الباحث القرآني

(مكية [إلا الآيات 26 و 32 و 33 و 57، ومن آية 73 إلى غاية آية 80 فمدنية] وآياتها 111 [نزلت بعد القصص] ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره: أسبح الله سبحان، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله [[قوله «القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله» يريد بهم أهل السنة القائلين بأنه تعالى هو الخالق لجميع الحوادث من أفعال العباد وغيرها، خيراً كانت أو شراً، خلافا للمعتزلة في قولهم: إن العبد هو الخالق لفعل نفسه حتى يكون مقدوراً له، فيصح تكليفه به، ولكن استند أهل السنة لمثل قوله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ وهذا لا ينافي اختيار العباد في أفعالهم، لأنهم أثبتوا لهم الكسب فيها، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)]] . وأَسْرى وسرى لغتان. ولَيْلًا نصب على الظرف. فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل؟ [[قال محمود: «فان قلت: الاسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل ... الخ» ؟ قال أحمد وقد قرن الاسراء بالليل في موضع لا يليق الجواب عنه بهذا، كقوله فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وكقوله تعالى فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا فالظاهر- والله أعلم- أن الغرض من ذكر الليل وإن كان الاسراء يفيده تصوير السير بصورته في ذهن السامع، وكأن الاسراء لما دل على أمرين، أحدهما: السير، والآخر: كونه ليلا. أريد إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب، وتنبيها على أنه مقصود بالذكر. ونظيره في إفراد أحد ما دل عليه اللفظ المتقدم مضموماً لغيره قوله تعالى وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فالاسم الحامل للتثنية دال عليها وعلى الجنسية، وكذلك المفرد، فأريد التنبيه لأن أحد المعنيين وهو التثنية مراد مقصود، وكذلك أريد الإيقاظ، لأن الوحدانية هي المقصودة في قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ولو اقتصر على قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ لأوهم أن المهم إثبات الالهية له، والغرض من الكلام ليس إلا الإثبات للوحدانية، والله أعلم.]] قلت: أراد بقوله لَيْلًا بلفظ التنكير: تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشأم مسيرة أربعين ليلة، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة: من الليل، أى: بعض الليل، كقوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً يعنى الأمر بالقيام في بعض الليل. واختلف في المكان الذي أسرى منه فقيل: هو المسجد الحرام بعينه، وهو الظاهر. وروى عن النبي ﷺ «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتانى جبريل عليه السلام بالبراق [[متفق عليه من حديث مالك بن صعصعة مطولا.]] » وقيل: أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب والمراد بالمسجد الحرام: الحرم، لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروى أنه كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به [[ذكره الثعلبي عن ابن عباس بغير سند. وكأنه من رواية الكلبي عن أبى صالح عنه، ثم رأيته من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. أخرجه الحاكم والبيهقي عنه. لكن لم يسبق لفظه، وقد رواه النسائي باختصار عن هذا من رواية عوف عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس. وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ مطولا.]] ورجع من ليلته، وقص القصة على أم هانئ، وقال: مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله ﷺ بحديث الإسراء، فقال أبو جهل: يا معشر بنى كعب بن لؤي، هلم فحدّثهم، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً. وارتد ناس ممن كان قد آمن به، وسعى رجال إلى أبى بكر رضى الله عنه فقال: إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أتصدقه على ذلك؟ قال: إنى لأصدقه على أبعد من ذلك، فسمى الصدّيق. وفيهم من سافر إلى ما ثمّ، فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس، فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أمّا النعت فقد أصاب، فقالوا: أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها، وقال: تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد شرقت، فقال آخر: وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة، وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشاً أيضاً بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى واختلفوا في وقت الإسراء فقيل كان قبل الهجرة بسنة. وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت «والله ما فقد جسد رسول الله ﷺ ولكن عرج بروحه» [[قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني بعض آل أبى بكر عن عائشة بهذا «لكن أسرى» بدل «عرج» قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة عن ابن معاوية قال: كانت رؤيا من الله صادقة.]] وعن معاوية: إنما عرج بروحه. وعن الحسن، كان في المنام رؤيا رآها. وأكثر الأقاويل بخلاف ذلك. والمسجد الأقصى: بيت المقدس، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد بارَكْنا حَوْلَهُ يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحى، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقرأ الحسن: ليريه بالياء، ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم «فقيل: أسرى ثم باركنا ثم ليريه، على قراءة الحسن، ثم من آياتنا، ثم إنه هو، وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد الْبَصِيرُ بأفعاله، العالم بتهذبها وخلوصها، فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب