الباحث القرآني
ولَمّا عُلِمَ بِهَذا أنَّ الإنْسانَ مَوْضِعُ العَجَلَةِ والإقْدامِ عَلى المُوبِقاتِ؛ مِن غَيْرِ تَأمُّلٍ؛ فَكانَ أحْوَجَ شَيْءٍ إلى نَصْبِ الزَّواجِرِ؛ أتْبَعَهُ (تَعالى) قَوْلَهُ: ﴿مِن أجْلِ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: مِن غايَةِ الأمْرِ الفاحِشِ جِدًّا ومُدَّتِهِ؛ وعِظَمِ الأمْرِ؛ وشَدَّةِ قُبْحِهِ في نَفْسِهِ؛ وعِنْدَ اللَّهِ؛ وصِغَرِهِ عِنْدَ القاتِلِ؛ وحَبْسِهِ؛ ومَنعِهِ؛ وجِنايَتِهِ؛ وإثارَتِهِ؛ وتَهْيِيجِهِ؛ وجُرْأةِ الإنْسانِ عَلى العَظائِمِ بِغَيْرِ تَأمُّلٍ؛ ﴿كَتَبْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ لِيُفِيدَ ذَلِكَ عَظَمَةَ المَكْتُوبِ؛ والتَّنْبِيهَ عَلى ما فِيهِ مِنَ العَجْزِ؛ لِيُفِيدَ الِانْزِجارَ؛ ﴿عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾؛ أيْ: أعْلَمْناهُمْ؛ بِما لَنا مِنَ العِنايَةِ بِهِمْ؛ في التَّوْراةِ الَّتِي كَتَبْناها لَهُمْ؛ ويُفْهِمُ ذَلِكَ أيْضًا أنَّهم أشَدُّ النّاسِ جُرْأةً عَلى القَتْلِ؛ ولِذَلِكَ كانُوا يَقْتُلُونَ الأنْبِياءَ؛ فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ بِما فِيهِمْ مِنَ التَّشْدِيدِ؛ ولَمّا عُلِمَ مِنَ الآدَمِيِّينَ - لا سِيَّما هم - مِنَ الجُرْأةِ عَلَيْهِ؛ لِيُقِيمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الحُجَّةَ عَلى ما يَتَعارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ ويَكُفَّ عَنِ القَتْلِ مَن سَبَقَتْ لَهُ مِنهُ العِنايَةُ بِما يُتَصَوَّرُ مِن فَظاعَةِ القَتْلِ؛ وقُبْحِ صُورَتِهِ؛ وفُحْشِ أمْرِهِ؛ وعَبَّرَ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ الَّتِي هي لِلْحَتْمِ؛ مِنَ الوُجُوبِ؛ والحُرْمَةِ؛ لِأنَّ السِّياقَ لِلزَّجْرِ؛ فَهي تُفْهِمُ المَنعَ عَنِ الإقْدامِ عَلى القَتْلِ في هَذا المَقامِ؛ (p-١٢٦)﴿أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا﴾؛ أيْ: مِن بَنِي آدَمَ؛ وكَأنَّهُ أطْلَقَ تَعْظِيمًا لَهُمْ؛ إشارَةً إلى أنَّ غَيْرَهم جَمادٌ؛ ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾؛ أيْ: بِغَيْرِ أنْ تَكُونَ قَتَلَتْ نَفْسًا تَسْتَحِقُّ أنْ تُقادَ بِها؛ فاسْتَباحَ قَتْلَها لِتِلْكَ النَّفْسِ الَّتِي قَتَلَتْها؛ ﴿أوْ﴾؛ قَتْلُها بِغَيْرِ؛ ﴿فَسادٍ﴾؛ وقَعَ مِنها.
ولَمّا كانَتِ الأرْضُ - مَعَ أنَّها فِراشُنا؛ فَهي مَحَلُّ التَّوْلِيدِ؛ والتَّرْبِيَةِ؛ والتَّنْمِيَةِ - دارَ الكَدَرِ؛ وكانَ فَسادُ مَن أفْسَدَ فِراشَهُ المَوْصُوفَ - لا سِيَّما وهو في كَدَرٍ - دالًّا عَلى سُوءِ جِبِلَّتِهِ؛ وكانَ سُوءُ الجِبِلَّةِ مُوجِبًا لِلْقَتْلِ؛ قالَ: ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ أيْ: يُبِيحُ ذَلِكَ الفَسادُ دَمَها؛ كالشِّرْكِ؛ والزِّنا بَعْدَ الإحْصانِ؛ وكُلُّ ما يُبِيحُ إراقَةَ الدَّمِ؛ وقَدْ عُلِمَ بِهَذا أنَّ قِصَّةَ ابْنَيْ آدَمَ؛ مَعَ شِدَّةِ التِحامِها بِما قَبْلُ؛ تَوْطِئَةٌ لِما بَعْدُ؛ وتَغْلِيظُ أمْرِ القَتْلِ تَقَدَّمَ عَنِ التَّوْراةِ؛ في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“؛ وقَوْلُهُ: ﴿فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾؛ مِن جُمْلَةِ الأدِلَّةِ المُبْطِلَةِ لِما ادَّعَوْا مِنَ البُنُوَّةِ؛ إذْ مَعْناهُ أنَّ النّاسَ شَرْعٌ واحِدٌ؛ مِن جِهَةِ نُفُوسِهِمْ؛ مُتَساوُونَ فِيها؛ كُلُّهم أوْلادُ آدَمَ؛ لا فَضْلَ لِأحَدٍ مِنهم عَلى آخَرَ في أصْلِ تَحْرِيمِ القَتْلِ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ مِنَ المُوجِبِ؛ مِن قِصاصٍ؛ أوْ فَسادٍ؛ لا مِن بَنِي إسْرائِيلَ؛ ولا مِن غَيْرِهِمْ؛ وذَلِكَ كَما قالَ (تَعالى) - في ثانِي النُّقُوضِ -: ﴿بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ [المائدة: ١٨]؛ فَصارَ مَن قَتَلَ نَفْسًا واحِدَةً؛ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ؛ (p-١٢٧)فَكَأنَّما حَمَلَ إثْمَ مَن قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا؛ لِأنَّ اجْتِراءَهُ عَلى ذَلِكَ أوْجَبَ اجْتِراءَ غَيْرِهِ؛ ومَن سَنَّ سُنَّةً كانَ كَفاعِلِها؛ ﴿ومَن أحْياها﴾؛ أيْ: بِسَبَبٍ مِنَ الأسْبابِ؛ كَعَفْوٍ؛ أوْ إنْقاذٍ مِن هَلَكَةٍ؛ كَغَرَقٍ؛ أوْ مُدافَعَةٍ لِمَن يُرِيدُ أنْ يَقْتُلَها ظُلْمًا؛ ﴿فَكَأنَّما أحْيا﴾؛ أيْ: بِذَلِكَ الفِعْلِ الَّذِي كانَ سَبَبًا لِلْأحْياءِ؛ ﴿النّاسَ جَمِيعًا﴾؛ أيْ: بِمِثْلِ ما تَقَدَّمَ في القَتْلِ؛ والآيَةُ دالَّةٌ عَلى تَعْلِيمِهِ - سُبْحانَهُ - لِعِبادِهِ الحِكْمَةَ؛ لِما يَعْلَمُ مِن طِباعِهِمُ الَّتِي خَلَقَهم عَلَيْها؛ ومِن عَواقِبِ الأُمُورِ - لا عَلى أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ -؛ رِعايَةُ المَصْلَحَةِ؛ ومِمّا يَحْسُنُ إيرادُهُ هَهُنا ما يُنْسَبُ إلى أمِيرِ المُؤْمِنِينَ؛ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ ورَأيْتُ مَن يَنْسُبُهُ لِلشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ (تَعالى) -:
؎النّاسُ مِن جِهَةِ التِّمْثالِ أكْفاءُ ∗∗∗ أبُوهُمُ آدَمٌ والأُمُّ حَوّاءُ
؎نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرْواحٌ مُشاكِلَةٌ ∗∗∗ ∗∗∗ وأعْظُمٌ خُلِقَتْ فِيهِمْ وأعْضاءُ
؎فَإنْ يَكُنْ لَهم في أصْلِهِمْ حَسَبٌ ∗∗∗ ∗∗∗ يُفاخِرُونَ بِهِ فالطِّينُ والماءُ
؎ما الفَخْرُ إلّا لِأهْلِ العِلْمِ إنَّهُمُ ∗∗∗ ∗∗∗ عَلى الهُدى لِمَنِ اسْتَهْدى أدِلّاءُ
؎وقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ ما كانَ يُحْسِنُهُ ∗∗∗ ∗∗∗ ولِلرِّجالِ عَلى الأفْعالِ أسْماءُ
؎وضِدُّ كُلِّ امْرِئٍ ما كانَ يَجْهَلُهُ ∗∗∗ ∗∗∗ والجاهِلُونَ لِأهْلِ العِلْمِ أعْداءُ
؎فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أبَدًا ∗∗∗ ∗∗∗ فالنّاسُ مَوْتى وأهْلُ العِلْمِ أحْياءُ
(p-١٢٨)ولَمّا أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - أنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ؛ أتْبَعَهُ حالًا مِنهُمْ؛ دالَّةً عَلى أنَّهم بَعِيدُونَ مِن أنْ يَكُونُوا أبْناءَ؛ وأحِبّاءَ؛ فَقالَ: ﴿ولَقَدْ﴾؛ أيْ: والحالُ أنَّهم قَدْ؛ ﴿جاءَتْهم رُسُلُنا﴾؛ أيْ: عَلى ما لَهم مِنَ العَظَمَةِ؛ بِإضافَتِهِمْ إلَيْنا؛ واخْتِيارِنا لَهُمْ؛ لِأنَّ يَأْتُوا عَنّا؛ فَهم لِذَلِكَ أنْصَحُ النّاسِ وأبْعَدُهم عَنِ الغَرَضِ؛ وأجَلُّهُمْ؛ وأجْمَعُهم لِلْكِمالاتِ؛ وأرْفَعُهم عَنِ النَّقائِصِ؛ لِأنَّ كُلَّ رَسُولٍ دالٌّ عَلى مُرْسِلِهِ؛ ﴿بِالبَيِّناتِ﴾؛ أيْ: الآياتِ الواضِحَةِ لِلْعَقْلِ أنَّها مِن عِنْدِنا؛ آمِرَةً لَهم بِكُلِّ خَيْرٍ؛ زاجِرَةً عَنْ كُلِّ ضَيْرٍ؛ لَمْ نَقْتَصِرْ في التَّغْلِيظِ في ذَلِكَ عَلى الكِتابِ؛ بَلْ وأرْسَلْنا الرُّسُلَ إلَيْهِمْ مُتَواتِرَةً.
ولَمّا كانَ وُقُوعُ الإسْرافِ - وهو الإبْعادُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدالِ في الأمْرِ مِنهم بَعْدَ ذَلِكَ - بَعِيدًا؛ عَبَّرَ بِأداةِ التَّراخِي؛ مُؤَكِّدًا بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ؛ فَقالَ: ﴿ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنهُمْ﴾؛ أيْ: بَنِي إسْرائِيلَ؛ وبَيَّنَ شِدَّةَ عُتُوِّهِمْ بِإصْرارِهِمْ؛ خَلَفًا بَعْدَ سَلَفٍ؛ فَلَمْ يُثْبِتِ الجارَّ؛ فَقالَ: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: البَيانِ العَظِيمِ؛ والزَّجْرِ البَلِيغِ؛ بِالرُّسُلِ؛ والكِتابِ؛ ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ أيْ: الَّتِي هي مَعَ كَوْنِها فِراشًا لَهم - ويَقْبُحُ عَلى الإنْسانِ أنْ يُفْسِدَ فِراشَهُ - شاغِلَةٌ - لِما فِيها مِن عَظائِمِ الكُدُوراتِ؛ وتَرادُفِ القاذُوراتِ - عَنِ الكَفافِ؛ فَضْلًا عَنِ الإسْرافِ؛ ﴿لَمُسْرِفُونَ﴾؛ أيْ: عَرِيقُونَ في الإسْرافِ؛ بِالقَتْلِ وغَيْرِهِ.
{"ayah":"مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق