يُقالُ لهما: الصَّفرانِ. وكان أوَّلَ من نسَأ النسيءَ بنو مالكٍ من كنانة، وكانوا ثلاثةً؛ أبو ثُمامة صفوانُ بن أمية، أحدُ بني فُقَيمِ بن الحارث، ثم أحدُ بني كنانة[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٧. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٧/٣٥١)

٣٢٣٥٦- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في الآية، قال: كان رجلٌ من بني مالك بن كنانة يقالُ له: جُنادةُ بن عوف، يُكنى: أبا أمامة، يُنسِئُ الشهور، وكانت العرب يَشْتَدُّ عليهم أن يمكُثوا ثلاثةَ أشهرٍ لا يُغِيرُ بعضُهم على بعضٍ، فإذا أراد أن يُغيرَ على أحدٍ قام يومَ مِنًى، فخطَب، فقال: إنِّي قد أحلَلتُ المُحرَّمَ وحرَّمتُ صفرَ مكانَه. فيقاتِلُ الناسُ في المحرم، فإذا كان صفرُ غمدوا السيوف، ووضَعوا الأسِنَّة، ثم يقومُ في قابلٍ فيقول: إنِّي قد أحلَلت صفرَ وحرَّمت المحرم. فيواطِئوا أربعةَ أشهرٍ، فيُحِلُّوا المحرَّم[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٧٩٥.]]. (٧/٣٥٢)

٣٢٣٥٧- قال محمد بن السائب الكلبي: ﴿النسيء﴾ هو المُحَرَّم، كانوا يسمونه: صفرَ الأول، وكان الذي يُحِلُّه للناس جنادةُ بن عوف الكناني، كان يُنادي بالموسم: إنّ الصفر الأول حلالٌ. فيُحِلُّه للناس، ويُحَرِّم صفر مكان المحرم؛ فإذا كان العامُ المقبل حَرَّم المُحَرَّم وأَحَلَّ صفرَ[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢٠٤-٢٠٥-.]]. (ز)

٣٢٣٥٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنما النسيء زيادة﴾ يعني به: في المحرم زيادة ﴿في الكفر﴾، وذلك أنّ أبا ثمامة الكناني -اسمه: جبارة[[كذا في المطبوع، وفي المصادر الأخرى (جنادة).]] بن عوف بن أمية بن فُقَيْم بن الحارث، وهو أولُّ مَن ذبح لغير الله الصفرة[[كذا في المطبوع.]] في رجب- كان يقف بالموسِم، ثم يُنادِي: إنّ آلهتكم قد حرَّمَتْ صفرَ العام. فيُحَرِّمون فيه الدماءَ والأموالَ، ويَسْتَحِلُّون ذلك في المُحَرَّم، فإذا كان مِن قابلٍ نادى: إنّ آلهتكم قد حرَّمَت المحرم العام. فيُحَرِّمون فيه الدماء والأموال، فيأخذ به هوازن، وغطفان، وسُليم، وثقيف، وكنانة. فذلك قوله: ﴿إنما النسيء﴾ يعني: ترك المحرم ﴿زيادة في الكفر﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٧٠.]]. (ز)

﴿یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا﴾ - تفسير

٣٢٣٥٩- عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿يحلونه عاما ويحرمونه عاما﴾، قال: هو صفر،كانت هوازنُ وغطَفان يُحِلُّونه سنةً، ويُحَرِّمونه سنةً[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٧/٣٥٣)

٣٢٣٦٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما﴾، يقول: يَسْتَحِلُّون المُحَرَّم عامًا فيُصِيبون فيه الدماءَ والأموالَ، ويُحَرِّمونه عامًا فلا يُصيبون فيه الدماءَ والأموالَ، ولا يَسْتَحِلُّونها فيه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٧٠.]]٢٩٤٧. (ز)

٢٩٤٧ قال ابنُ عطية (٤/٣١٢ بتصرف): «قوله: ﴿يحلونه عاما ويحرمونه عاما﴾ معناه: عامًا من الأعوام، وليس يريد أنّ تلك مداولة في الشهر بعينه؛ عام حلال وعام حرام. وقد تأوَّل بعضُ الناس القصةَ: أنّهم كانوا إذا شقَّ عليهم توالي الأشهر الحُرُم أحلّ لهم المحرم وحرّم عليهم صفر بدلًا منه، ثم مشت الشهور مستقيمة على أسمائها المعهودة، فإذا كان مِن قابل حرّم المحرم على حقّه وأحلّ صفر، ومشت الشهور مستقيمة. ورأت هذه الطائفةُ أنّ هذه كانت حالة القوم. والذي قدّمناه قبلُ ألْيَقُ بألفاظ الآيات، وقد بَيَّنه مجاهد، وأبو مالك، وهو مقتضي قول النبي ﷺ: «إنّ الزمان قد استدار...». مع أنّ هذا الأمر كله قد تقضّى، والله أعلم أيَّ ذلك كان».

﴿لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ﴾ - تفسير

٣٢٣٦١- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- قوله: ﴿ليواطئوا عدة ما حرم الله﴾، يقول: يُشبهون[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٧.]]٢٩٤٨. (ز)

٢٩٤٨ علَّق ابنُ جرير (١١/٤٥٧) على قول ابن عباس هذا بقوله: «ذلك قريب المعنى مما بَيَّنّا، وذلك أنّ ما شابه الشيء فقد وافقه من الوجه الذي شابهه. وإنما معنى الكلام: أنهم يوافقون بعدّة الشهور التي يُحَرِّمونها عِدَّة الأشهر الأربعة التي حرَّمها الله، لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها، وإن قدَّموا وأخَّروا. فذلك مواطأة عِدتهم عدَّةَ ما حرّم الله».

٣٢٣٦٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ليث- قال: كان رجلٌ من بني كِنانة يأتي كلَّ عام في الموسم على حمار له، فيقول: أيُّها الناس، إنِّي لا أُعابُ ولا أُحابُ، ولا مَرَدَّ لِما أقول، إنّا قد حَرَّمنا المُحَرَّم، وأخَّرْنا صفر. ثم يجيء العام المقبل بعده، فيقول مثل مقالته، ويقول: إنّا قد حَرَّمنا صفر، وأخَّرنا المحرم. فهو قوله: ﴿ليواطئوا عدة ما حرم الله﴾ قال: يعني: الأربعة، ﴿فيحلوا ما حرم الله﴾ لتأخير هذا الشهر الحرام[[أخرجه ابن جرير ١١/٤٥٣.]]. (ز)

٣٢٣٦٣- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قوله: ﴿ليواطئوا عدة ما حرم الله﴾: فيواطئوا أربعةَ أشهر[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٧٩٥.]]. (ز)

٣٢٣٦٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله﴾ فيه مِن الدماء والأموال، ﴿زين لهم سواء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٧٠.]]. (ز)

﴿زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ۝٣٧﴾ - تفسير

٣٢٣٦٥- عن عباد بن منصور، قال: سألتُ الحسن البصري عن قوله: ﴿زين لهم﴾. قال: زَيَّن لهم الشيطانُ[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٧٩٦.]]٢٩٤٩. (ز)

٢٩٤٩ ذكر ابنُ عطية (٤/٣١٣) أنّ قوله: ﴿زُيِّنَ﴾ يحتمل احتمالين: الأول: أن يضاف إلى الله ﷿ والمراد به خلقه لكفرهم وإقرارهم عليه وتحبيبه لهم. الثاني: أن يضاف إلى مُغويهم ومُضِلِّهم من الإنس والجن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب