الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ الآية، قال أبو زيد: "نسأت الإبل عن الحوض فأنا أنسأها نسأ: إذا أخرتها عنه [[ساقط من (ح).]]، وأنساته الدين إنساءً: إذا أخرته عنه، واسم ذلك النسيئة والنسء" [["تهذيب اللغة" (نسأ) 4/ 3566 بلفظ مقارب، وبعضه في "الحجة" 4/ 193.]].
قال [[من (ى).]] [أبو عبيد عن الأصمعي: "أنسأ الله فلانا أجله [ونسأ في أجله] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]: [أي أخره" [["تهذيب اللغة" (نسأ) 4/ 3566، وهو في "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 23 من غير نسبة.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م) و (ى)، وهو كذلك غير موجود في المصدرين التاليين.]]، [وذكر الزجاج في باب الوفاق: "نسأ الله في أجله وأنسأ أجله: أي أخره" [[اهـ. كلام الزجاج، انظر: كتاب "فعلت وأفعلت" ص 40، و"معاني القرآن وإعرابه" 1/ 190 ولعل الزجاج ذكره في كتاب آخر فيه باب الوفاق، ولم أعثر عليه.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]، فالنسيء في اللغة: معناه: التأخير على ما ذكره أهل اللغة [[انظر أيضًا: "الصحاح" (نسأ) 1/ 76، و"مجمل اللغة" (نسى) 3/ 766.]].
وكان النسيء في الشهور: تأخير حرمةٍ لشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، قال الفراء: "النسيء: المصدر، ويكون المنسوء، مثل قتيل ومقتول" [["معاني القرآن" 1/ 437.]].
وقال الأزهري: "النسيء في هذه الآية بمعنى الإنساء، اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من أنسأت، قال: وقد قال بعضهم: نسأت في هذا الموضع بمعنى أنسأت، ومنه قول عمير بن قيس بن جذل الطعان [[هو: عمير بن قيس أحد بني علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة، وجذل الطعان: لقب لجده علقمة، وقيل: بل لقب له، والأول هو الظاهر من مصادر تخريج البيت، وسمي بذلك لثباته في الحرب كأنه جذل شجرة واقف، وقيل: لأنه كان يستشفى برأيه ويستراح إليه كما تستريح البهيمة الجرياء إلى الجذل تحتك به.
انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 45، و"الروض الأنف" 1/ 251.]]:
ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما [[انظر البيت منسوبًا لعمير بن قيس في "سيرة ابن هشام" 1/ 46، و"تهذيب اللغة" (نسأ) 4/ 3556، و"لسان العرب" (نسأ) 7/ 4403.]] [[اهـ. كلام الأزهري، انظر: "تهذيب اللغة" (نسأ) 4/ 3556.]] قال أبو علي: "النسيء: مصدر كالنذير والنكير، ولا يجوز أن يكون (فعيلا) بمعنى (مفعول)؛ لأنه إن [[ساقط من: (ى).]] حمل على ذلك كان معناه [[في (ى): (المعنى).]]: إنما المؤخَّر زيادة في الكفر [[في (ح): (بالكفر).]]، والمؤخر الشهر؛ وليس الشهر نفسه زيادة في الكفر إنما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، فأما نفس الشهر فلا" [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 193.]]، فقد وافق أبو علي الأزهريَّ في أن النسيء موضوع [[ساقط من (ى).]] موضع المصدر.
وهذا قراءة العامة [["كتاب السبعة" (ص 314)، و"التبصرة في القراءات" ص 215، و"تقريب النشر" ص 34، وقد أفاد المصدران الأخيران أن ورشًا وافق الجمهور في إحدى الروايتين عنه، وله رواية أخرى لفظها: (إنما النسىُّ) بغير همز ولا مد، والياء مشددة.]]، وروي عن ابن كثير [[هو: عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله الداري أبو معبد المكي، إمام المكيين في القراءة، واحد القراء السبعة، كان فصيحًا بليغًا مفوهًا، عليه سكينة ووقار، توفي سنة 120هـ.
انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 86، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 318، و"تقريب التهذيب" ص318 (3550)، و"غاية النهاية" 1/ 443.]] من طريق شبل [[في (ى): (ابن شبل)، والصواب ما في (ح) و (م) كما في كتاب "السبعة في القراءات" ص 314، و"الحجة للقراء السبعة" 4/ 193، وهو شبل بن عباد المكي، صاحب ابن كثير، ومقرئ مكة، وأحد شيوخ حمزة الزيات، كان ثقة من رجال البخاري، توفي بعد سنة 150 هـ.
انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 129، و"الكاشف" 1/ 478، و"تقريب التهذيب" ص 263 (2737).]]: (النَّسء) بوزن النسع [[كتاب "السبعة" ص 314، و"الحجة للقراء السبعة" 4/ 191، و"إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه 1/ 247.]]، وهو المصدر الحقيقي كقولهم: نَسَأت: أي أخرت، وروي عنه أيضًا (النسي) مخففة الياء [[انظر: المصادر السابقة، نفس المواضع، لكن ابن خالويه جعلها بالألف المقصورة على وزن: الدُّمى.]]، ولعله لغة في (النسء) بالهمز مثل: أرجيت وأرجأت [[كررت الكلمة في (ى).]]، وروي عنه أيضًا (النسيُّ) مشددة الياء بغير همز [[انظر: المصادر السابقة، نفس المواضع.]]، وهذا على التخفيف القياسي، كما أن (مقروة) في (مقرؤة) في (مقرؤة) تخفيف قياسي [[انظر: "الحجة" 4/ 194، و"لسان العرب" (قرأ) 6/ 3618.]].
فأما معنى "النسيء" في هذه الآية، قال العلماء وأهل التفسير: "إن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة، وكان ذلك ما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وكانت العرب أصحاب حروب وغارات، فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يُغيْرون فيها، وقالوا: لئن [[في (ح): (التي).]] توالت علينا ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئًا لنهلكن، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمونه، ويستحلون المحرم، [وكانوا يمكثون بذلك زمانا يحرمون صفر وهم يريدون به المحرم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]، ويقولون: هو أحد الصفرين" [[انظر: "تفسير السمرقندي" 2/ 48، والثعلبي 6/ 106 ب، والبغوي 4/ 45، وابن الجوزي 3/ 435، والرازي 16/ 57، وقد رواه ابن حاتم في "تفسيره" 6/ 1794 بمعناه عن السدي.]].
ولقد تأول بعض الناس قوله ﷺ: "لا صفر" [[رواه البخاري (5717) في "صحيحه"، كتاب الطب، باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن، ومسلم (2220) في "صحيحه"، كتاب السلام، باب لا عدوى .. ، وتفسير البخاري للحديث هو المشهور عند العلماء، انظر: "فتح الباري" 10/ 171.]] على هذا [[هذا تأويل الإمام مالك -رحمه الله- انظر: "فتح الباري" 10/ 171، وقد ذكر التأويل من غير نسبة أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 26، والثعلبي في "تفسيره" 6/ 106 ب.]].
قال أبو عبيدة: "كانوا يؤخرون المحرم وذلك نسء الشهور، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة، إذا اجتمعت العرب للموسم فينادي مناد: أن افعلوا ذلك، لحرب أو لحاجة وليس كل سنة يفعلون ذلك، فإذا أرادوا أن يحلوا المحرم نادوا: هذا صفر وإن المحرم الأكبر صفر [[نص عبارة أبي عبيدة: (نادى مناد: إن المحرم في صفر، وكانوا يسمون المحرم وصفر: الصفرين، والمحرم صفر الأكبر، وصفر المحرم الأصغر).]]، فيذهب الناس إلى منازلهم إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمون المحرم وصفر صفرين، ويقدمون صفرًا سنة ويؤخرونه" [["مجاز القرآن" 1/ 258 بمعناه مع الزيادة وتقديم بعض الجمل.]].
قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد: "أول من نسأ النسيء: بنو مالك بن كنانة [[هم بنو مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص 10، و"نسب قريش" ص 11.]]، وكانوا ثلاثة [[لم يذكر من الثلاثة في هذه الرواية سوى واحد، وكذلك ابن جرير 10/ 130 - 131، والثعلبي 6/ 107 أ، والبغوي 4/ 46، وقد ذكر المفسرون والعلماء أكثر من ثلاثة منهم:
1 - عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، رواه الثعلبي 6/ 107 ب، والبغوي 4/ 47 عن بن عباس بسند واه. == 2 - أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني الحارث بن مالك الكناني، رواه ابن جرير 10/ 131 عن قتادة، وانظر: "المحبر" (ص 133)، و"أمالي القالي" 1/ 240.
3 - الحارث بن ثعلبة، ذكره عن مجاهد الحافظ ابن حجر في "الإصابة" 1/ 275.
4 - نعيم بن ثعلبة، رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" (ص 193) من رواية الكلبي عن ابن عباس، ورواه الثعلبي 6/ 107 أ.
5 - 9 - القلمس، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم الكناني، ثم ابنه عباد بن حذيفة، ثم ابنه قلع بن عباد، ثم ابنه أمية بن قلع، ثم ابنه عوف بن أمية، ذكرهم ابن إسحاق في "السيرة النبوية" 1/ 45.
10 - أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية الكناني، وكان آخرهم وفي زمنه أبطل الله النسيء، انظر: "تفسير ابن جرير" 7/ 130، و"السيرة النبوية" 1/ 45، و"الإصابة في تمييز الصحابة" 1/ 246.]]: أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية الكناني [[هو: جنادة بن عوف بن أمية بن قلع من بني فقيم ثم من بني مالك بن كنانة، أبو ثمامة الكناني، نسأ الشهور أربعين سنة، وكان أبعد النسأة ذكرًا، وأطولهم أمدًا، وقد أسلم، وأدرك زمن عمر-رضي الله عنهما-.
انظر: "السيرة النبوية" 1/ 45، و"الإصابة" 1/ 246.]]، كان يوافي الموسم على حمار فيقول: إني لا أعاب ولا أحاب [[أحاب: بالحاء المهملة في (ح) و (م)، وكذلك في "المحبر" ص 157، وهو من الحوب، أي الإثم، انظر: "لسان العرب" (حوب)، والمعنى: لا أنسب إلى الإثم، وفي النسخة (ى) و"معاني القرآن" للفراء 1/ 436: أجاب، وفي "تفسير الثعلبي": أخاب من الخيبة، أي: لا يُخيّب لي قول ولا يرد، أما معنى أجاب، فأقرب ما وجدت من معانيه أنه من المجاوبة: أي التحاور، والمعنى: لا أحاور ولا أجادل فيما أقول، وقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب" (جوب): (أن المجاوبة والتجاوب: التحاور.]] ولا مردّ لما أقول: إن آلهتكم قد أقسمت لتحرمنّ -وربما قال: لتحلّن- هذا الشهر -يعني: المحرم-، فيحلونه [[ساقط من: (ى).]] ويحرمون صفرًا، وإن حرموه أحلوا صفرًا" [[ذكر الأثر عنهم جميعًا الثعلبي 6/ 107 أوهو لفّقه من رواياتهم جميعًا، وذكر الإمام ابن جرير تلك الروايات مفصلة، انظر "تفسيره" 10/ 129 - 132.]]، وقال الكلبي: "أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نُعيم بن ثعلبة [[لم أقف له على ترجمة، ولم يذكره سوى الكلبي وحاله لا تخفى.]]، وكان من بعده جنادة بن عوف وهو الذي أدركه رسول الله -ﷺ-" [[ذكره الثعلبي 6/ 106 أ، والبغوي 4/ 46.]]، ونحو هذا قال الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 436.]]، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: "أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق [[جد جاهلي قديم، وزعيم من طواغيت العرب، وقد صح في شأنه أمور منها:
أ- أن اسمه عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، رواه البخاري في (3520)، كتاب المناقب، باب قصة خزاعة
ب- أنه جد خزاعة القبيلة العربية المعروفة، رواه البخاري في الموضع السابق، لكن بعض العلماء يرى أن الحديث تصحف على بعض الرواة فقال: أبو خزاعة، والصواب: أخو خزاعة وهذا هو المشهور، انظر: "البداية والنهاية" 2/ 189.
ج- أنه أول من غير دين إبراهيم عليه السلام فقد روى مسلم في "صحيحه" أن رسول الله -ﷺ- قال: "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب، وبحر البحيرة، وغير دين إسماعيل".]] " [[رواه الثعلبي 6/ 107 ب، والبغوي 4/ 47.]]، قال أبو بكر بن الأنباري: "وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرئاسة، ويشرف ولده والمنتمون إليه، بعلوه وترئيس [[في (م): (وتزيين)، ولا معنى له.]] العرب إياه.
قال الشاعر [[سبق تخريج هذا البيت عند تفسير أول الآية.]] مفتخرًا بذلك:
وكان الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حرامًا وقال آخر [[لم أهتد إليه، والبيت بلا نسبة في كتاب "الأمالي" للقالي 1/ 4، و"تفسير ابن عطية" 6/ 489، و"البحر المحيط" 5/ 40، و"الدر المصون" 6/ 47.]]:
نسؤا المشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتحول
وأكثر العلماء على أن هذا التأخير كان من المحرم إلى صفر على ما ذكرنا [[انظر: "تفسير ابن جرير" 1/ 130 - 132، وابن أبي حاتم 6/ 1794، والثعلبي 6/ 106، والبغوي 4/ 45، وابن الجوزي 3/ 435، و"السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 44 - 45.]]، وقال جماعة من العلماء: "ربما كانوا يحتاجون إلى تأخير صفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى ربيع، ثم يمكثون بذلك ما شاء الله، ثم يحتاجون إلى مثله، ثم كذلك، وكذلك تتدافع شهرًا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله به، وذلك بعد دهر طويل [[في (ح): (دهور طويلة). والمثبت موافق لما في "تفسير الثعلبي".]] " [[هذا معنى قول عبد الله بن عمرو كما في "الدر المنثور" 3/ 426، وقول مجاهد كما في "تفسير ابن جرير" 10/ 131، وقول ابن أبي نجيح كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1794، والعبارة للثعلبي في "تفسيره" 6/ 106 ب، واعتبره الرازي 16/ 57 هو الصحيح في تفسير الآية، وأقول: إن المتأمل في مجموع الروايات الواردة في هذه القضية يتبين له أن النسيء عند العرب على ضربين:
الأول: تأخير تحريم شهر محرم إلى صفر؛ لحاجتهم إلى الغزو والنهب، وهذا هو المذكور في هذه الآية بدلالة قوله تعالى: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾.
الثاني: تأخيرهم الحج عن وقته، ليكون ثابتًا في فصل من فصول السنة، كالأشهر في السنة الشمسية، فقد روى الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 425 عن عبد الله بن عمرو "أن العرب كانوا لا يصيبون الحج -يعني == في شهر ذي الحجة- إلا في كل ست وعشرين سنة مرة". وروى عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 275، وابن جرير 10/ 131 عن مجاهد قال: " .. فكانوا يحجون في كل شهر عامين" ومما يدل على هذا النوع من النسيء ما روي أن حجة أبي بكر -رضي الله عنه- سنة تسع كانت في ذي القعدة، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 8/ 82: ذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في "الإكليل" ا. هـ وأنكر الإمام ابن كثير في "تفسيره" 2/ 393 ذلك بشدة.
هذا وقد بين الرازي في "تفسيره" 16/ 56 - 57 أن غرضهم من ذلك هو المواءمة بين موسم الحج ومواسم التجارة في سائر البلدان.
واختار الإمام أبو عبيد القول الثاني؛ لقول النبي -ﷺ- "إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض" وليس في التفسير الآخر استدارة. انظر: "غريب الحديث"، له 1/ 291، 293.]]، فذلك حين قال رسول الله -ﷺ- في خطبته في حجة [[في (ى): (خطبة حجة الوداع).]] الوداع: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاث [[هكذا في النسخ، وهو موافق لرواية البخاري (7447) كتاب التفسير، سورة براءة، ورواية أبي داود وأحمد، قال الحافظ ابن حجر: (قال ابن التين: الصواب: ثلاثة متوالية؛ يعني لأن المميز الشهر، قال: ولعله أعاده على المعنى، أي ثلاث مدد متواليات. انتهى، أو باعتبار العدة، مع أن الذي لا يذكر التمييز معه يجوز فيه التذكير والتأنيث). "فتح الباري" 8/ 325، والجدير بالتنبيه أن البخاري روى الحديث في موضع آخر بلفظ: ثلاثة.]] متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" [[رواه البخاري في "صحيحه" في عدة مواضع منها كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (4662)، وكتاب التفسير، سورة براءة (7447)، وكتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ورواه أيضًا مسلم (1679)، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء، وأبو داود (1947)، كتاب المناسك، باب الأشهر الحرم، وأحمد في "المسند" 5/ 37.]]، أراد إن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها، فهذا الذي ذكرنا أكثر قول [[هكذا في جميع النسخ.]] أهل اللغة في النسيء والمفسرين.
وقال قطرب: "معنى النسيء وأصله: من الزيادة يقال: نسأ في الأجل وأنسأ: إذا زاد فيه [[ساقط من (ى).]]، وكذلك قيل للبن: النسيء؛ لزيادة الماء فيه ونُسئت المرأة: إذا حبلت، جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وقيل للناقة: نسأتها: أي زجرتها ليزداد سيرها، وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسيء" [[ذكر قول قطرب الرازي 16/ 55 - 56، وبنحوه الثعلبي 6/ 106 أ.]]، وهذا مذهب قتادة من المفسرين قال: "إنهم عمدوا فزادوا صفرًا في الأشهر الحرم فقرنوه بالمحرم في التحريم، وأشركوا بينهما في الاسم فقالوا للمحرم وصفر: صفران" [[رواه بمعناه مختصرًا ابن جرير 10/ 131، والثعلبي 6/ 106 أ، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 16/ 426.]]، والصحيح: القول الأول، وأن أصل النسيء: التأخير، ونُسِئت المرأة: إذا حبلت؛ لتأخر حيضها، ونَسَأتُ الناقة معناه: زجرتها عن التأخير، ونَسَأتُ اللبن: إذا أخرته حتى كثر الماء فيه [[من عادة اللبن أن الماء يطفو فوقه إذا ترك فترة.]]، وقول قتادة: "أنهم زادوا صفرا في الحرم، فذلك يعود إلى تأخيرهم التحريم من المحرم إليه ولم يزيدوه [[في (ي): (ولا يزيدونه).]] زيادة أصل تبلغ به عدد الحرم خمسة أشهر؛ لأن الله تعالى قال: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ فبين أنهم لم يزيدوا في العدد وإنما نقلوا التحريم من موضعه.
وقوله تعالى: ﴿زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾، قال ابن عباس: يريد زيادة في كفرهم حيث أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله [[ذكره المصنف في "الوسيط" 2/ 495، ورواه بمعناه مطولاً ابن جرير 10/ 130 من رواية علي بن أبي طلحة.]]، قال أهل المعاني: والزيادة في الكفر هو منه وفي معناه؛ لأنه كفر، كالزيادة في الدار هي منها؛ لأنها تصير معها دارًا واحدة [[انظر: "تفسير الأصفهاني" 4/ 35 ب بمعناه ولم أجده في كتب أهل المعاني التي بين يدي، وقد زاد القرطبي هذا المعنى إيضاحًا فقال: قوله تعالى: ﴿زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ بيان لما فعلته العرب من جمعها أنواعًا من الكفر، فإنها أنكرت وجود الباري -تعالى- فقالت: (وما الرحمن) في أصح الوجوه، وأنكرت البعث فقالت: (من يحيى العظام وهي رميم) وأنكرت بعثه الرسل فقالوا: (أبشرًا واحدًا نتبعه) .. إلخ. "تفسير القرطبي" 8/ 139.]].
وقوله تعالى: ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهذه قراءة العامة [[يعني بفتح الياء وكسر الضاد، وهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، انظر: "كتاب السبعة" ص 314، و"الغاية في القراءات العشر" ص 165، و"تقريب النشر" ص120.]]، وهو حسن؛ لإسناد الضلال إلى الذين كفروا؛ لأنهم إن كانوا ضالين في أنفسهم حسن إسناد الضلال إليهم، وإن كانوا مضلين لغيرهم حسن أيضًا؛ لأن المضل لغيره ضال بفعله إضلال غيره.
وقرأ أهل الكوفة ﴿يُضَلُّ﴾ بضم الياء وفتح [[في (ي): (وضم)، وهو خطأ.]] الضاد [[هذه قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص. انظر: المصادر السابقة، نفس المواضع.]]، ومعناه: أن كبراءهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، فأسند الفعل إلى المفعول كقوله في هذه الآية: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ أي: زين لهم ذلك حاملوهم وداعوهم [[في (ح): (ودعواهم)، وهو خطأ.]] إليه، وقرأ أبو عمرو في رواية أوقية [[هو: عامر بن عمر بن صالح أبو الفتح الموصلي، المعروف بأوقية، مقرئ حاذق، وتولى قضاء الموصل، توفي سنة 250 هـ. انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 220، و"غاية النهاية" 1/ 350.]] من طريق ابن مقسم [[هو: محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن البغدادي، أبو بكر ابن مقسم العطار، كان إمامًا مقرئًا نحويًا، ثقة، ومن أحفظ الناس لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات، وصنف في التفسير والمعاني، توفي سنة 354 هـ. انظر: "تاريخ بغداد" 2/ 206، و"إنباه الرواة" 3/ 100، و"غاية النهاية" 2/ 123.]]: (يُضِلُّ بهِ الذين كَفَروا) بضم الياء وكسر الضاد [[انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 165، و"البحر المحيط" 5/ 40.]]، وله ثلاثة أوجه: أحدها: يضل الله به الذين كفروا، والثاني: يضل الشيطان [[في (م): (الشياطين).]] به الذين كفروا، والثالث: وهو أقواها يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بذلك، وإنما كان هذا الوجه أقوى لأنه لم يجر ذكر الله ولا ذكر الشيطان فيبنى الفعل لهما، والكناية في (به) تعود إلى النسيء.
وقوله تعالى: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾، قال ابن عباس: يريد: إذا قاتلوا فيه أحلوه وحرموا مكانه صفرًا، وإذا لم يقاتلوا فيه حرموه [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 495، و"الوجيز" 6/ 491.]]، والكناية في ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ و ﴿وَيُحَرِّمُونَهُ﴾ تعود إلى النسيء [[وإلى هذا ذهب أيضًا ابن جرير 10/ 130، والثعلبي 6/ 108 أ، والبغوي 4/ 47.]]، أي: يحلون التأخير عاما، وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم، ويحرمون التأخير عامًا، وهو العام الذي يدعون [[في (ي): (الذي يريدون أن يدعوا .. إلخ). ولم أثبت هذه الزيادة لثلاثة أسباب:
أ- عدم وجودها في (ح) و (م).
ب- أن الرازي نقل الجملة منسوبة للواحدي وليس فيها هذه الزيادة، انظر: "مفاتيح الغيب" 16/ 59.
جـ- كثرة الأخطاء والسقط في النسخة (ي).]] المحرم على تحريمه.
وقوله تعالى: ﴿لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾، قال أهل اللغة: ليوافقوا. يقال: واطأت فلانًا على كذا: إذا وافقته عليه [[انظر: "تهذيب اللغة" (وطئ) 4/ 3912، و"الصحاح" (وطأ) 1/ 81.]]، قال الزجاج: المواطأة: الموافقة على الشيء [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 447 ولفظه: المواطأة: المماثلة والاتفاق على الشيء.]]، وقال المبرد: يقال: واطأت القوم على كذا، وتواطئوا [[في (ي): (وواطؤهم).]] هم: إذا اجتمعوا على أمر واحد، كأنّ كل واحد [[في (ح): (أحد).]] يطأ حيث يطأ صاحبه، والإيطاء [[في (ح): (ولا يطأ)، وهو خطأ.]] في الشعر من هذا، وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين على لفظ واحد ومعنى واحد [[انظر معنى الإيطاء في "تهذيب اللغة" (وطئ) 4/ 3912، و"طبقات فحول الشعراء" 1/ 72، ولم أقف على مصدر قول المبرد.]].
قال ابن عباس: ليواطؤا أربعة أشهر؛ لأن الله حرم منها أربعة [[رواه بمعناه مطولاً ابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 426.]].
قال المؤرج: هو أنهم لم يحلوا شهرًا من الحرم إلا حرموا مكانه شهرًا من الحلال [[في (ح): (الحرم)، والصواب ما في (م) و (ي)، وهو موافق لما في "تفسير الثعلبي".]]، [ولم يحرموا شهرًا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرًا من الحرم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] لئلا تكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرم الله، فتكون موافقة للعدد، فذلك المواطأة [[انظر: قول مؤرج في "تفسير الثعلبي" 6/ 108 أ.]]. وقال الزجاج: يجعلون صفرًا كالمحرم في العدد، ويقولون: إن هذه أربعة [[في (ي): (الأربعة)، وما أثبته موافق لما في "معاني القرآن وإعرابه".]] بمنزلة أربعة [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 447.]]، وقال الفراء: يقول [[في (ي): (يقولون)، وما أثبته موافق لما في "معاني القرآن".]]: لا يخرجون من تحريم أربعة أشهر [[ساقط من (م).]] [["معاني القرآن" 1/ 437.]].
وقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾، قال ابن عباس والحسن: يريد، زين لهم الشيطان هذا [[انظر: "تفسير البغوي" 4/ 47، والرازي 16/ 58، و"الوسيط" 2/ 495.]].
وقوله [[من (م).]]: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾، قال: يريد: لا يرشد كل كفار أثيم.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق