الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ الجُمْهُورُ عَلى هَمْزِ النَّسِيءِ ومَدِّهِ وكَسْرِ سِينِهِ.
وَرَوى شِبْلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: "النَّسْءُ" عَلى وزْنِ النَّسْعِ. وُفي (p-٤٣٥)رِوايَةٍ أُخْرى عَنْ شِبْلٍ: "النَّسْيُ" مُشَدَّدَةَ الياءِ مِن غَيْرِ هَمْزٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ؛ والمُرادُ بِالكَلِمَةِ التَّأْخِيرُ. قالَ اللُّغَوِيُّونَ: النَّسِيءُ: تَأْخِيرُ الشَّيْءِ. وكانَتِ العَرَبُ تُحَرِّمُ الأشْهُرَ الأرْبَعَةَ، وكانَ هَذا مِمّا تَمَسَّكَتْ بِهِ مِن مِلَّةِ إبْراهِيمَ؛ فَرُبَّما احْتاجُوا إلى تَحْلِيلِ المُحَرَّمِ لَلْحَرْبِ تَكُونُ بَيْنَهم، فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ المُحَرَّمِ إلى صَفَرٍ، ثُمَّ يَحْتاجُونَ إلى تَأْخِيرِ صَفَرٍ أيْضًا إلى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ ثُمَّ تَتَدافَعُ الشُّهُورُ شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ حَتّى يَسْتَدِيرَ التَّحْرِيمُ عَلى السَّنَةِ كُلِّها، فَكَأنَّهم يَسْتَنْسِؤُونَ الشَّهْرَ الحَرامَ ويَسْتَقْرِضُونَهُ، فَأعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أنَّ ذَلِكَ زِيادَةٌ في كُفْرِهِمْ، لِأنَّهم أحَلُّوا الحَرامَ، وحَرَّمُوا الحَلالَ (لِيُواطِؤُوا) أيْ: لِيُوافِقُوا (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ) فَلا يَخْرُجُونَ مِن تَحْرِيمِ أرْبَعَةٍ، ويَقُولُونَ: هَذِهِ بِمَنزِلَةِ الأرْبَعَةِ الحُرُمِ، ولا يُبالُونَ بِتَحْلِيلِ الحَرامِ، وتَحْرِيمِ الحَلالِ. وكانَ القَوْمُ لا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلّا في ذِي الحِجَّةِ إذا اجْتَمَعَتِ العَرَبُ لَلْمَوْسِمِ، قالَ الفَرّاءُ: كانَتِ العَرَبُ في الجاهِلِيَّةِ إذا أرادُوا الصَّدْرَ عَنْ مِنى، قامَ رَجُلٌ مِن بَنِي كِنانَةَ يُقالُ لَهُ: نَعِيمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وكانَ رَئِيسُ المَوْسِمِ، فَيَقُولُ: أنا الَّذِي لا أُعابُ ولا أُجابُ ولا يُرَدُّ لِي قَضاءٌ؛ فَيَقُولُونَ: أنْسِئْنا شَهْرًا؛ يُرِيدُونَ: أخِّرْ عَنّا حُرْمَةَ المُحَرَّمِ، واجْعَلْها في صَفَرٍ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ. وإنَّما دَعاهم إلى ذَلِكَ تَوالِي ثَلاثَةِ أشْهُرٍ حُرُمٍ لا يُغَيِّرُونَ فِيها، وإنَّما كانَ مَعاشُهم مِنَ الإغارَةِ، فَتَسْتَدِيرُ الشُّهُورُ كَما بَيَّنّا. وقِيلَ: إنَّما كانُوا يَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ عامًا، فَإذا كانَ مِن قابِلٍ رَدُّوهُ إلى تَحْرِيمِهِ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: والتَّفْسِيرُ الأوَّلُ أحَبُّ إلَيَّ، لِأنَّ هَذا القَوْلَ لَيْسَ فِيهِ اسْتِدارَةٌ.
وَقالَ مُجاهِدٌ: كانَ أوَّلُ مَن أظْهَرَ النَّسِيءَ جَنادَةُ بْنُ عَوْفٍ الكِنانِيُّ، فَوافَقَتْ حُجَّةٌ أبِي بَكْرٍ ذا القِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ في العامِ القابِلِ في ذِي الحِجَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ قالَ: « "ألا إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ (p-٤٣٦)والأرْضِ" .» وقالَ الكَلْبِيُّ: أوَّلُ مَن فَعَلَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "يَضِلُّ" بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الضّادِ، والمَعْنى: أنَّهم يَكْتَسِبُونَ الضَّلالَ بِهِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "يَضِلُّ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الضّادِ، عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ. وقَرَأ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، ويَعْقُوبُ إلّا الوَلِيدُ: "يَضِلُّ" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الضّادِ؛ وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ.
أحَدُها: يُضِلُّ اللَّهُ بِهِ. والثّانِي: يُضِلُّ الشَّيْطانُ بِهِ، ذَكَرَهُما ابْنُ القاسِمِ. والثّالِثُ: يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا النّاسَ، لِأنَّهُمُ الَّذِينَ سَنُّوهُ لَهم.
قالَ أبُو عَلِيٍّ: التَّقْدِيرُ: يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا تابِعِيهِمْ. وقالَ ابْنُ القاسِمِ: الهاءُ في "بِهِ" راجِعَةٌ إلى النَّسِيءِ، وأصْلُ النَّسِيءِ: المَنسُوءُ، أيِ: المُؤَخَّرُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْ "مَفْعُولٍ" إلى "فَعِيلٍ" كَما قِيلَ: مَطْبُوخٌ وطَبِيخٌ، ومَقْدُورٌ وقَدِيرٌ، قالَ: وقِيلَ: الهاءُ راجِعَةٌ إلى الظُّلْمِ، لِأنَّ النَّسِيءَ كَشَفَ تَأْوِيلَ الظُّلْمِ، فَجَرى مَجْرى المُظْهَرِ؛ والأوَّلُ اخْتِيارُنا.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق