الباحث القرآني
ولَمّا فُهِمَ مِن هَذا إبْطالُ النَّسِيءِ لِأنَّهُ فِعْلُ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ فَلا تَقْوى فِيهِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: أفَما في النَّسِيءِ تَقْوى؛ فَإنَّ سَبَبَهُ إنَّما هو الخَوْفُ مِنَ انْتِهاكِ حُرْمَةِ اللَّهِ بِالقِتالِ في الشَّهْرِ الَّذِي حَرَّمَهُ؟ وذَلِكَ أنَّهم كانُوا أصْحابَ غاراتٍ وحُرُوبٍ، وكانُوا يَحْتَرِمُونَ الأشْهُرَ الحُرُمَ عَنِ القِتالِ حَتّى لَوْ رَأى الإنْسانُ قاتِلَ أبِيهِ لا مانِعَ مِنهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ، فَكانَ إذا جاءَ الشَّهْرُ الحَرامُ وهم مُحارِبُونَ شَقَّ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ، وكانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ (p-٤٥٢)ذَلِكَ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ مُتَوالِيَةً، فَجَعَلُوا النَّسِيءَ لِذَلِكَ، فَقِيلَ تَصْرِيحًا بِما أفْهَمَهُ ما مَضى: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ﴾ أيْ: تَأْخِيرُ الشَّهْرِ إلى شَهْرٍ آخَرَ عَلى أنَّهُ مَصْدَرُ نَسَأ نَسِيئًا - إذا أخَّرَهُ، أوْ هو اسْمُ مَفْعُولٍ، أيِ: الشَّهْرُ الَّذِي تُؤَخِّرُ العَرَبُ حُرْمَتَهُ مِنَ الأشْهُرِ الحُرُمِ عَنْ وقْتِها ﴿زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ أيْ: لِأنَّهُ عَلى خِلافِ ما شَرَعَهُ اللَّهُ، وفِيهِ سَتْرُ تَحْرِيمِ ما أظْهَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ.
ولَمّا بَيَّنَ ما في النَّسِيءِ مِنَ القَباحَةِ، تَحَرَّرَ أنَّهم وقَعُوا عَلى ضِدِّ مُرادِهِمْ؛ فَإنَّهم كانُوا لَوْ قاتَلُوا في الشَّهْرِ الحَرامِ قاتَلُوا وهم مُعْتَقِدُونَ الحُرْمَةَ خائِفُونَ عاقِبَتَها فَكانُوا غَيْرَ خارِجِينَ عَنْ دائِرَةِ التَّقْوى بِالكُلِّيَّةِ، فَإذا هم بِتَحْلِيلِهِ قَدْ صارُوا خارِجِينَ عَنْ دائِرَتِها بِمَراحِلَ لِارْتِكابِهِمْ فِيهِ كُلَّ عَظِيمَةٍ مَعَ الأمْنِ لِاعْتِقادِ الحِلِّ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ الَّذِي اعْتَقَدُوهُ رِبًا، فَكانَ يَقُولُ: إنِّي لا أُجابُ ولا أُعابُ، وإنَّهُ لا مَرَدَّ لِقَضائِي، وإنِّي حَلَّلْتُ المُحَرَّمَ وحَرَّمْتُ صَفَرًا - إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الكَلامِ الَّذِي لا يَلِيقُ إلّا بِالإلَهِ؛ وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: بَيانًا لِما قَبْلَهُ: ﴿يُضَلُّ بِهِ﴾ أيْ: بِهَذا التَّأْخِيرِ الَّذِي هو النَّسِيءُ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: يَحْصُلُ لَهم بِذَلِكَ ضَلالٌ عَمّا شَرَعَهُ اللَّهُ - (p-٤٥٣)هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ والمَعْنى عَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ وحَفْصٍ - بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ: يُضِلُّهم مُضِلٌّ مِن قِبَلِ اللَّهِ، وعَلى قِراءَةِ يَعْقُوبَ - بِالضَّمِّ: يُضِلُّهُمُ اللَّهُ؛ ثُمَّ بَيَّنَ ضَلالَهم بِقَوْلِهِ: ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ أيْ: ذَلِكَ الشَّهْرَ، وعَبَّرَ عَنِ الحَوْلِ بِلَفْظٍ يَدُورُ عَلى مَعْنى السِّعَةِ إشارَةً إلى أنَّهم يَفْعَلُونَهُ ولَوْ لَمْ يَضْطَرْهم إلى ذَلِكَ جَدْبُ سَنَةً ولا عَضُّ زَمانٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي فَقالَ: ﴿عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا﴾ هَكَذا دائِمًا كُلَّما أرادُوا. ولَيْسَ المُرادُ أنَّهم كُلَّ سَنَةٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِن غَيْرِ إجْلالٍ لِسَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ، وهَذا الفِعْلُ نُسِخَ مِنهم مَعَ أنَّهم يَجْعَلُونَ النَّسْخَ مِن مَعايِبِ الدِّينِ ﴿لِيُواطِئُوا﴾ أيْ: يُوافِقُوا ﴿عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أيِ: المُحِيطِ بِالجَلالِ والإكْرامِ في كَوْنِ الأشْهُرِ الحُرُمِ أرْبَعَةً ﴿فَيُحِلُّوا﴾ أيْ: فَيَتَسَبَّبُ عَنْ هَذا الفِعْلِ أنْ يُحِلُّوا ﴿ما حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الأعْظَمُ مِنها كُلِّها، فَلا يَدْعُ لَهم هَذا الفِعْلُ شَهْرًا إلّا انْتَهَكُوا حُرْمَتَهُ فَأرادُوا بِذَلِكَ عَدَمَ انْتِهاكِ الحُرْمَةِ فَإذا هم لَمْ يَدَعُوا حُرْمَةً إلّا انْتَهَكُوها، فَما أبْعَدَهُ مِن ضَلالٍ!
ولَمّا انْهَتَكَتْ بِهَذا البَيانِ قَباحَةُ فِعْلِهِمْ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذا لَعَجَبٌ! ما حَمَلَهم عَلى ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: ﴿زُيِّنَ﴾ أيْ: زَيَّنَ مُزَيِّنٌ، وقُرِئَ شاذًّا بِإسْنادِ الفِعْلِ إلى اللَّهِ ﴿لَهم سُوءُ أعْمالِهِمْ﴾ أيْ: حَتّى رَأوْا حَسَنًا ما لَيْسَ بِالحَسَنِ فَضَلُّوا ولَمْ يَهْتَدُوا، فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ لِما عَلِمَ مِن طَبْعِهِمْ عَلى الكُفْرِ فَلَمْ يَهْدِهم ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ ﴿لا يَهْدِي﴾ أيْ: يَخْلُقُ الهِدايَةَ في القُلُوبِ ﴿القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ أيِ: (p-٤٥٤)الَّذِي طَبَعَهم عَلى الكُفْرِ فَهم عَرِيقُونَ فِيهِ لا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ؛ والنَّسِيءُ - قالَ في القامُوسِ -: الِاسْمُ مِن نَسَأ الشَّيْءَ بِمَعْنى زَجَرَهُ وساقَهُ وأخَّرَهُ، قالَ: وشَهْرٌ كانَتْ تُؤَخِّرُهُ العَرَبُ في الجاهِلِيَّةِ فَنَهى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَنْهُ؛ وقالَ ابْنُ الأثِيرِ في النِّهايَةِ؛ والنَّسِيءُ: فَعُولٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وقالَ ابْنُ فارِسٍ في المُجْمَلِ: والنَّسِيءُ في كِتابِ اللَّهِ التَّأْخِيرُ، وكانُوا إذا صَدَرُوا عَنْ مِنًى يَقُومُ رَجُلٌ مِن كِنانَةَ فَيَقُولُ: أنا الَّذِي لا يُرَدُّ لِي قَضاءٌ! فَيَقُولُونَ: أنْسِئْنا شَهْرًا، أيْ: أخِّرْ عَنّا حُرْمَةَ المُحَرَّمِ واجْعَلْها في صَفَرٍ. انْتَهى.
ومادَّةُ نَسَأ تَدُورُ عَلى التَّغْرِيبِ، وسَبَبُ فِعْلِهِمْ هَذا أنَّهم كانُوا رُبَّما أرادُوا قِتالًا في شَهْرٍ حَرامٍ فَيُحِلُّونَهُ، ويُحَرِّمُونَ مَكانَهُ شَهْرًا مِن أشْهُرِ الحِلِّ ويُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ؛ قالَ ابْنُ فارِسٍ: وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَكْرَهُونَ أنْ يَتَوالى عَلَيْهِمْ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ لا يُغِيرُونَ فِيها؛ لِأنَّ مَعاشَهم في الغارَةِ فَيَحِلُّ لَهُمُ الكِنانِيُّ المُحَرَّمَ. انْتَهى.
وكانَ النُّسَأةُ مِن بَنِي فُقَيْمٍ مِن كِنانَةَ، وكانَ أوَّلُ مَن فَعَلَ ذَلِكَ مِنهُمُ القَلَمَّسَ وهو حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ، وآخِرُهُمُ الَّذِي قامَ عَلَيْهِ الإسْلامُ أبُو ثُمامَةَ جُنادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ قَلْعِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ مالِكِ بْنِ كِنانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. نَسَأ أرْبَعِينَ سَنَةً، كانَتْ (p-٤٥٥)العَرَبُ إذا فَرَغَتْ مِن حَجِّها اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ، فَحَرَّمَ الأشْهُرَ الحُرُمَ الأرْبَعَةَ، فَإذا أرادُوا أنْ يُحِلَّ مِنها شَيْئًا أحَلَّ المُحَرَّمَ فَأحَلُّوهُ، وحَرَّمَ مَكانَهُ صَفَرًا فَحَرَّمُوهُ، لِيُواطِئُوا عِدَّةَ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ الحُرُمِ، فَإذا أرادُوا الصَّدْرَ قامَ فِيهِمْ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ أحْلَلْتُ لَهم أحَدَ الصَّفَرَيْنِ الصَّفَرَ الأوَّلَ، ونَسَأْتُ الآخَرَ لِلْعامِ المُقْبِلِ - ذَكَرَ ذَلِكَ أهْلُ السِّيَرِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ أوَّلَ مَن نَسَأ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ.
وتَحْقِيقُ مَعْنى ما كانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُهُ واخْتِلافِ أسْماءِ الشُّهُورِ بِهِ حَتّى يُوجِبَ دَوَرانَ السِّنِينَ فَلا تُصادِفُ أسْماءُ الشُّهُورِ مُسَمَّياتِها إلّا الحِينَ بَعْدَ الحِينِ عَسِرٌ، قَلَّ مَن أتى فِيهِ بِما يَتَّضِحُ بِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ في حَجَّةِ الوَداعِ كَما مَضى «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» وها أنا أذْكُرُ فِيهِ ما لا يَبْقى بَعْدَهُ لَبْسٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، فَمَعْنى قَوْلِهِ: ونَسَأْتُ الآخَرَ لِلْعامِ المُقْبِلِ، أنَّهُ إذا أحَلَّ المُحَرَّمَ وسَمّاهُ صَفَرًا ابْتَدَأ السَّنَةَ بَعْدَهُ بِالمُحَرَّمِ ثُمَّ صَفَرٍ إلى آخِرِها، فَيَصِيرُ بَيْنَ صَفَرٍ وذِي الحِجَّةِ الَّذِي وقَعَ النَّسِيءُ فِيهِ شَهْرانِ، وقَدْ كانَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَهُما شَهْرٌ واحِدٌ، فَأخَّرَ هَذا الَّذِي يَنْبَغِي إلى العامِ المُقْبِلِ، فالمَعْنى: وأخَّرْتُ الصَّفَرَ الآخَرَ عَنْ مَحَلِّهِ إلى العامِ المُقْبِلِ فَإذا جاءَ العامُ المُقْبِلُ انْتَهى تَأخُّرُهُ، وإذا انْتَهى رَجَعَ إلى مَحَلِّهِ، ويُمْكِنُ أنْ يَتَنَزَّلَ عَلى هَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدٍ (p-٤٥٦)فِي غَرِيبِ الحَدِيثِ، قالَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنَ الجُزْءِ الثّالِثِ مِنهُ في شَرْحِ الِاسْتِدارَةِ: إنَّ بَدْءَ ذَلِكَ -واللَّهُ أعْلَمُ- أنَّ العَرَبَ كانَتْ تُحَرِّمُ الشُّهُورَ الأرْبَعَةَ، وكانَ هَذا مِمّا تَمَسَّكَتْ بِهِ مِن مِلَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرُبَّما احْتاجُوا إلى تَحْلِيلِ المُحَرَّمِ لِلْحَرْبِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فَيَكْرَهُونَ أنْ يَسْتَحِلُّوهُ ويَكْرَهُونَ تَأْخِيرَ حَرْبِهِمْ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ المُحَرَّمِ إلى صَفَرٍ فَيُحَرِّمُونَهُ ويَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ، وهَذا هو النَّسِيءُ الَّذِي قالَ اللَّهُ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ﴾ الآيَةَ. وكانَ ذَلِكَ في كِنانَةَ هُمُ الَّذِينَ كانُوا يَنْسِؤُونَ الشُّهُورَ عَلى العَرَبِ، والنَّسِيءُ هو التَّأْخِيرُ، فَكانُوا يَمْكُثُونَ بِذَلِكَ زَمانًا يُحَرِّمُونَ صَفَرًا وهم يُرِيدُونَ بِذَلِكَ المُحَرَّمَ ويَقُولُونَ: هو أحَدُ الصَّفَرَيْنِ، وقَدْ تَأوَّلَ بَعْضُ النّاسِ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ «لا صَفَرَ» عَلى هَذا، ثُمَّ يَحْتاجُونَ أيْضًا إلى تَأْخِيرِ صَفَرٍ إلى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ كَحاجَتِهِمْ إلى تَأْخِيرِ المُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إلى رَبِيعٍ، ثُمَّ يَمْكُثُونَ بِذَلِكَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَحْتاجُونَ إلى مِثْلِهِ ثُمَّ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ يَتَدافَعُ شَهْرٌ بَعْدَ شَهْرٍ حَتّى اسْتَدارَ التَّحْرِيمُ عَلى السَّنَةِ كُلِّها، فَقامَ الإسْلامُ وقَدْ رَجَعَ المُحَرَّمُ إلى مَوْضِعِهِ الَّذِي وضَعَهُ اللَّهُ بِهِ، وذَلِكَ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» يَقُولُ: رَجَعَتِ الأشْهُرُ الحُرُمُ إلى مَوْضِعِها وبَطَلَ النَّسِيءُ، وقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النّاسِ أنَّهم كانُوا (p-٤٥٧)يَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ عامًا، فَإذا كانَ مِن قابِلٍ رَدُّوهُ إلى تَحْرِيمِهِ، قالَ أبُو عُبَيْدٍ: الأوَّلُ أحَبُّ إلَيَّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ» ولَيْسَ في التَّفْسِيرِ الأخِيرِ اسْتِدارَةٌ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرْناهُ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا﴾ مُصَدِّقًا لَهُ لِأنَّهم إذا حَرَّمُوا العامَ المُحَرَّمَ وفي قابِلٍ صَفَرًا ثُمَّ احْتاجُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلى تَحْلِيلِ صَفَرٍ أيْضًا أحَلُّوهُ وحَرَّمُوا الَّذِي بَعْدَهُ، فَهَذا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ في التَّفْسِيرِ، يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحَرِّمُونَهُ عامًا. وقالَ أبُو حَيّانَ في النَّهْرِ ما حاصِلُهُ: كانَتِ العَرَبُ لا عَيْشَ لِأكْثَرِها إلّا مِنَ الغاراتِ، فَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَوالِي الأشْهُرِ الحُرُمِ، وكانَ بَنُو فُقَيْمٍ أهْلَ دِينٍ وتَمَسُّكٍ بِشَرْعِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فانْتُدِبَ مِنهُمُ القَلَمَّسُ وهو حُذَيْفَةُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ فُقَيْمٍ، فَنَسَأ الشُّهُورَ لِلْعَرَبِ، ثُمَّ خَلَفَهُ عَلى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبّادٌ ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ قَلْعٌ ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ أُمَيَّةُ ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنُهُ عَوْفٌ ثُمَّ ابْنُهُ جُنادَةُ بْنُ عَوْفٍ وعَلَيْهِ قامَ الإسْلامُ، كانُوا إذا فَرَغُوا مِن حَجِّهِمْ جاءَ إلَيْهِ مَن شاءَ مِنهم مُجْتَمِعِينَ فَقالُوا: أنْسِئْنا شَهْرًا، فَيُحِلُّ المُحَرَّمَ، ثُمَّ يَلْزَمُونَ حُرْمَةَ صَفَرٍ لِيُوافِقُوا عِدَّةَ الأشْهُرِ الأرْبَعَةِ ويُسَمُّونَ ذَلِكَ الصَّفَرَ المُحَرَّمَ ويُسَمُّونَ رَبِيعًا الأوَّلَ صَفَرًا ورَبِيعًا الآخَرَ رَبِيعًا الأوَّلَ - وهَكَذا سائِرُ الشُّهُورِ، فَيَسْقُطُ عَلى هَذا حُكْمُ المُحَرَّمِ الَّذِي حَلَّلَ لَهُمْ، وتَجِيءُ السَّنَةُ مِن ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا أوَّلُها المُحَرَّمُ الَّذِي هو في الحَقِيقَةِ صَفَرٌ؛ وقالَ البَغَوِيُّ: قالَ مُجاهِدٌ: كانُوا يَحُجُّونَ في كُلِّ شَهْرٍ عامَيْنِ، (p-٤٥٨)فَحَجُّوا في ذِي الحِجَّةِ عامَيْنِ وحَجُّوا في المُحَرَّمِ عامَيْنِ ثُمَّ حَجُّوا في صَفَرٍ عامَيْنِ وكَذَلِكَ في الشُّهُورِ، فَوافَقَتْ حَجَّةُ أبِي بَكْرٍ السَّنَةَ الثّانِيَةَ مِن ذِي القِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ في العامِ المُقْبِلِ حَجَّةَ الوادِعِ، فَوافَقَ حَجُّهُ أشْهُرَ الحَجِّ المَشْرُوعِ وهو ذُو الحِجَّةِ، وقالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في تَفْسِيرِهِ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ قالَ: فَرَضَ اللَّهُ الحَجَّ في ذِي الحِجَّةِ، فَكانَ المُشْرِكُونَ يُسَمَّوْنَ الأشْهُرَ: ذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ وصَفَرٌ ورَبِيعٌ ورَبِيعٌ وجُمادى وجُمادى ورَجَبٌ وشَعْبانُ ورَمَضانُ وشَوّالٌ وذا القِعْدَةِ وذا الحِجَّةِ، ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرى، ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنِ المُحَرَّمِ ولا يَذْكُرُونَهُ، فَيُسَمُّونَهُ - أحْسَبُهُ قالَ - المُحَرَّمَ صَفَرٍ، ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَبَ بِجُمادى الآخِرَةِ، ثُمَّ يُسَمَّوْنَ شَعْبانَ رَمَضانَ، ورَمَضانَ شَوّالًا.
ثُمَّ يُسَمُّونَ ذا القِعْدَةِ شَوّالًا. ثُمَّ يُسَمُّونَ ذا الحِجَّةِ ذا القِعْدَةِ، ثُمَّ يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ ذا الحِجَّةِ ثُمَّ يَحُجُّونَ فِيهِ، واسْمُهُ عِنْدَهم ذُو الحِجَّةِ، ثُمَّ عادُوا كَمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَكانُوا يَحُجُّونَ عامَيْنِ في كُلِّ شَهْرٍ حَتّى وافَقَ حَجَّةُ أبِي بَكْرٍ الآخِرَ مِنَ العامَيْنِ في ذِي القِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ حَجَّتَهُ الَّتِي حَجَّ، فَوافَقَ (p-٤٥٩)ذَلِكَ ذا الحِجَّةِ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ في خُطْبَتِهِ: «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» وقالَ ابْنُ إسْحاقَ في السِّيرَةِ: سَألْتُ ابْنَ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: كانَتْ قُرَيْشٌ يُدْخِلُونَ في كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، وإنَّما كانُوا يُوافِقُونَ ذا الحِجَّةِ كُلَّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً مَرَّةً، فَوَفَّقَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ ذا الحِجَّةِ، فَحَجَّ فِيها فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ”،» فَقُلْتُ لِابْنِ أبِي نُجَيْحٍ: فَكَيْفَ بِحَجَّةِ أبِي بَكْرٍ وعَتّابِ بْنِ أسِيدٍ؟ فَقالَ: عَلى ما كانَ النّاسُ يَحُجُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ: كانُوا يَحُجُّونَ في الحَجَّةِ ثُمَّ العامِ المُقْبِلِ في المُحَرَّمِ ثُمَّ صَفَرٍ حَتّى يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. انْتَهى.
وقَوْلُهُ: هَذا يُوهِمُ أنَّ في حَجِّ أبِي بَكْرٍ وعَتّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما اخْتِلالًا، وتَقَدَّمَ عَنِ المَهْدَوِيِّ وغَيْرِهِ التَّصْرِيحُ بِأنَّهُ كانَ في ذِي القِعْدَةِ - وفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ السَّنَةَ الَّتِي حَجَّ فِيها أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُودِيَ فِيها بِتَحْرِيمِ النَّسِيءِ وغَيْرِهِ مِن أُمُورِ الجاهِلِيَّةِ، فَلا شَكَّ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ العامِ إنْساءٌ، ولِما مَضى مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ عَشَرَةُ أشْهُرٍ، وكانَ الحادِي عَشَرَ وهو ذُو القِعْدَةِ سارَ النَّبِيُّ ﷺ في أواخِرِهِ إلى الحَجِّ مُوافِيًا لِهِلالِ (p-٤٦٠)ذِي الحِجَّةِ، فَلَمّا وقَفَ بِعَرَفَةَ أخْبَرَ أنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ، فَعُلِمَ قَطْعًا أنَّ اسْتِدارَتَهُ كانَتْ في حَجَّةِ أبِي بَكْرٍ، وكَذا في سَنَةِ ثَمانٍ وهي السَّنَةُ الَّتِي حَجَّ فِيها عَتّابٌ بِالمُسْلِمِينَ؛ وذَلِكَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ وأصْحابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم لَمْ يَكُونُوا يَعْتَبِرُونَ حِسابَ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ لا نَسْأتَهم ولا غَيْرَ نَسْأتِهِمْ؛ لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ القَوْلِ بِأنَّهُمُ اعْتَبَرُوا أمْرَ النَّسْأةِ أنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ما هو زِيادَةٌ مِنَ الكُفْرِ، وهَذا ما لا يَقُولُهُ ذُو مُسْكَةٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أرْسَلَ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى الحَجِّ في أواخِرِ ذِي القِعْدَةِ أوْ بَعْدَ انْقِضائِهِ مِن سَنَةِ تِسْعٍ، ووافاهُ العَرَبُ في ذِي الحِجَّةِ: الكُفّارُ وغَيْرُهُمْ، فَوَقَعَ إعْلامُهم بِبَراءَةَ في أيّامِ الحَجِّ وأماكِنِهِ، فَلَوْ كانَ حَصَلَ في سَنَةِ عَتّابٍ اخْتِلالٌ في ذِي القِعْدَةِ بِنَسِيءٍ لَكانَ ذُو الحِجَّةِ بِحِسابِ الكُفّارِ وهو المُحَرَّمُ بِحِسابِ الإسْلامِ، فَكانَ يَتَأخَّرُ مَجِيءُ الكُفّارُ لِلْحَجِّ عَنْ مَجِيءِ المُسْلِمِينَ، فَثَبَتَ بِهَذا أيْضًا أنَّ حَجَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كانَ في ذِي الحِجَّةِ، فَحَفِظَ اللَّهُ أهْلَ الإسْلامِ مِن أنْ يَقَعَ في حَجِّهِمُ اخْتِلالٌ في سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ، وما هي بِأوَّلِ نِعْمَةٍ عَلَيْهِمْ. واللَّهُ المُوَفِّقُ.
وقالَ الإمامُ أبُو العَبّاسِ أحْمَدُ بْنُ أبِي أحْمَدَ المَشْهُورُ بِابْنِ القاصِّ مِن أكابِرِ مُتَقَدِّمِي أصْحابِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ في كِتابِهِ: دَلائِلُ القِبْلَةِ في بابِ مَعْرِفَةِ عَدَدِ أيّامِ السَّنَةِ: فالسَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا بِالأهِلَّةِ، ورُبَّما كانَ الشَّهْرُ ثَلاثِينَ ورُبَّما كانَ تِسْعًا وعِشْرِينَ، فَمَبْلَغُ السَّنَةِ الهِلالِيَّةِ ثَلاثُمِائَةٍ وأرْبَعَةٌ وخَمْسُونَ يَوْمًا وثَمانِي (p-٤٦١)ساعاتٍ وأرْبَعَةُ أخْماسِ ساعَةٍ، وقالَتِ الهِنْدُ: السَّنَةُ ثَلاثُمِائَةٍ وخَمْسَةٌ وسِتُّونَ يَوْمًا وسِتُّ ساعاتٍ وخُمْسُ ساعَةٍ وجُزْءٌ مِن أرْبَعِمِائَةِ جُزْءٍ مِن ساعَةٍ، وذَلِكَ مِن دُخُولِ الشَّمْسِ بِرَأْسِ الحَمَلِ إلى أنْ تَدْخُلَ فِيهِ مِن قابِلٍ، فَفَضْلُ ما بَيْنَ السَّنَةِ الهِلالِيَّةِ والسَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَشَرَةُ أيّامٍ وإحْدى وعِشْرُونَ ساعَةً وخُمْسا ساعَةٍ، فَإذا زِيدَتْ عَلَيْها هَذِهِ السّاعاتُ والأيّامُ اسْتَقامَ حِسابُهُ مَعَ دَوَرانِ الشَّمْسِ، وكانَتِ العَرَبُ تَزِيدُهُ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ الَّذِي أبْدَعَ لَهم ذَلِكَ رَجُلٌ مِن كِنانَةَ يُقالُ لَهُ القَلَمَّسُ، وذَلِكَ أنَّهُ يَجْمَعُ هَذِهِ الزِّيادَةَ فَإذا تَمَّتْ شَهْرًا زادَهُ في السَّنَةِ وجَعَلَ تِلْكَ السَّنَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وسَمّاهُ نَسِيئًا، ويَحُجُّ بِهِمْ تِلْكَ السَّنَةَ في المُحَرَّمِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ «فَلَمّا كانَتِ السَّنَةُ الَّتِي حَجَّ فِيها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِجَّةَ الوَداعِ وافَقَ الحَجُّ في تِلْكَ السَّنَةِ ذا الحِجَّةِ لِما أرادَ اللَّهُ تَعالى بِإثْباتِ الحَجِّ في تِلْكَ السَّنَةِ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ:
“أيُّها النّاسُ! ألا إنَّ السَّنَةَ قَدِ اسْتَدارَتْ كَهَيْئَتِها يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ ﴿مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦]» يَعْنِي بِهِ الحِسابَ القَيِّمَ، فالحُرُمُ رَجَبُ جُمادى وشَعْبانُ، وذُو القِعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الحَجَّ الأقْوَمَ، وقالَ الشّاعِرُ:
؎وأبْطَلَ ذُو العَرْشِ النَّسِيَّ وقَلَمَّسا وفازَ رَسُولُ اللَّهِ بِالحَجِّ الأقْوَمِ
انْتَهى.
والقَلَمَّسُ بِفَتْحِ اللّامِ وتَشْدِيدِ المِيمِ، فالنَّسِيءُ في البَيْتِ مَتْرُوكُ الهَمْزِ (p-٤٦٢)لِيَصِحَّ الوَزْنُ، والأقْوَمُ مَنقُولُ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ، وقَوْلُهُ: إنَّ عِلَّةَ النَّسِيءِ التَّطْبِيقُ بَيْنَ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ والقَمَرِيَّةِ - فِيهِ نَظَرٌ، والظّاهِرُ أنَّ عِلَّتَهُ ما ذُكِرَ في السِّيَرِ مِنَ اضْطِرارِهِمْ إلى القِتالِ، وأمْرُ الِاسْتِدارَةِ في كُلٍّ مِن هَذِهِ الأقْوالِ واضِحُ الِاسْتِنارَةِ، ولَيْسَ المُرادُ بِها مُصادَفَةَ كُلِّ فَصْلٍ مِن فُصُولِ السَّنَةِ لِمَوْضِعِهِ مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ، ومُصادَفَةُ اسْمِ كُلِّ شَهْرٍ لِمُسَمّاهُ بِحَسْبِ اشْتِقاقِهِ حَتّى يَكُونَ رَمَضانُ في شِدَّةِ الحَرِّ مَثَلًا وكَذَلِكَ غَيْرُهُ وإنْ كانَ الواقِعُ أنَّ الأمْرَ كانَ في هَذِهِ الحَجَّةِ كَذَلِكَ، لِما تَقَدَّمَ مِن أنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ كانَ ابْتِداؤُها في شَهْرِ رَجَبٍ، وكانَ ذَلِكَ كَما تَقَدَّمَ في شِدَّةِ الحَرِّ وحِينَ طابَتِ الثِّمارُ، وإنَّما المُرادُ الأعْظَمُ بِالِاسْتِدارَةِ مُصادَفَةُ اسْمِ كُلِّ شَهْرٍ لِمُسَمّاهُ لا لِمُسَمّى شَهْرٍ آخَرَ لِأجْلِ الدَّوَرانِ بِالنَّسِيءِ بِدَلِيلِ أنَّهُ ﷺ ما ذَكَرَ إلّا لِأجْلِهِ، فَقالَ في بَعْضِ طَرْقِ حَدِيثِ جابِرٍ الطَّوِيلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إنَّ النَّسِيءَ زِيادَةٌ في الكُفْرِ، وإنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا» فانْظُرْ إلى تَعْقِيبِهِ بِحَصْرِ الأشْهُرِ في الِاثْنَيْ عَشَرَ نَفْيًا لِجَعْلِهِمْ إيّاها سَنَةَ النَّسِيءِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وقالَ: مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وعَيَّنَها وقالَ: أيُّ شَهْرٍ هَذا؟ فَلَمّا سَكَتُوا قالَ: ذُو الحِجَّةِ شَهْرٌ حَرامٌ، كُلُّ هَذا لِبَيانِ أنَّ المُرادَ بِالِاسْتِدارَةِ رُجُوعُ كُلِّ شَهْرٍ عَمّا غَيَّرَهُ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إلى مَوْضِعِهِ الَّذِي وضَعَهُ اللَّهُ بِهِ مُوافِقًا اسْمَهُ لِمُسَمّاهُ، وجُعِلَتْ أشْهُرُنا هِلالِيَّةً مَعَ المَنعِ مِنَ النَّسِيءِ لِتَحْصُلَ الِاسْتِدارَةُ فَيَحْصُلَ بِسَبَبِها كُلُّ عِبادَةٍ تَعَبَّدَنا بِها (p-٤٦٣)مِن صَوْمٍ وعِيدٍ وحَجٍّ وغَيْرِهِ في كُلِّ فَصْلٍ مِن فُصُولِ السَّنَةِ بِخِلافٍ مِن شُهُورِهِ بِالحِسابِ، فَإنَّ عِباداتِهِمْ خاصَّةٌ بِوَقْتٍ مِنَ السَّنَةِ لا تَتَعَدّاهُ - واللَّهُ المُوافِقُ لَهُ.
وقالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ البَسْتِيُّ في تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عُمَرَ ثَنا سُفْيانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ طاوُسٍ قالَ: الشَّهْرُ الَّذِي انْتَزَعَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطانِ المُحَرَّمُ.
والحاصِلُ أنَّهُ لا شَكَّ في أنَّ النَّسِيءَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلّا لِلْمُحَرَّمِ لِما تَقَدَّمَ، وأنَّ الحَجَّ لَمْ يَكُنْ قَطُّ في جاهِلِيَّةٍ ولا إسْلامٍ إلّا في شَهْرٍ يُسَمّى ذا الحِجَّةِ لِما قالَهُ نَقَلَةُ اللُّغَةِ والحَدِيثِ والأخْبارِ، قالَ ابْنُ الأثِيرِ في النِّهايَةِ ونَشْوانُ اليَمَنِيُّ في شَمْسِ العُلُومِ والقَزّازُ في دِيوانِهِ وابْنُ مَكْتُومٍ في تَرْتِيبِ العُبابِ والمُحْكَمِ: ذُو الحِجَّةِ بِالكَسْرِ: شَهْرُ الحَجِّ، زادَ المُحْكَمُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْحَجِّ، وقالَ القَزّازُ: إنَّ الفَتْحَ فِيهِ أشْهَرُ، وفي النِّهايَةِ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ هو الثّامِنُ مِن ذِي الحِجَّةِ، سُمِّيَ بِهِ لِأنَّهم كانُوا يَرْتَوُونَ فِيهِ مِنَ الماءِ لِما بَعْدَهُ، أيْ: يَسْتَقُونَ ويَسْقُونَ؛ وقالَ المَجْدُ في القامُوسِ: يَوْمُ عَرَفَةَ التّاسِعُ (p-٤٦٤)مِن ذِي الحِجَّةِ، وفي كِتابِ أسْواقِ العَرَبِ لِأبِي المُنْذِرِ هِشامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الكَلْبِيِّ رِوايَةَ أبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ أنَّ عُكاظَ كانَتْ مِن أعْظَمِ أسْواقِ العَرَبِ. فَإذا أهَلَّ أهْلُها هِلالَ ذِي الحِجَّةِ سارُوا بِأجْمَعِهِمْ إلى ذِي المَجازِ وهي قَرِيبٌ مِن عُكاظٍ، وعُكاظٌ في أعْلى نَجْدٍ، فَأقامُوا بِها حَتّى التَّرْوِيَةِ، ووافاهم بِمَكَّةَ حَجّاجُ العَرَبِ ورُؤُوسُهم مِمَّنْ أرادَ الحَجَّ بِمَن لَمْ يَكُنْ شَهِدَ تِلْكَ الأسْواقُ. قالَ الأزْرَقِيُّ في تارِيخِ مَكَّةَ: فَإذا رَأوْا هِلالَ ذِي الحِجَّةِ انْصَرَفُوا إلى ذِي المَجازِ فَأقامُوا بِها ثَمانِيَ لَيالٍ أسْواقُهم قائِمَةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ في ذِي المَجازِ إلى عَرَفَةَ فَيَتَرَوَّوْنَ ذَلِكَ اليَوْمَ مِنَ الماءِ بِذِي المَجازِ، وإنَّما سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّيهِمُ الماءَ بِذِي المَجازِ، يُنادِي بَعْضُهم بَعْضًا: تَرَوَّوْا مِنَ الماءِ؛ إنَّهُ لا ماءَ بِعَرَفَةَ ولا بِالمُزْدَلِفَةِ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّهُ لا يَحْضُرُ ذَلِكَ إلّا التُّجّارُ، قالَ: ومَن لَمْ يَكُنْ لَهُ تِجارَةٌ فَإنَّهُ يَخْرُجُ مِن أهْلِهِ مَتى أرادَ، ومَن كانَ مِن أهْلِ مَكَّةَ مِمَّنْ لا يُرِيدُ التِّجارَةَ خَرَجَ مِن مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. ورَوى البَيْهَقِيُّ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ ومُوسى بْنِ عُقْبَةَ - فَرَّقَهُما - قالا: «وأهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالعُمْرَةِ مِنَ الجُعْرانَةِ في ذِي القِعْدَةِ،» ثُمَّ أسْنَدَ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّهُ قالَ: «فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن عُمْرَتِهِ انْصَرَفَ (p-٤٦٥)راجِعًا إلى المَدِينَةِ، واسْتَخْلَفَ عَتّابَ بْنَ أسِيدٍ عَلى مَكَّةَ وخَلَّفَ مَعَهُ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ يُفَقِّهُ النّاسَ في الدِّينِ ويُعَلِّمُهُمْ، فَكانَتْ عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في ذِي القِعْدَةِ أوْ في الحِجَّةِ، وحَجَّ النّاسُ تِلْكَ السَّنَةَ عَلى ما كانَتِ العَرَبُ يَحُجُّ عَلَيْهِ، وحَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ عَتّابُ بْنُ أسِيدٍ سَنَةَ ثَمانٍ،» وحَدِيثُ اعْتِمارِهِ ﷺ في ذِي القِعْدَةِ رَواهُ الشَّيْخانِ ومَضى عَلى ما كانَتِ العَرَبُ مِنَ الطَّوافِ عُراةً ونَحْوَهُ؛ وذَكَرَهُ الواقِدِيُّ عَنْ مَشايِخَ قالُوا: «وانْتَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الجُعْرانَةِ لَيْلَةَ الخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِن ذِي القِعْدَةِ، فَأقامَ بِالجُعْرانَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمّا أرادَ الِانْصِرافَ إلى المَدِينَةِ خَرَجَ مِنَ الجُعْرانَةِ لَيْلَةَ الأرْبِعاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِن ذِي القِعْدَةِ لَيْلًا فَأحْرَمَ – فَذَكَرَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ قالَ: واسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَتّابَ بْنَ أسِيدٍ عَلى مَكَّةَ، وخَلَّفَ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وأبا مُوسى الأشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يُعْلِّمانِ النّاسَ القُرْآنَ والفِقْهَ في الدِّينِ، وأقامَ لِلنّاسِ الحَجَّ عَتّابُ بْنُ أسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ وهي سِنَةُ ثَمانٍ، وحَجَّ ناسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ عَلى مُدَّتِهِمْ، وقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِثَلاثٍ بَقِينَ مِن ذِي القِعْدَةِ، قالَ الواقِدِيُّ: فَأقامَ بَقِيَّةَ ذِي القِعْدَةِ وذا الحِجَّةِ، فَلَمّا رَأى هِلالَ المُحَرَّمِ بَعَثَ المُصَدِّقِينَ». انْتَهى.
إذا تَقَرَّرَ هَذا عُلِمَ أنَّ الحَجَّ لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلّا في شَهْرٍ يُسَمُّونَهُ ذا الحِجَّةِ، وهو مِمّا لا يَدُورُ (p-٤٦٦)فِي خَلَدٍ ولا يَقَعُ في وهْمٍ فِيهِ تَرَدُّدٌ، ولا يَحْتاجُ إلى تَطْوِيلٍ بِذِكْرِهِ ولا إطْنابٍ في أمْرِهِ، وتارَةً يُوافِقُ اسْمُهُ مُسَمّاهُ وتارَةً لا يُوافِقُهُ لِأجْلِ النَّسِيءِ، وعُلِمَ أيْضًا أنَّ حَجَّ عَتّابِ بْنِ أسِيدٍ كانَ في ذِي الحِجَّةِ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الجُعْرانَةِ إلى المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، أنَّهُ ما تَأخَّرَ عَنْ ذِي الحِجَّةِ إلّا لِنَقْلٍ، وأنَّ حَجَّ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ كانَ في ذِي الحِجَّةِ لِذَلِكَ ولَمّا تَقَدَّمَ مِن أنَّ سَفَرَهُ لَهُ مِنَ المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ كانَ آخِرَ ذِي القِعْدَةِ أوْ أوَّلَ ذِي الحِجَّةِ ولِقَوْلِهِمْ: إنَّ الأرْبَعَةَ الأشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لِلْمُشْرِكِينَ مِن يَوْمِ النَّحْرِ ولِقَوْلِهِمْ: إنَّ الأرْبَعَةَ الأشْهَرَ كانَ آخِرُها عاشِرَ رَبِيعٍ الآخَرِ، وعُلِمَ أنَّ ذا الحِجَّةِ تِلْكَ السَّنَةَ لَوْ كانَ وافَقَ مُسَمّى ذِي القِعْدَةِ لَمْ يَقَعْ ذُو الحِجَّةِ سَنَةَ عَشْرٍ الَّتِي حَجَّ فِيها النَّبِيُّ ﷺ في مَوْضِعِهِ الَّذِي وضَعَهُ اللَّهُ بِهِ إلّا بِأنْ تَكُونَ تِلْكَ السَّنَةُ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِنَسِيءٍ أوْ غَيْرِهِ، وكُلٌّ مِنَ الأمْرَيْنِ باطِلٌ، أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ اللَّهَ تَعالى أبْطَلَ النَّسِيءَ في تِلْكَ السَّنَةِ فِيما أبْطَلَهُ مِن أُمُورِ الجاهِلِيَّةِ في هَذِهِ السُّورَةِ، وأرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ بِالمُناداةِ بِها كَما مَرَّ، وأمّا الثّانِي فَهو أمْرٌ خارِقٌ لِلْعادَةِ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِن حِينِ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ، والخارِقُ مِمّا تَتَوَفَّرُ الدَّواعِي [عَلى] نَقْلِهِ، ولا ناقِلَ لِهَذا أصْلًا فَبَطَلَ، وإذا بَطَلَ ثَبَتَ أنَّ سَنَةَ عَشْرٍ كانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ (p-٤٦٧)شَهْرًا ولا سِيَّما بَعْدَ إنْزالِ اللَّهِ تَعالى في ذَلِكَ ما أنْزَلَ في هَذِهِ السُّورَةِ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ الشَّهْرُ الَّذِي وقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ في مَوْضِعِ الشَّهْرِ الَّذِي وقَفَ فِيهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَواءً بِسَواءٍ، وقَدْ ثَبَتَ أنَّ الزَّمانَ كانَ فِيهِ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ، فَثَبَتَ مِن غَيْرِ مِرْيَةٍ أنَّ شَهَرَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ كانَ، وثَبَتَ أيْضًا أنَّ سَنَةَ عَتّابِ بْنِ أسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ كانَتْ بِما قَدَّمْتُ مِن أنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيها نَسِيءٌ لِتَوافُقِ حَجِّ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ في سَنَةِ تِسْعٍ.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّها كانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، فَكانَ ذُو الحِجَّةِ فِيها في مَوْضِعِهِ الَّذِي وضَعَهُ اللَّهُ بِهِ كَما كانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، بَلْ ظاهِرُ قَوْلِ أبِي عُبَيْدٍ: فَقامَ الإسْلامُ وقَدْ رَجَعَ المُحَرَّمُ إلى مَوْضِعِهِ - كَما مَضى - أنَّ اللَّهَ حَفِظَ زَمَنَ الإسْلامِ كُلَّهُ عَنْ نَسِيءٍ، وهو الَّذِي أعْتَقِدُهُ، وقَدْ لاحَ بِذَلِكَ أنَّ السَّبَبَ في قَوْلِ مَن قالَ: إنْ حَجَّ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وافَقَ ذا القِعْدَةِ، أنَّهُ فَهِمَ مِن قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ» أنَّ الِاسْتِدارَةَ لَمْ تَكُنْ إلّا في تِلْكَ السَّنَةِ ولَيْسَ ذَلِكَ مَدْلُولَ هَذا التَّرْكِيبِ ما لا يَخْفى واللَّهُ المُوَفِّقُ.
ثُمَّ وجَدْتُ النَّقْلَ الصَّرِيحَ في زَوائِدِ مُعْجَمَيِ الطَّبَرانِيِّ: الأوْسَطِ والأصْغَرِ لِلْحافِظِ نُورِ الدِّينِ الهَيْثَمِيِّ بِمِثْلِ ما فَهِمْتُهُ، قالَ في تَفْسِيرِ بَراءَةَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ - يَعْنِي ابْنَ هِشامٍ - البَغَوِيَّ ثَنا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الجَحْدَرِيُّ ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّفاوِيُّ ثَنا دُوادُ بْنُ أبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَعْنِي (p-٤٦٨)عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: كانَتِ العَرَبُ يُحِلُّونَ عامًا شَهْرًا وعامًا شَهْرَيْنِ ولا يُصِيبُونَ الحَجَّ إلّا في كُلِّ سِتٍّ وعِشْرِينَ سَنَةً مَرَّةً، وهو النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في كِتابِهِ، فَلَمّا كانَ عامَ حَجَّ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنّاسِ وافَقَ ذَلِكَ العامُ الحَجَّ فَسَمّاهُ اللَّهُ الحَجَّ الأكْبَرَ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ العامِ المُقْبِلِ فاسْتَقْبَلَ النّاسُ الأهِلَّةَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ» لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَمْرٍو إلّا داوُدُ تَفَرَّدَ بِهِ الصَّلْتُ. انْتَهى. وهو حَدِيثٌ حَسَنٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، ثُمَّ رَأيْتُ الهَيْثَمِيَّ في مَجْمَعِ الزَّوائِدِ قالَ: رِجالُهُ ثِقاتٌ، فَأكَّدَ ذَلِكَ الجَزْمَ بِما فَهِمْتُ مِن أنَّهُ حَسَنٌ، وإنَّما أطَلْتُ هَذا بِما قَدْ لا يُحْتاجُ في إيضاحِهِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ جِدالِ المُجادِلِينَ المُعانِدِينَ ومُحالِ المُماحِلِينَ الجامِدِينَ.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلنَّسِیۤءُ زِیَادَةࣱ فِی ٱلۡكُفۡرِۖ یُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُحِلُّونَهُۥ عَامࣰا وَیُحَرِّمُونَهُۥ عَامࣰا لِّیُوَاطِـُٔوا۟ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَیُحِلُّوا۟ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُیِّنَ لَهُمۡ سُوۤءُ أَعۡمَـٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق