الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا﴾ الآية.
الأجل في اللغة: الجناية، يقال: أجَلَ عليهم شرًّا بأجله أجْلًا، إذا جنى عليهم جناية. ذكره ابن السكيت [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 125 (أجل).]]، وأبو عبيدة [[في "مجاز القرآن" 1/ 162.]]، والزجاج [[في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 168.]]، وجميع أهل اللغة، وأنشدوا:
وأهلِ خِباءٍ [[في (ش): جناء.]] صالح ذات بينهم ... قد احتَربُوا في عَاجلٍ أنا آجِلُه [[البيت لزُهير بن أبي سُلمى. انظر: "أشعار الستة الجاهليين" ص 303، "الدر المصون" 4/ 247، وينسب لخوات بن جبير كما في "معاني الزجاج" 2/ 168، "تهذيب اللغة" 1/ 125، واستشهد به أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 163، والطبري في "تفسيره" 6/ 200.]]
أي: أنا جانيه [["مجاز القرآن" 1/ 164، "معاني الزجاج" 2/ 168، "تهذيب اللغة" 1/ 125 (أجل)، وانظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 200.]]. وفي هذا المعنى أيضًا يقال: جر عليهم جريرة، ثم يقال: فعلت ذلك من أجلك، أي من جنايتك وجريرتك، كأنه يقول: أنت جررتني إلى ذلك، وأنت جنيت علي هذا [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 162، 164، والطبري في "تفسيره" 6/ 200.]].
قال الزجاج: من جنايته ذلك [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 168.]].
وقال ابن الأنباري: من سبب ذلك. قال: ويقال: فعلت ذلك من أجلك ومن جلالك ومن جلك وجرّاك وجرائك [[لم أقف عليه عن ابن الأنباري، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 125 (أجل).]].
واختلفوا في قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾، فقال بعضهم: إنه من صلة النادمين، على معنى: فأصبح من النادمين من أجل ذلك، أي من أجل أنه حين قتل أخاه لم يواره [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 168، "النكت والعيون" 2/ 31، "زاد المسير" 2/ 340، "البحر المحيط" 3/ 468.]].
ويُروَى عن نافع أنه كان يقف على قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ ويجعله من تمام الكلام الأول [[انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص 286، والمُكتفى في "الوقف والإبتداء" ص 238، 239.]].
وعامة المفسرين وأصحاب المعاني على أن قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ ابتداء كلام، وليس بمتصل بما قبله [[وهذا هو الراجح. انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 200، "معاني الزجاج" 2/ 168، "إيضاح الوقوف والابتداء" 2/ 617، 618، "القطع والائتناف" ص 286، "زاد المسير" 2/ 340، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 146، "البحر المحيط" 3/ 468، "الدر المصون" 4/ 248.]].
واحتج ابن الأنباري لهذا بأن قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ رأس آية، ورأس الآية فصل. قال: ولأنه قد تقدم ما كشف علة الندم فاستغنى النادمون عن: (من أجل ذلك). قال: ولأن من (جعله من صلة للندم أسقط العلة للكتابة، ومن [[ما بين القوسين ساقط من (ش).]]) جعله من صلة الكتابة لا يسقط معنى الندم، إذ قد تقدم ما كشف سببه، فكان هذا أولى [[انظر: "إيضاح الوقف والابتداء" 2/ 617، 618.]].
وأما التفسير: فقال ابن عباس في رواية عطاء: بسبب قابيل قضينا على [[في (ج): (إلي).]] بني إسرائيل [[لم أقف عليه، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]].
وقال الكلبي: من أجل ابني آدم حين قتل أحدهما صاحبه فرضنا على بني إسرائيل [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113، وورد نحوه عن الضحاك، انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 200]].
﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾. قال ابن عباس: بغير قود [[لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج الطبري عنه في تفسير هذه الآية: يقول من قتل نفسًّا واحدة حرمتها. "جامع البيان" 6/ 200.]].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ قال الكلبي: أو شرك في الأرض [[انظر: "زاد المسير" 2/ 340، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]].
وقال غيره: يعني بالفساد في الأرض أن يكون محاربًا لله ورسوله، كالذين ذكرهم في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية [[انظر: "النكت والعيون" 2/ 31، والبغوي في "تفسيره" 3/ 46، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 146.]].
قال الزجاج: ﴿أَوْ فَسَادٍ﴾ منسوق على نفس، المعنى: أو بغير فساد في الأرض [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 168.]].
وقوله تعالى: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
قال مجاهد: من قتل نفسًّا محرمة يَصلى النار بقتلها كما يصلاها لو قتل الناس جميعًا [[أخرجه بنحوه الطبري في "تفسيره" 6/ 202، وذكره بلفظه البغوي في "تفسيره" 3/ 46، وانظر: "زاد المسير" 2/ 340.]].
ونحو هذا قال الكلبي فقال: يعذب عليها كما أنه لو قتل الناس كلهم [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]].
وقال الحسن وابن زيد: يعني أنه يجب عليه من القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعًا [[أخرجه عن ابن زيد: الطبري في "تفسيره" 6/ 202 - 203، وذكره عنه الماورد في "النكت والعيون" 2/ 32، أما الحسن فذكره البغوي في "تفسيره" 3/ 47 وانظر: "زاد المسير" 2/ 340، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 54.]].
وحكى الزجاج: عن بعضهم أن المعنى فيه أن المؤمنين كلهم خصماء للقاتل، وقد وَتَرهم وَتر من قصد لقتلهم جميعًا [[انتهى من "معاني الزجاج" 2/ 168، 169 حسب المطبوع، فبقية الكلام يحتمل له أو للمؤلف.]]. وأوصل إليهم من المكروه مثل ما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول، فأذاه إياهم كأذى رجل قتلهم كلهم.
وهذا اختيار ابن الأنباري، وزاد من عنده وجهًا آخر فقال: المقدار الذي يستحقه قاتل الناس جميعًا معلوم عند الله عز وجل محدود، (فالذي يقتل الواحد يلزمه الله ذلك الإثم المعلوم) [[ما بين القوسين مكرر في (ش).]]، والذي يقتل الاثنين يلزمه الله مثل ذلك [[انظر: "زاد المسير" 2/ 341.]].
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
قال الكلبي: من عفا عن رجل قتل رجلاً خطأ وجبت له الجنة، كما لو عفا عن الناس جميعًا، وذلك أنه كتب عليهم في التوراة: أيما رجل قتل رجلاً خطأ فهو له قود إلا أن يشاء الولي أن يعفو [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 465، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 13.]].
وقال الحسن: عفا عن دمها وقد وجب القود عليها [["تفسير الهواري" 1/ 466، وأخرجه بمعناه الطبري في "تفسيره" 6/ 203، وانظر "النكت والعيون" 2/ 32، "زاد المسير" 2/ 243.]].
وهذا كقول الكلبي، وهو قول ابن زيد أيضًا [[أخرج الأثر عنه الطبري في "تفسيره" 6/ 203، وانظر: "النكت والعيون" 2/ 32، "زاد المسير" 2/ 342.
وقال بهذا أيضًا ابن قتيبة، انظر: "غريب القرآن" ص 140.]].
وقال الزجاج: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ أي من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو ما يميت لا محالة، أو استنقذها [[في (ج): (واستنقذها)، وما أثبته موافق لما في "معاني الزجاج" 2/ 169، وهو أولى.]] من ضلال ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ أي أجره على الله عزّ وجلّ أجر من أحياهم أجمعين؛ (لأنه في إسدائه [[عند الزجاج: وجائز أن يكون في إسدائه.]]) إليهم المعروف بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كل واحد منهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 169، وذكر نحو هذا القول عن الحسن. انظر: "تفسير الهواري" 1/ 466.]].
وروى ابن الأنباري هذا القول عن مجاهد بإسناد له [[أخرج الطبري في "تفسيره" عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: من أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة، وفي رواية: من غرق أو حرق أو هدم. "جامع البيان" 6/ 203، وانظر: "زاد المسير" 2/ 342.]].
وقال سعيد بن جبير: في هذه الآية: من استحل قتل نفس فهو كذلك في دماء الناس لا يتحرم لها، ومن أحياها مخافة من الله وتحرجًا من قتلها فكذلك يرى دماء الناس كلهم حرامًا [[أورده المؤلف في "الوسيط" 3/ 862، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 55.]].
وهذا كما يُروى عن قتادة والضحاك أنهما قالا في هذه الآية: عظم الله أجرها وعظم وزرها، فمن استحل قتل مسلم بغير حقه، فكأنما قتل الناس أجمعين؛ لأنهم لا يَسْلمون منه، ومن أحياها فحرمها وتورعّ عن قتلها، فكأنما أحيا الناس جميعاً لسلامتهم منه [[أخرج الأثر بمعناه عنهما الطبري في "تفسيره" 6/ 203 - 204، وانظر: "النكت والعيون" 2/ 32، والبغوي في "تفسيره" 3/ 47.]].
قال أهل المعاني: قوله: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ على المجاز؛ لأن المعنى: ومن نجا بها من الهلاك، والفاعل للحياة هو الله عزّ وجلّ [[في (ش): (تعالى).]] لا يقدر عليها غيره [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 204.]].
وسئل الحسن عن هذه الآية فقيل: أهي كما كانت لبني إسرائيل؟ قال: إي والذي لا إله غيره وما جعل دماء بني إسرائيل (أكرم [[ساقط من (ج).]]) على الله من دمائنا [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 204، وأورده البغوي في "تفسيره" 3/ 47، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 54.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾.
قال ابن عباس: بان لهم صدق ما جاءوهم به من الفرائض والحلال والحرام [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]].
وقال الكلبي: أي بالبيان في أن ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ الآية [[انظر: "زاد المسير" 2/ 342.]].
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة: 32].
أي: مجاوزون حد الحق [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 205.]].
قال الكلبي: بالشرك [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 113.]].
وقال غيره: بالقتل [[انظر: "التفسير الكبير" 11/ 213.]]. وهذا عام في كل ما هو تجاوز عن الحق.
{"ayah":"مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق