الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ ذكرنا معاني القضاء عند قوله: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ [البقرة: 117]، وأراد هاهنا: أدَيْتُم، لأنه يقال: قضى ما عليه، إذا أداه. كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةَ﴾ [الجمعة: 10] يعني: الجمعة، ولا يُتَصَوَّرُ فيها قَضَاءٌ دون الأداء، وأصلُ هَذَا يؤول إلى إحكامه بالفراغ منه [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 195، "تهذيب اللغة" 3/ 2985 - 2987 "قضى"، "المفردات" ص 406 - 408، وقال الرازي في "تفسيره" 5/ 199: اعلم أن القضاء == إذا علق بفعل النفس فالمراد به: الإتمام والفراغ، وإذا علق على فعل الغير، فالمراد به الإلزام، نظير الأول: قوله: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾، ونظير الثاني: قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾، وإذا استعمل في الإعلام فالمراد أيضا ذلك، كقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾، يعني: أعلمناهم، إذا ثبت هذا فنقول: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾، لا يحتمل إلا الفراغ من جميعه. اهـ. بتصرف.]]. والمناسك: جمع مَنْسَك الذي هو مصدر، بمنزلة النُّسُك، أي: إذا قضيتم عبادتكم التي أُمِرْتُم بها في الحج [[ينظر: "المحرر الوجيز" 2/ 178، "التفسير الكبير" 5/ 199، "زاد المسير" 1/ 215، وذكر أن القائلين بأن المناسك هي المتعبدات قد اختلفوا في المراد بها هاهنا على قولين: أحدهما: أنها جميع أفعال الحج، قاله الحسن. والثاني: أنها إراقة الدماء، قاله مجاهد. وينظر: "البحر المحيط" 2/ 103.]]، وإنْ جَعَلْتَها جَمْعَ مَنْسَك الذي هو موضع العبادة، كان التقدير: فإذا قضيتم أعمالَ مناسِكَكُم، فيكون من باب حذف المضاف [[ينظر: "التفسير الكبير" 5/ 199، "البحر المحيط" 2/ 103، "المحرر الوجيز" 2/ 178 وقال: والمناسك عندي العبادات في معالم الحج، ومواضع النسك فيه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ﴾ قال أكثرُ أهل التفسير: كانت العربُ إذا فَرَغوا من حَجِّهم ذكروا مآثرَ آبائِهم ومفاخِرَهم، فأمرهم الله عز وجل بذكره، فقال: فاذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم، وأحسنت إليكم وإليهم [[نقله عن الثعلبي مختصرا "تفسير الثعلبي" 2/ 583، وقد جمعه الثعلبي من روايات عدة عن الصحابة والتابعين، وذكر الطبري 2/ 296 - 297، الرواية بذلك عن أنس ومجاهد وأبي وائل وأبي بكر بن عياش وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة، وينظر: "تفسير عبد الرزاق" 1/ 79، "أخبار مكة" للفاكهي 4/ 147، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 355، "الدعاء" للطبراني 2/ 1208، "العجاب" 1/ 511.]]. قال أبو إسحاق: كانت العرب إذا قضت مناسكها وقَفَتْ بين المسجد بمنى وبين الجبل، فَتُعَدِّدُ فَضَائل آبائها، وتذكر محاسِنَ أيامهم، فأمر الله تعالى أن يجعلوا ذلك الذكرَ له، وأن يزيدوا على ذلك الذكر، فيذكروه بتوحيده، وتعديد نِعَمه؛ لأنه إن كانت لآبائهم نِعَمٌ فهي من الله عز وجل، وهو المشكور عليها [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 274.]]، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء [[رواه عن عطاء: الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 148، والطبري في "تفسيره" 2/ 297، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 356، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 451، وذكره الرازي في "تفسيره" 5/ 198.]]. وقال في بعض الروايات [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 297 من طريق عطية العوفي عنه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 583.]]: وهو قول الربيع [[رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 297، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 584، والرازي في "تفسيره" 3/ 200.]] والضحاك [[انظر السابق.]]: أرادَ: فاذكروا الله كذكركم آباءكم وأمهاتكم، فاكتُفي بالآباء من الأمهات، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: 81]، قالوا: وهو قول الصبي الصغير أول ما يُفْصحُ الكَلام: أَبَهْ أَبَهْ، أمَّهْ أمَّهْ، أي: الهجوا بذكر ربكم في جميع أحوالكم، كما يلزمُ الصبيُّ [[من قوله: (الصغير ...) ساقط من (أ) (م).]] في صِغَرِه ذكرَ أبيهِ وأُمِّه [[ينظر: "تفسير الثعلبى" 2/ 584.]]. وقال ابن الأنباري في هذه الآية: إن العربَ كان أكثر أقسامها في الجاهلية بالآباء، كقولهم: وأبي وأبيك وأبيكم وجدكم. فقال الله تعالى: عَظِّموا الله تعالى كتعظيمِ آبائكم [[نقله الرازي في "تفسيره" 5/ 200 - 201، وينظر: "زاد المسير" 1/ 215، وقال: وهذا مروي عن الحسن أيضًا، "البحر المحيط" 2/ 103.]]. وقوله تعالى: ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ يعني: وأشدّ [["التبيان" 1/ 164، قال في "البحر المحيط" 2/ 103: و (أو) هنا قيل: للتخيير، وقيل للإباحة، وقيل: بمعنى: بل أشد.]]، والعامل فيه: الكاف في قوله [[في (م): (كقوله).]]: ﴿كَذِكْرِكُمْ﴾، وموضعه جر، وإن شئت جعلت العامل فيه: الفعل في (اذكروا)، فتكون نصبًا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 274، "مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 124، "التبيان" ص 125 - 126، وقد اعترض أبو حيان في "البحر" 2/ 103 على إعرابه بذلك، وبين سبب الاعتراض، وأطال في ذكر الأعاريب الضعيفة، ثم قال: والذي يتبادر إلى الذهن في الآية أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرًا يماثل ذكر آبائهم أو أشد، وقد ساغ لنا حمل الآية على هذا المعنى بتوجيه واضح ذهلوا عنه، وهو أن يكون أشد منصوبا على الحال، وهو نعت لقوله (ذكرًا) لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال، ويكون إذ ذاك: أو ذكرا أشد، معطوفا على محل الكاف من (كذكركم)، ثم ذكر وجهًا آخر.]]. وهذا الذكر المأمور به هو التكبير أيام منى، وقيل: إنه الدعاء لله عز وجل في تلك المواطن [[والأول: اختيار الطبري 2/ 298، وينظر: "التفسير الكبير" 5/ 200، "البحر المحيط" 2/ 103.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمِنَ النَّاسِ ..﴾ إلى آخر الآية قال ابن عباس: هم المشركون، كانوا يسألون المال والإبل والغنم، وكانوا يقولون: اللهم اسْقِنا المَطَر، وأَعْطِنا على عَدُوِّنا الظَّفَر، ويسألون التوسعة عليهم في الدنيا، ولا يسألون حظًا في الآخرة لأنهم كانوا غير مؤمنين بالآخرة [[رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره"1/ 357، وهو مروي عن أنس ومجاهد وقتادة والسدي وأبي وائل وأبي بكر بن عياش، وابن زيد ومقاتل بن حيان. ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 298 - 299.]]. وحذف مفعول ﴿آتِنَا﴾ من الكلام، وهو المسؤول من الدنيا؛ للعلم [["التفسير الكبير" 5/ 203، "البحر المحيط" 2/ 104 - 105، وقال: حذف مفعولي آتى، وأحدهما جائز اختصارا واقتصارا، لأن هذا من باب: أعطى، وذلك جائز فيه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب