الباحث القرآني
مقدمة السورة
٤٢٣٤٣- عن عبد الله بن مسعود -من طريق عبد الرحمن بن يزيد- أنّه قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم: إنّهُنَّ مِن العِتاقِ[[قال ابن الأثير: أراد بالعتاق الأول: السور التي أنزلت أولًا بمكة، وأنها مِن أول ما تعلمه من القرآن. النهاية (عتق).]] الأُوَل، وهُنَّ مِن تِلادِي[[تلادي: أي: مِن أول ما أخذتُه وتعلمته بمكة. والتالد: المال القديم الذي ولد عندك. النهاية (تلد).]][[أخرجه البخاري (٤٧٠٨، ٤٧٣٩)، وابن الضريس (٢١٠). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/١٣٨)
٤٢٣٤٤- قال عبد الله بن عباس -من طريق خصيف، عن مجاهد-: مكية[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٧/١٤٣-١٤٤.]]. (٩/١٣٨)
٤٢٣٤٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهد- قال: نزلت سورة بني إسرائيل بمكة[[أخرجه النحاس ص٤٥٤. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/١٣٨)
٤٢٣٤٦- قال عبد الله بن عباس -من طريق عطاء الخراساني-: مكية، ونزلت بعد القصص، وسمّاها: بني إسرائيل[[أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن ١/٣٣-٣٥.]]. (ز)
٤٢٣٤٧- عن عبد الله بن الزبير، قال: نزلت سورة بني إسرائيل بمكة[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/١٣٨)
٤٢٣٤٨- قال عكرمة مولى ابن عباس= (ز)
٤٢٣٤٩- والحسن البصري -من طريق يزيد النحوي-: مكية، وسمياها: بني إسرائيل[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٧/١٤٢-١٤٣.]]. (ز)
٤٢٣٥٠- عن قتادة بن دعامة -من طرق-: مكية[[أخرجه الحارث المحاسبي في فهم القرآن ص٣٩٥-٣٩٦ من طريق سعيد، وأبو بكر بن الأنباري -كما في الإتقان في علوم القرآن ١/٥٧- من طريق همام.]]. (ز)
٤٢٣٥١- عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق الوليد بن محمد الموقري-: مكية، ونزلت بعد القصص، وسماها: بني إسرائيل[[تنزيل القرآن ص٣٧-٤٢.]]. (ز)
٤٢٣٥٢- عن علي بن أبي طلحة: مكية[[أخرجه أبو عبيد في فضائله (ت: الخياطي) ٢/٢٠٠.]]. (ز)
٤٢٣٥٣- قال مقاتل بن سليمان: سورة بني إسرائيل مكية كلها، إلا هذه الآيات فإنّهُنَّ مدنيات، وهي قوله تعالى: ﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق...﴾ الآية [٨٠]، وقوله تعالى: ﴿إن الذين أوتوا العلم من قبله﴾ إلى قوله: ﴿خشوعا﴾ [١٠٧-١٠٨]، وقوله تعالى: ﴿إن ربك أحاط بالناس﴾ الآية [٦٠]، وقوله تعالى: ﴿وإن كادوا ليفتنونك﴾ الآية [٧٣]، وقوله تعالى: ﴿ولولا أن ثبتناك﴾ الآيتين [٧٤، ٧٥]، وقوله تعالى: ﴿وإن كادوا ليستفزونك من الأرض﴾ الآية [٧٦]. عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٢.]]٣٧٧٦. (ز)
٤٢٣٥٤- قال يحيى بن سلّام: مكية، وسماها: سورة «سبحان»[[تفسير يحيى بن سلام ١/١٠١.]]. (ز)
﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ - قراءات
٤٢٣٥٥- عن حذيفة بن اليمان -من طريق أبي بكر بن عياش- أنّه قرأ: (سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّيْلِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجَدِ الأَقْصى)[[الأثر عند ابن جرير ١٤/٤١٣ دون إسناد. و(مِنَ الَّليْلِ) قراءة شاذة، تروى أيضًا عن ابن مسعود. انظر: البحر المحيط ٦/٥.]]. (٩/١٣٩)
﴿سُبۡحَـٰنَ﴾ - تفسير
٤٢٣٥٦- عن عبد الله بن عباس: أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا﴾. قال: ﴿سبحان﴾ تنزيه الله تعالى، ﴿الذي أسرى﴾ بمحمد ﷺ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم ردَّه إلى المسجد الحرام. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول: قلت له لما علا فَخرُهُ سبحان مِن عَلقَمةَ[[قال ابن جرير في تفسيره ١/٥٠٤: «يريد سبحان الله من فخر علقمة، أي: تنزيهًا لله مِمّا أتى علقمة مِن الافتخار. على وجه النَّكير منه لذلك».]] الفاخِرِ[[أخرجه في مسائل نافع (٢٤٥). وعزاه السيوطي إلى الطستي.]]. (٩/١٣٩)
٤٢٣٥٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿سبحان﴾، يعني: عجب[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٣.]]٣٧٧٧. (ز)
﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ﴾ - تفسير
٤٢٣٥٨- عن زِرّ بن حُبَيش، قال: قلتُ لحذيفة بن اليمان: أصلّى رسولُ الله ﷺ في بيت المقدس؟ قال: لا. قلتُ: بلى. قال: أنت تقول ذاك، يا أصلعُ، بِم تقول ذلك؟ قلتُ: بالقرآن، بيني وبينك القرآن. فقال حذيفة: مَن احْتَجَّ بالقرآن فقد فَلَجَ -قال سفيان: يقول: فقد احتج. وربما قال: أفْلَج- فقال: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾. قال: أفتراه صلى فيه؟ قلتُ: لا. قال: لو صلّى فيه لَكُتِبَ عليكم فيه الصلاة كما كُتِبَتْ الصلاة في المسجد الحرام. قال حذيفة: قد أُتِي رسول الله ﷺ بدابَّة طويل الظهر، ممدود هكذا، خَطْوُه مدَّ بصره، فما زايلا ظَهْرَ البُراق حتى رأيا الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع، ثم رجعا عَوْدُهما على بدئهما. قال: ويتحدثَّون أنّه ربطه، لِمَ، لِيَفِرَّ منه؟! وإنّما سَخَّره له عالِمُ الغيب والشهادة[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/٣٧٢، وأحمد ٣٨/٣٢١ (٢٣٢٨٥)، وابن أبي شيبة في مصنفه (ت: محمد عوامة) ٢٠/٢٤٨ (٣٧٧٢٨)، والترمذي ٥/٣٦٨ (٣٤١٤) واللفظ له، والنسائي في الكبرى (ت: شعيب الأرناؤوط) ١٠/١٤٦ (١١٢١٦)، وابن جرير ١٤/٤٤٤، والفاكهي في أخبار مكة ٢/١٠٢ (١٢١٥) مختصرًا.]]. (ز)
٤٢٣٥٩- عن عائشة -من طريق ابن إسحاق، عن بعض آل أبي بكر- قالت: ما فُقِدَ جَسَد رسول الله ﷺ، ولكنَّ الله أسرى برُوحِه[[أخرجه ابن إسحاق ص٢٧٥ (٤٦٢)، وابن جرير ١٤/٤٤٥.]]. (٩/٢٢٩)
٤٢٣٦٠- عن معاوية بن أبي سفيان -من طريق ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة-: أنّه كان إذا سُئِل عن مسرى رسول الله ﷺ؛ قال: كانت رؤيا مِن الله صادقة[[أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/٤٠٠-، وابن جرير ١٤/٤٤٥.]]. (٩/٢٢٩)
٤٢٣٦١- قال محمد بن إسحاق -من طريق سلمة-: فلَم يُنكَر ذلك مِن قولهما [أي: قول عائشة ومعاوية]؛ لقول الحسن: إنّ هذه الآية نزلت في ذلك: ﴿وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس﴾ [الإسراء:٦٠]. ولقول الله في الخبر عن إبراهيم إذ قال لابنه: ﴿يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى﴾ [الصافات:١٠٢]. ثم مَضى على ذلك، فعرفت أنّ الوحي يأتي بالأنبياء مِن الله أيقاظًا ونيامًا، وكان رسول ﷺ يقول: «تنام عيني وقلبي يقظان». فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه، وعاين فيه مِن أمر الله ما عايَن، على أيِّ حالاته كان، نائمًا أو يقظانَ، كل ذلك حقٌّ وصِدق[[أخرجه ابن جرير ١٤/٤٤٦. وفي البخاري (٣٥٦٩)، ومسلم (٧٣٨) من حديث عائشة عن النبي ﷺ: «تنام عيني ولا ينام قلبي».]]. (ز)
٤٢٣٦٢- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾: أُسْرِي بنبيِّ الله عِشاء مِن مكة إلى بيت المقدس، فصلى نبيُّ الله فيه، فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثم أصبح بمكة. ذُكِر لنا: أنّ نبي الله ﷺ قال: «حُمِلْتُ على دابَّة يقال لها: البُراق، فوق الحمار ودُون البغل، يقع خَطْوُه عند أقصى طَرَفِه». فحدَّث نبيُّ الله بذلك أهل مكة، فكذَّب به المشركون وأنكروه، وقالوا: يا محمد، تخبرنا أنّك أتيتَ بيت المقدس، وأقبلت مِن ليلتك، ثم أصبحت عندنا بمكة، فما كنت تجيئنا وتأتي به قبل اليوم مع هذا! فصدَّقه أبو بكر، فسُمِّي أبو بكر: الصديق؛ مِن أجل ذلك[[أخرجه يحيى بن سلام ١/١١٤ من طريق سعيد، وابن جرير ١٤/٤٤٣.]]. (ز)
٤٢٣٦٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الذي أسرى بعبده﴾ يعني: النبي ﷺ...، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعُرِضَت على النبي ﷺ ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي ﷺ الخمر، فقال جبريل: أما إنّ الله حرَّمها على أمتك[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٣-٥١٥.]]. (ز)
٤٢٣٦٤- عن جبر، قال: سمعت سفيان الثوري سُئِلَ عن ليلة أُسرِيَ به. فقال: أُسرِي ببَدَنِه[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]٣٧٧٨. (٩/٢٢٢)
٤٢٣٦٥- قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾، يعني: نفسه، أسرى بعبده محمد ﷺ[[تفسير يحيى بن سلام ١/١٠١.]]٣٧٧٩. (ز)
﴿لَیۡلࣰا﴾ - تفسير
٤٢٣٦٦- عن عبد الله بن عمرو، وأم سلمة، وعائشة، وأم هانئ، وابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: أُسرِي برسول الله ﷺ ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شِعبِ أبي طالب،... الحديث[[أخرجه الواقدي، كما في الخصائص الكبرى ١/٢٩٥-٢٩٦، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات ١/١٦٦-١٦٧. وسيأتي بتمامه مطولًا في الآثار المتعلقة بالآية. إسناده ضعيف جدًّا؛ فيه محمد بن عمر الواقدي، قال ابن حجر في التقريب (٦١٧٥): «متروك».]]. (٩/١٩٣-١٩٥)
٤٢٣٦٧- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: أُسرِي بالنبي ﷺ ليلة سبع عشرة مِن شهر ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٩/١٩٥)
٤٢٣٦٨- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط بن نصر- قال: أسري بالنبي ﷺ قبل مُهاجَرِه بستة عشر شهرًا[[أخرجه البيهقي ٢/٣٥٥.]]. (٩/١٩٦)
٤٢٣٦٩- عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق موسى بن عقبة- قال: أسري برسول الله ﷺ إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/٣٥٤.]]. (٩/١٩٥)
٤٢٣٧٠- عن عروة بن الزبير -من طريق أبي الأسود-، مثله[[أخرجه البيهقي ٢/٣٥٥.]]. (٩/١٩٦)
٤٢٣٧١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الذي أسرى بعبده﴾ في رجب... قبل الهجرة بسنة[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٣-٥١٥.]]٣٧٨٠. (ز)
﴿مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ - تفسير
٤٢٣٧٢- عن أنس بن مالك، أن مالك بن صَعْصَعة حدَّثه: أنّ رسول الله حدَّثهم عن ليلة أُسرِي به، قال: «بينما أنا في الحَطِيمِ -وربما قال قتادة: في الحِجر- مُضطجعًا إذ أتاني آتٍ، فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة. فأتاني، فشقَّ ما بين هذه إلى هذه -يعني: مِن ثُغرة نحره إلى شِعرَتِه- فاستخرج قلبي، فأُوتِيت بطَسْت مِن ذهب مملوءةً إيمانًا وحكمة، فغُسل قلبي بماء زمزم، ثم حُشِي، ثم أُعيد مكانه، ثم أُوتيتُ بدابَّةٍ أبيض دون البغل وفوق الحمار، يُقال له: البُراق...» الحديث[[جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ٤/١٠٩-١١١ (٣٢٠٧)، ٥/٥٢-٥٤ (٣٨٨٧)، ومسلم ١/١٤٩، ١٥١ (١٦٤). وسيأتي بتمامه مطولًا في الآثار المتعلقة بالآية.]]. (٩/١٥٧-١٦١)
٤٢٣٧٣- عن أُمِّ هانئ بنت أبي طالب، قالت: ما أُسرِي به إلا مِن بيتنا[[جزء من حديث طويل أخرجه الواقدي -كما في الخصائص الكبرى ١/٢٩٥-٢٩٦-، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات ١/١٦٦- ١٦٧. وسيأتي بتمامه مطولًا في الآثار المتعلقة بالآية. إسناده ضعيف جِدًّا؛ فيه محمد بن عمر الواقدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (٦١٧٥): «متروك».]]. (٩/١٩٣-١٩٥)
٤٢٣٧٤- عن أم هانئ بنت أبي طالب -من طريق عكرمة- قالت: بات رسول الله ﷺ ليلة أسري به في بيتي، ففقدته مِن الليل، فامتنع مِنِّي النومُ مخافة أن يكون عَرَض له بعضُ قريش، فقال رسول الله ﷺ: «إنّ جبريل أتاني، فأخذ بيدي، فأخرجني...» الحديث[[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٤/٤٣٢ (١٠٥٩). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال الذهبي في تاريخ الإسلام ١/٢٤٦: «وهو حديث غريب، الوساوسي ضعيفٌ، تفرَّد به». وقال الهيثمي في المجمع ١/٧٥-٧٦ (٢٣٩): «رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور، متروك كذاب».]]. (٩/١٨٧)
٤٢٣٧٥- عن أم هانئ بنت أبي طالب -من طريق ابن إسحاق، عن الكلبي، عن أبي صالح- في مسرى رسول الله ﷺ أنها كانت تقول: ما أسري برسول الله ﷺ إلا وهو في بيتي، نائم عندي تلك الليلة، فصلّى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قُبيل الفجر أهَبَّنا[[يقال: هب النائم هَبًّا وهُبوبًا أي: استيقظ. النهاية (هبب).]] رسول الله ﷺ، فلمّا صلّى الصبح وصلينا معه قال: «يا أُمَّ هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيتِ بهذا الوادي، ثم جئتُ بيتَ المقدس فصلَّيت فيه، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين»[[أخرجه ابن جرير ١٤/٤١٤. وذكره ابن إسحاق بلاغًا -كما في سيرة ابن هشام ١/٤٠٢-. وعقَّب عليه ابن كثير (ت: سلامة) ٥/٤٠ بقوله: «الكلبي: متروك بمرة ساقط، لكن رواه أبو يعلى في مسنده عن محمد بن إسماعيل الأنصاري، عن ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي صالح، عن أم هانئ بأبسط من هذا، فليكتب ههنا».]]. (ز)
٤٢٣٧٦- عن أم هانئ بنت أبي طالب -من طريق يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي صالح- قالت: دخل عَلَيَّ النَّبيُّ ﷺ بغَلَسِ وأنا على فراشي، فقال: «شعرت أنِّي نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل...» الحديث[[أخرجه أبو يعلى في معجمه ١/٤٢-٤٥ (١٠). وسيأتي بتمامه مطولًا في الآثار المتعلقة بالآية. إسناده ضعيف؛ فيه أبو صالح مولى أم هانئ، وهو باذام، قال عنه ابن حجر في التقريب (٦٣٤): «ضعيف مدلس يرسل». وقال في الإصابة (ت: مركز هجر) ١٤/٢٤٠: «وهذا أصح من رواية الكلبي؛ فإنّ في روايته مِن المنكر: أنّه صلى العشاء الآخرة والصبح معهم. وإنّما فُرِضَت الصلاة ليلة المعراج، وكذا نومه الليلة في بيت أم هانئ، وإنما نام في المسجد».]]. (٩/١٨٩-١٩٢)
٤٢٣٧٧- عن قتادة بن دعامة، في قوله: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا﴾، قال: أُسرِي به مِن شِعْبِ أبي طالب[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٢٢٩)
٤٢٣٧٨- عن سفيان الثوري -من طريق يوسف بن أسباط- قال: صلاة ٌ في الحرم مئةُ ألف صلاة، قال الله ﷿: ﴿سُبْحانَ الذِي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصى﴾، وإنّما أُسْرِيَ بالنبي ﷺ مِن شِعب أبي طالب؛ فالحرم كلُّه مسجد[[أخرجه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم ٦/٣٠١ (٢٦٦٥)، والفاكهي في أخبار مكة ٤/٣٣ (٢٣٣٥)، من طريق عبد الصمد بن حسان.]]٣٧٨١. (ز)
﴿إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا﴾ - تفسير
٤٢٣٧٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾، يعني: بيت المقدس[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٣-٥١٥.]]. (ز)
٤٢٣٨٠- قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾، يعني: بيت المقدس[[تفسير يحيى بن سلام ١/١٠١.]]٣٧٨٢. (ز)
﴿ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ﴾ - تفسير
٤٢٣٨١- عن إسماعيل السُّدِّيّ، في قوله: ﴿الذي باركنا حوله﴾، قال: أنبَتْنا حولَه الشجرَ[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (٩/٢٤٦)
٤٢٣٨٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الذي باركنا حوله﴾، يعني بالبركة: الماء، والشجر، والخير[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٦.]]٣٧٨٣. (ز)
﴿لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ﴾ - تفسير
٤٢٣٨٣- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿لنريه من آياتنا﴾، قال: ما أراه الله مِن الآيات والعِبَر في طريق بيت المقدس[[أخرجه يحيى بن سلام ١/١١٢، وابن جرير ١٤/٤٤٨.]]. (ز)
٤٢٣٨٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿لنريه من آياتنا﴾ فكان مما رأى مِن الآيات: البُراقَ، والرِّجالَ[[كذا في مطبوعة المصدر.]]، والملائكةَ، وصلّى بالنبيين [[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٥١٦.]]. (ز)
٤٢٣٨٥- قال يحيى بن سلّام، في قوله تعالى: ﴿لنريه من آياتنا﴾: ما أراه الله ليلة أسري به[[تفسير يحيى بن سلام ١/١٠١.]]٣٧٨٤. (ز)
﴿إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ١﴾ - تفسير
٤٢٣٨٦- قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿إنه هو السميع البصير﴾، يعني: نفسه، لا أسْمَعَ منه، ولا أبْصَرَ منه[[تفسير يحيى بن سلام ١/١١٢.]]. (ز)
﴿إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ١﴾ - آثار متعلقة بالآية
٤٢٣٨٧- عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «لَمّا كذَّبَتني قريش حين أُسري بي إلى بيت المقدس قمتُ في الحِجرِ، فجَلّى الله لي بيتَ المقدس، فطفِقتُ أُخبرُهم عن آياتِه وأنا أنظر إليه»[[أخرجه البخاري ٥/٥٢ (٣٨٨٦)، ٦/٨٣ (٤٧١٠)، ومسلم ١/١٥٦ (١٧٠)، وعبد الرزاق في تفسيره ٢/٢٨٧ (١٥٣١)، ٢/٣٠٣ (١٥٨٤)، وابن جرير ١٤/٤٢١-٤٢٢.]]. (٩/٢٢٠)
٤٢٣٨٨- عن أنس -من طريق ثابت- أنّ رسول الله ﷺ قال: «أُتِيتُ بالبُراق، وهو دابةٌ أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافرَه عند منتهى طرفه، فركِبتُه حتى أتيت بيت المقدس، فربَطتُه بالحلقةِ التي تَربِطُ بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فصلَّيتُ فيه ركعتين، ثم خرجتُ، فجاءني جبريل بإناء مِن خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبَنَ، فقال جبريل: اختَرتَ الفطرة. ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بآدم، فرحَّب بي، ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا، فإذا أنا بابنَي الخالة؛ عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، فرحَّبا بي، ودعوا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أُعطِي شَطرَ الحسن، فرحَّب بي، ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحَّب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بهارون، فرحَّب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بموسى، فرحَّب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسنِدًا ظهرَه إلى البيت المعمور، وإذا هو يَدخُلُه كلَّ يوم سبعون ألف مَلَكٍ لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورَقُها فيها كآذانِ الفِيَلَة، وإذا ثمرُها كالقِلالِ[[القلال: جمع قُلَّة، وهي الجَرَّة الكبيرة. اللسان (قلل).]]، فلما غَشِيها مِن أمر الله ما غَشِيَ تغيَّرت، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتَها من حسنِها، فأوحى إليَّ ما أوحى، وفرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزَلتُ حتى انتهيت إلى موسى، فقال: ما فرَض ربُّك على أمَّتِك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجِع إلى ربِّك، فاسأله التخفيف؛ فإنّ أُمَّتَك لا تُطِيقُ ذلك، فإني قد بَلَوتُ بني إسرائيل وخبرتُهم. فرجَعت إلى ربي، فقلت: يا ربِّ، خفِّف عن أُمَّتي. فحَطَّ عني خمسًا، فرجَعتُ إلى موسى، فقلت: حَطَّ عني خمسًا. قال: إنّ أمتَك لا يُطِيقون ذلك، فارجِع إلى ربِّك فاسأله التخفيف. قال: فلم أزل أرجِعُ بين ربِّي وموسى حتى قال: يا محمد، إنهنَّ خمسُ صلوات لكل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن همَّ بحَسَنةٍ فلم يَعمَلها كُتِبت له حسنة، فإن عَمِلها كُتبت له عشرًا، ومن همَّ بسيئة فلم يَعمَلها لم تُكتب شيئًا، فإن عَمِلها كُتبت سيئة واحدة. فنزَلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجِع إلى ربك فاسأله التخفيف. فقلت: قد رجَعتُ إلى ربي حتى استَحيَيتُ منه»[[أخرجه مسلم ١/١٤٥-١٤٦ (١٦٢).]]٣٧٨٥. (٩/١٣٩-١٤٢)
٤٢٣٨٩- عن أنس -من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر- قال: ليلة أُسري برسول الله ﷺ مِن مسجد الكعبة جاءه ثلاثةُ نفرٍ قبل أن يُوحى إليه٣٧٨٦ وهو نائمٌ في المسجد الحرام، فقال أوَّلُهم: أيُّهم هو؟ فقال أوسطُهم: هو خيرُهم. فقال أحدُهم: خُذوا خيرَهم. فكانت تلك الليلة[[قال ابن حجر في فتح الباري ١٣/٤٨٠: التقدير: فكانت القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا.]]، فلم يَرَهم حتى أتَوه ليلةً أخرى، فيما يَرى قلبُه، وتنام عيناه ولا ينامُ قلبُه، وكذلك الأنبياء تنامُ أعينُهم ولا تنامُ قلوبُهم، فلم يكلِّمُوه حتى احتمَلوه، فوضَعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل، فشقَّ جبريل ما بين نحرِه إلى لَبَّتِه[[اللبة: هي موضع القلادة من الصدر. المصدر السابق.]]. حتى فرَغ مِن صدرِه وجوفِه، فغسَله مِن ماءِ زمزمَ بيده حتى أنقى جوفَه، ثم أتى بطَستٍ مِن ذهب تَورٌ[[التور: إناء يُشرب فيه. لسان العرب (تور).]] مِن ذهب مَحْشُوًّا[[قال ابن حجر في فتح الباري ١٣/٤٨١: كذا وقع بالنصب، وأعرب بأنه حال من الضمير الجار والمجرور، والتقدير: كائن من ذهب. فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور.]] إيمانًا وحكمة، فحشا به صدرَه ولغاديدَه -يعني: عروقَ حلقِه-، ثم أطبَقه، ثم عرَج به إلى السماء الدنيا، فضرَب بابًا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلًا. ووجَد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدمُ، فسلِّم عليه. فسلَّم عليه، وردَّ عليه آدم، وقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نِعمَ الابن أنت. فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يَطَّرِدان، فقال: «ما هذان النهران، يا جبريل؟». قال: هذا النيل والفرات عُنصَرُهما[[العنصر -بضم العين وفتح الصاد، وقد تضم-: الأصل. النهاية (عنصر).]]. ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر مِن لؤلؤ وزَبَرجَدٍ، فضرَب بيدِه فإذا هو مِسْكٌ أذفَرُ[[مسك أذفر: طيب الرائحة. النهاية ٢/١٦١.]]، قال: «ما هذا، يا جبريل؟». قال: هذا الكوثر الذي خَبَأ لك ربُّك. ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثلَ ما قالت له الأولى: مَن هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بُعِث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلًا. ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كلُّ سماء فيها أنبياء قد سمّاهم؛ منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظِ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: ربِّ، لم أظنَّ أن ترفع عَلَيَّ أحدًا. ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمُه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربُّ العزَّةِ فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى٣٧٨٧، فأوحى الله فيما يُوحِي إليه خمسين صلاة على أمتِك كلَّ يومٍ وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد، ماذا عَهِد إليك ربُّك؟ قال: «عهِد إليَّ خمسين صلاة كل يوم وليلة». قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربُّك وعنهم. فالتفت النَّبي ﷺ إلى جبريل كأنه يستشيره، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شِئت. فعلا به إلى الجبار -تبارك وتعالى-، فقال وهو مكانه: «يا ربِّ، خفِّف عنا، فإنّ أُمَّتي لا تستطيع هذا». فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجَع إلى موسى، فاحتبَسه، فلم يَزَل يُرَدِّدُه موسى إلى ربِّه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد، واللهِ، لقد راودتُ بني إسرائيل على أدنى من هذا فضَعُفُوا وتركَوه، فأمتُك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجِع فليخفِّف عنك ربُّك. كلَّ ذلك يلتفت النَّبي ﷺ إلى جبريل ليُشير عليه ولا يَكرَهُ ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة، فقال: «يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادُهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم؛ فخفِّف عنا». فقال الجبار: يا محمد. قال: «لبيك وسعديك». قال: إنه لا يُبدَّلُ القول لديَّ؛ كما فرَضت عليك في أمِّ الكتاب، وكلُّ حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أمِّ الكتاب، وهي خمسٌ عليك. فرجَع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: «خفَّف عنا؛ أعطانا بكلِّ حسنة عشر أمثالها». فقال موسى: قد -واللهِ- راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفِّف عنك. فقال رسول الله ﷺ: «يا موسى، قد -واللهِ- استحييت من ربي مما اختلفت إليه». قال: فاهبط بسم الله. واستيقظ وهو في المسجد الحرام[[أخرجه البخاري ٤/١٩١ (٣٥٧٠) مختصرًا، ٩/١٤٩-١٥١ (٧٥١٧)، ومسلم ١/١٤٨ (١٦٢)، وابن جرير ١٤/٤١٦-٤٢٠. قال مسلم: «قدم فيه شيئًا وأخر، وزاد ونقص». وقال النووي في شرح مسلم ٢/٢٠٩: «وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخر وزاد ونقص منها... قال الحافظ عبد الحق ﵀ في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس: وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت البناني، وقتادة -يعني: عن أنس-، فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المُعَوَّل عليها». وقال ابن كثير في تفسيره ٥/٧: «وهو كما قاله مسلم ﵀، فإنّ شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه ولم يضبطه». وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ٢/٢٧٠: «هذا من غرائب الصحيح». وقال ابن حجر في الفتح ١٣/٤٨٤-٤٨٥: «قال -ابن حزم- لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئًا لا يحتمل مخرجًا إلا حديثين، ثم غلبه في تخريجه الوهم مع إتقانهما وصحة معرفتهما. فذكر هذا الحديث، وقال: فيه ألفاظ معجمة، والآفة من شريك». وقال ابن رجب في فتح الباري ٢/٣٢٠: «وهذه اللفظة مما تفرَّد بها شريك».]]. (٩/١٤٢-١٤٥)
٤٢٣٩٠- عن شداد بن أوس، قال: قلنا: يا رسول الله، كيف أُسرِي بك؟ فقال: «صلَّيت لأصحابي العتَمَة بمكة مُعتِمًا، فأتاني جبريل بدابة بيضاء، فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب. فاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فأدارها بأذنِها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرُها حيث أدرك طَرفُها، حتى بلغنا أرضًا ذات نخل، فقال: انزل. فنزلت، فقال: صلِّ. فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة. ثم انطلقَت تهوي بنا، يقع حافرُها حيث أدرَك طَرفُها، ثم بلغنا أرضًا، فقال: انزِل. فنزلت، فقال: صلِّ. فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صلَّيت؟ قلت: الله أعلم. قال: صلَّيت بمدين، صلَّيت عند شجرة موسى. ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفُها، ثم بلغنا أرضًا بدت لنا قصورها، فقال: انزل. فنزلت، ثم قال: صلِّ. فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربَط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني مِن العطش أشدُّ ما أخذني، فأُتِيتُ بإناءين؛ في أحدِهما لبن، وفي الآخر عسل، أُرسِل إلَيَّ بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله، فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني[[يعني: أنه شرب جميع ما فيه. النهاية (قرع).]]، وبين يديه شيخ متكئ على منبر له، فقال: أخذ صاحبُك الفطرة، وإنّه لَمَهْدِيٌّ. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشِف عن مثل الزرابي». فقلنا: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: «مثل الحَمَّةِ[[الحمة: عين ماء حار. النهاية (حمم).]] السخنة. ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا وقد أضلُّوا بعيرًا لهم قد جمعه فلان، فسلَّمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر، فقال: يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ قد التمستُك في مكانك. فقلت: أعلِمتَ أني أتيت بيت المقدس الليلة؟» فقال: يا رسول الله، إنّه مسيرة شهر؛ فصِفْه لي. قال: «ففُتِح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألوني عن شيء إلا أنبأتُهم عنه». فقال أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله. وقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة. فقال: «إنّ مِن آية ما أقول لكم أنِّي مررت بعِير لكم بمكان كذا وكذا، وقد أضلُّوا بعيرًا لهم، فجمعه فلان، وإنّ مسيرَهم ينزلون بكذا وكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، ويقدُمُهم جمل آدم، عليه مِسحٌ[[المسح: الكساء من الشعر. لسان العرب (مسح).]] أسود وغِرارتان[[الغِرارُ: المثال الذي يُضرب عليه النِّصال لِتصلح. لسان العرب (غرر).]] سوداوان». فلمّا كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون، حتى كان قريبًا مِن نصف النهار أقبلت العِير، يقدُمُهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله ﷺ[[أخرجه البزار في مسنده ٨/٤٠٩-٤١١ (٣٤٨٤)، والطبراني في الكبير ٧/٢٨٢- ٢٨٣ (٧١٤٢). قال البزار: «لا نعلمه يروى عن شداد بن أوس عن النبي ﷺ إلا بهذا الإسناد». وقال البيهقي في دلائل النبوة ٢/٣٥٧: «هذا إسناد صحيح». وقال إسماعيل الأصبهاني في دلائل النبوة ص ١٤٤ (١٥٦): «هذا حديث شامي الطريق، واضح الإسناد». وقال ابن كثير في تفسيره ٥/٢٧: «ولا شك أن هذا الحديث -أعني: الحديث المروي عن شداد بن أوس- مشتمل على أشياء؛ منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي، ومنها ما هو منكر، كالصلاة في بيت لحم، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس، وغير ذلك». وقال الهيثمي في المجمع ١/٧٤ (٢٣٦): «وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، وثّقه يحيى بن معين، وضعّفه النسائي».]]. (٩/١٥٣-١٥٧)
٤٢٣٩١- عن أنس بن مالك، أنّ مالك بن صَعْصَعَة حدَّثه: أن رسول الله حدَّثهم عن ليلة أُسري به، قال: «بينما أنا في الحَطِيمِ -وربما قال قتادة: في الحِجر- مضطجعًا إذ أتاني آتٍ، فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة. فأتاني، فشقَّ ما بين هذه إلى هذه -يعني: مِن ثُغرة نحره[[الثغرة: نقرة النحر بين الترقوتين. التاج (ثغر).]] إلى شِعرَتِه-، فاستخرج قلبي، فأُوتيت بطَست مِن ذهب مملوءةً إيمانًا وحكمة، فغُسل قلبي بماء زمزم، ثم حُشِي، ثم أُعيد مكانه. ثم أُوتيتُ بدابةٍ أبيض، دون البغل وفوق الحمار، يُقال له: البُراق، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملتُ عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا، فاستفتح، فقيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقَد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولَنِعْم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلمّا خلَصت إذا فيها آدم، فقلت: يا جبريل، مَن هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فسلِّم عليه. فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبيِّ الصالح. ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية، فاستفتَح، فقيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقَد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولَنعم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلما خلَصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، فقلت: يا جبريل، مَن هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى، فسلِّم عليهما. فسلَّمت عليهما، فردّا السلام، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِد حتى أتى السماء الثالثة، فاستفتَح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولَنعم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلما خلَصت إذا يوسف، فسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِد حتى أتى إلى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلما خلَصت إذا إدريس، فسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِد حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتَح، فقيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقَد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فلما خلَصت إذا هارون، فسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِد حتى أتى السماء السادسة، فاستفتَح، فقيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقَد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلما خلَصت إذا أنا بموسى، فسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلمّا تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلامًا بُعِِث بعدي يدخُلُ الجنة مِن أمته أكثرُ مما يدخُلُها من أمتي. ثم صَعِد حتى أتى السماء السابعة، فاستفتَح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقَد أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. ففُتِح لنا، فلما خلَصت إذا إبراهيم، قلت: من هذا، يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلِّم عليه. فسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى، فإذا نَبقُها مثلُ قِلالِ هَجَر، وإذا ورقُها مثل آذان الفيلة، وإذا أربعة أنهار يخرُجن من أصلها؛ نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ فقال: أمّا الباطنان؛ فنهران في الجنة، وأَمّا الظاهران؛ فالنيل والفرات. ثم رُفِع لي البيت المعمور، قلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخُلُه كل يوم سبعون ألف مَلَك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. ثم أُتيتُ بإناءين؛ أحدُهما خمر، والآخر لبن، فعُرِضا عليَّ، فقيل: خُذ أيَّهما شئت. فأخَذتُ اللبن، فقيل لي: أصَبْتَ الفِطرة، أنت عليها وأمتك. ثم فُرِضت عليَّ الصلاة؛ خمسون صلاة كل يوم، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال: ما فرض ربُّك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة كل يوم. قال: إنّ أُمَّتك لا تستطيع ذلك، وإني قد خبَرتُ الناس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجِع إلى ربِّك فاسأله التخفيف لأمَّتِك. فرجَعت إلى ربي، فحَطَّ عني خمسًا، فأقبلت حتى أتيت على موسى، فأنبأته بما حطَّ عني، فقال: ارجِع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك. قال: فما زلت بين موسى وبين ربي يحُطُّ عني خمسًا خمسًا، حتى أقبَلتُ بخمس صلوات، فأتيت على موسى، فقال: بم أُمِرت؟ قلت: بخمس صلوات كل يوم. قال: إنّ أمتك لا يطيقون ذلك، إني بلَوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، ارجِع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فقلت: لقد رجَعت إلى ربي حتى لقد استحيت، ولكني أرضى وأُسلِّم. فنوديت: أن يا محمد، إني قد أمضَيت فريضتي، وخفَّفتُ عن عبادي، الحسنة بعشر أمثالها»[[أخرجه البخاري ٤/١٠٩-١١١ (٣٢٠٧)، ٤/١٥٢ (٣٣٩٣) مختصرًا، ٥/٥٢-٥٤ (٣٨٨٧)، ٤/١٦٣ (٣٤٣٠) مختصرًا، ومسلم ١/١٤٩، ١٥١ (١٦٤)، ويحيى بن سلام في تفسيره ١/١٠١-١٠٥، وابن جرير ١٤/٤١٤-٤١٥.]]. (٩/١٥٧-١٦١)
٤٢٣٩٢- عن أم هانئ -من طريق يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي صالح- قالت: دخل عَلَيَّ النَّبي ﷺ بغَلَسِ[[الغَلَسُ: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. النهاية (غلس).]] وأنا على فراشي، فقال: «شعرتِ أنِّي نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل، فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابَّةٌ أبيض فوق الحمار ودون البغل، مُضطَرِبُ الأُذُنَين، فركِبْته، فكان يضع حافره في مَدِّ بصره، إذا أخذ بي في هُبُوطٍ طالَت يَداه وقصُرَت رجلاه، وإذا أخذ بي في صُعُود طالت رجلاه وقصُرت يَداه، وجبريل لا يفوتُني، حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقتُه بالحلقة التي كانت الأنبياء تُوثِقُ بها، فنُشِر لي رَهطٌ من الأنبياء؛ منهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصَلَّيت بهم، وكلَّمتهم، وأُتِيتُ بإناءين أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل: شرِبتَ اللبن، وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتَدَّت أُمَّتُك٣٧٨٨، ثم ركبتُه، فأتيت المسجد الحرام، فصليت به الغداة؟» فتعلَّقت برِدائِه، وقلت: أُنشِدُك اللهَ، يا ابن عمِّ، أن تحدِّثَ بهذا قريشًا، فيُكَذِّبَك مَن صَدَّقك، فصَرب بيده على ردائه، فانتزعه مِن يدي، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عُكَنِه[[العكن: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سِمَنًا. القاموس المحيط (عكن).]] فوق إزاره كأنها طَيُّ القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد أن يَختَطِفَ بصري، فخررتُ ساجدةً، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي: ويحكِ، اتبَعِيه، وانظري ماذا يقول، وماذا يُقال له. فلما رجعتْ أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش، فيهم المُطعِمُ بن عَدِيٍّ، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقال: «إني صَلَّيتُ الليلة العشاء في هذا المسجد، وصلَّيت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك ببيت المقدس، فنُشِر لي رهطٌ من الأنبياء، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصَلَّيتُ بهم، وكلَّمتُهم». فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ: صِفهم لي. فقال: «أما عيسى ففوق الرَّبعَةِ ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جَعدُ الشَّعر، تَعلُوه صُهبَةٌ،كأنّه عروة بن مسعود الثقفي، وأمّا موسى فضخم آدَمُ طُوالٌ كأنّه مِن رجال شنوءة، كثير الشعر، غائر العينين، مُتَراكِبَ الأسنان، مُقَلَّصُ الشَّفَةِ، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم -فواللهِ- لأشبهُ الناس به خَلقًا وخُلُقًا». فضَجُّوا، وأعظَموا ذلك، فقال المُطعِم: كلُّ أمِرك قبل اليوم كان أمَمًا[[الأَمَم: القريب واليسير. النهاية (أمم).]] غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كذاب؛ نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدًا شهرًا ومنحدرًا شهرًا، تزعُمُ أنك أتيته في ليلة! واللاتِ والعُزّى، لا أُصَدِّقُك. فقال أبو بكر: يا مُطعِمُ، لَبِئْسَ ما قلت لابن أخيك، جَبَهْتَه[[الجبه: الاستقبال بالمكروه. وأصله من إصابة الجبهة، يقال: جبهته إذا أصبت جبهته. النهاية (جبه).]] وكذَّبتَه، أنا أشهد أنه صادق. فقالوا: يا محمد، صِف لنا بيت المقدس. قال: «دخلته ليلًا، وخرجت منه ليلًا». فأتاه جبريل، فصَوَّره في جناحه، فجعل يقول: «باب منه كذا في موضع كذا، وباب منه كذا في موضع كذا». وأبو بكر يقول: صَدَقتَ، صَدَقتَ. فقال رسول الله ﷺ يومئذ: «يا أبا بكر، إنّ الله قد سَمّاك: الصِّدِّيق». قالوا: يا محمد، أخبرنا عن عِيرنا. فقال: «أتيت على عير بني فلان بالرَّوحاءِ قد أضَلُّوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رِحالِهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربتُ منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنَفَرَتْ منِّي الإبلُ، وبَرَك منها جمل أحمر عليه جَوالِقُ مخططة ببياض، لا أدري أكُسِر البعير أم لا، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التَّنعيم يقدُمُها جملٌ أورَقُ، وها هي ذه تطلُعُ عليكم من الثَّنيَّة». فقال الوليد بن المغيرة: ساحر. فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا كما قال، فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد. فأنزل الله: ﴿وما جعلنا الرُّءيا التي أريناك إلا فتنة للناس﴾ [الإسراء:٦٠][[أخرجه أبو يعلى في معجمه ١/٤٢-٤٥ (١٠)، والضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس ص٨٠-٨٣ (٥٢). وتقدم طرفه مع تخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿من المسجد الحرام﴾ في هذه الآية.]]. (٩/١٨٩-١٩٢)
٤٢٣٩٣- عن عبد الله بن عمرو، وأم سلمة، وعائشة، وأم هانئ، وابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: أُسرِي برسول الله ﷺ ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة مِن شِعبِ أبي طالب إلى بيت المقدس، قال رسول الله ﷺ: «حُمِلتُ على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل، في فخذها جناحان، تَحفِزُ[[الحفز: الحث والإعجال. النهاية (حفز).]] بهما رجليها، فلما دَنَوتُ لأركبها شَمَسَتْ[[الشَّموس: هو النَّفور من الدواب الذي لا يستقر لشَغَبه وحدَّته. النهاية (شمس).]]، فوضع جبريل يده على مَعرَفَتِها[[المَعرَفَة: منبت العُرف من الرقبة. النهاية (عرف).]]، ثم قال: ألا تستحيين -يا بُراق- مِمّا تصنعين؟! واللهِ، ما ركب عليك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه. فاستَحيَت حتى ارْفَضَّتْ عَرَقًا، ثم قَرَّت حتى ركَبِتُها، فعمِلَتْ بأُذُنَيها[[عملت بأذنيها: أي أسرعت؛ لأنها إذا أسرعت حركت أذنيها لشدة السير. النهاية (عمل).]]، وقبضت الأرض حتى كان مُنتَهى وقعِ حافِرِها طَرفُها، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يَفُوتُني ولا أفُوتُه، حتى أنتهى بي إلى بيت المقدس، فأتى البُراقُ إلى موقفِه الذي كان يقف، فربطه فيه، وكان مَربِطَ الأنبياء، رأيت الأنبياء جُمِعوا لي، فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى، فظننت أنّه لا بد أن يكون لهم إمام، فقدمني جبريل حتى صَلَّيت بين أيديهم ٣٧٨٩ ، وسألتُهم فقالوا: بُعِثنا بالتوحيد». وقال بعضهم: فُقِد النَّبي ﷺ تلك الليلة، فتَفَرَّقَت بنو عبد المطلب يطلُبونه ويَلتَمِسونه، وخرج العباس حتى إذا بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ: يا محمد، يا محمد. فأجابه رسول الله ﷺ: «لبيك». فقال: ابن أخي، عَنَّيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال: «أتيت من بيت المقدس». قال: في ليلتك؟! قال: «نعم». قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: «ما أصابني إلا خير». وقالت أم هانئ: ما أُسرِي به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة، صلّى العشاء ثم نام، فلما كان قبل الفجر أنبَهناه للصبح، فقام، فلما صلى الصبح قال: «يا أم هانئ، لقد صلَّيت معكم العشاء كما رأيتِ بهذا الوادي، ثم قد جئت بيت المقدس، فصليت فيه، ثم صليت الغداة معكم». ثم قام ليخرج، فقلت: لا تُحَدِّث هذا الناس فيُكَذِّبوك ويُؤذُوك. فقال: «واللهِ، لَأُحَدِّثَنَّهم». فأخبرَهم، فتعجَّبوا، وقالوا: لم نسمع بمثل هذا قط. وقال رسول الله ﷺ لجبريل: «يا جبريل، إنّ قومي لا يُصَدِّقوني». قال: يُصَدِّقُك أبو بكر، وهو الصِّدِّيق. «وافتتن ناسٌ كثير كانوا قد صلَّوا وأسلَموا، وقمتُ في الحِجر، فجَلّى الله لي بيت المقدس، فطَفِقت أُخبِرُهم عن آياته وأنا أنظر إليه، فقال بعضهم: كم للمسجد من باب؟ ولم أكن عددت أبوابه، فجعلت أنظر إليها، وأعُدُّها بابًا بابًا، وأُعلِمُهم، وأخبرتُهم عن عيرات لهم في الطريق، وعلامات فيها، فوجَدوا ذلك كما أخبرتهم». وأنزل الله: ﴿وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنة للناس﴾. قال: كانت رؤيا عين، رآها بعينه[[أخرجه الواقدي -كما في الخصائص الكبرى ١/٢٩٥-٢٩٦-، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات ١/١٦٦-١٦٧. إسناده ضعيف جدًّا؛ فيه محمد بن عمر الواقدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (٦١٧٥): «متروك».]]. (٩/١٩٣-١٩٥)
٤٢٣٩٤- عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَرَرتُ ليلة أُسرِي بي على موسى ﵇ قائمًا يُصَلِّي في قبره عند الكَثِيب الأحمر»[[أخرجه مسلم ٤/١٨٤٥ (٢٣٧٥).]]. (٩/١٩٦)
٤٢٣٩٥- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «لقد رأيتُني في الحِجرِ وقريشٌ تسألُني عن مَسرايَ، فسألوني عن أشياء مِن بيت المقدس لم أُثبِتها، فكُرِبتُ كَرْبًا ما كُرِبتُ مثلَه قَطُّ، فرفَعه الله لي أنظُرُ إليه، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتُهم به، وقد رأيتُني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى ﵇ قائمٌ، وإذا رجلٌ ضَربٌ جَعدٌ كأنه مِن رجال شنوءة، وإذا عيسى قائمٌ يُصَلِّي، أقربُ الناسِ به شَبَهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائمٌ يُصَلِّي، أشبَهُ الناس به صاحِبُكم -يعني: نفسه- فحانَت الصلاة، فأمَمتُهم، فلما فَرَغتُ قال قائل: يا محمد، هذا مالِكٌ صاحب النار. فالتَفَتُّ إليه، فبَدَأَني بالسلام»[[أخرجه مسلم ١/١٥٦ (١٧٢).]]. (٩/٢٠٢)
٤٢٣٩٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق قتادة، عن أبي العالية- قال: قال رسول الله ﷺ: «رأيت ليلة أُسرِي بي موسى بن عمران، رجلًا طُوالًا جَعْدًا، كأنه مِن رجال شَنُوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوعَ الخَلقِ، إلى الحمرةِ والبياضِ، سَبِطَ الرأس، ورأيت مالِكًا خازن جهنم، والدجال». في آياتٍ أراهُنَّ الله. قال: ﴿فلا تكن في مِرية من لقائه﴾ [السجدة:٧٣]. فكان قتادة يُفَسِّرُها: أنّ النَّبي ﷺ قد لَقِي موسى٣٧٩٠[[عزاه السيوطي إلى أبي بكر الواسطي في كتاب فضائل بيت المقدس. ([٨٢]) أخرجه مسلم ١/١٥١ (١٦٥) بلفظه، وأخرجه البخاري ٤/١١٦ (٣٢٣٩)، وابن جرير ١٨/٦٣٦ دون تفسير قتادة. هذا وقد أورد السيوطي في الدر المنثور ٩/١٤٦-٢٤٦ آثارًا كثيرة عن الإسراء والمعراج وما كان فيهما، كذلك عن بيت المقدس وبنائه ونحو ذلك. قال الشوكاني في تفسيره ٣/٢٤٨: «واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة».]]. (٩/٢٠٥)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.