الباحث القرآني
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"من أجل ذلك"، من جرِّ ذلك وجَريرته وجنايته. يقول: من جرِّ القاتل أخاه من ابني آدم= اللذين اقتصصنا قصتهما= الجريرةَ التي جرَّها، وجنايتِه التي جناها="كتبنا على بني إسرائيل".
* * *
يقال منه:"أجَلْت هذا الأمر"، أي: جررته إليه وكسبته،"آجله له أجْلا"، كقولك:"أخَذْته أخذًا"، ومن ذلك قول الشاعر: [[نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن فقال: "قال الخنوت، وهو توبة بن مضرس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وإنما سماه الخنوت، الأحنف بن قيس. لأن الأحنف كلمه، فلم يكلمه احتقارًا له، فقال: إن صاحبكم هذا الخنوت! والخنوت: المتجبر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس".
و"الخنوت" (بكسر الخاء، ونون مشددة مفتوحة، واو ساكنة) .
وذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص: ٦٨ وقال: "وقتل أخواه ... فأدرك الأخذ بثأرهما ... وجزع على أخويه جزعًا شديدًا، ... وكان لا يزال يبكي أخويه، فطلب إليه الأحنف أن يكف، فأبى، فسماه: الخنوت = وهو الذي يمنعه الغيظ أو البكاء من الكلام".
ونسبه التبريزي في شرح إصلاح المنطق، والشنتمري في شرح ديوان زهير إلى خوات بن جبير الأنصاري صاحب رسول الله ﷺ. وهو الذي يذكر في خبر ذات النحيين.
وألحق بشعر زهير بن أبي سلمى، في ديوانه (شرح الشنتمري) .]]
وَأَهْلِ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهمْ ... قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُه [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٦٣ (وفيه مراجع) ، وشرح إصلاح المنطق ١: ١٤، وشرح شعر زهير للشنتمري: ٣٣، واللسان (أجل) ، وفي رواية لابن برى، في اللسان. وَأَهْل خِبَاء آمِنِين، فَجَعْتُهُمْ ... بِشَيْءٍ عَزِيزٍ عَاجِل أَنَا آجِلُهْ
وَأَقْبَلْتُ أَسْعَى أَسْأَلُ الْقَوْمَ مَالَهُمْ ... سُؤَالَكَ بِالَّشْيءِ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ
ويروى الشطر الأول، من البيت الثاني: فَأَقْبَلَتْ فِي السَّاعِينَ أَسْأَلُ عَنْهُمُ
وفي المخطوطة: "قد اصرموا"، غير منقوطة، والصواب من المراجع.]] يعني بقوله:"أنا آجله"، أنا الجارُّ ذلك عليه والجانِي.
* * *
فمعنى الكلام: من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلمًا، حكمنا على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسًا ظلمًا، بغير نفس قتلت، فقتل بها قصاصًا [[انظر تفسير"كتب" فيما سلف ص: ١٦٩، تعليق ١. والمراجع هناك.]] ="أو فساد في الأرض"، يقول: أو قتل منهم نفسًا بغير فسادٍ كان منها في الأرض، فاستحقت بذلك قتلها. و"فسادها في الأرض"، إنما يكون بالحرب لله ولرسوله، وإخافة السبيل. [[انظر تفسير"الفساد في الأرض" فيما سلف ١: ٢٨٧، ٤٠٦/ ٤: ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٤٣، ٤٢٤/ ٥: ٣٧٢/ ٦: ٤٧٧.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٧٠ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل"، يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلمًا.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله جل ثناؤه:"من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا".
فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن قتل نبيًّا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شدَّ على عضُد نبيّ أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٧١ - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، قال: من شدّ على عضُد نبيّ أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعًا، ومن قتل نبيًّا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا. [[الأثر: ١١٧٧١-"أبو عمار المروزي"، هو: "الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت". روى عن ابن المبارك، والفضل بن موسى، وابن أبي حازم، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه الجماعة سوى ابن ماجه. ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١/٢/٣٨٩، وابن أبي حاتم ١/٢/٥٠.
و"الفضل بن موسى السيناني"، أبو عبد الله المروزي. ثقة ثبت روى له الجماعة. مترجم في التهذيب.
و"الحسين بن واقد المروزي"، مضى برقم: ٤٨١٠، ٦٣١١.]]
١١٧٧٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، يقول: من قتل نفسًا واحدًة حرَّمتها، فهو مثل من قتل الناس جميعًا="ومن أحياها"، يقول: من ترك قتل نفس واحدة حرمتها مَخَافتي، واستحياها أن يقتلها، فهو مثل استحياء الناس جميعًا= يعني بذلك الأنبياء.
* * *
وقال آخرون:"من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، عند المقتول في الإثم="ومن أحياها"، فاستنقذها من هلكةٍ="فكأنما أحيى الناس جميعًا"، عند المستنقذ.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٧٣ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، فيما ذكر عن أبي مالك= وعن أبي صالح، عن ابن عباس= وعن مرة الهمداني، عن عبد الله= وعن ناسٍ من أصحاب رسول الله ﷺ قوله:"من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتَلَ الناس جميعًا"، عند المقتول، يقول: في الإثم="ومن أحياها"، فاستنقذها من هلكة="فكأنما أحيى الناس جميعًا"، عند المستنقَذ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إن قاتل النفس المحرم قتلُها، يصلى النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعًا="ومن أحياها"، من سلم من قتلها، فقد سلم من قتل الناس جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٧٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، قال: من كف عن قتلها فقد أحياها="ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا"، قال: ومن أوبقها.
١١٧٧٥ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: من أوبق نفسًا فكما لو قتل الناس جميعًا، ومن أحياها وسلم من ظُلمها فلم يقتلها، [[في المطبوعة: "وسلم من طلبها"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.]] فقد سلم من قتل الناس جميعًا.
١١٧٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد:"فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، لم يقتلها، وقد سلم منه الناس جميعًا، لم يقتل أحدًا.
١١٧٧٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعي قال، أخبرنا عبدة بن أبي لبابة قال: سألت مجاهدًا= أو: سمعته يُسْأل= عن قوله:"من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، قال: لو قتل الناس جميعًا، كان جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغَضِب الله عليه ولَعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا. [[هذا تضمين آية"سورة النساء": ٩٣.]]
١١٧٧٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً، عن الأعرج، [[في المطبوعة: "قراءة عن الأعرج"، وأثبت ما في المخطوطة.]] عن مجاهد في قوله:"فكأنما قتل الناس جميعًا"، قال: الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدًا، جعل الله جزاءه جهَنّم، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا. يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يزد على مثل ذلك من العذاب= قال ابن جريج، قال مجاهد:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا" قال: من لم يقتل أحدًا، فقد استراح الناسُ منه.
١١٧٧٩ - حدثنا سفيان قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: أوبق نفسه. [[في المطبوعة: "أوبق نفسا"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
١١٧٨٠ - حدثنا سفيان قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: في الإثم.
١١٧٨٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد:"من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، وقوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [سورة النساء: ٩٣] قال: يصير إلى جهنم بقتل المؤمن، كما أنه لو قتل الناس جميعًا لصار إلى جهنم.
١١٧٨١ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا" قال: هو كما قال= وقال:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، فإحياؤها: لا يقتل نفسًا حرمها الله، فذلك الذي أحيى الناس جميعًا، يعني: أنه من حرم قتلها إلا بحقٍّ، حَيِي الناس منه جميعًا.
١١٧٨٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد:"ومن أحياها"، قال: ومن حرَّمها فلم يقتلها.
١١٧٨٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن العلاء قال: سمعت مجاهدًا يقول:"من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، قال: من كف عن قتلها فقد أحياها.
١١٧٨٤ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"فكأنما قتل الناس جميعًا" قال: هي كالتي في"النساء": ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [سورة النساء: ٩٣] ، في جزائه.
١١٧٨٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فكأنما قتل الناس جميعًا" كالتي في"سورة النساء"، ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ في جزائه="ومن أحياها"، ولم يقتل أحدًا، فقد حيِيَ الناس منه.
١١٧٨٦ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد في قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، قال: التفت إلى جلسائه فقال: هو هذا وهذا. [[كأنه يعني بقوله: "هو هذا وهذا"، أن قتل نفس محرمة بغير نفس أو فساد في الأرض قتل للناس جميعًا، وإحياؤها إحياء للناس جميعًا.]]
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، لأنه يجب عليه من القِصاص به والقوَد بقتله، مثلُ الذي يجب عليه من القَوَد والقصاص لو قتل الناس جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٨٧ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، قال: يجب عليه من القتل مثلُ لو أنه قتل الناس جميعًا. قال: كان أبي يقول ذلك.
* * *
وقال آخرون معنى قوله:"ومن أحياها": من عفا عمن وجب له القِصَاص منه فلم يقتله.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٨٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، يقول: من أحياها، أعطاه الله جل وعزّ من الأجر مثلُ لو أنه أحيى الناس جميعًا="أحياها" فلم يقتلها وعفا عنها. قال: وذلك وليّ القتيل، والقتيل نفسه يعفو عنه قبل أن يموت. قال: كان أبي يقول ذلك:
١١٧٨٩ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن يونس، عن الحسن في قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، قال: من عفا.
١١٧٩٠ - حدثنا سفيان قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، قال: من قُتِل حميمٌ له فعفا عن دمه. [["الحميم": ذو القرابة القريب.]]
١١٧٩١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن."ومن أحياها فكأنما أحيى الناسَ جميعًا"، قال: العفو بعد القدرة.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، ومن أنجاها من غَرَق أو حَرَقٍ. [["الحرق" (بفتحتين) : النار ولهبها، كالحريق. وفي الحديث: "الحرق والغرق والشرق شهادة" (كل ذلك بفتحات) .]]
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٩٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد:"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا" قال: من أنجاها من غَرَق أو حرَقٍ أو هَلَكةٍ.
١١٧٩٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، قال: من غرَق أو حَرَق أو هَدَمٍ. [["الهدم" (بفتحتين) . وهو البناء المهدوم، وفي حديث الشهداء: "وصاحب الهدم شهادة".]]
١١٧٩٤ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل عن خصيف، عن مجاهد:"ومن أحياها"، قال: أنجاها.
* * *
وقال الضحاك بما:-
١١٧٩٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي عامر، عن الضحاك قال:"من قتل نفسًا بغير نفس"، قال: من تورَّع أو لم يتورَّع. [[كأنه يعني: من تورع عن قتلها، أو لم يتورع ولكنه لم يقتل، فكأنما أحيى الناس جميعا.]]
١١٧٩٦ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"فكأنما أحيى الناس جميعًا"، يقول: لو لم يقتله لكان قد أحيى الناس، فلم يستحلّ محرَّمًا.
* * *
وقال قتادة والحسن في ذلك بما:-
١١٧٩٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن:"من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض"، قال: عَظُم ذلك.
١١٧٩٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس" الآية، من قتلها على غير نفس ولا فسادٍ أفسدته="فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا" عظُم والله أجرُها، وعظُم وزرها! فأحيها يا ابن آدم بما لك، وأحيها بعفوك إن استطعت، ولا قوة إلا بالله. وإنا لا نعلمُه يحل دم رجل مسلمٍ من أهل هذه القبلة إلا بإحدى ثلاث: رجل كفرَ بعد إسلامه، فعليه القتل= أو زنى بعد إحصانه، فعليه الرجم= أو قتل متعمدًا، فعليه القَوَد.
١١٧٩٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال: تلا قتادة:"من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا" قال: عظم والله أجرُها، وعظم والله وِزْرها!
١١٨٠٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سلاّم بن مسكين قال، حدثني سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس" الآية، أهي لنا يا أبا سعيد، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إِي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل! وما جعل دماءَ بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا؟ [[الأثر: ١١٨٠٠-"سلام بن مسكين بن ربيعة الأزدي"، "أبو روح"، ثقة. مضى برقم: ٦٩٢.
و"سليمان" بن علي الربعي الأزدي". ثقة. مترجم في التهذيب.]]
١١٨٠١ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد بن زيد قال: سمعت خالدًا أبا الفضل قال: سمعت الحسن تلا هذه الآية:"فطوَّعت له نفسه قتل أخيه" إلى قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا"، ثم قال: عظَّم والله في الوزر كما تسمعون، ورغَّب والله في الأجر كما تسمعون! إذا ظننت يا ابن آدم، أنك لو قتلت الناس جميعًا، فإن لك من عملك ما تفوز به من النار، كذَبَتْك والله نفسك، وكذَبَك الشيطان. [[الأثر: ١١٨٠١-"سعيد بن زيد بن درهم الأزدي"، أخو: حماد بن زيد. تكلموا فيه، ووثقوه فقالوا: "صدوق حافظ"، وأعدل ما قيل فيه ما قاله ابن حبان: "كان صدوقا حافظًا، ممن كان يخطئ في الأخبار ويهم، حتى لا يحتج به إذا انفرد". مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٤٣٢، وابن أبي حاتم ٢/١/٢١.
و"خالد، أبو الفضل". قال البخاري في الكبير ٢/١/١٥٣: "خالد بن أبي الفضل، سمع الحسن. روى عنه سعيد بن زيد قوله ... وكنيته خالد بن رباح أبا الفضل، فلا أدري هو ذا أم لا"؟ كأن البخاري يعني هذا الأثر.
ثم ترجم"خالد بن رباح الهذلي" ٢/١/١٣٦، وقال: "سمع منه وكيع"، ولم يذكر"سعيد بن زيد". وقال: "قال يزيد بن هرون، أخبرنا خالد بن رباح أبو الفضل".
وأما ابن أبي حاتم فقد ترجم في الجرح والتعديل ١/٢/٣٤٦: "خالد بن الفضل. روي عن الحسن. روى عنه سعيد بن زيد. سمعت أبي يقول ذلك".
ثم ترجم في ١/٢/٣٣٠. و"خالد بن رباح الهذلي، أبو الفضل ... روى عن الحسن...."، ولم يذكر في الرواه عنه"سعيد بن زيد".
وترجم له الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: ١١٢، وفي لسان الميزان ٢: ٣٧٤، "خالد بن رباح الهذلي، أبو الفضل البصري"، ونقل عن ابن حبان في الضعفاء أن كنيته"أبو الفضل" ثم قال: "ولما ذكره في الطبقة الثالثة من الثقات قال: خالد بن رباح أبو الفضل، يروي عن الحسن. روى عنه سعيد بن زيد". قال ابن حجر: "فما أدري، ظنه آخر، أو تناقض فيه؟ ".
أما ترجمته في لسان الميزان، فلم يذكر كنيته هناك، ونقل بعض ما جاء في تعجيل المنفعة.
والظاهر أن"خالدًا أبا الفضل"، هو"خالد بن رباح الهذلي" نفسه، وأن ما جاء في ابن أبي حاتم"خالد بن الفضل" خطأ أو وهم. والظاهر أيضًا أنه توقف في أمر"خالد بن أبي الفضل"، ورجح أن يكون خطأ من الرواة، وأن الراوية"خالد أبو الفضل". وهو"خالد بن رباح الهذلي" نفسه.]]
١١٨٠٢ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن عاصم، عن الحسن في قوله:"فكأنما قتل الناس جميعًا" قال: وِزْرًا="ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا" قال: أجرًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: تأويل ذلك: أنه من قتل نفسًا مؤمنة بغير نفس قَتَلتها فاستحقت القَوَد بها والقتل قِصاصًا= أو بغير فساد في الأرض، بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها= فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله جل ثناؤه، كما أوعده ذلك من فعله ربُّه بقوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [سورة النساء: ٩٣] .
* * *
وأما قوله:"ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا" فأولى التأويلات به، قول من قال: من حرّم قتل من حرّم الله عز ذكره قتله على نفسه، فلم يتقدّم على قتله، فقد حيى الناس منه بسلامتهم منه، وذلك إحياؤه إياها. وذلك نظير خبر الله عز ذكره عمن حاجّ إبراهيم في ربّه إذ قال له إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٨] . فكان معنى الكافر في قيله:"أنا أحيي"، [[في المطبوعة والمخطوطة هنا: "أنا أحيي وأميت" ولا شك أن قوله: "وأميت" تكرار، فتركته.]] أنا أترك من قَدَرت على قتله- وفي قوله:"وأميت"، قتله من قتله. [[انظر ما سلف: ٥: ٤٣٢.]] فكذلك معنى"الإحياء" في قوله:"ومن أحياها"، من سلِمَ الناس من قتله إياهم، إلا فيما أذن الله في قتله منهم="فكأنما أحيى الناس جميعًا".
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بتأويل الآية، لأنه لا نفسَ يقومُ قتلُها في عاجل الضُّرّ مقام قتل جميع النفوس، ولا إحياؤها مقامَ إحياء جميع النفوس في عاجل النفع. فكان معلومًا بذلك أن معنى"الإحياء": سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لم يتقدم على نفس واحدة، فقد سلم منه جميع النفوس- وأن الواحدة منها التي يقوم قتلُها مقام جميعها إنما هو في الوِزْر، لأنه لا نفس من نفوس بني آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها، وإن كان فقد بعضها أعمّ ضررًا من فقد بعض. [[انظر تفسير"الإحياء" فيما سلف ٥: ٤٣٢، وما بعدها.]]
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه أقسم به: أن رسله صلوات الله عليهم قد أتت بني إسرائيل الذين قصَّ الله قَصَصهم وذكر نبأهم في الآيات التي تقدَّمت، من قوله:"يا أيُّها الذين آمنوا اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسُطوا إليكم أيديهم" إلى هذا الموضع="بالبينات"، يعني: بالآيات الواضحة والحجج البيِّنة على حقيقة ما أرسلوا به إليهم، [[في المطبوعة: "على حقية"، فعل بما كان في المخطوطة، كما فعل بأخواتها من قبل، انظر ما سلف، كما أشرت إليه في ص: ١٩، تعليق: ٣، والمراجع السابقة هناك.]] وصحة ما دعوهم إليه من الإيمان بهم، وأداء فرائضِ الله عليهم.
=يقول الله عز ذكره:"ثم إن كثيًرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون"، يعني: أن كثيرًا من بني إسرائيل.
* * *
=و"الهاء والميم" في قوله:"ثم إن كثيرًا منهم"، من ذكر بني إسرائيل، وكذلك ذلك في قوله:"ولقد جاءتهم".
* * *
="بعد ذلك"، يعني: بعد مجيء رسل الله بالبينات [[انظر تفسير"البينات" فيما سلف ٩: ٣٦٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] .
="في الأرض لمسرفون"، يعني: أنهم في الأرض لعاملون بمعاصي الله، ومخالفون أمر الله ونهيه، ومحادُّو الله ورسله، باتباعهم أهواءَهم. وخلافهم على أنبيائهم، وذلك كان إسرافهم في الأرض. [[انظر تفسير"الإسراف" فيما سلف ٧: ٢٧٢، ٥٧٩.]]
{"ayah":"مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق