الباحث القرآني

(p-٢٨٦)سُورَةُ ”الإسْراءِ“ وتُسَمّى ”سُبْحانَ“؛ و”بَنِي إسْرائِيلَ“. المَقْصُودُ بِها الإقْبالُ عَلى اللَّهِ وحْدَهُ؛ وخَلْعُ كُلِّ ما سِواهُ؛ لِأنَّهُ وحْدَهُ المالِكُ لِتَفاصِيلِ الأُمُورِ؛ وتَفْضِيلُ بَعْضِ الخَلْقِ عَلى بَعْضٍ؛ وذَلِكَ هو العَمَلُ بِالتَّقْوى؛ الَّتِي أدْناها التَّوْحِيدُ؛ الَّذِي افْتُتِحَتْ بِهِ ”النَّحْلُ“؛ وأعْلاها الإحْسانُ؛ الَّذِي اخْتُتِمَتْ بِهِ؛ وهو الفَناءُ عَمّا سِوى اللَّهِ؛ وهي مِن أوائِلِ ما أُنْزِلَ؛ رَوى البُخارِيُّ؛ في فَضائِلِ القُرْآنِ؛ وغَيْرُهُ؛ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: ”بَنُو إسْرائِيلَ“؛ و”الكَهْفُ“؛ و”مَرْيَمُ“؛ و”طـه“؛ و”الأنْبِياءُ“؛ إنَّهُنَّ مِنَ العِتاقِ الأُوَلِ؛ وهُنَّ مِن تِلادِي. وكُلٌّ مِن أسْمائِها واضِحُ الدَّلالَةِ عَلى ما ذُكِرَ أنَّهُ مَقْصُودُها؛ أمّا ”سُبْحانَ“؛ الَّذِي هو عَلَمٌ لِلتَّنْزِيهِ؛ فَمِن أظْهَرِ ما يَكُونُ فِيهِ؛ لِأنَّ مَن كانَ عَلى غايَةِ النَّزاهَةِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ؛ كانَ جَدِيرًا بِألّا نَعْبُدَ إلّا إيّاهُ؛ وأنْ نُعْرِضَ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ؛ لِكَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِما ذُكِرَ؛ وأمّا ”بَنُو إسْرائِيلَ“؛ فَمَن أحاطَ أيْضًا بِتَفاصِيلِ (p-٢٨٧)أمْرِهِمْ في سَيْرِهِمْ إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ؛ الَّذِي هو كالإسْراءِ؛ وإيتائِهِمُ الكِتابَ؛ وما ذُكِرَ مَعَ ذَلِكَ مِن أمْرِهِمْ في هَذِهِ السُّورَةِ؛ عَرَفَ ذَلِكَ. ”بِسْمِ اللَّهِ“؛ المَلِكِ المالِكِ لِجَمِيعِ الأمْرِ؛ ”الرَّحْمَنِ“؛ لِكُلِّ ما أوْجَدَهُ؛ بِما رَبّاهُ؛ ”الرَّحِيمُ“؛ لِمَن خَصَّهُ بِالتِزامِ العَمَلِ بِما يَرْضاهُ. لَمّا كانَ مَقْصُودُ ”النَّحْلِ“؛ التَّنَزُّهَ عَنْ الِاسْتِعْجالِ؛ وغَيْرِهِ مِن صِفاتِ النَّقْصِ؛ والِاتِّصافَ بِالكَمالِ؛ المُنْتِجِ لِأنَّهُ قادِرٌ عَلى الأُمُورِ الهائِلَةِ؛ ومِنها جَعْلُ السّاعَةِ كَلَمْحِ البَصَرِ؛ أوْ أقْرَبَ؛ وخَتْمُها بَعْدَ تَفْضِيلِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ والأمْرِ بِاتِّباعِهِ؛ بِالإشارَةِ إلى نَصْرِ أوْلِيائِهِ - مَعَ ضَعْفِهِمْ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ وقِلَّتِهِمْ - عَلى أعْدائِهِ؛ عَلى كَثْرَتِهِمْ؛ وقُوَّتِهِمْ؛ وكانَ ذَلِكَ مِن خَوارِقِ العاداتِ؛ ونَواقِصِ المُطَّرَداتِ؛ وأمْرِهِمْ بِالتَّأنِّي والإحْسانِ؛ افْتَتَحَ هَذِهِ بِتَحْقِيقِ ما أشارَ الخَتْمُ إلَيْهِ؛ بِما خَرَقَهُ مِنَ العادَةِ في الإسْراءِ؛ وتَنْزِيهِ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ مِن تَوَهُّمِ اسْتِبْعادِ ذَلِكَ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى أنْ يَفْعَلَ الأُمُورَ العَظِيمَةَ الكَثِيرَةَ الشّاقَّةَ؛ في أسْرَعِ وقْتٍ؛ دَفْعًا لِما قَدْ يُتَوَهَّمُ؛ أوْ يَتَعَنَّتُ بِهِ مَن يَسْمَعُ نَهْيَهُ عَنْ الِاسْتِعْجالِ؛ وأمْرَهُ بِالصَّبْرِ؛ وبَيانًا (p-٢٨٨)لِأنَّهُ مَعَ المُتَّقِي المُحْسِنِ؛ وتَنْوِيهًا بِأمْرِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ وإعْلامًا بِأنَّهُ رَأْسُ المُحْسِنِينَ؛ وأعْلاهم رُتْبَةً؛ وأعْظَمُهم مَنزِلَةً؛ بِما آتاهُ مِنَ الخَصائِصِ؛ الَّتِي مِنها المَقامُ المَحْمُودُ؛ وتَمْثِيلًا لِما أخْبَرَ بِهِ مِن أمْرِ السّاعَةِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿سُبْحانَ﴾؛ وهو عَلَمٌ لِلتَّنْزِيهِ؛ دالٌّ عَلى أبْلَغِ ما يَكُونُ مِن مَعْناهُ؛ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مَتْرُوكٍ إظْهارُهُ؛ فَسَدَّ مَسَدَّهُ؛ ﴿الَّذِي أسْرى﴾؛ فَنَزَّهَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ يُمْكِنُ أنْ يُضِيفَها إلَيْهِ أعْداؤُهُ بِهَذا اللَّفْظِ الأبْلَغِ؛ عَقِبَ الأمْرِ بِالتَّأنِّي آخِرَ ”النَّحْلِ“؛ كَما نَزَّهَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ؛ عَقِبَ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِعْجالِ في أوَّلِها؛ وهو رادٌّ لِما عُلِمَ مِن رَدِّهِمْ عَلَيْهِ؛ وتَكْذِيبِهِمْ لَهُ إذا حَدَّثَهم عَنِ الإسْراءِ؛ وفِيهِ مَعَ ذَلِكَ إيماءٌ إلى التَّعْجِيبِ مِن هَذِهِ القِصَّةِ؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّها مِنَ الأُمُورِ البالِغَةِ في العَظَمَةِ إلى حَدٍّ لا يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ وصْفِهِ. ولَمّا كانَ حَرْفُ الجَرِّ مَقْصُورًا عَلى إفادَةِ التَّعْدِيَةِ في ”سَرى“؛ الَّذِي بِمَعْنى ”أسْرى“؛ وكانَ ”أسْرى“؛ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا؛ وقاصِرًا؛ عَبَّرَ بِهِ؛ واخْتِيرَ القاصِرُ لِلدَّلالَةِ عَلى المُصاحَبَةِ؛ زِيادَةً في التَّشْرِيفِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي هو أشْرَفُ عِبادِهِ؛ وأحَقُّهم بِالإضافَةِ إلَيْهِ؛ الَّذِي لَمْ يَتَعَبَّدْ قَطُّ لِسِواهُ؛ مِن صَنَمٍ؛ ولا غَيْرِهِ؛ لِرَجاءِ شَفاعَةٍ؛ ولا غَيْرِها. ولَمّا كانَ الإسْراءُ هو السَّيْرُ في اللَّيْلِ؛ وكانَ الشَّيْءُ قَدْ يُطْلَقُ عَلى جُزْءِ مَعْناهُ؛ بِدَلالَةِ التَّضَمُّنِ مَجازًا مُرْسَلًا؛ نَفى هَذا بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لَيْلا﴾ (p-٢٨٩)ولِيَدُلَّ بِتَنْوِينِ التَّحْقِيرِ عَلى أنَّ هَذا الأمْرَ الجَلِيلَ كانَ في جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ اللَّيْلِ؛ وعَلى أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لَمْ يَحْتَجْ - في الإسْراءِ؛ والعُرُوجِ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى؛ وسَماعِ الكَلامِ مِنَ العَلِيِّ الأعْلى - إلى رِياضَةٍ؛ بِصِيامٍ ولا غَيْرِهِ؛ بَلْ كانَ مُهَيَّأً لِذَلِكَ؛ مُتَأهِّلًا لَهُ؛ فَأقامَهُ (تَعالى) مِنَ الفَرْشِ؛ إلى العَرْشِ؛ ﴿مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾؛ أيْ: مِنَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ؛ مَسْجِدِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ قِيلَ: كانَ نائِمًا في الحَطِيمِ؛ وقِيلَ: في الحِجْرِ؛ وقِيلَ: في بَيْتِ أمِّ هانِئٍ - وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ -؛ فالمُرادُ بِالمَسْجِدِ حِينَئِذٍ الحَرَمُ؛ لِأنَّهُ فِناءُ المَسْجِدِ؛ ﴿إلى المَسْجِدِ الأقْصى﴾؛ أيْ: الَّذِي هو أبْعَدُ المَساجِدِ حِينَئِذٍ؛ وأبْعَدُ المَسْجِدَيْنِ الأعْظَمَيْنِ مُطْلَقًا مِن مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ؛ بَيْنَهُما أرْبَعُونَ لَيْلَةً؛ فَصَلّى بِالأنْبِياءِ كُلِّهِمْ؛ إبْراهِيمَ؛ ومُوسى؛ ومَن سِواهُما - عَلى جَمِيعِهِمْ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامُ -؛ ورَأى مِن آياتِنا ما قَدَّرْناهُ لَهُ؛ ورَجَعَ إلى بَيْنَ أظْهُرِكم إلى المَسْجِدِ الأقْرَبِ مِنكم في ذَلِكَ الجُزْءِ اليَسِيرِ مِنَ اللَّيْلِ؛ وأنْتُمْ تَضْرِبُونَ أكْبادَ الإبِلِ في هَذِهِ المَسافَةِ شَهْرًا ذَهابًا؛ وشَهْرًا (p-٢٩٠)إيابًا؛ ثُمَّ وصَفَهُ بِما يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ؛ وأنَّهُ أهْلٌ لِلْقَصْدِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿الَّذِي بارَكْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ بِالمِياهِ؛ والأشْجارِ؛ وبِأنَّهُ مَقَرُّ الأنْبِياءِ؛ ومَهْبِطُ المَلائِكَةِ؛ ومَوْطِنُ العِباداتِ؛ ومَعْدِنُ الفَواكِهِ والأرْزاقِ؛ والبَرَكاتِ؛ ﴿حَوْلَهُ﴾؛ أيْ: لِأجْلِهِ؛ فَما ظَنُّكَ بِهِ نَفْسِهِ؟! فَهو أبْلَغُ مَن ”بارَكْنا فِيهِ“؛ ثُمَّ مِنهُ إلى السَّماواتِ العُلا؛ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى؛ إلى ما لَمْ يَنَلْهُ بَشَرٌ غَيْرُهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ ولَعَلَّهُ حَذَفَ ذِكْرَ المِعْراجِ مِنَ القُرْآنِ هُنا لِقُصُورِ فُهُومِهِمْ عَنْ إدْراكِ أدِلَّتِهِ؛ لَوْ أنْكَرُوهُ؛ بِخِلافِ الإسْراءِ؛ فَإنَّهُ أقامَ دَلِيلَهُ عَلَيْهِمْ بِما شاهَدُوهُ مِنَ الأماراتِ الَّتِي وصَفَها لَهُمْ؛ وهم قاطِعُونَ بِأنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - لَمْ يَرَها قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَلَمّا بانَ صِدْقُهُ بِما ذَكَرَ مِنَ الأماراتِ؛ أخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَن أرادَ اللَّهُ بِالمِعْراجِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - الغَرَضَ مِنَ الإسْراءِ؛ بِما يَزِيدُ في تَعْظِيمِ المَسْجِدِ فَقالَ: ﴿لِنُرِيَهُ﴾؛ بِعَيْنِهِ؛ وقَلْبِهِ؛ ﴿مِن آياتِنا﴾؛ السَّماوِيَّةِ؛ والأرْضِيَّةِ؛ كَما أرَيْنا أباهُ الخَلِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ؛ وجَعَلَ الِالتِفاتَ (p-٢٩١)لِتَعْظِيمِ الآياتِ والبَرَكاتِ؛ رَوى البُخارِيُّ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإيلِياءَ بِقَدَحَيْنِ مِن خَمْرٍ؛ ولَبَنٍ؛ فَنَظَرَ إلَيْهِما؛ فَأخَذَ اللَّبَنَ؛ فَقالَ جِبْرَئِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَداكَ لِلْفِطْرَةِ؛ لَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ“». وعَنْ جابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «”لَمّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ في الحِجْرِ؛ فَجَلّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهم عَنْ آياتِهِ وأنا أنْظُرُ إلَيْهِ“». ولَمّا كانَ المُعَوَّلُ عَلَيْهِ - غالِبًا - في إدْراكِ الآياتِ حِسُّ السَّمْعِ والبَصَرِ؛ وكانَ تَمامُ الِانْتِفاعِ بِذَلِكَ إنَّما هو بِالعِلْمِ؛ وكانَ - سُبْحانَهُ - قَدْ خَصَّ هَذا النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - مِن كَمالِ الحِسِّ؛ مِمّا يُعَدُّ مَعَهُ حِسُّ غَيْرِهِ عَدَمًا؛ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّهُ﴾؛ أيْ: هَذا العَبْدَ الَّذِي اخْتَصَصْناهُ بِالإسْراءِ؛ ﴿هُوَ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ﴿السَّمِيعُ﴾؛ أيْ: أُذُنًا؛ وقَلْبًا؛ بِالإجابَةِ لَنا؛ والإذْعانِ لِأوامِرِنا؛ ﴿البَصِيرُ﴾؛ بَصَرًا وبَصِيرَةً؛ بِدَلِيلِ ما أخْبَرَ بِهِ مِنَ الآياتِ؛ وصَدَّقَهُ مِنَ الدَّلالاتِ؛ حِينَ نَعَتَ (p-٢٩٢)ما سَألُوهُ عَنْهُ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ؛ ومِن أمْرِ عِيرِهِمْ؛ وغَيْرِهِما؛ مِمّا هو مَشْهُورٌ في قِصَّةِ الإسْراءِ؛ مِمّا كانَ يَراهُ وهو يَنْعَتُ لَهُمْ؛ وهم لا يَرَوْنَهُ؛ ولا يُقارِبُونَ ذَلِكَ؛ ولا يَطْمَعُونَ فِيهِ؛ وقالَ مَن كانَ دَخَلَ مِنهم إلى بَيْتِ المَقْدِسِ: أمّا النَّعْتُ؛ واللَّهِ؛ فَقَدْ أصابَ؛ أخْبِرْنا عَنْ عِيرِنا؛ فَأخْبَرَهم بِعَدَدِ جِمالِها؛ وأحْوالِها؛ وقالَ: تَقْدُمُ يَوْمَ كَذا؛ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ يَقْدُمُها جَمَلٌ أوْرَقُ؛ فَخَرَجُوا ذَلِكَ اليَوْمَ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ يَشْتَدُّونَ؛ فَقالَ قائِلٌ: هَذِهِ؛ واللَّهِ؛ الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ؛ فَقالَ آخَرُ: وهَذِهِ؛ واللَّهِ؛ العِيرُ قَدْ أقْبَلَتْ؛ يَقْدُمُها جَمَلٌ أوْرَقُ؛ كَما قالَ مُحَمَّدٌ؛ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ وقالُوا: إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ. قالَ الإمامُ الرّازِيُّ في ”اللَّوامِعُ“: وكانَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - أبْصَرَ جَمِيعَ ما في المَلَكُوتِ؛ بِالعَيْنِ المُبْصِرَةِ مُشاهَدَةً؛ لَمْ يَسْتَرِبْ فِيهِ؛ حَتّى رُوِيَ أنَّهُ قالَ: «”رَأيْتُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي إلى العُلا الذَّرَّةَ تَدِبُّ عَلى وجْهِ الأرْضِ مِن سِدْرَةِ المُنْتَهى“؛» وذَلِكَ لِحِدَّةِ بَصَرِهِ؛ والبَصَرُ عَلى أقْسامٍ: بَصَرُ الرُّوحِ؛ وبَصَرُ العَقْلِ؛ الَّذِي مِنهُ التَّوْحِيدُ؛ وبَصَرُ القُرْبَةِ؛ الَّذِي خُصَّ بِهِ الأوْلِياءُ؛ وهو نُورُ الفِراسَةِ؛ وبَصَرُ النُّبُوَّةِ؛ وبَصَرُ الرِّسالَةِ؛ وهَذِهِ الأبْصارُ كُلُّها مَجْمُوعَةٌ لِرَسُولِنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ ولَهُ زِيادَةُ بَصَرِ قِيادَةِ الرُّسُلِ؛ وسِيادَتِهِمْ؛ فَإنَّهُ سَيِّدُ المُرْسَلِينَ؛ وقائِدُهُمْ؛ (p-٢٩٣)وكانَ مُطَّلِعًا عَلى المُلْكِ؛ والمَلَكُوتِ؛ كَما قالَ: ”زُوِيَتْ لِيَ الأرْضُ؛ مَشارِقُها ومَغارِبُها“؛ انْتَهى. وهَذا الأخِيرُ رَواهُ مُسْلِمٌ؛ وأبُو داوُدَ؛ والتِّرْمِذِيُّ؛ عَنْ ثَوْبانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «”إنَّ اللَّهَ (تَعالى) زَوى لِيَ الأرْضَ؛ فَرَأيْتُ مَشارِقَها؛ ومَغارِبَها“؛» وكانَ يُبْصِرُ مِن ورائِهِ؛ كَما يُبْصِرُ مِن أمامِهِ - كَما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ؛ وغَيْرُهُما؛ مِن حَدِيثِ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وفي كَثِيرٍ مِن طُرُقِهِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالصَّلاةِ؛ وهَذا صَرِيحٌ في أنَّ بَصَرَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَيِّدًا بِالعَيْنِ؛ بَلْ خَلَقَ اللَّهُ (تَعالى) الإبْصارَ في جَمِيعِ أعْضائِهِ؛ وكَذا السَّمْعَ؛ فَإنَّ كَوْنَ العَيْنِ مَحَلًّا لِذَلِكَ؛ وكَذا الأُذُنُ؛ إنَّما هو بِجَعْلِ اللَّهِ؛ ولَوْ جَعَلَ ذَلِكَ في غَيْرِهِما لَكانَ كَما يُرِيدُ - سُبْحانَهُ - ولا مانِعَ؛ ولَمْ يَكُنِ الظَّلامُ يَمْنَعُهُ مِن نُفُوذِ البَصَرِ؛ فَفي مُسْنَدِ أحْمَدَ؛ «عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: فَقَدْتُ رَحْلِي لَيْلَةً؛ فَمَرَرْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - وهو يَشُدُّ لِعائِشَةَ (p-٢٩٤)- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -؛ فَقالَ: ”ما لَكَ يا جابِرُ؟“؛ فَقُلْتُ: فَقَدْتُ جَمَلِي؛ أوْ ذَهَبَ في لَيْلَةٍ ظَلْماءَ؛ فَقالَ لِي: ”هَذا جَمَلُكَ؛ اذْهَبْ فَخُذْهُ“؛ فَذَهَبْتُ نَحْوَ ما قالَ لِي؛ فَلَمْ أجِدْهُ؛ فَرَجَعْتُ إلَيْهِ؛ فَقُلْتُ: بِأبِي وأُمِّي يا رَسُولَ اللَّهِ؛ ما وجَدْتُهُ؛ فَقالَ لِي: ”عَلى رِسْلِكَ“؛ حَتّى إذا فَرَغَ؛ أخَذَ بِيَدِي فانْطَلَقَ؛ حَتّى أتَيْنا الجَمَلَ؛ فَدَفَعَهُ إلَيَّ؛ قالَ: ”هَذا جَمَلُكَ“؛» الحَدِيثَ؛ ورَوى البَيْهَقِيُّ؛ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - يَرى بِاللَّيْلِ في الظُّلْمَةِ؛ كَما يَرى بِالنَّهارِ في الضَّوْءِ؛» ورُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -؛ وقالَ القاضِي عِياضٌ في ”الشِّفا“: حَكى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها – قالَتْ: «”كانَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - يَرى في الظُّلْمَةِ؛ كَما يَرى في الضَّوْءِ“؛» وأسْنَدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: لَمّا تَجَلّى اللَّهُ لِمُوسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ يُبْصِرُ النَّمْلَةَ عَلى الصَّفا؛ في اللَّيْلَةِ الظَّلْماءِ؛ مَسِيرَةَ عَشَرَةِ فَراسِخَ». وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ اخْتِصاصُ نَبِيِّنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِذَلِكَ بَعْدَ الإسْراءِ؛ انْتَهى؛ وقَدْ أخْرَجَ حَدِيثَ (p-٢٩٥)أبِي هُرَيْرَةَ هَذا الحافِظُ نُورُ الدِّينِ الهَيْثَمِيُّ؛ في زَوائِدِ المُعْجَمَيْنِ؛ الأوْسَطِ والأصْغَرِ؛ لِلطَّبَرانِيِّ؛ ولَعَلَّ هَذا مِن مُناسَبَةِ تَعْقِيبِ هَذِهِ الآيَةِ بِذِكْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ إبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٠]؛ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣]؛ الآيَةَ؛ كانَ ظاهِرُ ذَلِكَ تَفْضِيلَ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وعَلى جَمِيعِ الأنْبِياءِ - لا سِيَّما مَعَ الأمْرِ بِالِاتِّباعِ؛ فَأعْقَبَ ذَلِكَ بِسُورَةِ ”الإسْراءِ“؛ وقَدْ تَضَمَّنَتْ مِن خَصائِصِ نَبِيِّنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ وانْطَوَتْ عَلى ما حَصَلَ مِنهُ المَنصُوصُ في الصَّحِيحِ؛ والمَقْطُوعُ بِهِ؛ والمُجْمَعُ عَلَيْهِ؛ مِن أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ -؛ سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ؛ فاسْتُفْتِحَتِ السُّورَةُ بِقِصَّةِ الإسْراءِ؛ وقَدْ تَضَمَّنَتْ - حَسْبَما وقَعَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ وغَيْرِهِ - إقامَتَهُ بِالأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وفِيهِمْ إبْراهِيمُ؛ ومُوسى؛ وغَيْرُهُما مِنَ الأنْبِياءِ؛ مِن غَيْرِ اسْتِثْناءٍ؛ هَذِهِ رِوايَةُ ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وفي حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ (p-٢٩٦)عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ أثْنى عَلى رَبِّهِ فَقالَ: «”الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ؛ وكافَّةً لِلنّاسِ؛ بَشِيرًا ونَذِيرًا؛ وأنْزَلَ عَلَيَّ القُرْآنَ فِيهِ تِبْيانُ كُلِّ شَيْءٍ؛ وجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ؛ وجَعَلَ أُمَّتِي وسَطًا؛ وجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الأوَّلُونَ؛ وهُمُ الآخِرُونَ؛ وشَرَحَ لِي صَدْرِي؛ ووَضَعَ عَنِّي وِزْرِي؛ ورَفَعَ لِي ذِكْرِي؛ وجَعَلَنِي فاتِحًا؛ وخاتِمًا؛ فَقالَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: بِهَذا فَضَلَكم مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ» -؛ وفي رِوايَةِ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِن طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ؛ وذَكَرَ سِدْرَةَ المُنْتَهى؛ «وأنَّهُ - تَبارَكَ وتَعالى - قالَ لَهُ: (سَلْ)؛ فَقالَ:“إنَّكَ اتَّخَذْتَ إبْراهِيمَ خَلِيلًا؛ وأعْطَيْتَهُ مُلْكًا عَظِيمًا؛ وكَلَّمْتَ مُوسى تَكْلِيمًا؛ وأعْطَيْتَ داوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا؛ وألَنْتَ لَهُ الحَدِيدَ؛ وسَخَّرْتَ لَهُ الجِبالَ؛ وأعْطَيْتَ سُلَيْمانَ مُلْكًا عَظِيمًا؛ وسَخَّرْتَ لَهُ الجِنَّ؛ والإنْسَ؛ والشَّياطِينَ؛ والرِّياحَ؛ وأعْطَيْتَهُ مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِهِ؛ وعَلَّمْتَ عِيسى التَّوْراةَ والإنْجِيلَ؛ وجَعَلَتَهُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ؛ والأبْرَصَ؛ وأعَذْتَهُ وأُمَّهُ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِما سَبِيلٌ”؛ فَقالَ لَهُ رَبُّهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: (قَدِ اتَّخَذْتُكَ حَبِيبًا؛ فَهو مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ: (p-٢٩٧)مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ؛ وأرْسَلْتُكَ إلى النّاسِ كافَّةً؛ وجَعَلْتُ أُمَّتَكَ هُمُ الأوَّلُونَ؛ والآخِرُونَ؛ وجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لا تَجُوزُ لَهم خُطْبَةٌ حَتّى يَشْهَدُوا أنَّكَ عَبْدِي؛ ورَسُولِي؛ وجَعَلْتُكَ أوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا؛ وآخِرَهم بَعْثًا؛ وأعْطَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي؛ ولَمْ أُعْطِها نَبِيًّا قَبْلَكَ؛ وأعْطَيْتُكَ خَواتِيمَ سُورَةِ“البَقَرَةِ”؛ مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ؛ لَمْ أُعْطِها نَبِيًّا قَبْلَكَ؛ وجَعَلْتُكَ فاتِحًا وخاتِمًا)». وفِي حَدِيثِ شُرَيْكٍ أنَّهُ رَأى مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في السَّماءِ السّابِعَةِ؛ قالَ: بِتَفْضِيلِ كَلامِ اللَّهِ؛ قالَ: ثُمَّ عَلا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ؛ فَقالَ مُوسى:“لَمْ أظُنَّ أنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أحَدٌ”؛ وفي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَّجَهُ البَزّارُ؛ في ذِكْرِ تَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - الأذانَ؛ وخُرُوجِ المَلَكِ؛ فَقالَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: «“يا جِبْرِيلُ؛ مَن هَذا؟”؛ قالَ:“والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ؛ إنِّي لِأقْرَبُ الخَلْقِ مَكانًا؛ وإنَّ هَذا المَلَكَ (p-٢٩٨)ما رَأيْتُهُ قَطُّ مُنْذُ خُلِقْتُ قَبْلَ ساعَتِي هَذِهِ”؛ وفِيهِ:“ثُمَّ أخَذَ المَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - فَقَدَّمَهُ؛ فَأمَّ بِأهْلِ السَّماءِ؛ فِيهِمْ آدَمُ ونُوحٌ"؛» وفي هَذا الحَدِيثِ قالَ أبُو جَعْفَرٍ؛ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ؛ راوِيهِ: فَيَوْمَئِذٍ أكْمَلَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ -؛ الشَّرَفَ عَلى أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ؛ قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وقَدْ حَصَلَ مِنهُ تَفْضِيلُهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ بِالإسْراءِ؛ وخُصُوصِهِ بِذَلِكَ؛ ثُمَّ قَدِ انْطَوَتِ السُّورَةُ عَلى ذِكْرِ المَقامِ المَحْمُودِ؛ وهو مَقامُهُ في الشَّفاعَةِ الكُبْرى؛ وذَلِكَ مِمّا خُصَّ بِهِ؛ حَسْبَما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ؛ وانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْماعُ أهْلِ السُّنَّةِ؛ ولا أعْلَمُ في الكِتابِ العَزِيزِ سُورَةً تَضَمَّنَتْ مِن خَصائِصِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ؛ وشُرِّفَ؛ وكُرِّمَ؛ وبُجِّلَ؛ وعُظِّمَ دائِمًا أبَدًا -؛ الَّذِي فَضُلَ بِهِ كافَّةَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمْ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ - مِثْلَ ما تَضَمَّنَتْ هَذِهِ؛ والحَمْدُ لِلَّهِ؛ انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب