الباحث القرآني

﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ ابْنَيْ آدَمَ﴾: هابيل وقابيل ﴿بِالحَقِّ﴾ أي: تلاوة متلبسة بالصدق ﴿إذْ قَرَّبا قُرْبانًا﴾ ظرف للنبأ. والقربان: اسم لكل ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة وغيرها ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أحَدِهِما﴾ هابيل ﴿ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ﴾ قابيل كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه فبينما هما قاعدان فقالا: نقرب قربانا فقرب هابيل خير غنمه وقرب الآخر أبغض زرعه، فجاءت نار من السماء وأكلت الشاة وتركت الزرع وكان هذا علامة القبول والرد وهذا الكبش هو الذي فدي به إسماعيل أتى به من الجنة فحسد قابيل أخاه ﴿قالَ لأقتلَنَّكَ قالَ﴾ هابيل ﴿إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الُمتَّقِينَ﴾ أي: لم تقتلني ولا ذنب لي وإنما أتيت من قبل نفسك بتركك التقوى ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أنا بِباسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لِأقْتُلَكَ﴾ لا أقابلك على صنيعك الفاشل بمثله ﴿إنِّي أخافُ اللهَ رَبَّ العالَمِينَ﴾ كان هابيل أشد وأقوى لكن منعه الورع ﴿إنِّي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بِإثْمِي﴾ بإثم قتلى ﴿وإثْمِكَ﴾ الذي عملته قبل ذلك فلم يتقبل من أجله قربانك أي: ترجع متلبسًا بالإثمين حاملًا لهما وقيل: معناه إثمي لو بسطت يدي إليك وإثمك ببسطك يدك إليَّ ونحوه المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم فإن على البادي إثم سبه ومثل إثم صاحبه، لأنه الباعث، والإثم محطوط عن صاحبه؛ لأنه دافع مكافئ عن عرضه إذا لم يخرج عن حد المكافأة ﴿فَتَكُونَ مِن أصْحابِ النّارِ وذَلِكَ جَزاءُ الظالِمِينَ﴾ وهذا الكلام من هابيل موعظة لأخيه وزجر له، قال ابن عباس رضى الله عنهما: خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر، وقيل: هو يعلم أن أخاه ظالم وإرادة جزاء الظالم حسن ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ﴾ سهلته ووسعت له ﴿فَقَتَلَهُ فَأصْبَحَ مِنَ الخاسِرِينَ﴾: في الدنيا والآخرة ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرابًا يَبْحَثُ في الأرْضِ﴾ لما قتله تحير في أمره لم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابًا إلى غراب ميت فبحث عليه من التراب حتى واراه ﴿لِيُرِيَهُ﴾: الله أو الغراب ﴿كَيْفَ يُوارِي سَوْءَةَ أخِيهِ﴾ أي: جسده، فإنه مما يستقبح أن يرى، وكيف: حال من ضمير يواري، والجملة ثاني مفعولي ﴿لِيُرِيَهُ﴾ ﴿قالَ يا ويْلَتى﴾ كلمة جزع والألف بدل من ياء المتكلم أي: احضري يا هلاكى فهذا أوانك ﴿أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ فَأُوارِيَ﴾ عطف على أكون أو جواب استفهام؛ لأنه للإنكار بمعنى النفي أي: إن لم أعجز واريت ﴿سَوْءَةَ أخِي فَأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ على قتله قيل اسود جسده وتبرأ منه أبواه، وقد ذكر أكثر المفسرين إن الله قد شرع لآدم أن يزوج بناته من بنيه، وكان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى وكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر فكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل جميلة فأراد أن يستأثر بها على أخيه فأبى آدم ذلك، وأمرهما بأن يقربا قربانًا فمن تقبل منه فهي له فتقبل من هابيل فحسد. هذا ما نقلوه والذي صح عن ابن عباس ما نقلناه أولًا وهو يشعر بل يدل على أن قربانهما لا عن سبب ولا عن بداءة في امرأة، وهو ظاهر القرآن فلذلك اخترناه ﴿مِن أجْلِ ذلِكَ﴾ أي: بسبب قتله أخاه ظلمًا ﴿كَتَبْنا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ حكمنا وقضينا عليهم ﴿أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ أي: بغير قتل نفس يوجب القصاص ﴿أوْ فَسادٍ في الأرْضِ﴾ أو بغير فساد فيها كالشرك وقطع الطريق ﴿فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ أى: من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس أو لأنه يقتل قصاصًا كما لو قتل الجميع أو كما قتل الناس وزرًا أو إثمًا ﴿ومَن أحْياها﴾ حرم قتلها وكف عنها أو عفا عن قاتل أو أنجاها عن هلكة ﴿فَكَأنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا﴾ حيى الناس منه جميعًا وحرم قتل جميع الناس أو في الأجر والثواب والمقصود تعظيم القتل والإحياء في القلوب ﴿ولَقَدْ جاءتْهُمْ﴾ أي: بني إسرائيل ﴿رُسُلُنا بِالبَيِّناتِ﴾ بالمعجزات الظاهرات على صدقهم ﴿ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنهم بَعْدَ ذَلِكَ﴾: إرسال الرسل مع البينات ﴿فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾: في مثل القتل ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ ورَسُولَهُ﴾ يحاربون أولياءهما من قاطع الطريق وغيره ﴿ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا﴾: مفسدين أو كأنه قال: يفسدون في الأرض فسادًا أو يسعون في الفساد، والفساد يطلق على أنواع الشر قال بعضهم نزلت في بعض أهل الكتاب بينهم وبين النبي ﷺ ميثاق فنقضوا وأفسدوا في الأرض أو في جماعة مرضوا في المدينة فداواهم رسول الله ﷺ من ألبان الإبل وأبوالها، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل فلما أخذوا قطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقوا في الرمضاء حتى ماتوا فعلى هذا تكون تعليمًا لرسول الله ﷺ ولهذا ما سمر بعد ذلك عينًا ﴿أنْ يُقَتَّلُوا﴾ أي من غير صلب إن أفردوا القتل ﴿أوْ يُصَلَّبُوا﴾ مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال ﴿أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم مِن خِلافٍ﴾ أيدي اليمنى وأرجل اليسرى إن أخذوا المال فقط ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ إن اقتصروا على الإخافة والنفي هو أن يطلبهم الإمام فيقام عليهم الحد أو يهربوا من دار الإسلام أو ينفى من بلد إلى بلد وهكذا وقال بعضهم لا يخرجون من أرض الإسلام أو المراد من النفي السجن أو يخرج من بلده إلى آخر فيسجن فيه حتى تظهر توبته وقال كثير من السلف: إن الإمام مخير بين هذه العقوبات الأربعة في كل قاطع طريق فيكون أو للتخيير لا للتفصيل ﴿ذَلِكَ لَهم خِزْيٌ﴾ فضيحة ﴿فِي الدُّنْيا ولَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ هذا يدل على أن الآية نزلت في جمع من المشركين وإلا فالجمهور على أن من أذنب ذنبًا وعوقب في الدنيا فهو كفارة له ﴿إلا الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ على قول من قال هي في أهل الشرك فظاهر لأن من آمن ما بقي عليه شيء وأما المحاربون المسلمون إذا تابوا قبل القدرة سقط عنهم حد الله لا حقوق بني آدم وكثير من السلف يدل على أنه يسقط حقوق بني آدم، أيضًا إلا إذا أخذ مالًا معينًا فيجب الضمان ﴿فاعْلَمُوا أن الله غَفُورٌ رحِيمٌ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب