الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا لِيُواطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهم سُوءُ أعْمالِهِمْ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾
وفِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في ”النَّسِيءِ“ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّهُ التَّأْخِيرُ، قالَ أبُو زَيْدٍ: نَسَأْتُ الإبِلَ عَنِ الحَوْضِ أنْسَؤُها نَسْأً إذا أخَّرْتَها، وأنْسَأْتُهُ إنْساءً إذا أخَّرْتَهُ عَنْهُ، والِاسْمُ النَّسِيئَةُ والنَّسْءُ، ومِنهُ: أنْسَأ اللَّهُ فُلانًا أجَلَهَ، ونَسَأ في أجَلِهِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: النَّسِيُّ مَصْدَرٌ كالنَّذِيرِ والنَّكِيرِ، ويُحْتَمَلُ أيْضًا أنْ يَكُونَ نَسِيءٌ بِمَعْنى مَنسُوءٍ كَقَتِيلٍ: بِمَعْنى مَقْتُولٍ، إلّا أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ هَهُنا المَفْعُولَ؛ لِأنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلى ذَلِكَ كانَ مَعْناهُ: إنَّما المُؤَخَّرُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ، والمُؤَخَّرُ الشَّهْرُ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ الشَّهْرِ كُفْرًا، وذَلِكَ باطِلٌ، بَلِ المُرادُ مِنَ النَّسِيءِ هَهُنا المَصْدَرُ بِمَعْنى الإنْساءِ، وهو التَّأْخِيرُ، وكانَ النَّسِيءُ في الشُّهُورِ عِبارَةً عَنْ تَأْخِيرِ حُرْمَةِ شَهْرٍ إلى شَهْرٍ آخَرَ، لَيْسَتْ لَهُ تِلْكَ الحُرْمَةُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مِن طَرِيقِ شِبْلٍ: النَّسْءُ بِوَزْنِ النَّفْعِ وهو المَصْدَرُ الحَقِيقِيُّ، كَقَوْلِهِمْ: نَسَأْتُ، أيْ: أخَّرْتُ، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: النَّسِي مُخَفَّفَةَ الياءِ، ولَعَلَّهُ لُغَةٌ في النَّسِيءِ بِالهَمْزَةِ مِثْلَ: أرْجَيْتُ وأرْجَأْتُ، ورُوِيَ عَنْهُ: النَّسِيُّ مُشَدَّدَ الياءِ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، وهَذا عَلى التَّخْفِيفِ القِياسِيِّ.
والقَوْلُ الثّانِي: قالَ قُطْرُبٌ: النَّسِيءُ أصْلُهُ مِنَ الزِّيادَةِ يُقالُ: نَسَأ في الأجَلِ وأنْسَأ إذا زادَ فِيهِ، وكَذَلِكَ قِيلَ لِلَّبَنِ النَّسْءُ لِزِيادَةِ الماءِ فِيهِ، ونَسَأتِ المَرْأةُ حَبِلَتْ، جَعَلَ زِيادَةَ الوَلَدِ فِيها كَزِيادَةِ الماءِ في اللَّبَنِ، وقِيلَ لِلنّاقَةِ: نَسَأْتُها، أيْ: زَجَرْتُها لِيَزْدادَ سَيْرُها، وكُلُّ زِيادَةٍ حَدَثَتْ في شَيْءٍ فَهو نَسِيءٌ قالَ الواحِدِيُّ: الصَّحِيحُ القَوْلُ الأوَّلُ، وهو أنَّ أصْلَ النَّسِيءِ التَّأْخِيرُ، ونَسَأتِ المَرْأةُ إذا حَبِلَتْ لِتَأخُّرِ حَيْضِها، ونَسَأْتُ النّاقَةَ أيْ: أخَّرْتُها عَنْ غَيْرِها؛ لِئَلّا يَصِيرَ اخْتِلاطُ بَعْضِها بِبَعْضٍ مانِعًا مِن حُسْنِ المَسِيرِ، ونَسَأْتُ اللَّبَنَ إذا أخَّرْتَهُ حَتّى كَثُرَ الماءُ فِيهِ.
إذا عَرَفْتَ هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: إنَّ القَوْمَ عَلِمُوا أنَّهم لَوْ رَتَّبُوا حِسابَهم عَلى السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ، فَإنَّهُ يَقَعُ حَجُّهم تارَةً في الصَّيْفِ وتارَةً في الشِّتاءِ، وكانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الأسْفارُ، ولَمْ يَنْتَفِعُوا بِها في المُرابَحاتِ والتِّجاراتِ؛ لِأنَّ سائِرَ النّاسِ مِن سائِرِ البِلادِ ما كانُوا يَحْضُرُونَ إلّا في الأوْقاتِ اللّائِقَةِ المُوافِقَةِ، فَعَلِمُوا أنَّ (p-٤٦)بِناءَ الأمْرِ عَلى رِعايَةِ السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ يُخِلُّ بِمَصالِحِ الدُّنْيا، فَتَرَكُوا ذَلِكَ واعْتَبَرُوا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ، ولَمّا كانَتِ السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ زائِدَةً عَلى السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ بِمِقْدارٍ مُعَيَّنٍ، احْتاجُوا إلى الكَبِيسَةِ وحَصَلَ لَهم بِسَبَبِ تِلْكَ الكَبِيسَةِ أمْرانِ:
أحَدُهُما: أنَّهم كانُوا يَجْعَلُونَ بَعْضَ السِّنِينَ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِسَبَبِ اجْتِماعِ تِلْكَ الزِّياداتِ.
والثّانِي: أنَّهُ كانَ يَنْتَقِلُ الحَجُّ مِن بَعْضِ الشُّهُورِ القَمَرِيَّةِ إلى غَيْرِهِ، فَكانَ الحَجُّ يَقَعُ في بَعْضِ السِّنِينَ في ذِي الحِجَّةِ وبَعْدَهُ في المُحَرَّمِ وبَعْدَهُ في صَفَرٍ، وهَكَذا في الدَّوْرِ حَتّى يَنْتَهِيَ بَعْدَ مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ مَرَّةً أُخْرى إلى ذِي الحِجَّةِ، فَحَصَلَ بِسَبَبِ الكَبِيسَةِ هَذانِ الأمْرانِ:
أحَدُهُما: الزِّيادَةُ في عِدَّةِ الشُّهُورِ.
والثّانِي: تَأْخِيرُ الحُرْمَةِ الحاصِلَةِ لِشَهْرٍ إلى شَهْرٍ آخَرَ.
وقَدْ بَيَّنّا أنَّ لَفْظَ النَّسِيءِ يُفِيدُ التَّأْخِيرَ عِنْدَ الأكْثَرِينَ، ويُفِيدُ الزِّيادَةَ عِنْدَ الباقِينَ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَإنَّهُ مُنْطَبِقٌ عَلى هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ.
والحاصِلُ مِن هَذا الكَلامِ: أنَّ بِناءَ العِباداتِ عَلى السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ يُخِلُّ مَصالِحَ الدُّنْيا، وبِناءَها عَلى السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ يُفِيدُ رِعايَةَ مَصالِحِ الدُّنْيا واللَّهُ تَعالى أمَرَهم مِن وقْتِ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ بِبِناءِ الأمْرِ عَلى رِعايَةِ السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ، فَهم تَرَكُوا أمْرَ اللَّهِ في رِعايَةِ السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ، واعْتَبَرُوا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ رِعايَةً لِمَصالِحِ الدُّنْيا، وأوْقَعُوا الحَجَّ في شَهْرٍ آخَرَ سِوى الأشْهُرِ الحُرُمِ، فَلِهَذا السَّبَبِ عابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وجَعَلَهُ سَبَبًا لِزِيادَةِ كُفْرِهِمْ، وإنَّما كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِزِيادَةِ الكُفْرِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَهم بِإيقاعِ الحَجِّ في الأشْهُرِ الحُرُمِ، ثُمَّ إنَّهم بِسَبَبِ هَذِهِ الكَبِيسَةِ أوْقَعُوهُ في غَيْرِ هَذِهِ الأشْهُرِ، وذَكَرُوا لِأتْباعِهِمْ أنَّ هَذا الَّذِي عَمِلْناهُ هو الواجِبُ، وأنَّ إيقاعَهُ في الشُّهُورِ القَمَرِيَّةِ غَيْرُ واجِبٍ، فَكانَ هَذا إنْكارًا مِنهم لِحُكْمِ اللَّهِ مَعَ العِلْمِ بِهِ وتَمَرُّدًا عَنْ طاعَتِهِ، وذَلِكَ يُوجِبُ الكُفْرَ بِإجْماعِ المُسْلِمِينَ، فَثَبَتَ أنَّ عَمَلَهم في ذَلِكَ النَّسِيءِ يُوجِبُ زِيادَةً في الكُفْرِ، وأمّا الحِسابُ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ مَقادِيرُ الزِّيادَةِ الحاصِلَةِ بِسَبَبِ تِلْكَ الكَبائِسِ فَمَذْكُورٌ في الزِّيجاتِ، وأمّا المُفَسِّرُونَ فَإنَّهم ذَكَرُوا في سَبَبِ هَذا التَّأْخِيرِ وجْهًا آخَرَ، فَقالُوا: إنَّ العَرَبَ كانَتْ تُحَرِّمُ الشُّهُورَ الأرْبَعَةَ، وكانَ ذَلِكَ شَرِيعَةً ثابِتَةً مِن زَمانِ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وكانَ العَرَبُ أصْحابَ حُرُوبٍ وغاراتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَمْكُثُوا ثَلاثَةَ أشْهُرٍ مُتَوالِيَةٍ لا يَغْزُونَ فِيها، وقالُوا: إنْ تَوالَتْ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ حُرُمٍ لا نُصِيبُ فِيها شَيْئًا لِنَهْلِكَنَّ، وكانُوا يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ المُحَرَّمِ إلى صَفَرٍ فَيُحَرِّمُونَهُ ويَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ، قالَ الواحِدِيُّ: وأكْثَرُ العُلَماءِ عَلى أنَّ هَذا التَّأْخِيرَ ما كانَ يَخْتَصُّ بِشَهْرٍ واحِدٍ، بَلْ كانَ ذَلِكَ حاصِلًا في كُلِّ الشُّهُورِ، وهَذا القَوْلُ عِنْدَنا هو الصَّحِيحُ عَلى ما قَرَّرْناهُ، واتَّفَقُوا أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا أرادَ أنْ يَحُجَّ في سَنَةِ حَجَّةِ الوَداعِ عادَ الحَجُّ إلى شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ في نَفْسِ الأمْرِ، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«ألا إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا» “ وأرادَ أنَّ الأشْهُرَ الحُرُمَ رَجَعَتْ إلى مَواضِعِها.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ مَعْناهُ: أنَّهُ تَعالى حَكى عَنْهم أنْواعًا كَثِيرَةً مِنَ الكُفْرِ، فَلَمّا ضَمُّوا إلَيْها هَذا العَمَلَ ونَحْنُ قَدْ دَلَّلْنا عَلى أنَّ هَذا العَمَلَ كُفْرٌ، كانَ ضَمُّ هَذا العَمَلِ إلى تِلْكَ الأنْواعِ المَذْكُورَةِ سالِفًا مِنَ الكُفْرِ زِيادَةً في الكُفْرِ، احْتَجَّ الجُبّائِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى فَسادِ قَوْلِ مَن يَقُولُ: الإيمانُ مُجَرَّدُ الِاعْتِقادِ والإقْرارِ، قالَ: لِأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّ هَذا العَمَلَ زِيادَةٌ في الكُفْرِ والزِّيادَةُ عَلى الكُفْرِ يَجِبُ أنْ تَكُونَ إتْمامًا، فَكانَ تَرْكُ هَذا التَّأْخِيرِ إيمانًا، وظاهِرٌ أنَّ هَذا التَّرْكَ لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ، ولا بِإقْرارٍ، فَثَبَتَ أنَّ غَيْرَ المَعْرِفَةِ والإقْرارِ قَدْ يَكُونُ إيمانًا، قالَ المُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذا الِاسْتِدْلالُ ضَعِيفٌ؛ لِأنّا بَيَّنّا أنَّهُ تَعالى لَمّا أوْجَبَ عَلَيْهِمْ إيقاعَ الحَجِّ في شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ مَثَلًا مِنَ الأشْهُرِ القَمَرِيَّةِ، فَإذا اعْتَبَرْنا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ، فَرُبَّما وقَعَ الحَجُّ (p-٤٧)فِي المُحَرَّمِ مَرَّةً وفي صَفَرٍ أُخْرى، فَقَوْلُهم: بِأنَّ هَذا الحَجَّ صَحِيحٌ يَجْزِي، وأنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إيقاعُ الحَجِّ في شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إنْ كانَ مِنهم بِحُكْمٍ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهُ مِن دِينِ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ، فَكانَ هَذا كُفْرًا بِسَبَبِ عَدَمِ العِلْمِ، وبِسَبَبِ عَدَمِ الإقْرارِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: (يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَهَذا قِراءَةُ العامَّةِ، وهي حَسَنَةٌ لِإسْنادِ الضَّلالِ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، لِأنَّهم إنْ كانُوا ضالِّينَ في أنْفُسِهِمْ فَقَدْ حَسُنَ إسْنادُ الضَّلالِ إلَيْهِمْ، وإنْ كانُوا مُضِلِّينَ لِغَيْرِهِمْ حَسُنَ أيْضًا؛ لِأنَّ المُضِلَّ لِغَيْرِهِ ضالٌّ في نَفْسِهِ لا مَحالَةَ، وقِراءَةُ أهْلِ الكُوفَةِ﴿يُضَلُّ﴾ بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الضّادِ، ومَعْناهُ: أنَّ كُبَراءَهم يُضِلُّونَهم بِحَمْلِهِمْ عَلى هَذا التَّأْخِيرِ في الشُّهُورِ، فَأسْنَدَ الفِعْلَ إلى المَفْعُولِ كَقَوْلِهِ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿زُيِّنَ لَهم سُوءُ أعْمالِهِمْ﴾ أيْ: زَيَّنَ لَهم ذَلِكَ حامِلُوهم عَلَيْهِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ مِن طَرِيقِ ابْنِ مِقْسَمٍ (يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الضّادِ، ولَهُ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: يُضِلُّ اللَّهُ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
والثّانِي: يُضِلُّ الشَّيْطانُ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
والثّالِثُ: وهو أقْواها يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا تابِعِيهِمْ والآخِذِينَ بِأقْوالِهِمْ، وإنَّما كانَ هَذا الوَجْهُ أقْوى؛ لِأنَّهُ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ اللَّهِ، ولا ذِكْرُ الشَّيْطانِ.
واعْلَمْ أنَّ الكِنايَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يُضَلُّ بِهِ﴾ يَعُودُ إلى النَّسِيءِ. وقَوْلُهُ: ﴿يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا﴾ فالضَّمِيرُ عائِدٌ إلى النَّسِيءِ، والمَعْنى: يُحِلُّونَ ذَلِكَ الإنْساءَ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا، قالَ الواحِدِيُّ: يُحِلُّونَ التَّأْخِيرَ عامًا وهو العامُ الَّذِي يُرِيدُونَ أنْ يُقاتِلُوا في المُحَرَّمِ، ويُحَرِّمُونَ التَّأْخِيرَ عامًا آخَرَ وهو العامُ الَّذِي يَدَعُونَ المُحَرَّمَ عَلى تَحْرِيمِهِ. قالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذا التَّأْوِيلُ إنَّما يَصِحُّ إذا فَسَّرْنا النَّسِيءَ بِأنَّهم كانُوا يُؤَخِّرُونَ المُحَرَّمَ في بَعْضِ السِّنِينَ، وذَلِكَ يُوجِبُ أنْ يَنْقَلِبَ الشَّهْرُ المُحَرَّمُ إلى الحِلِّ وبِالعَكْسِ، إلّا أنَّ هَذا إنَّما يَصْلُحُ لَوْ حَمَلْنا النَّسِيءَ عَلى المَفْعُولِ وهو المَنسُوءُ المُؤَخَّرُ، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الشَّهْرُ المُؤَخَّرُ كُفْرًا، وأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ إلّا إذا قُلْنا: إنَّ المُرادَ مِنَ النَّسِيءِ المَنسُوءُ وهو المَفْعُولُ، وحَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ عَلى أنَّ المُرادَ العَمَلُ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ النَّسِيءُ سَبَبًا في زِيادَةِ الكُفْرِ، وبِسَبَبِ هَذا الإضْمارِ يَقْوى هَذا التَّأْوِيلُ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿لِيُواطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ يُقالُ: واطَأْتُ فُلانًا عَلى كَذا إذا وافَقْتَهُ عَلَيْهِ. قالَ المُبَرِّدُ: يُقالُ: تَواطَأ القَوْمُ عَلى كَذا إذا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، كانَ كُلُّ واحِدٍ يَطَأُ حَيْثُ يَطَأُ صاحِبُهُ، والإيطاءُ في الشِّعْرِ مِن هَذا وهو أنْ يَأْتِيَ في القَصِيدَةِ بِقافِيَتَيْنِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، ومَعْنًى واحِدٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إنَّهم ما أحَلُّوا شَهْرًا مِنَ الحَرامِ إلّا حَرَّمُوا مَكانَهُ شَهْرًا مِنَ الحَلالِ، ولَمْ يُحَرِّمُوا شَهْرًا مِنَ الحَلالِ إلّا أحَلُّوا مَكانَهُ شَهْرًا مِنَ الحَرامِ؛ لِأجْلِ أنْ يَكُونَ عَدَدُ الأشْهُرِ الحُرُمِ أرْبَعَةً، مُطابِقَةً لِما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى، هَذا هو المُرادُ مِنَ المُواطَأةِ. ولَمّا بَيَّنَ تَعالى كَوْنَ هَذا العَمَلِ كُفْرًا ومُنْكَرًا قالَ: ﴿زُيِّنَ لَهم سُوءُ أعْمالِهِمْ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ: يُرِيدُ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ هَذا العَمَلَ، واللَّهُ لا يُرْشِدُ كُلَّ كَفّارٍ أثِيمٍ.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق