الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ . الآيَةَ. أخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: «كانَتِ العَرَبُ يُحِلُّونَ عامًا شَهْرًا وعامًا شَهْرَيْنِ، ولا يُصِيبُونَ الحَجَّ إلّا في كُلِّ سِتَّةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً مَرَّةً، وهو النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ فَلَمّا كانَ عامُ (p-٣٤٨)حَجَّ أبُو بَكْرٍ بِالنّاسِ وافَقَ ذَلِكَ العامُ الحَجَّ فَسَمّاهُ اللَّهُ الحَجَّ الأكْبَرَ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ العامِ المُقْبِلِ فاسْتَقْبَلَ النّاسُ الأهِلَّةَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «وقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالعَقَبَةِ فَقالَ: إنَّ النَّسِيءَ مِنَ الشَّيْطانِ: ﴿زِيادَةٌ في الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا﴾ فَكانُوا يُحَرِّمُونَ المُحَرَّمَ عامًا ويَسْتَحِلُّونَ صَفَرَ ويُحَرِّمُونَ صَفَرَ عامًا ويَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ وهو النَّسِيءُ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ جُنادَةَ بْنُ عَوْفٍ الكِنانِيُّ يُوافِي المَوْسِمَ كُلَّ عامٍ، وكانَ يُكَنّى أبا ثُمامَةَ فَيُنادِي: ألا إنَّ أبا ثُمامَةَ لا يُحابُ ولا يُعابُ ألا وإنَّ صَفَرَ الأوَّلَ العامَ حَلالٌ فَيُحِلُّهُ لِلنّاسِ، فَيُحَرِّمُ صَفَرَ عامًا ويُحَرِّمُ المُحَرَّمَ عامًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، (p-٣٤٩)﴿لِيُواطِئُوا﴾: لِيُشَبِّهُوا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ قالَ: المُحَرَّمُ كانُوا يُسَمُّونَهُ صَفَرَ، وصَفَرُ يَقُولُونَ: صَفَرانِ، الأوَّلُ والآخِرُ، يُحِلُّ لَهم مَرَّةً الأوَّلَ ومَرَّةً الآخَرَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ أبِي مالِكٍ قالَ: كانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا فَيَسْتَحِلُّونَ فِيهِ الحُرُماتِ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ . وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ طاوُوسٍ قالَ: الشَّهْرُ الَّذِي نَزَعَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطانِ المُحَرَّمُ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾: وهو جُنادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الكِنانِيِّ، ويُكَنّى أبا ثُمامَةَ كانَ يُوافِي المَوْسِمَ كُلَّ عامٍ فَيُنادِي: ألا إنَّ أبا ثُمامَةَ لا يُحابُ ولا يُعابُ. فَيَقُولُ: ألا إنَّ صَفَرَ الأوَّلَ حَلالٌ وكانَ طَوائِفُ مِنَ العَرَبِ إذا أرادُوا أنْ يُغِيرُوا عَلى (p-٣٥٠)بَعْضِ عَدُوِّهِمْ أتَوْهُ فَقالُوا: أحِلَّ لَنا هَذا الشَّهْرَ - يَعْنُونَ صَفَرَ - وكانَتِ العَرَبُ لا تُقاتِلُ في الأشْهُرِ الحُرُمِ فَيُحِلُّهُ لَهم عامًا ويُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ في العامِ الآخَرِ ويُحَرِّمُ المُحَرَّمَ في قابِلٍ: ﴿لِيُواطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ﴾ يَقُولُ: لِيَجْعَلُوا الحُرُمَ أرْبَعَةً غَيْرَ أنَّهم جَعَلُوا صَفَرَ عامًا حَلالًا وعامًا حَرامًا. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتِ النَّسَأةُ حَيًّا مِن بَنِي مالِكٍ مِن كِنانَةَ مَن بَنِي فُقَيْمٍ فَكانَ آخِرُهم رَجُلًا يُقالُ لَهُ: القَلَمَّسُ. وهو الَّذِي أنْسَأ المُحَرَّمَ وكانَ مَلِكًا، كانَ يُحِلُّ المُحَرَّمَ عامًا ويُحَرِّمُهُ، عامًا فَإذا حَرَّمَهُ كانَتْ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ مُتَوالِيَةً ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ وهي العِدَّةُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ في عَهْدِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإذا أحَلَّهُ دَخَلَ مَكانَهُ صَفَرٌ في المُحَرَّمِ لِيُواطِئَ العِدَّةَ يَقُولُ: قَدْ أكْمَلْتُ الأرْبَعَةَ كَما كانَتْ لِأنِّي لَمْ أُحِلَّ شَهْرًا إلّا وقَدْ حَرَّمْتُ مَكانَهُ شَهْرًا. فَكانَتْ عَلى ذَلِكَ العَرَبُ مَن يَدِينُ للْقَلَمَّسِ بِمُلْكِهِ حَتّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ فَأكْمَلَ الحُرُمَ؛ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ مُتَوالِيَةٌ ورَجَبُ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمادى وشَعْبانَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي وائِلٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في رَجُلٍ مِن بَنِي كِنانَةَ يُقالُ لَهُ: نَسِيءٌ. (p-٣٥١)كانَ يَجْعَلُ المُحَرَّمَ صَفَرَ يَسْتَحِلُّ فِيهِ المَغانِمَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي وائِلٍ قالَ: كانَ النّاسِئُ رَجُلًا مِن كِنانَةَ ذا رَأْيٍ يَأْخُذُونَ مِن رَأْيِهِ رَأْسًا فِيهِمْ، فَكانَ عامًا يَجْعَلُ المُحَرَّمَ صَفَرا فَيُغِيرُونَ فِيهِ ويَسْتَحِلُّونَهُ فَيُصِيبُونَ فَيَغْنَمُونَ وكانَ عامًا يُحَرِّمُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ الآيَةَ، قالَ: عَمَدَ أُناسٌ مِن أهْلِ الضَّلالَةِ فَزادُوا صَفَرَ في أشْهُرِ الحُرُمِ، وكانَ يَقُومُ قائِمُهم في المَوْسِمِ فَيَقُولُ: ألا إنَّ آلِهَتَكم قَدْ حَرَّمَتِ المُحَرَّمَ فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ العامَ، ثُمَّ يَقُومُ في العامِ المُقْبِلِ، فَيَقُولُ: ألا إنَّ آلِهَتَكم قَدْ حَرَّمَتِ صَفَرَ فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ العامَ، وكانَ يُقالُ لَهُما: الصَّفَرانِ. وكانَ أوَّلُ مَن نَسَأ النَّسِيءَ بَنُو مالِكٍ مِن كِنانَةَ وكانُوا ثَلاثَةً: أبُو ثُمامَةَ صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ أحَدُ بَنِي فُقَيْمِ بْنِ الحارِثِ، ثُمَّ أحَدُ بَنِي كِنانَةَ. (p-٣٥٢)وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، «عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ قالَ: فَرَضَ اللَّهُ الحَجَّ في ذِي الحِجَّةِ، وكانَ المُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الأشْهُرَ: ذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ وصَفَرُ ورَبِيعٌ ورَبِيعٌ وجُمادى وجُمادى ورَجَبُ وشَعْبانُ ورَمَضانُ وشَوّالُ وذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ، ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنِ المُحَرَّمِ فَلا يَذْكُرُونَهُ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرَ صَفَرَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَبَ جُمادى الآخِرَةَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبانَ رَمَضانَ ورَمَضانَ شَوّالَ، ويُسَمُّونَ ذا القَعْدَةِ شَوّالَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ ذا الحِجَّةِ ذا القَعْدَةِ، ثُمَّ يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ ذا الحِجَّةِ ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ واسْمُهُ عِنْدَهم ذُو الحِجَّةِ، ثُمَّ عادُوا مِثْلَ هَذِهِ القِصَّةِ فَكانُوا يَحُجُّونَ في كُلِّ شَهْرٍ عامًا، حَتّى وافَقَ حِجَّةُ أبِي بَكْرٍ الآخِرَةُ مِنَ العامِ في ذِي القَعْدَةِ ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ حَجَّتَهُ الَّتِي حَجَّ فِيها فَوافَقَ ذا الحِجَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ في خُطْبَتِهِ: إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن بَنِي مالِكِ بْنِ كِنانَةَ يُقالُ لَهُ: جُنادَةُ بْنُ عَوْفٍ يُكَنّى أبا أُمامَةَ يُنْسِئُ الشُّهُورَ وكانَتِ (p-٣٥٣)العَرَبُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أنْ يَمْكُثُوا ثَلاثَةَ أشْهُرٍ لا يُغِيرُ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ، فَإذا أرادَ أنْ يُغِيرَ عَلى أحَدٍ قامَ يَوْمَ مِنًى فَخَطَبَ فَقالَ: إنِّي قَدْ أحْلَلْتُ المُحَرَّمَ وحَرَّمْتُ صَفَرَ مَكانَهُ فَيُقاتِلُ النّاسُ في المُحَرَّمِ، فَإذا كانَ صَفَرُ غَمَدُوا السِّيُوفَ ووَضَعُوا الأسِنَّةَ، ثُمَّ يَقُومُ في قابِلٍ فَيَقُولُ: إنِّي قَدْ أحْلَلْتُ صَفَرَ وحَرَّمْتُ المُحَرَّمَ فَيُواطِئُوا أرْبَعَةَ أشْهُرٍ فَيُحِلُّوا المُحَرَّمَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا﴾ قالَ: هو صَفَرُ كانَتْ هَوازِنُ وغَطَفانُ يُحِلُّونَهُ سَنَةً ويُحَرِّمُونَهُ سَنَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب