الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) ﴾
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾ تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أنَّ له من خلقه شريكا: وأن له صاحبة وولدا، وعلوّا له وتعظيما عما أضافوه إليه، ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم.
وقد بيَّنت فيما مضى قبل، أن قوله: سبحان: اسم وُضع موضع المصدر، فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد كان بعضهم يقول: نصب لأنه غير موصوف، وللعرب في التسبيح أماكن تستعمله فيها، فمنها الصلاة، كان كثير من أهل التأويل يتأوّلون قول الله ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ﴾ : فلولا أنه كان من المصلين. ومنها الاستثناء، كان بعضهم يتأول قول الله تعالى ﴿ألَمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ : لولا تستثنون، وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل اليمن، ويستشهد لصحة تأويله ذلك بقوله ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ فذكرهم تركهم الاستثناء. ومنها النور، وكان بعضهم يتأوّل في الخبر الذي رُوي عن النبيّ ﷺ: "لَولا ذلكَ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ما أدْرَكَتْ مِنْ شَيْء" أنه عنى بقوله سبحات وجهه: نور وجهه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن النبيّ ﷺ "أنه سُئل عن التسبيح أن يقول الإنسان: سُبْحان الله، قال: "إنزاهُ الله عَنِ السُّوءِ".
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن الحسن بن صالح، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: سبحان الله: قال: إنكاف لله. وقد ذكرنا من الآثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل. والإسراء والسُّرى: سير الليل. فمن قال: أسَرْى، قال: يُسري إسراء؛ ومن قال: سرى، قال: يَسري سرى، كما قاله الشاعر:
ولَيْلَةٍ ذَاتِ دُجىً سَرَبْتُ ... ولَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُواها لَيْتُ [[البيتان في (اللسان: ليت) شاهدا على أنه لاته عن وجهه يليته ويلوته ليتا: حبسه عن وجهه وصرفه قال الراجز: "وليلة ذات سرى سريت".... إلخ. وقيل معنى هذا: لم يلتني عن سراها أن أتندم فأقول: ليتني ما سريتها. وقيل معناه: لم يصرفني عن سراها صارف، أي لم يلتني لائت، فوضع المصدر موضع الاسم. وفي التهذيب: أن لم يلتني عنها نقص ولا عجز. وكذلك ألاته عن وجهه: فعل وأفعل: بمعنى. أهـ. و (في اللسان: سرى) السرى: سير الليل: عامته، وقيل السرى: سير الليل كله، تذكره العرب وتؤنثه. وسريت سرى ومسرى، وأسريت: بمعنى: إذا سرت ليلا. بالألف: لغة أهل الحجاز. وجاء القرآن العزيز بهما جميعا. أهـ. وعلى هذا استشهد المؤلف بالبيت. وقال السهيلي في الروض الأنف (١: ٢٤٣) اتفقت الرواة على تسميته إسراء، ولم يسمه أحد منهم سرى، وإن كان أهل اللغة قد قالوا: سرى، وأسرى بمعنى واحد، فدل على أن أهل اللغة لم يحققوا في العبارة.. إلى أن قال: لا يجوز أن يقال: سرى بعبده، بوجه من الوجوه؛ فلذلك لم تأت التلاوة إلا بوجه واحد في هذه القصة. أهـ.]]
ويروى: ذات ندى سَريْت.
ويعني بقوله ﴿لَيْلا﴾ من الليل. وكذلك كان حُذيفة بن اليمان يقرؤها.
⁕ حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر بن عياش ورجل يحدّث عنده بحديث حين أسري بالنبيّ ﷺ فقال له: لا تجيء بمثل عاصم ولا زر، قال: قرأ حُذيفة: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّيْلِ مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَام إلى المَسْجِدِ الأقْصَى﴾ وكذا قرأ عبد الله.
وأما قوله ﴿مِنَ المَسْجِدِ الحَرَام﴾ فإنه اختُلف فيه وفي معناه، فقال بعضهم: يعني من الحرم، وقال: الحرم كله مسجد. وقد بيَّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وقال: وقد ذُكر لنا أن النبيّ ﷺ كان ليلة أُسري به إلى المسجد الأقصى كان نائما في بيت أمّ هانئ ابنة أبي طالب.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن السائب، عن أبي صالح بن باذام عن أمّ هانئ بنت أبي طالب، في مسرى النبيّ ﷺ، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول الله ﷺ إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قُبيل الفجر، أهبنا رسول الله ﷺ فلما صلى الصبح وصلينا معه قال: "يا أمّ هانِئٍ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمْ العِشاءَ الآخِرَةَ كَمَا رأيْت بِهَذَا الوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاةَ الغدَاةِ مَعَكُمُ الآنَ كَمَا تَرينَ".
وقال آخرون: بل أُسري به من المسجد، وفيه كان حين أسري به.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر بن عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة، وهو رجل من قومه قال: قال نبيّ الله ﷺ: "بَيْنا أَنا عِنْدَ البَيْتِ بينَ النَّائِم واليَقْظَانِ، إِذْ سَمعْتُ قائلا يَقُولُ أَحَدُ الثلاثَةِ، فأتيت بطسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إلى كَذَا وكَذَا، قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلى أسفل بطنه؛ قال: فاسْتَخْرَجَ قَلْبِي فَغُسلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أتِيتُ بِدَابَّةٍ أبْيَض"، وفي رواية أخرى: "بِدَابَّة بَيْضَاءُ يُقال لَهُ البُرَاقُ، فَوْقَ الحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ يَقَعُ خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فحُمِلْتُ عَلَيْه ثُمَّ انْطَلَقْنا حتى أتَيْنَا إلى بَيْتِ المَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ بالنَّبِيينَ والمُرْسَلِينَ إماما، ثُمَّ عُرِجَ بِي إلى السَّماءِ الدُّنْيا ".... فذكر الحديث.
⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك، يعني ابن صعصعة رجل من قومه، عن النبيّ ﷺ، نحوه.
⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، قال: قال نبيّ الله ﷺ، ثم ذكر نحوه.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: ثني عمرو بن عبد الرحمن، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ: "بَيْنا أنا نائمٌ في الحِجْر جاءَنِي جِبْرِيلُ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لمَضْجَعِي، فجاءَني الثَّانِيةَ فَهَمَزَنِي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لمَضْجَعِي، فجاءَني الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأخَذَ بعَضُدِي فَقُمْتُ مَعَهُ، فَخَرَجَ بِي إلى بابِ المَسْجِدِ، فإذَا دَابَّةٌ بَيْضَاءُ بينَ الحِمارِ والبَغْلِ، لَهُ فِي فَخِذَيْهِ جنَاحان يَحْفِزُ بِهما رِجْلَيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِه، فحَمَلَني عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مَعي، لا يَفُوتُني ولا أفُوتُهُ".
⁕ حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر [[قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (المطبعة المصرية ٢: ٢١٠) ذكر البخاري رحمه الله رواية شريك هذه عن أنس في صحيحه وأتى بالحديث مطولا. قال الحافظ عبد الحق رحمه الله في كتابه (الجمع بين الصحيحين) بعد ذكر هذه الرواية: هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس، وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة. وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين، والأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت البناني وقتادة (يعني عن أنس) فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. وانظر أيضا ما قاله الشهاب الخفاجي في (نسيم الرياض في شرح فاء القاضي عياض ٢: ٢٤٣ - ٢٤٤، في نقده لرواية شريك بن أبي نمر سندا ومتنا) .]] قال: سمعت أنسا يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله ﷺ من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوّلهم: أيهم هو؟ قال: أوسطهم هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه، والنبيّ ﷺ تنام عيناه، ولا ينام قلبه. وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم. فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرائيل عليه السلام، فشقّ ما بين نحره إلى لبَّته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه، ثم أُتِيَ بطست من ذهب فيه تور محشوّ إيمانا وحكمة، فحشا به جوفه وصدره ولغاديده [[في البخاري (باب التوحيد) : فحشا به صدوره ولغاديده، يعني عروق حلقه.]] ثم أطبقه ثم ركب البراق، فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى فيه بالنَّبيين والمرسلين إماما، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال: هذا جبرائيل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد بُعث إليه [[في البخاري (طبعة الحلبي ٩: ١٨٣) : "وقد بعث". وقد أبقينا رواية المؤلف كما هي، لاختلاف نسخ البخاري في رواية بعض الكلم.]] ؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله بأهل الأرض حتى يُعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبرائيل: هذا أبوك، فسلَّم عليه، فردّ عليه، فقال: مرحبا بك وأهلا يا بني، فنعم الابن أنت، ثم مضى به إلى السماء الثانية، فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ فقال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم قد أُرسل إليه، فقيل: مرحبا به وأهلا ففُتح لهما؛ فلما صعد فيها فإذا هو بنهرين يجريان، فقال: ما هذان النهران يا جبرائيل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما [[كذا في البخاري أيضا.]] ؛ ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد بُعث إليه؟ قال: نعم قد بُعث إليه، قيل: مرحبا به وأهلا ففُتح له فإذا هو بنهر عليه قباب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، فذهب يشمّ ترابه، فإذا هو مسك أذفر، فقال: يا جبرائيل ما هذا النهر؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك في الآخرة؛ ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك؛ ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك؛ ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك؛ ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، وكلّ سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس، فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلامه الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع عليّ أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا باب الجبَّار ربّ العزّة، فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما شاء، وأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه، فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: "عهد إليّ خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة؛ قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك وعنهم، فالتفتّ إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه أن نعم، فعاد به جبرائيل حتى أتى الجبَّار عزّ وجلّ وهو مكانه، فقال: "ربّ خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات؛ ثم رجع إلى موسى عليه السلام فاحتبسه، فلم يزل يردّده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه عند الخمس، فقال: يا محمد قد والله راودتُ بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس، فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كلّ ذلك يلتفت إلى جبرائيل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبرائيل، فرفعه عند الخمس، فقال: يا ربّ إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فخفف عنا، قال الجبَّار جلّ جلاله: يا محمد، قال: لبَيك وسعديك، فقال: إني لا يُبدّل القول لديّ كما كتبت عليك في أمّ الكتاب، ولك بكلّ حسنة عشر أمثالها، وهي خمسون في أمّ الكتاب، وهي خمس عليك؛ فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفَّف عني، أعطانا بكلّ حسنة عشر أمثالها، قال: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا، قال: "يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه، قال: فاهبط باسم الله، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله عزّ وجلّ أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه، وقوله ﴿إلى المَسْجِدِ الأقْصَى﴾ يعني: مسجد بيت المقدس، وقيل له: الأقصى، لأنه أبعد المساجد التي تزار، ويُبتغَى في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام. فتأويل الكلام تنزيها لله، وتبرئة له مما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة، وما يجلّ عنه جلّ جلاله، الذي سار بعبده ليلا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى.
ثم اختلف أهل العلم في صفة إسراء الله تبارك وتعالى بنبيه ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فقال بعضهم: أسرى الله بجسده، فسار به ليلا على البُراق من بيته الحرام إلى بيته الأقصى حتى أتاه، فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سُلطانه، فجمعت له به الأنبياء، فصلى بهم هُنالك، وعَرج به إلى السماء حتى صعد به فوق السماوات السبع، وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته، فصلى به صلاة الصبح.
* ذكر من قال ذلك، وذكر بعض الروايات التي رُويت عن رسول الله ﷺ بتصحيحه.
⁕ حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله ﷺ أُسري به على البُراق، وهي دابَّة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام، يقع حافرها موضع طرفها، قال: فمرّت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية، فنفرت العير، وفيها بعير عليه غرارتان: سوداء، وزرقاء، حتى أتى رسول الله ﷺ إيلياء فأتى بقدحين: قدح خمر، وقدح لبن، فأخذ رسول الله ﷺ قدح اللبن، فقال له جبرائيل: هُديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك. قال ابن شهاب: فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله ﷺ لقي هناك إبراهيم موسى وعيسى، فنعتهم رسول الله ﷺ، فقال: "فَأمَّا مُوسَى فَضَرْبٌ رَجْلُ الرأسِ كأنَّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ، وأمَّا عِيسَى فَرَجْلٌ أحْمَرُ كأنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، فأشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ؛ وأمَّا إبْرَاهِيمُ فأنا أشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ؛ فلما رجع رسول الله ﷺ، حدث قريشا أنه أُسري به. قال عبد الله: فارتدّ ناس كثير بعد ما أسلموا، قال أبو سلمة: فأتى أبو بكر الصدّيق، فقيل له: هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة، قال أبو بكر: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة؟ قال: إني أصدّقه بأبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لما كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فَمَثَّلَ الله لي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقتُ أُخْبرُهُم عَنْ آياتِهِ وأنا أنْظُرُ إلَيْهِ".
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك، قال: لما جاء جبرائيل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله ﷺ، فكأنها ضربت بذنبها، فقال لها جبرائيل: مه يا براق، فوالله إن ركبك مثله، فسار رسول الله ﷺ، فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق: أي على جنب الطريق.
قال أبو جعفر: ينبغي أن يقال: نائية، ولكن أسقط منها التأنيث.
فقال: "ما هذه يا جبرائيل؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلمّ يا محمد، قال جبرائيل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير؛ قال: ثم لقيه خلق من الخلائق، فقال أحدهم: السلام عليك يا أوّل، والسلام عليك يا آخر، والسلام عليك يا حاشر، فقال له جبرائيل: اردد السلام يا محمد، قال: فردّ السلام، ثم لقيه الثاني، فقال له مثل مقالة الأوّلين [[نص العبارة في الدر المنثور للسيوطي (٤: ١٣٩) ثم بقية الثانية، فقال له مثل ذلك، ثم الثالثة كذلك، ولعل في الكلام سقطا.]] حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء واللبن والخمر، فتناول رسول الله ﷺ اللبن، فقال له جبرائيل: أصبت يا محمد الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك، ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمَّهم رسول الله ﷺ تلك الليلة. ثم قال له جبرائيل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدوّ الله إبليس، أراد أن تميل إليه؛ وأما الذين سلَّموا عليك، فذاك إبراهيم وموسى وعيسى".
⁕ حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره "شكّ أبو جعفر" في قول الله عزّ وجلّ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ قال: جاء جبرائيل إلى النبيّ ﷺ ومعه ميكائيل، فقال جبرائيل لميكائيل: ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه، وأشرح له صدره، قال: فشقّ عن بطنه، فغسله ثلاث مرّات، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما كان فيه من غلّ، وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوّة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه كلّ خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره، قال: فسار وسار معه جبرائيل عليه السلام، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبيّ ﷺ: يا جبْرَائيلُ ما هَذَا؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تُضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين؛ ثم أتى على قوم تُرضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: ما هؤلاء يا جبرائِيل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة؛ ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضريع والزقُّوم ورضف جهنم وحجارتها، قال: ما هَؤُلاء يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئا، وما الله بظلام للعبيد، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور، ولحم آخر نيء قذر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيء، ويدَعون النضيج الطَّيب، فقال: ما هَؤُلاء يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده المرأة الحلال الطَّيب، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا، فتبيت معه حتى تصبح؛ قال: ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمرّ بها ثوب إلا شقَّته، ولا شيء إلا خرقته، قال: ما هَذَا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا مثَل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه. ثم قرأ ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ ... ﴾ الآية. ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع ح ملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يزيد عليها، ويريد أن يحملها، فلا يستطيع ذلك؛ ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: ما هؤلاء يا جَبْرائِيلُ؟ فقال: هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون، ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هَذَا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها، فلا يستطيع أن يردّها، ثم أتى على واد، فوجد ريحا طيبة باردة، وفيه ريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جَبْرَائِيلُ ما هَذِهِ الرّيحُ الطَّيِّبَةُ البارِدَة وهَذِهِ الرَّائحَةُ الَّتي كَرِيحِ المسْكِ، ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قال: هذا صوت الجنة تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقري، ولؤلؤي ومرجاني، وفضتي وذهبي، وأكوابي وصحافي وأباريقي، وفواكهي ونخلي ورماني، ولبني وخمري، فآتني ما وعدتني، فقال: لك كلّ مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي، وعمل صالحا ولم يُشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكَّل عليّ كفيته، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت؛ ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا، ووجد ريحا منتنة، فقال: وما هَذِهِ الرّيحُ يا جَبْرَائِيلُ ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قال: هذا صوت جهنم، تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي، وسعيري وجحيمي، وضريعي وغسَّاقي، وعذابي وعقابي، وقد بعُد قعري واشتدّ حرّي، فآتني ما وعدتني، قال: لك كلّ مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكلّ خبيث وخبيثة، وكلّ جبَّار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت؛ قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة؛ فلما قُضيت الصلاة. قالوا: يا جبرائيل من هذا معك؟ قال: محمد، فقالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛ قال: ثم لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيم: الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمَّة قانتا لله يؤتمّ بي، وأنقذني من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما؛ ثم إن موسى أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي كلَّمني تكليما، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحقّ وبه يعدلون؛ ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلَّمني الزّبور، وألان لي الحديد، وسخَّر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب؛ ثم إن سليمان أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي سخَّر لي الرياح، وسخَّر لي الشياطين، يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب، وقدور راسيات، وعلَّمني منطق الطير، وآتاني من كلّ شيء فضلا وسخَّر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضَّلني على كثير من عباده المؤمنين، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس عليّ فيه حساب؛ ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطين هيئة الطير، فأنفخ فيه، فيكون طيرا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمة والأبرص، وأحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل؛ قال: ثم إن محمدا ﷺ أثنى على ربه، فقال: كُلْكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّه، وأنا مُثْنٍ عَلى رَبِّي، فقال: الحَمْدُ لله الذي أرْسَلَنِي رَحْمَةً للعالَمِينَ، وكافةً للناس بَشِيراً ونَذَيرًا، وأَنزلَ عَليَّ الفُرقَانَ فِيه تِبْيانُ كُلّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي وَسَطا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الأوَّلوُنَ وَهُمُ الآخِرُونَ، وَشَرَحَ لي صَدْرِي، وَوَضَعَ عني وِزْرِي وَرَفَعَ لي ذِكْرِي، وَجَعَلَني فاتحا خاتِما، قال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد. - قال أبو جعفر: وهو الرازي: خاتم النبوّة، وفاتح بالشفاعة يوم القيامة - ثم أتي إليه بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فاتى بإناء منها فيه ماء، فقيل: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فقيل له: اشرب، فشرب منه حتى روي، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له: اشرب، فقال: لا أريده قد رويت، فقال له جبرائيل ﷺ: أما إنها سَتُحَرّم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل، ثم عَرَج به إلى سماء الدنيا، فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ فقال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه، قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل تامّ الخلق لم ينقص من خلقه شيء، كما ينقص من خلق الناس، على يمينه باب، يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: يا جَبْرَائيِلُ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُ الخَلْقِ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، ومَا هَذَانِ البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيته بكى وحزن؛ ثم صعد به جبرائيل ﷺ إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد رسول الله، فقالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فإذا هو بشابين، فقال: يا جَبْرَائِيلُ مَنْ هَذَانِ الشابَّانِ؟ قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا ابنا الخالة؛ قال: فصعد به إلى السماء الثالثة، فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل قد فَضَل على الناس كلهم في الحُسن، كما فُضّل القمرُ ليلة البدر على سائر الكواكب، قال: مَنْ هَذَا يا جِبْرَئِيلُ الَّذِي فَضَلَ على النَّاسِ في الحُسْنِ؟ قال: هذا أخوك يوسف؛ ثم صعد به إلى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛ قال: فدخل، فإذا هو برجل، قال: مَنْ هَذَا يا جَبْرَائِيلُ؟ قال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليًّا؛ ثم صعد به إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبرائيل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛ ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ عليهم، قال: مَنْ هَذَا يا جَبْرَائِيلُ وَمَنْ هَؤُلاء الَّذِينَ حَوْلَهُ؟ قال: هذا هارون المحبب في قومه، وهؤلاء بنو إسرائيل؛ ثم صعد به إلى السماء السادسة، فاستفتح جبرئيل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبرئيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فإذا هو برجل جالس، فجاوزه، فبكى الرجل، فقال: يا جَبْرَائِيلُ مَنْ هَذَا؟ قال: موسى، قال: فَمَا بالُهُ يَبْكي؟ قال: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بنى آدم على الله، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبيّ أمته؛ ثم صَعَد به إلى السماء السابعة، فاستفتح جبرائيل، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه، أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نه هذه السدرة المنتهى، إليها ينتهي كلّ أحد خلا على سبيلك من أمتك؛ وقال أيضا في الورقة منها تظلّ الخلق كلهم، تغشاها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجرة، من حُبّ الله عزّ وجلّ وسائر الحديث مثل حديث عليّ.
⁕ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري؛ وحدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، قال: أخبرنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، واللفظ لحديث الحسن بن يحيى، في قوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى﴾ قال: ثنا النبيّ ﷺ عن ليلة أُسري به فقال نبيّ الله: "أُتِيتُ بِدَابَّة هي أَشْبَهُ الدَّوَاب بالبَغْلِ، لَهُ أذُنانِ مُضّطَرِبَتان وَهُوَ البُرَاقُ، وَهُوَ الَّذِي كانَ تَرْكَبُهُ الأنَبْيِاءُ قَبْلِي، فَرَكِبْتُهُ، فانْطَلَقَ بِي يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِه، فَسَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَمِينِي: يا مُحَمَّد عَلى رِسْلِك أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ شمِالي: يا مُحَمَّد عَلى رِسْلِك أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ اسْتَقْبَلْتُ امْرَأةً فِي الطَّرِيقِ، فَرأيْتُ عَلَيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا رَافعَةً يَدَها، تَقُولُ: يا مُحَمَّدُ على رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا، ثُمَّ أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، أوْ قالَ المَسْجِدَ الأقْصَى، فَنزلْتُ عَنِ الدَّابَّةِ فَأوْثقْتُها بالحَلْقَة التي كانَت الأنْبِياءُ تُوثِقُ بِها، ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، فقالَ لي جَبْرَئِيل: ماذَا رأيْتَ فِي وَجْهِكَ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَمِينِي أنْ يا مُحَمَّدُ عَلى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ، قالَ: ذاكَ دَاعِيَ اليَهُود، أما لَو أنَّك وَقَفْتَ عليه لتهودت أُمَّتُكَ، قال: ثُمَّ سَمِعْتُ ندَاءً عَنْ يَسارِي أنْ يا مُحَمَّدُ عَلى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ، قالَ: ذَاكَ داعي النَّصَارَى، أمَا إِنَّكَ لَوْ وَقَفْتَ عَلَيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، قُلْتُ: ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْنِي امْرأةٌ عَلَيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا رَافِعَةً يَدَها تَقُولُ عَلى رِسْلِكَ، أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا، قال: تِلْكَ الدُّنْيا تَزَيَّنَتْ لَكَ، أمَا إنَّكَ لَوْ وَقَفْتَ عَلَيْها لاخْتارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيا على الآخِرَةِ، ثُمَّ أُتِيتُ بإناءَيْنِ أحَدُهُما فِيهِ لبَنٌ، والآخرُ فيه خَمْرٌ، فَقِيلَ لي: اشْرَبْ أيَّهُما شِئْتَ، فَأخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، قال: أصَبْتَ الفِطْرَةَ أوْ قالَ: أخَذْتَ الفِطْرَةَ".
قال معمر: وأخبرني الزهري، عن ابن المسيب أنه قيل له: أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك.
قال أبو هارون في حديث أبي سعيد: "ثُمَّ جِيءَ بالمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ فِيهِ أرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فإِذَا هُوَ أحْسَنُ ما رأيْتُ ألَمْ تَرَ إلى المَيّتِ كَيْفَ يُحِدُّ بَصَرَهُ إلَيْهِ فَعُرِجَ بنا فِيهِ حتى انْتَهَيْنا إلى بابِ السَّماءِ الدُّنْيا، فاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيلُ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قالَ جَبْرَائِيلُ؟ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قال: نَعَمْ، فَفَتَحُوا وَسَلَّمُوا عَليَّ، وَإِذَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ يَحْرُسُ السَّماءَ يُقَال لَهُ إسْماعِيلُ، مَعَهُ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مَعَ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مِئَةُ ألْفٍ، ثم قرأ ﴿ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ﴾ وَإِذَا أنا بِرَجُلٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَهُ الله لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيءٌ، فإِذَا هُوَ تُعْرَض عَلَيْهِ أرْوَاحُ ذُرّيَّتِهِ، فإذَا كانَتْ رُوح مُؤْمِنٍ، قالَ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ، وَرِيحٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِي عِلِّيِينَ؛ وَإِذَا كانَ رُوحُ كافِرٍ قالَ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَرِيحٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِي سِجِّيلٍ، فَقُلْتُ: يا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا؟ قال: أبُوك آدَمُ، فَسَلَّمَ عَليَّ وَرَحَّبَ بِي وَدَعا لي بِخَيْرٍ وقَال: مَرْحَبا بالنَّبيّ الصَّالِحِ والوَلَدِ الصَّالِحِ، ثُمَّ نَظَرْتُ فإِذَا أنا بقَوْمٍ لَهُمْ مشَافِرُ كمشَافِرِ الإبِلِ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشافِرِهِمْ، ثُمَّ يُجْعَلُ في أفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نارٍ يَخْرُجُ مِنْ أسافِلِهِمْ، قُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قال: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتامَى ظُلْما، ثُمَّ نَظَرْتُ فإِذَا أنا بِقَوْمٍ يُحْذَى مِنْ جُلُودِهِمْ ويُرَدُّ فِي أفْوَاهِهِمْ، ثُمَّ يُقال: كُلُوا كمَا أكَلْتُمْ، فإِذَا أكْرَه ما خَلَقَ الله لَهُمْ ذلكَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جَبْرَئِيلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الهَمَّازُونَ اللَّمازُون الذِينَ يأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، ويَقَعُونَ فِي أعْرَاضِهِمْ، بالسَّبّ، ثُمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بِقَوْمٍ عَلى مائِدَة عَلَيْها لَحْمٌ مَشْويّ كأَحْسَنِ ما رأيْتُ مِنَ اللحْمِ، وَإذَا حَوْلَهُمْ جِيَفٌ، فَجَعَلُوا يَمِيلُونَ عَلى الجِيَفِ يَأكُلُونَ مِنْها وَيَدَعُونَ ذلكَ اللحْمَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جَبْرَئِيلُ؟ قالَ: هَؤُلاء الزُّناةُ عَمَدُوا إلى مَا حَرَّمَ الله عَلَيْهِمْ، وَتَرَكُوا ما أحَلَّ الله لَهُمْ، ثُمَّ نَظَرْتُ فإِذَا أنا بقَوْمٍ لَهُمْ بُطُونٌ كأَنَّها الُبُيوتُ وَهيَ على سابِلَة آل فِرْعَوْنَ، فإذَا مَرَّ بِهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ ثارُوا، فَيمِيلُ بأحَدِهِمْ بَطْنُهُ فَيَقَعُ، فَيَتَوَطئُوهُمْ آلُ فِرْعَوْنَ بأرْجُلِهِمْ، وَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلى النارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا؛ قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاء يا جَبْرَئِيلُ؟ قال: هَؤُلاء أكَلَةُ الرّبا، رَبا فِي بُطُونِهِم، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ من المَسّ؛ ثُمَّ نَظَرْتُ، فإِذَا أنا بنِساءٍ مُعَلَّقاتٍ بِثُدُيِّهِنَّ، وَنِساءٌ مُنَكَّساتٌ بأرْجُلِهِنَّ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جَبْرَئِيلُ؟ قال: هنّ اللاتي يَزْنِينَ وَيَقْتُلْنَ أولادَهُنَّ قالَ: ثُمَّ صَعَدْنا إلى السَّماء الثَّانِيَةِ، فإذَا أنا بِيُوسُف وحَوْلهُ تَبَعٌ مِنْ أُمَّتِهِ، وَوَجْهُهُ كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي، ثُمَّ مَضَيْنَا إلى السَّماءِ الثَّالِثَةِ، فإذا أنا بابْنَيِ الخَالَةِ يَحيَى وَعِيسَى، يُشْبِهُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ، ثِيابُهما وَشَعْرُهُما، فَسَلَّما عَليَّ، وَرَحَّبا بِي، ثُمَّ مَضَيْنَا إلى السَّماء الرّابِعَةِ، فإذا أنا بإدْرِيسَ، فَسَلَّمَ عَليَّ وَرَحَّب وَقَدْ قالَ الله ﴿وَرَفَعْناه مَكانا عَلِيًّا﴾ ؛ ثُمَّ مَضَيْنا إلى السَّماءِ الخَامِسَةِ، فإذا أنا بِهارُون المُحَبَّبِ فِي قَوْمِهِ، حَوْلَهُ تَبَعٌ كَثِيرٌ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَصَفَهُ النَّبِيُّ ﷺ: طَوِيلُ اللِّحْيَة تَكادُ لِحْيَتُهُ تَمَسُّ سُرَّتَهُ، فَسلَّمَ عَليَّ وَرَحَّبَ؛ ثُمَّ مَضَيْنا إلى السَّماء السَّادسَة فإذَا أنا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَوَصَفَهُ النَّبِيُّ ﷺ فقال: كَثِيرُ الشَّعْرِ لَوْ كانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ خَرَجَ شَعْرُهُ مِنْهُما؛ قالَ مُوسَى: تَزْعَمُ النَّاسُ أنّي أكْرَمُ الخَلْقِ عَلى الله، فَهَذَا أكْرَمُ على الله مِنِّي، وَلَوْ كانَ وَحْدَهُ لَمْ أكُنْ أُبالي، وَلكِنْ كُلُّ نَبِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ؛ ثُمَّ مَضَيْنَا إلى السَّماءِ السَّابِعَةِ، فإِذَا أنا بإبْرَاهِيمَ وَهُوَ جالِس مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ فَسَلَّمَ عَليَّ وقَال: مَرْحَبا بالنَّبِيّ الصَّالِحِ وَالوَلَدِ الصَّالِحِ، فَقِيلَ: هَذَا مَكانُكَ وَمَكانُ أُمَّتِك، ثُمَّ تَلا ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ثُمَّ دَخَلْتُ البَيْتَ المَعْمُورَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَى يَوْمِ القِيامَة؛ ثُمَّ نَظَرْتُ فإِذَا أنا بِشَجَرَةٍ إِنْ كانَتْ الوَرَقَةُ مِنْها لمُغطِّيَةٌ هذهِ الأمَّةَ، فإذَا فِي أصْلِها عَيْنٌ تَجْرِي قَدْ تَشَعَّبَتْ شُعْبَتَيْنِ، فَقُلْتُ: ما هَذا يا جَبْرَئِيلُ؟ قال: أمَّا هذَا: فَهُوَ نَهْرُ الرَّحمَةِ، وأمَّا هذَا: فَهُوَ الكَوْثَرُ الذِي أعْطاكَهُ الله، فاغْتَسَلْتُ فِي نَهْرِ الرَّحمَةِ فَغُفِرَ لي ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي ومَا تَأخَّرَ، ثُمَّ أخذتُ عَلى الكَوْثَرِ حتى دَخَلْتُ الجَنَّة، فإذَا فِيها، ما لا عَيْنٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإِذَا فِيها رُمَّانٌ كأنَّهُ جُلُودُ الإبِلِ المُقَتَّبَةُ، وإِذَا فِيها طَيْرٌ كأنَّها البُخْتُ، فقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ تِلكَ الطَّيْرَ لنَاعِمَةٌ، قالَ: أكَلَتُها أنْعَمُ مِنْها يا أبا بَكْرٍ، وإنّي لأرْجو أنْ تَأكُلَ مِنْها، ورأيْتُ فِيها جارِيَةً، فَسألْتُها: لِمَنْ أنْتِ؟ فَقالَتْ: لِزَيْد بْنِ حارِثَة فَبَشَّرَ بها رَسُولُ الله ﷺ زَيْدًا؛ قالَ: ثُمَّ إِنَّ الله أمَرَنِي بأمْرِهِ، وفَرَضَ عَليَّ خَمْسِينَ صَلاةً، فَمَرَرْتُ عَلى مُوسَى، فقالَ: بِمَ أمَرَكَ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: فَرضَ عَليَّ خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فأسأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لَنْ يَقُومُوا بِهذَا، فَرَجَعْتُ إلى رَبّي فَسألْتُهُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ إلى رَبّي إذَا مَرَرْتُ بِمُوسَى حتى فَرَضَ عَليَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَقالَ مُوسَى: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسألْهُ التَّخْفِيفَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إلى رَبّي حتى اسْتَحْيَيْتُ؛ أو قالَ: قُلْتُ: ما أنا بِرَاجِعٍ، فَقِيلَ لي: إِنَّ لَكَ بِهذِه الخَمْسِ صَلَوَاتِ خَمْسِينَ صَلاةً، الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثالِهَا، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ عَمِلَها كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئةٍ فَلَم يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئا، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ وَاحدَةً".
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني روح بن القاسم، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي، عن أبي سعيد الخدري؛ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: وثني أبو جعفر، عن أبي هارون، عن أبي سعيد، قال: سمعت النبيّ ﷺ يقول: "لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا كانَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، أُتِيَ بالمِعْرَاجِ، ولَمْ أرَ شَيْئا قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إلَيْهِ مَيِّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إذا حَضَرَ، فَأصْعَدَنِي صَاحِبي فِيهِ حتى انْتَهَى إلى بابٍ مِنَ الأبْوَابِ يُقالُ لَهُ بَابُ الحَفَظَةِ، عَلَيْهِ مَلَكٌ يُقالُ لَهُ إسْماعِيلُ، تَحْتَ يَدَيْهِ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ، فقال رسول الله ﷺ حين حدّث هذا الحديث: ﴿ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ﴾ ثم ذكر نحو حديث معمر، عن أبي هارون إلا أنه قال في حديثه: قال: ثُمَّ دَخَلَ بِيَ الجَنَّةَ فَرأيْتُ فيها جارِيَةً، فَسألتُها لِمَنْ أنْتِ؟ وَقَدْ أعْجَبَتْنِي حين رأيْتُها، فَقالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فبشَّر بها رسول الله ﷺ زيد بن حارثة، ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلمة إلى ههنا.
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ وصف لأصحابه ليلة أُسري به إبراهيمَ وموسى وعيسى فقال: أمَّا إبْرَاهِيمُ فَلَمْ أرَ رَجُلا أشْبَهُ بِصَاحِبِكُمْ مِنْهُ. وأمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمٌ طِوَالٌ جَعْدٌ أقْنَى، كأنَّه مِنْ رِجالِ شُنُوءَةَ. وأمَّا عِيسَى فَرجُلٌ أحْمَرُ بينَ القَصِير والطَّوِيلِ سَبِطُ الشَّعْرِ كَثِيرُ خِيلانِ الوَجْهِ، كأنَّه خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ كأنَّ رأسَهُ يَقْطُرُ ماءً، ومَا بِهِ ماءٌ، أشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ".
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن رسول الله ﷺ بنحوه، ولم يقل عن أبي هريرة.
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي ﷺ أُتِي بالبراق ليلة أُسري به مسرجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبرائيل: ما يحملك على هذا، فوالله ما ركبك أحد قطّ أكرم علي الله منه، قال: فارفض عرقا.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ أسري بِنَبِيِّ الله عشاء من مكة إلى بيت المقدس، فصلى نبيّ الله ﷺ فيه، فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثم أصبح بمكة. ذُكر لنا أن نبيّ الله ﷺ قال: حُمِلْتُ عَلى دابَّة يُقَالُ لَهَا البُرَاقُ، فَوْقَ الحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فحدث نبيّ الله بذلك أهل مكة، فكذب به المشركون وأنكروه وقالوا: يا محمد تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس، وأقبلت من ليلتك، ثم أصبحت عندنا بمكة، فما كنت تجيئنا به، وتأتي به قبل هذا اليوم مع هذا، فصدقه أبو بكر، فسمِّي أبو بكر الصدّيق من أجل ذلك.
⁕ حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شدّاد، قال: لما كان ليلة أُسري برسول الله ﷺ أتي بدابة يقال لها البراق، دون البغل وفوق الحمار، تضع حافرها عند منتهى ظفرها؛ فلما أتى بيت المقدس أُتي بإناءين: إناء من لبن، وإناء من خمر، فشرب اللبن. قال: فقال له جبرائيل: هديت وهديت أمتك.
وقال آخرون من قال: أسري بالنبيّ ﷺ إلى المسجد الأقصى بنفسه وجسمه أسرى به عليه السلام، غير أنه لم يدخل بيت المقدس، ولم يصلّ فيه، ولم ينزل عن البراق حتى رجع إلى مكة.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا سفيان، قال: ثني عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيش، عن حُذيفة بن اليمان، أنه قال في هذه الآية ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى﴾ قال: لم يصلّ فيه رسول الله ﷺ، ولو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه، كما كتب عليكم الصلاة عند الكعبة.
⁕ حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر بن عياش، ورجل يحدّث عنده بحديث حين أسري بالنبيّ ﷺ، فقال له: لا تجِيء بمثل عاصم ولا زر؛ قال: قال حُذيفة لزرّ بن حبيش؛ قال: وكان زرّ رجلا شريفا من أشراف العرب، قال: قرأ حُذيفة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ وكذا قرأ عبد الله، قال: وهذا كما يقولون: إنه دخل المسجد فصلى فيه، ثم دخل فربط دابته، قال: قلت: والله قد دخله، قال: من أنت فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك، قال: قلت: زرّ بن حبيش، قال: ما عملك هذا؟ قال: قلت: من قبَل القرآن، قال: من أخذ بالقرآن أفلح، قال: فقلت ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قال: فنظر إليّ فقال: يا أصلع، هل ترى دخله؟ قال: قلت: لا والله، قال حُذيفة: أجل والله الذي لا إله إلا هو ما دخله، ولو دخله لوجبت عليكم صلاة فيه، لا والله ما نزل عن البراق حتى رأى الجنة والنار، وما أعدّ الله في الآخرة أجمع؛ وقال: تدري ما البراق؟ قال: دابة دون البغل وفوق الحمار، خطوه مدّ البصر.
وقال آخرون: بل أسرى بروحه، ولم يسر بجسده.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله ﷺ قال: كانت رؤيا من الله صادقة.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، قال: ثني بعض آل أبي بكر، أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله ﷺ، ولكن الله أسرى بروحه.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها الحسن أن هذه الآية نزلت ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ ولقول الله في الخبر عن إبراهيم، إذ قال لابنه ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ ثم مضى على ذلك، فعرفت أن الوحي يأتي بالأنبياء من الله أيقاظا ونياما، وكان رسول ﷺ يقول: "تَنَامُ عَيْني وَقَلْبي يَقْظانُ" فالله أعلم أيّ ذلك كان قد جاءه وعاين فيه من أمر الله ما عاين على أيّ حالاته كان نائما أو يقظانا كلّ ذلك حقّ وصدق.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله ﷺ، أن الله حمله على البراق حين أتاه به، وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات؛ ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دليلا على نبوّته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك، وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل؟ وبعد، فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدّى ما قال الله إلى غيره. فإن ظنّ ظانّ أن ذلك جائز، إذ كانت العرب تفعل ذلك في كلامها، كما قال قائلهم:
حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِي عنَاقا ... ومَا هِيَ وَيْبَ غيرِكِ بالعْنَاقِ [[البيت تقدم الاستشهاد به في (٤: ٩٢) من هذا التفسير، واستشهد به الفراء (في معاني القرآن ١٧٩) ولكنه لم يبين موضع الشاهد فيه كما بينه المؤلف هنا، وهو أن العرب قد تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه، كما في البيت، إذ إنه يريد: حسبت بغام راحلتي صوت عناق.]]
يعني: حسبت بغام راحلتي صوت عناق، فحذف الصوت واكتفى منه بالعناق، فإن العرب تفعل ذلك فيما كان مفهوما مراد المتكلم منهم به من الكلام. فأما فيما لا دلالة عليه إلا بظهوره، ولا يوصل إلى معرفة مراد المتكلِّم إلا ببيانه، فإنها لا تحذف ذلك؛ ولا دلالة تدلّ على أن مراد الله من قوله ﴿أسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ أسرى بروح عبده، بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله ﷺ أن الله أسرى به على دابة يُقال لها البراق؛ ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدوابّ لا تحمل إلا الأجسام. إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا: أسرى روحه: رأى في المنام أنه أسرى بجسده على البراق، فيكذب حينئذ بمعنى الأخبار التي رُويت عن رسول الله ﷺ، أن جبرائيل حمله على البراق، لأن ذلك إذا كان مناما على قول قائل هذا القول، ولم تكن الروح عنده مما تركب الدوابّ، ولم يحمل على البراق جسم النبيّ ﷺ، لم يكن النبيّ ﷺ على قوله حُمل على البراق لا جسمه، ولا شيء منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين، وذلك دفع لظاهر التنزيل، وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله ﷺ، وجاءت به الآثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين.
* * *
وقوله ﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾
يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم.
* * *
وقوله ﴿لِنُرَيَهُ مِنْ آياتِنا﴾
يقول تعالى ذكره: كي نري عبدنا محمدا من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت في الأخبار التي رويتها آنفا، أن رسول الله ﷺ أريه في طريقه إلى بيت المقدس، وبعد مصيره إليه من عجائب العبر والمواعظ.
كما:-
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا﴾ ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
* * *
وقوله ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في مسرى محمد ﷺ من مكة إلى بيت المقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علم شيء منه، بل هو محيط بجميعه علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله.
وكان بعض البصريين يقول: كسرت "إن" من قوله ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ لأن معنى الكلام: قل يا محمد: سبحان الذي أسرى بعبده، وقل: إنه هو السميع البصير.
{"ayah":"سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق