* اللغة:
(المناسك) : جمع منسك، بفتح السين وكسرها، وهو مصدر ميمي أو اسم مكان، والأول أرجح، أي عبادات حجكم.
* الإعراب:
(فَإِذا) الفاء استئنافية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه (قَضَيْتُمْ) فعل وفاعل والجملة في محل جر بالاضافة (مَناسِكَكُمْ) مفعول به والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) الفاء رابطة لجواب الشرط واذكروا الله:
فعل أمر وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (كَذِكْرِكُمْ) الكاف مع مجرورها في محل نصب مفعول مطلق أي: اذكروا الله ذكرا مماثلا لذكركم آباءكم، أو حال (آباءَكُمْ) مفعول به للمصدر المضاف لفاعله (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) هذا العطف مما يشكل على المعرب، وفيه أقوال يضيع الطالب في متاهاتها. ولما كانت الأقوال التي أوردها النحاة والمفسرون متساوية الرجحان رأينا تلخيصها على وجه مبسط قريب: 1- «أشدّ» معطوفة على الكاف، أي كذكركم أو ذكر قوم أشد منهم ذكرا.
2- أشدّ معطوفة على آبائكم فهي منصوبة بمعنى أو أشد من ذكر آبائكم.
3- أشدّ معطوفة على نفس الذكر، ولا بد من حمل الكلام عندئذ على المجاز العقلي من باب قولهم: شعر شاعر، وجن جنونه، ونحوهما. ويبقى على هذه الأوجه أمر أكثر إشكالا، وهو أن اسم التفضيل يضاف إلى ما بعده إذا كان من جنس ما قبله، كقولك:
ذكرك أشدّ ذكر ووجهك أحسن وجه، وإذا نصب ما بعده على التمييز كان ما بعده غير الذي قبله، كقولك: عليّ أجمل وجها، فالجمال للوجه لا لعلي ولو قلت: زيد أكرم أبا لكان زيد من الأبناء، ولو قلت:
زيد أكرم أب لكان زيد من الآباء.
4- وأخيرا وجه لجأ إليه أبو البقاء العكبري بعد أن أعيته الحيل فقال: وعندي أن الكلام محمول على المعنى، والتقدير: أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم. ودل على هذا المعنى قوله تعالى:
«فاذكروا الله» . أي كونوا ذاكريه.
وبعد أن أورد أبو حيّان هذه الوجوه وصفها كلها بالضعف وقال: «وقد ساغ لنا حمل الآية على معنى أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرا يماثل ذكر آبائهم أو أشد، وذلك بتوضيح واضح ذهلوا عنه، وهو أن يكون «أشدّ» منصوبا على الحال وهو نعت لقوله: «ذكرا» لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال، كقولهم: لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
فلو تأخر لكان: لميّة طلل موحش، وكذلك لو تأخر هذا لكان «أو ذكرا أشد» يعني من ذكركم آباءكم، ويكون إذ ذاك «أو ذكرا أشد» معطوفا على محل الكاف من كذكركم» .
قلنا: ولعله أقرب إلى المنطق وأدناه إلى الفهم، وقد اكتفى به بعض المفسرين المتأخرين في حواشيهم المطوّلة. (فَمِنَ النَّاسِ) الفاء استئنافية والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (مَنْ) اسم موصول مبتدأ مؤخّر (يَقُولُ) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على من، وقد روعي لفظ «من» وهو مفرد، ولو روعي معناه لقال: يقولون، والجملة المستأنفة لا محل لها وهي مسوقة لبيان حال الكافرين وحال المؤمنين والفرق بين المطلبين وجملة «يقول» صلة من. (رَبَّنا) منادى مضاف منصوب وقد حذف حرف النداء (آتِنا) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر تقديره أنت، وضمير المتكلم المجموع مفعول آت الأول والمفعول الثاني محذوف أي نصيبنا و (فِي الدُّنْيا) جار ومجرور متعلقان بآتنا (وَما) الواو حالية وما نافية (لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم (فِي الْآخِرَةِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (مِنْ خَلاقٍ) من حرف جر زائد وخلاق مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) عطف على الجملة السابقة، وقد تقدم إعرابها، وصرح هنا بالمفعول الثاني ترغيبا وتعليما (وَقِنا) الواو عاطفة و «ق» فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وضمير الجمع مفعول «ق» الأول (عَذابَ النَّارِ) مفعول «ق» الثاني (أُولئِكَ) اسم الإشارة مبتدأ (لَهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم (نَصِيبٌ) مبتدأ مؤخر والجملة خبر اسم الإشارة، والجملة مستأنفة لبيان حال الفريق الثاني، لأن حال الفريق الأول تقدم ذكره بقوله «وما له في الآخرة من خلاق» (مِمَّا) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لنصيب (كَسَبُوا) فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول «ما» (وَاللَّهُ) الواو مستأنفة والله مبتدأ (سَرِيعُ الْحِسابِ) خبره. والجملة المستأنفة مسوقة لبيان قدرته تعالى على محاسبة جميع الخلائق في أقل من لمح البصر.
* البلاغة:
وردت في أحد الأعاريب لقوله: «أشد ذكرا» إشارة إلى المجاز العقلي، وقد سبق بحثه، ونزيد هذا المجاز بسطا فنقول: إسناد الذكر إلى الذكر مستحيل ولكنه ملابسة له أصبح كأنه شخص عاقل أجنبيّ عنه يقوم به، وجميل قول أبي تمام:
تكاد عطاياه يجنّ جنونها ... إذا لم يعوّذها بنغمة طالب
فقد أسند الجنون إلى مصدره، والسرّ فيه ما أوضحناه من الملابسة الشديدة التي تجعل غير العاقل عاقلا لشدة وقوعه منه، ويكاد الطلاب يلتبس عليهم الفرق بينه وبين الاستعارة المكنية مع أنه ليس فيه مشابهة مقصودة. وقال أبو فراس: سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم ... وفي الليلة الظّلماء يفتقد البدر
ولأبي الطيب مقطوعة وردت على نمط المجاز العقلي، وهي من جيد الشعر:
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا ... وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصّة كلّهم منه وإن سرّ بعضهم أحيانا ربما تحسن الصّنيع لياليه ولكن تكدّر الإحسانا
كلما أنبت الزمان قناة ... ركب المرء في القناة سنانا
* الفوائد:
تزاد «من» الجارة في الفاعل والمفعول به والمبتدأ بشرط أن تسبق بنفي أو نهي أو استفهام وأن يكون مجرورها نكرة وعندئذ تطرد الزيادة، وسيأتي المزيد من أمثلتها.
{"ayahs_start":200,"ayahs":["فَإِذَا قَضَیۡتُم مَّنَـٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَاۤءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرࣰاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا وَمَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲ","وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَةࣰ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ نَصِیبࣱ مِّمَّا كَسَبُوا۟ۚ وَٱللَّهُ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"],"ayah":"فَإِذَا قَضَیۡتُم مَّنَـٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَاۤءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرࣰاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا وَمَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲ"}