* قال المحقق:
وبعد، فهذا كتاب في التفسير قلَّ أن تجد مثله، فهو قصد ووسط بين المختصرات والمطولات، يوضح العبارة بأيسر إشارة، ويجمع الكثير من المعاني بقليل من الألفاظ الدواني، ويلخص الأقوال، ويرجح المقال على المقال، ويشير إلى أسرار الإعجاز بشيء من الإيجاز، ويرد الأقوال الممتحلة من الفلاسفة والمعتزلة، وينافح عن كلام رب العالمين برد كلام المبطلين والغالين.
وقد كتبه مصنفه بعد تردد وتأخر، لكنه عزم عليه كما يقول لما لم يجد " في التفسير مختصرًا يغني، وكتابًا يقرب ويدني ".
وبالحق كان كتابه سدًّا لهذه الثغرة، فكان مختصرًا يغني، وكتابًا يقرب ويدني؛ فهو على اختصاره يغني عما سواه من المطوّلات، وعلى وجازة إشارته يقرب المعنى البعيد ويدنيه، وكان من خير ما قدر لهذا الكتاب أنه حاز الفضل من جهتين:
• من جهة مصنفه (الإيجى) رحمه الله في حسن تصنيفه والعناية بتأليفه، وتحرير مسائله العقدية واللغوية والبلاغية.
• ثم من جهة محشّيه (الغزنوي) رحمه الله الذي خدم هذا الكتاب خدمة جليلة لا تقل عن خدمة مصنفه الأصلي بل تزيد، حيث إنه قد انبرى لما فات المصنف أن ينبه عليه مما يخالف عقيدة السلف أو ما وقع فيه المصنف نفسه من باب الخطأ والزلل في مخالفة عقيدة السلفى الصالح (رضوان الله عليهم جميعًا) فانبرى لذلك الشيخ الغزنوي - رحمه الله - وقد كان سنيًّا سلفيًّا واضح المذهب مقتديًا بالإمامين ابن تيمية وابن القيم - رحمهم الله تعالى جميعًا - ويكثر النقل عنهما؛ فخلّص الكتاب مما قد يشوبه أو يشينه من المخالفات فأصبح بحمد الله تعالى بارئًا، وصفاه من الكدر فصار بمنة الله تعالى عسلاً مصفى ولبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، وهذا من فضل الله ورحمته للعالمين.
* قال الشيخ عبد الرحمن الشهري:
هذا التفسير من أجود كتب التفسير التي قرأتها ، فهو على وجازته مكتنز العبارات ، ومؤلفه قد بالغ في تعميق وتركيز عبارته ليشمل الكثير من المعاني في ألفاظ قليلة ، وقد ذكر المأثور من التفسير ، وتناول الجوانب اللغوية بإيجاز ، وذكر الكثير من الإشكالات التي تعرض لقارئ القرآن ودفعها بعبارة سهلة . ورد على أهل الاعتزال والفلسفة ، وقد اعتمد على كتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن كثير والبغوي والوسيط للواحدي والكشاف للزمخشري وأنوار التنزيل للبيضاوي وغيرها ، وأضاف من عنده إضافات قيمة . ودقق في الأسلوب والاختصارات ، فقال مثلا : وكل معنى ذكرنا فيه بصيغة (أو) فما هو إلا للسلف . وما ذكرنا بـ (قيل) فأكثره من مخترعات المتأخرين ، وما ظفرنا فيه بنقل . ونحو ذلك . فهو كتاب محرر دقيق العبارة جداً .
وزاد هذا التفسير قيمة بحاشية العلامة السلفي الغزنوي (توفي ١٢٩٦ هـ) حيث تتبع المؤلف في بعض المواضع التي وقع فيها زلل أو خلل عقدي بالذات فنبه عليه .
* قال الشيخ عبدالله عبد العزيز بن عقيل:(١)
هذا التفسير ( جامع البيان في تفسير القرآن ) للشيخ السيد معين الدين محمد بن عبد الرحمن الحسني الحسيني الإيجي الشافعي ( ٨٣٢ – ٨٩٤ هـ ) كتاب عظيم، اسم على مسمى، فهو جامع لخلاصة ما قيل في تفسير القرآن الكريم على اختصاره، ويمتاز بتحقيق عباراته ولطف إشاراته، ودقة نقله من مراجعه، وجودة اختياراته، وما يحكى من الأقوال الواردة في تفسير بعض الآيات، وقد ذكر المؤلف أنه اعتمد على نقل الشيخ الناقد عماد الدين ابن كثير ومحيي السنة الإمام البغوي، والمعالم والوسيط والنسفي والكشاف مع شروحه، وتفسير البيضاوي، قال :
وقلما تجد آية إلا ورمزت في تفسيرها إلى رفع إشكال أو تحقيق مقال، بعبارة وجيزة وبعضها أوضحته في الحاشية، فللمبتدي منه حظ كبير وللعالم حظوظ . اهـ .
وعليه حاشية مفيدة للشيخ السلفي محمد بن عبد الله الغزنوي رحمه الله المتوفى عام ١٢٩٦ هـ، وقد طبع هذا التفسير أكثر من مرة .
وفي الحقيقة أنه على اختصاره قد جمع من أقوال المفسرين بعبارات مختصرة وواضحة، لكنه يتذبذب عند تفسير آيات الصفات فتارة يؤولها، وتارة يقول : ( ونحن على طريقة السلف لا نؤول اليد والقبضة والإصبع، ونؤمن بها ونكل علمها إلى الله عز وجل ، وهي أقرب من السلامة وأبعد من الملامة ) ذكره عند قوله تعالى : ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الزمر ٧٦.
ولكن هذا لا يوجب الزهد فيه لما فيه من التحقيقات الجيدة ، وقد انتدب الابن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل لإعادة طبعه، والتعليق عليه، وذلك في مؤسسته المصرية في دار التأصيل، التي أسسها، وحشد لها جمعًا من العلماء . اهـ
* قال المؤلف:(٢)
أما بعد، فلما أن رأيت همم أبناء العصر قاصرة، ومساعيهم وإن جدوا في الطلب فاترة، قنعوا عن الحقيقة بالمجاز، ومالوا عن التطويل إلى الايجاز، وما رأيت في التفسير مختصرً يغني وكتابً يقرب ويدني - أردت أن أتعرض لهذا مع قلة البضاعة وقصور الباع خصوصً في تلك الصناعة.
فاستخرت الله تعالى، ثم صرفت الهمة والعزيمة، وأحكمت النية والصريمة، ونهضت الجناح، فجنيت ثمرة طيبة الطعم والريح، وأحظيت -بحمد الله- بالقدح لا بالسفيح؛ فها قد تم تفسير لاح النور من خلاله.
يقول المتأمل اللبيب: "لله دَرُّ واشيها، من مطالعه شمس أنوار التبيان قد طلعت، وأيم الله إنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، كتاب موفًّى فيه الحكمة والمعرفة، مصفًّى عن الاعتزال والفلسفة، في كل سطر حقائق استلفت أكثرها -بوجه حسن- عن السلف، ودقائق أبحتها من غير بخل على الخلف، تعرضت فيه لكلام السلف بوجه يعلم منه كيفية مطابقته مع الآية، وأعرضت عن محتملات لا تجانسه دراية، ولا تؤانسه رواية، لا تستصغر قدر نجمه لصغر حجمه؛ فإنك تراه من بعيد؛ وإنما هو بين الوشوح وحيد."
ثم اعلم أن ما يحتويه أكثر التفاسير ترى في هذا التفسير مع معانٍ صحيحة نفيسة لم تجد في كثير منها؛ نعم قد ترى فيها أحياناً معاني لم تلق فيه؛ وما ذلك إلا لأن مطابقتها مع ظاهر الآية لا تخلو عن شبهة، على أنها غير منقولة عن السلف وقليلاً ترى بعض المعاني المنقول قد ترك فيه لما أن تطبيقه مع الآية متعسر أو متعذر؛ وكثيرًا تجد الزمخشري ومن يحذو حذوه أعرضوا عن المعنى المنقول عن الرسول ﷺ في الكتب الصحاح لأجل عدم فهم مناسبة لفظية أو معنوية، وإن نقلوه ما ذكروه إلا آخر الأمر بصيغة التمريض.
لكن المسلك في تفسيرنا هذا الاعتماد على المعاني الثابتة عمن أنزل عليه الكتاب المتكلم بفصل الخطاب ﷺ، وما نقلنا فيه شيئاً إلا بعد اطلاع وتتبع تامٍ؛ فأعتمد على نقل الشيخ الناقد في علم الرواية "عماد الدين بن كثير"؛ فإنه في تفسيره قد تفحص عن تصحيح الرواية؛ وتجسس عن عجرها وبجرها؛ ولو وجدت مخالفة بين تفسيره وتفسير "محيي السنة الإمام البغوي" الذي هو من سراة المحدثين ومهرة المحققين - تتبعت كتب القوم الذين لهم يد في التصحيح ثم بعد الاطلاع كتبت ما رجحوا، لكن أعتمد قليلاً على كلام "ابن كثير"؛ فإنه متأخر معتن في شأن التصحيح، و"محيي السنة" في تفسيره ما تعرض لهذا؛ بل قد يذكر فيه من المعاني والحكايات ما اتفقت كلمة المتأخرين على ضعفه؛ بل على وضعه. وأما الأحاديث المذكورة في تفسيرنا فمعظمها من الصحاح الستة، وتجد تخريجها مسطوراً في الحاشية عليها.
وكل معنى ذكرنا فيه بصيغة (أو) فما هو إلا للسلف، وما ذكرنا بـ(قيل) فأكثره من مخترعات المتأخرين؛ ما ظفرنا فيه بنقل.
وأما وجه الإعراب فما اخترت إلا الأظهر، والذي ذكرت فيه وجهين أو وجوهاً فلنكتة لا تخفى على المتأدب، فإن قرع سمعك شيء يخالف الكشاف ومن تبعه فلا تعجل إلى الرد إنكارًا، وارجع بصر البصيرة لعلك تجد من جانب طور العلم ناراً، مع أني لا أدعى عدم الخطأ والخطل والسهو والزلل، نعم، اجتهدت غاية الاجتهاد في تنقيح الكلام، وللمجتهد أجرٌ وإن حرم إصابة المرام.
ثم إن مأخذ كتابي هذا: "المعالم"، و"الوسيط"، و"تفسير ابن كثير"، و"النسفي"، و"الكشاف" مع شروحه: "الطيبي"، و"الكشف" و"شرح المحقق التفتازاني" - و"تفسير القاضي ناصر الدين البيضاوي".
وأدرجت فيه ما سمح به الخاطر الفاتر أو سنح للنظر القاصر، وقلما تجد آية إلا وقد رمزت في تفسيرها إلى دفع إشكال أو إلى تحقيق مقال بعبارة وجيزة، أو أَوْمَاتُ إليه بإشارة لطيفة دقيقة، وفي كثير من المواضع أوضحته في الحاشية، وقد تعرضت فيها لوجوه أُخر من المعاني والإعراب، فللمبتدئ حظ كثير من هذا التفسير وللعالم حظوظ.
وسميته: "جامع البيان في تفسير القرآن"، وأنا أحوج الخلق إلى رحمة ربه: "معين بن صفي" أدركهما الله بلطفه الجلي والخفي، وكان بين ابتدائه وانتهائه سنتان وثلاثة أشهر حين بلغ سني أربعين.
والله أسأل أن يجعل ما تعبت فيه سبباً ينجيني، وذخيرة تسرني لا تشجيني، وهو حسب من توكل عليه، ومعين من فوض الأمر إليه، إنه هو العطوف الرحيم، الرءوف الكريم.
(١) ص٢٦ من كشكوله
(٢) اختصرت الإطناب في أول كلامه