الباحث القرآني
ذكره سُبْحانَهُ باسم عبوديته في أشرف مقاماته في مقام الإسراء ومقام الدعْوَة ومقام التحدي فَقالَ في مقام الإسراء ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ ولم يقل بِرَسُولِهِ ولا نبيه إشارَة إلى أنه قامَ هَذا المقام الأعظم بِكَمال عبوديته لرَبه.
وَقالَ في مقام الدعْوَة ﴿وَأنه لما قامَ عبد الله يَدعُوهُ كادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا﴾
وَقالَ في مقام التحدي ﴿وَإن كُنْتُم في ريب مِمّا نزلنا على عَبدنا فَأتوا بِسُورَة من مثله﴾
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ في حَدِيث الشَّفاعَة وتراجع الأنبياء فِيها وقَول المَسِيح "اذْهَبُوا إلى مُحَمَّد عبد غفر الله لَهُ ما تقدم من ذَنبه وما تَأخّر"
فَدلَّ ذَلِك على أنه نالَ ذَلِك المقام الأعظم بِكَمال عبوديته لله وكَمال مغْفرَة الله لَهُ وإذا كانَت العُبُودِيَّة عند الله بِهَذِهِ المنزلَة اقْتَضَت حكمته أن اسكن آدم وذريته دارا ينالون فِيها هَذِه الدرجَة بِكَمال طاعتهم لله وتقربهم إليه بمحابه وترك مألوفاتهم من أجله فَكانَ ذَلِك من تَمام نعْمَته عَلَيْهِم وإحسانه إليهم
* (فصل)
وَحَقِيقَةُ التَّعَبُّدِ: الذُّلُّ والخُضُوعُ لِلْمَحْبُوبِ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ أيْ مُذَلَّلٌ، قَدْ ذَلَّلَتْهُ الأقْدامُ، فالعَبْدُ هو الَّذِي ذَلَّلَهُ الحُبُّ والخُضُوعُ لِمَحْبُوبِهِ، ولِهَذا كانْتَ أشْرَفُ أحْوالِ العَبْدِ ومَقاماتِهِ في العُبُودِيَّةِ، فَلا مَنزِلَ لَهُ أشْرَفُ مِنها.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أكْرَمَ الخَلْقِ عَلَيْهِ وأحَبَّهم إلَيْهِ، وهو رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالعُبُودِيَّةِ في أشْرَفِ مَقاماتِهِ، وهي مَقامُ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ، ومَقامُ التَّحَدِّي بِالنُّبُوَّةِ، ومَقامُ الإسْراءِ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿وَأنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن: ١٩].
وَقالَ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣].
وَقالَ ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصى﴾ [الإسراء: ١].
حَدِيثُ الشَّفاعَةِ: «اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ، عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ»، فَنالَ مَقامَ الشَّفاعَةِ بِكَمالِ عُبُودِيَّتِهِ، وكَمالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُ، واللَّهُ سُبْحانَهُ خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبادَتِهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الَّتِي هي أكْمَلُ أنْواعِ المَحَبَّةِ مَعَ أكْمَلِ أنْواعِ الخُضُوعِ، وهَذا هو حَقِيقَةُ الإسْلامِ ومِلَّةُ إبْراهِيمَ الَّتِي مَن رَغِبَ عَنْها فَقَدْ سَفِهَ نَفْسَهُ، قالَ تَعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيا وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ - إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ - ووَصّى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يابَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ - أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ إلَهًا واحِدًا ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٠-١٣٣].
وَلِهَذا كانَ أعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ الشِّرْكُ.
* (فائدة)
في قوله تعالى: ﴿أسْرى بِعَبْدِه﴾ دون بعث بعبده وأرسل به ما يفيد مصاحبته له في مسراه فإن الباء هنا للمصاحبة كالهاء في قوله: هاجر بأهله وسافر بغلامه وليست للتعدية فإن أسرى يتعدى بنفسه يقال سري به وأسراه وهذا لأن ذلك السري كان أعظم أسفاره والسفر يعتمد الصاحب ولهذا كان المسافر يقول: "اللهم أنت الصاحب في السفر".
فإن قيل: فهذا المعنى يفهم من الفعل الثلاثي لو قيل سري بعبده فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء؟ ففيه أجوبة:
أحدها: أنهما بمعنى وأن أسرى لازم كسرى تقول سرى زيد وأسرى بمعنى واحد هذا قول جماعة.
الثاني: أن أسرى متعد ومفعوله محذوف أي أسرى بعبده البراق هذا قول أبي القاسم السهيلي وغيره ويشهد للقول الأول قول الصديق أسرينا ليلتنا كلها ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة.
الجواب الصحيح أن الثلاثي المتعدي بالباء يفهم منه شيئان:
أحدهما: صدور الفعل من فاعله.
الثاني: مصاحبته لما دخلت عليه الباء.
فإذا قلت سريت بزيد وسافرت به كان قد وجد منك السري والسفر مصاحبا لزيد فيه كما قال:
ولقد سريت على الظلام بمعشر ...
ومنه الحديث: "أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها "، وأما المتعدي
بالهمزة فيقتضي إيقاع الفعل بالمفعول فقط كقوله تعالى: ﴿واللَّهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ ﴿فَأخْرَجْناهم مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ونظائره فإذا قرن هذا المتعدي بالهمزة أفاد إيقاع الفعل على المفعول مع المصاحبة المفهومة من الباء ولو أتى فيه بالثلاثي فهم منه معنى المشاركة في مصدره وهو ممتنع فتأمله.
* (لطيفة)
كانت كرامة رسول الله ﷺ مفاجأة من غير ميعاد ليحمل عنه ألم الانتظار، ويفاجأ بالكرامة بغتة، وكرامة موسى - عليه السلام - بعد انتظار أربعين ليلة.
* (فائدة)
تسخير البراق لحمل رسول الله ﷺ في ليلة واحدة مسيرة شهرين ذهابا وإيابا أعظم من تسخير الريح لسليمان مسيرة شهرين في يوم واحد ذهابا وإيابا، فإن الريح سريعة الحركة طبعها الإسراع بما تحمله وأما البراق فالآية فيه أعظم.
* (فائدة)
قول الملائكة للنبي ﷺ ليلة الإسراء: "مرحبا به"
أصل في استعمال هذه الألفاظ وما ناسبها عند اللقاء نحو (أهلا وسهلا ومرحبا وكرامة وخير مقدم وأيمن مورد) ونحوها.
ووقع الاقتصار منها على لفظ مرحبا وحدها لاقتضاء الحال لها، فإن الترحيب هو السعة وكان قد أفضى إلى واسع الأماكن ولم يطلق فيها سهلا لأن معناه وطئت مكانا سهلا والنبي ﷺ محمولا إلى السماء.
* (فائدة)
قول النبي ﷺ عن يوسف "أوتي شطر الحسن"
قالت طائفة المراد منه أن يوسف أوتي شطر الحسن الذي أوتيه محمد، فالنبي ﷺ بلغ الغاية في الحسن، ويوسف بلغ شطر تلك الغاية.
قالوا ويحقق ذلك ما رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس قال: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا".
والظاهر أن معناه أن يوسف عليه السلام اختص على الناس بشطر الحسن واشترك الناس كلهم في شطره فانفرد عنهم بشطره وحده وهذا ظاهر اللفظ فلماذا يعدل عنه واللام في الحسن للجنس لا للحسن المعين والمعهود المختص بالنبي ﷺ أدري ما الذي حملهم علي العدول عن هذا إلى ما ذكروه وحديث أنس لا ينافى هذا بل يدل على أن النبي ﷺ أحسن الأنبياء وجها وأحسنهم صوتا ولا يلزم من كونه أحسنهم وجها أن لا يكون يوسف اختص عن الناس بشطر الحسن واشتركوا هم في الشطر الآخر ويكون النبي ﷺ شارك يوسف فيما اختص به من الشطر وزاد عليه بحسن آخر من الشطر الثاني. والله أعلم.
* (فصل)
أُسْرِيَ بِرُوحِهِ وجَسَدِهِ ﷺ إلى المَسْجِدِ الأقْصى، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى فَوْقِ السَّماواتِ بِجَسَدِهِ ورُوحِهِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَخاطَبَهُ وفَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَواتِ، وكانَ ذَلِكَ مَرَّةً واحِدَةً، هَذا أصَحُّ الأقْوالِ.
وَقِيلَ: كانَ ذَلِكَ مَنامًا، وقِيلَ: بَلْ يُقالُ: أُسْرِيَ بِهِ، ولا يُقالُ: يَقَظَةً ولا مَنامًا.
وَقِيلَ: كانَ الإسْراءُ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ يَقَظَةً، وإلى السَّماءِ مَنامًا.
وَقِيلَ: كانَ الإسْراءُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً يَقَظَةً ومَرَّةً مَنامًا.
وَقِيلَ: بَلْ أُسَرِيَ بِهِ ثَلاثَ مَرّاتُ، وكانَ ذَلِكَ بَعْدَ المَبْعَثِ بِالِاتِّفاقِ.
وَأمّا ما وقَعَ في حَدِيثِ شريك، أنَّ ذَلِكَ كانَ قَبْلَ أنْ يُوحى إلَيْهِ فَهَذا مِمّا عُدَّ مِن أغْلاطِ شريك الثَّمانِيَةِ وسُوءِ حِفْظِهِ، لِحَدِيثِ الإسْراءِ.
وَقِيلَ: إنَّ هَذا كانَ إسْراءَ المَنامِ قَبْلَ الوَحْيِ.
وَأمّا إسْراءُ اليَقَظَةُ فَبَعْدَ النُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ: بَلِ الوَحْيُ هاهُنا مُقَيَّدٌ ولَيْسَ بِالوَحْيِ المُطْلَقِ الَّذِي هو مَبْدَأُ النُّبُوَّةِ، والمُرادُ: قَبْلَ أنْ يُوحى إلَيْهِ في شَأْنِ الإسْراءِ، فَأُسْرِيَ بِهِ فَجْأةً مِن غَيْرِ تَقَدُّمِ إعْلامٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ آخر: في الإسْراءُ والمِعْراجُ]
ثُمَّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِجَسَدِهِ عَلى الصَّحِيحِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، راكِبًا عَلى البُراقِ، صُحْبَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَنَزَلَ هُناكَ، وصَلّى بِالأنْبِياءِ إمامًا، ورَبَطَ البُراقَ بِحَلْقَةِ بابِ المَسْجِدِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ نَزَلَ بِبَيْتِ لَحْمٍ وصَلّى فِيهِ، ولَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْهُ ألْبَتَّةَ.
«ثُمَّ عُرِجَ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، فاسْتَفْتَحَ لَهُ جِبْرِيلُ فَفُتِحَ لَهُ، فَرَأى هُنالِكَ آدَمَ أبا البَشَرِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، ورَحَّبَ بِهِ، وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، وأراهُ اللَّهُ أرْواحَ السُّعَداءِ عَنْ يَمِينِهِ، وأرْواحَ الأشْقِياءِ عَنْ يَسارِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ الثّانِيَةِ فاسْتَفْتَحَ لَهُ، فَرَأى فِيها يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا وعِيسى ابْنَ مَرْيَمَ، فَلَقِيَهُما وسَلَّمَ عَلَيْهِما، فَرَدّا عَلَيْهِ ورَحَّبا بِهِ، وأقَرّا بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ الثّالِثَةِ، فَرَأى فِيها يُوسُفَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ورَحَّبَ بِهِ، وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ الرّابِعَةِ، فَرَأى فِيها إدْرِيسَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ورَحَّبَ بِهِ وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ الخامِسَةِ، فَرَأى فِيها هارُونَ بْنَ عِمْرانَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ورَحَّبَ بِهِ، وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ السّادِسَةِ، فَلَقِيَ فِيها مُوسى بْنَ عِمْرانَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ورَحَّبَ بِهِ، وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، فَلَمّا جاوَزَهُ بَكى مُوسى، فَقِيلَ لَهُ: ما يُبْكِيكَ؟ فَقالَ: أبْكِي لِأنَّ غُلامًا بُعِثَ مِن بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِهِ أكْثَرُ مِمّا يَدْخُلُها مِن أُمَّتِي، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ السّابِعَةِ، فَلَقِيَ فِيها إبْراهِيمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ورَحَّبَ بِهِ وأقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى، ثُمَّ رُفِعَ لَهُ البَيْتُ المَعْمُورُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلى الجَبّارِ جَلَّ جَلالُهُ، فَدَنا مِنهُ حَتّى كانَ ﴿قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ [النجم: ٩]، وفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاةً. فَرَجَعَ حَتّى مَرَّ عَلى مُوسى فَقالَ لَهُ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قالَ: بِخَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْألْهُ التّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فالتَفَتَ إلى جِبْرِيلَ كَأنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ في ذَلِكَ، فَأشارَ أنْ نَعَمْ إنْ شِئْتَ، فَعَلا بِهِ جِبْرِيلُ حَتّى أتى بِهِ الجَبّارَ تَبارَكَ وتَعالى، وهو في مَكانِهِ. هَذا لَفْظُ البُخارِيِّ في بَعْضِ الطُّرُقِ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ أنْزَلَ حَتى مَرَّ بِمُوسى فَأخْبَرَهُ، فَقالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْألْهُ التَّخْفِيفَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسى وبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ حَتى جَعَلَها خَمْسًا، فَأمَرَهُ مُوسى بِالرُّجُوعِ وسُؤالِ التَّخْفِيفِ، فَقالَ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِن رَبِّي، ولَكِنْ أرْضى وأُسَلِّمُ، فَلَمّا بَعُدَ نادى مُنادٍ: قَدْ أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وخَفَّفْتُ عَنْ عِبادِي».
واخْتَلَفَ الصَّحابَةُ: هَلْ رَأى رَبَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أمْ لا؟
فَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ رَأى رَبَّهُ، وصَحَّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: (رَآهُ بِفُؤادِهِ).
وَصَحَّ عَنْ عائشة وابْنِ مَسْعُودٍ إنْكارُ ذَلِكَ، وقالا: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى﴾ [النجم: ١٣] إنَّما هو جِبْرِيلُ.
وَصَحَّ عَنْ «أبي ذر أنَّهُ سَألَهُ: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟ فَقالَ: نُورٌ أنّى أراهُ»، أيْ: حالَ بَيْنِي وبَيْنَ رُؤْيَتِهِ النُّورُ، كَما قالَ في لَفْظٍ آخَرَ: (رَأيْتُ نُورًا).
وَقَدْ حَكى عُثْمانُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيُّ اتّفاقَ الصَّحابَةِ عَلى أنَّهُ لَمْ يَرَهُ.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: ولَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ: " إنَّهُ رَآهُ " مُناقِضًا لِهَذا، ولا قَوْلُهُ: (رَآهُ بِفُؤادِهِ)، وقَدْ صَحَّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: " «رَأيْتُ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالى» " ولَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذا في الإسْراءِ، ولَكِنْ كانَ في المَدِينَةِ
لَمّا احْتُبِسَ عَنْهم في صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ أخْبَرَهم عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى تِلْكَ اللَّيْلَةَ في مَنامِهِ، وعَلى هَذا بَنى الإمامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى، وقالَ: نَعَمْ رَآهُ حَقًّا، فَإنَّ رُؤْيا الأنْبِياءِ حَقٌّ ولا بُدَّ، ولَكِنْ لَمْ يَقُلْ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: إنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ يَقَظَةً، ومَن حَكى عَنْهُ ذَلِكَ فَقَدْ وهِمَ عَلَيْهِ، ولَكِنْ قالَ مَرَّةً: رَآهُ، ومَرَّةً قالَ: رَآهُ بِفُؤادِهِ، فَحُكِيَتْ عَنْهُ رِوايَتانِ، وحُكِيَتْ عَنْهُ الثّالِثَةُ مِن تَصَرُّفِ بَعْضِ أصْحابِهِ: أنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، وهَذِهِ نُصُوصُ أحمد مَوْجُودَةٌ، لَيْسَ فِيها ذَلِكَ.
وَأمّا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهُ رَآهُ بِفُؤادِهِ مَرَّتَيْنِ، فَإنْ كانَ اسْتِنادُهُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى﴾ [النجم: ١١] ثُمَّ قالَ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم: ١٣] والظّاهِرُ أنَّهُ مُسْتَنَدُهُ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ أنَّ هَذا المَرْئِيَّ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ في صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْها، وقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ هَذا هو مُسْتَنَدُ الإمامِ أحْمَدَ في قَوْلِهِ: (رَآهُ بِفُؤادِهِ)، واللَّهُ أعْلَمُ.
وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ النَّجْمِ: ﴿ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى﴾ [النجم: ٨] فَهو غَيْرُ الدُّنُوِّ والتَّدَلِّي في قِصَّةِ الإسْراءِ، فَإنَّ الَّذِي في (سُورَةِ النَّجْمِ) هو دُنُوُّ جِبْرِيلَ وتَدَلِّيهِ، كَما قالَتْ عائشة وابْنُ مَسْعُودٍ، والسِّياقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإنَّهُ قالَ: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى﴾ [النجم: ٥] وهو جِبْرِيلُ: ﴿ذُو مِرَّةٍ فاسْتَوى - وهو بِالأُفُقِ الأعْلى - ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى﴾ [النجم: ٦-٨] فالضَّمائِرُ كُلُّها راجِعَةٌ إلى هَذا المُعَلِّمِ الشَّدِيدِ القُوى، وهو ذُو المِرَّةِ، أيْ: القُوَّةُ، وهو الَّذِي اسْتَوى بِالأُفُقِ الأعْلى، وهو الَّذِي دَنا فَتَدَلّى، فَكانَ مِن مُحَمَّدٍ ﷺ قَدْرَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى، فَأمّا الدُّنُوُّ والتَّدَلِّي الَّذِي في حَدِيثِ الإسْراءِ فَذَلِكَ صَرِيحٌ في أنَّهُ دُنُوُّ الرَّبِّ تَبارَكَ وتَدَلِّيهِ، ولا تَعَرُّضَ في (سُورَةِ النَّجْمِ) لِذَلِكَ، بَلْ فِيها أنَّهُ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى، وهَذا هو جِبْرِيلُ، رَآهُ مُحَمَّدٌ ﷺ عَلى صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً في الأرْضِ، ومَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى، واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ: في إخْبارُهُ ﷺ لِقُرَيْشٍ بِالإسْراءِ]
فَلَمّا أصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قَوْمِهِ أخْبَرَهم بِما أراهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِن آياتِهِ الكُبْرى، فاشْتَدَّ تَكْذِيبُهم لَهُ، وأذاهم وضَراوَتُهم عَلَيْهِ، وسَألُوهُ أنْ يَصِفَ لَهم بَيْتَ المَقْدِسِ، فَجَلّاهُ اللَّهُ لَهُ حَتّى عايَنَهُ، فَطَفِقَ يُخْبِرُهم عَنْ آياتِهِ، ولا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ شَيْئًا.
وَأخْبَرَهم عَنْ عِيرِهِمْ في مَسْراهُ ورُجُوعِهِ، وأخْبَرَهم عَنْ وقْتِ قُدُومِها، وأخْبَرَهم عَنِ البَعِيرِ الَّذِي يَقْدُمُها، وكانَ الأمْرُ كَما قالَ، فَلَمْ يَزِدْهم ذَلِكَ إلّا نُفُورًا، وأبى الظّالِمُونَ إلّا كُفُورًا.
[فِصَلٌ في الفَرْقُ بَيْنَ مَن قالَ كانَ الإسْراءُ بِالرُّوحِ وبَيْنَ أنْ يُقالَ كانَ الإسْراءُ مَنامًا]
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ إسْحاقَ عَنْ عائشة ومعاوية أنَّهُما قالا: إنَّما كانَ الإسْراءُ بِرُوحِهِ، ولَمْ يَفْقِدْ جَسَدَهُ، ونُقِلَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، ولَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يُعْلَمَ الفَرْقُ بَيْنَ أنْ يُقالَ: كانَ الإسْراءُ مَنامًا، وبَيْنَ أنْ يُقالَ كانَ بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ، وبَيْنَهُما فَرْقٌ عَظِيمٌ، وعائشة ومعاوية لَمْ يَقُولا: كانَ مَنامًا، وإنَّما قالا: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ، ولَمْ يَفْقِدْ جَسَدَهُ، وفَرْقٌ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، فَإنَّ ما يَراهُ النّائِمُ قَدْ يَكُونُ أمْثالًا مَضْرُوبَةً لِلْمَعْلُومِ في الصُّوَرِ المَحْسُوسَةِ، فَيَرى كَأنَّهُ قَدْ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ، أوْ ذُهِبَ بِهِ إلى مَكَّةَ وأقْطارِ الأرْضِ، ورُوحُهُ لَمْ تَصْعَدْ ولَمْ تَذْهَبْ، وإنَّما مَلَكُ الرُّؤْيا ضَرَبَ لَهُ المِثالَ، والَّذِينَ قالُوا: عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طائِفَتانِ: طائِفَةٌ قالَتْ: عُرِجَ بِرُوحِهِ وبَدَنِهِ، وطائِفَةٌ قالَتْ: عُرِجَ بِرُوحِهِ ولَمْ يَفْقِدْ بَدَنَهُ، وهَؤُلاءِ لَمْ يُرِيدُوا أنَّ المِعْراجَ كانَ مَنامًا، وإنَّما أرادُوا أنَّ الرُّوحَ ذاتَها أُسْرِيَ بِها وعُرِجَ بِها حَقِيقَةً، وباشَرَتْ مِن جِنْسِ ما تُباشِرُ بَعْدَ المُفارَقَةِ، وكانَ حالُها في ذَلِكَ كَحالِها بَعْدَ المُفارَقَةِ في صُعُودِها إلى السَّماواتِ سَماءً سَماءً حَتّى يُنْتَهى بِها إلى السَّماءِ السّابِعَةِ، فَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَيَأْمُرُ فِيها بِما يَشاءُ، ثُمَّ تَنْزِلُ إلى الأرْضِ، والَّذِي كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ الإسْراءِ أكْمَلُ مِمّا يَحْصُلُ لِلرُّوحِ عِنْدَ المُفارَقَةِ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ هَذا أمْرٌ فَوْقَ ما يَراهُ النّائِمُ، لَكِنْ لَمّا كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في مَقامِ خَرْقِ العَوائِدِ حَتّى شُقَّ بَطْنُهُ وهو حَيٌّ لا يَتَألَّمُ بِذَلِكَ عُرِجَ بِذاتِ رُوحِهِ المُقَدَّسَةِ حَقِيقَةً مِن غَيْرِ إماتَةٍ، ومَن سِواهُ لا يَنالُ بِذاتِ رُوحِهِ الصُّعُودَ إلى السَّماءِ إلّا بَعْدَ المَوْتِ والمُفارَقَةِ، فالأنْبِياءُ إنَّما اسْتَقَرَّتْ أرْواحُهم هُناكَ بَعْدَ مُفارَقَةِ الأبْدانِ، ورُوحُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَعِدَتْ إلى هُناكَ في حالِ الحَياةِ ثُمَّ عادَتْ، وبَعْدَ وفاتِهِ اسْتَقَرَّتْ في الرَّفِيقِ الأعْلى مَعَ أرْواحِ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ومَعَ هَذا فَلَها إشْرافٌ عَلى البَدَنِ وإشْراقٌ وتَعَلُّقٌ بِهِ، بِحَيْثُ يَرُدُّ السَّلامَ عَلى مَن سَلَّمَ عَلَيْهِ، وبِهَذا التَّعَلُّقِ رَأى مُوسى قائِمًا يُصَلِّي في قَبْرِهِ، ورَآهُ في السَّماءِ السّادِسَةِ. ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُعْرَجْ بِمُوسى مِن قَبْرِهِ، ثُمَّ رُدَّ إلَيْهِ، وإنَّما ذَلِكَ مَقامُ رُوحِهِ واسْتِقْرارِها، وقَبْرُهُ مَقامُ بَدَنِهِ واسْتِقْرارُهُ إلى يَوْمِ مَعادِ الأرْواحِ إلى أجْسادِها، فَرَآهُ يُصَلِّي في قَبْرِهِ، ورَآهُ في السَّماءِ السّادِسَةِ، كَما أنَّهُ ﷺ في أرْفَعِ مَكانٍ في الرَّفِيقِ الأعْلى مُسْتَقَرًّا هُناكَ، وبَدَنُهُ في ضَرِيحِهِ غَيْرُ مَفْقُودٍ، وإذا سَلَّمَ عَلَيْهِ المُسَلِّمُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، ولَمْ يُفارِقِ المَلَأُ الأعْلى، ومَن كَثُفَ إدْراكُهُ وغَلُظَتْ طِباعُهُ عَنْ إدْراكِ هَذا فَلْيُنْظَرْ إلى الشَّمْسِ في عُلُوِّ مَحِلِّها، وتَعَلُّقِها وتَأْثِيرِها في الأرْضِ، وحَياةِ النَّباتِ والحَيَوانِ بِها، هَذا وشَأْنُ الرُّوحِ فَوْقَ هَذا فَلَها شَأْنٌ، ولِلْأبْدانِ شَأْنٌ، وهَذِهِ النّارُ تَكُونُ في مَحِلِّها وحَرارَتُها تُؤَثِّرُ في الجِسْمِ البَعِيدِ عَنْها، مَعَ أنَّ الِارْتِباطَ والتَّعَلُّقَ الَّذِي بَيْنَ الرُّوحِ والبَدَنِ أقْوى وأكْمَلُ مِن ذَلِكَ وأتَمُّ، فَشَأْنُ الرُّوحِ أعْلى مِن ذَلِكَ وألْطَفُ.
؎فَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمْدِ إيّاكِ أنْ تَرَيْ ∗∗∗ سَنا الشَّمْسِ فاسْتَغْشِي ظَلامَ اللَّيالِيا
* فَصْلٌ
قالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «عُرِجَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ وإلى السَّماءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلى المَدِينَةِ بِسَنَةٍ». وقالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ وغَيْرُهُ: كانَ بَيْنَ الإسْراءِ والهِجْرَةِ سَنَةٌ وشَهْرانِ انْتَهى.
وَكانَ الإسْراءُ مَرَّةً واحِدَةً. وقِيلَ: مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً يَقَظَةً، ومَرَّةً مَنامًا، وأرْبابُ هَذا القَوْلِ كَأنَّهم أرادُوا أنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ حَدِيثِ شريك، وقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، وبَيْنَ سائِرِ الرِّواياتِ، ومِنهم مَن قالَ: بَلْ كانَ هَذا مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً قَبْلَ الوَحْيِ؛ لِقَوْلِهِ في حَدِيثِ شريك: " وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُوحى إلَيْهِ "، ومَرَّةً بَعْدَ الوَحْيِ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ سائِرُ الأحادِيثِ. مِنهم مَن قالَ: بَلْ ثَلاثُ مَرّاتٍ: مَرَّةً قَبْلَ الوَحْيِ، ومَرَّتَيْنِ بَعْدَهُ، وكُلُّ هَذا خَبْطٌ، وهَذِهِ طَرِيقَةُ ضُعَفاءِ الظّاهِرِيَّةِ مِن أرْبابِ النَّقْلِ الَّذِينَ إذا رَأوْا في القِصَّةِ لَفْظَةً تُخالِفُ سِياقَ بَعْضِ الرِّواياتِ جَعَلُوهُ مَرَّةً أُخْرى، فَكُلَّما اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الرِّواياتُ عَدَّدُوا الوَقائِعَ، والصَّوابُ الَّذِي عَلَيْهِ أئِمَّةُ النَّقْلِ أنَّ الإسْراءِ كانَ مَرَّةً واحِدَةً بِمَكَّةَ بَعْدَ البَعْثَةِ.
وَيا عَجَبًا لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا أنَّهُ مِرارًا، كَيْفَ ساغَ لَهم أنْ يَظُنُّوا أنَّهُ في كُلِّ مَرَّةٍ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الصّلاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ رَبِّهِ وبَيْنَ مُوسى حَتّى تَصِيرَ خَمْسًا، ثُمَّ يَقُولُ: " «أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وخَفَّفْتُ عَنْ عِبادِي» "، ثُمَّ يُعِيدُها في المَرَّةِ الثّانِيَةِ إلى خَمْسِينَ، ثُمَّ يَحُطُّها عَشْرًا عَشْرًا، وقَدْ غَلَّطَ الحُفُّاظُ شريكا في ألْفاظٍ مِن حَدِيثِ الإسْراءِ، ومسلم أوْرَدَ المُسْنَدَ مِنهُ ثُمَّ قالَ: فَقَدَّمَ وأخَّرَ وزادَ ونَقَصَ، ولَمْ يَسْرُدِ الحَدِيثَ، فَأجادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
{"ayah":"سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق