الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ الآيَةَ. فِيهِ إبانَةٌ عَنِ المَعْنى الَّذِي مِن أجْلِهِ كُتِبَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ ما ذُكِرَ في الآيَةِ، وهو لِئَلّا يَقْتُلَ بَعْضُهم بَعْضًا؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ النُّصُوصَ قَدْ تَرِدُ مُضَمَّنَةً بِمَعانٍ يَجِبُ اعْتِبارُها في أغْيارِها في إثْباتِ الأحْكامِ. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى إثْباتِ القِياسِ ووُجُوبِ اعْتِبارِ المَعانِي الَّتِي عُلِّقَ بِها الأحْكامُ وجُعِلَتْ عِلَلًا وأعْلامًا لَها
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ في الأرْضِ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِنَفْسٍ فَلا لَوْمَ عَلَيْهِ، وعَلى أنَّ مَن قَتَلَ (p-٥٠)نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَهو مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ. ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ الفَسادَ في الأرْضِ مَعْنًى يُسْتَحَقُّ بِهِ القَتْلُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ قَدْ قِيلَ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها تَعْظِيمُ الوِزْرِ.
والثّانِي: أنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَأْثَمِ كُلِّ قاتِلٍ مِنَ النّاسِ لِأنَّهُ سَنَّ القَتْلَ وسَهَّلَهُ لِغَيْرِهِ فَكانَ كالمُشارِكِ لَهُ فِيهِ؛ ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ما مِن قاتِلٍ ظُلْمًا إلّا وعَلى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنَ الإثْمِ لِأنَّهُ سَنَّ القَتْلَ» وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ ومَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ» . والثّالِثُ: أنَّ عَلى النّاسِ كُلِّهِمْ مَعُونَةَ ولِيِّ المَقْتُولِ حَتّى يُقِيدُوهُ مِنهُ، فَيَكُونُ كُلُّهم خُصُومَهُ في ذَلِكَ حَتّى يُقادَ مِنهُ، كَأنَّهُ قَتَلَ أوْلِياءَهم جَمِيعًا. وهَذا يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ القَوَدِ عَلى الجَماعَةِ إذا قَتَلَتْ واحِدًا؛ إذْ كانُوا بِمَنزِلَةِ مَن قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن أحْياها فَكَأنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا﴾ قالَ مُجاهِدٌ: " مَن أحْياها نَجّاها مِنَ الهَلاكِ " . وقالَ الحَسَنُ: " إذا عَفا عَنْ دَمِها وقَدْ وجَبَ القَوَدُ " . وقالَ غَيْرُهم مِن أهْلِ العِلْمِ: " زَجَرَ عَنْ قَتْلِها بِما فِيهِ حَياتُها " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِإحْيائِها مَعُونَةَ الوَلِيِّ عَلى قَتْلِ القاتِلِ واسْتِيفاءَ القِصاصِ مِنهُ حَياةً كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِإحْيائِها أنْ يُقْتَلَ القاصِدُ لِقَتْلِ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَيَكُونَ مُجِيبًا لِهَذا المَقْصُودِ بِالقَتْلِ ويَكُونَ كَمَن أحْيا النّاسَ جَمِيعًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُرْدِعُ القاصِدِينَ إلى قَتْلِ غَيْرِهِمْ عَنْ مِثْلِهِ فَيَكُونُ في ذَلِكَ حَياةٌ لِسائِرِ النّاسِ مِنَ القاصِدِينَ لِلْقَتْلِ والمَقْصُودِينَ بِهِ. فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ ضُرُوبًا مِنَ الدَّلائِلِ عَلى الأحْكامِ، مِنها: دَلالَتُها عَلى وُرُودِ الأحْكامِ مُضَمَّنَةً بِمَعانٍ يَجِبُ اعْتِبارُها بِوُجُودِها، وهَذا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِالقِياسِ. والثّانِي إباحَةُ قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ. والثّالِثُ: أنَّ مَن قَتَلَ نَفْسًا فَهو مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ. والرّابِعُ: مَن قَصَدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا فَهو مُسْتَحِقُّ القَتْلِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ كَما دَلَّ عَلى وُجُوبِ قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ فَهو يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ قَتْلِهِ إذا قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ؛ إذْ هو مَقْتُولٌ بِنَفْسِ إرادَةِ إتْلافِها. والخامِسُ: الفَسادُ في الأرْضِ يُسْتَحَقُّ بِهِ القَتْلُ. والسّادِسُ احْتِمالُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ أنَّ عَلَيْهِ مَأْثَمَ كُلِّ قاتِلٍ بَعْدَهُ لِأنَّهُ سَنَّ القَتْلَ وسَهَّلَهُ لِغَيْرِهِ. والسّابِعُ: أنَّ عَلى النّاسِ كُلِّهِمْ مَعُونَةَ ولِيِّ المَقْتُولِ حَتّى يُقِيدُوهُ مِنهُ. والثّامِنُ: دَلالَتُها عَلى وُجُوبِ القَوَدِ عَلى الجَماعَةِ إذا قَتَلُوا واحِدًا. والتّاسِعُ: دَلالَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَأنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا﴾ عَلى مَعُونَةِ الوَلِيِّ عَلى قَتْلِ القاتِلِ. والعاشِرُ: دَلالَتُهُ أيْضًا عَلى قَتْلِ مَن قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ ظُلْمًا؛ واَللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
(p-٥١)
{"ayah":"مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق