الباحث القرآني
﴿اللهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾: منورهما أو مدبرهما، يقال: فلان نور قومه يهتدون به في أمورهم، أو موجدهما عن ابن مسعود ”إن ربكم ليس عنده ليل، ولا نهار، نور العرش من نور وجهه“، قال حجة الإسلام: النور في الحقيقة اسم لكل ما هو ظاهر بذاته مظهر لغيره، والله سبحانه هو المتصف بهذه الصفة، فهو النور الحقيقي، ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾: صفة نور الله، وهداه في قلب المؤمن، وكان ابن مسعود يقرأ: ”مثل نور الله في قلب المؤمن“، وعن بعض: الضمير للمؤمن الدال عليه سياق الكلام، وكان أبيٌّ يقرأ ”مثل نور من آمن به“ أو المراد من النور القرآن، أو محمد - عليه السلام - أو طاعة الله، قيل: إضافة النور إلى ضمير الله دليل على أن إطلاق النور على الله ليس على ظاهره، ﴿كَمِشْكاةٍ﴾: أي صفته صفة كوة غير نافذة، أو هي موضع الفتيلة من القنديل، وعليه أكثر السلف، ﴿فِيها مِصْباحٌ﴾، سراج أو فتيلة مشتعلة، فالكوة صدر المؤمن، والمصباح نور من الله في قلبه أو القرآن، ﴿المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾: قنديل من الزجاج، ﴿الزُّجاجَةُ﴾: لما فيها من النور، ﴿كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾: مضيء متلألئ كالزهرة في صفائه منسوب إلى الدر، أو فعيل من الدر فإنه يدفع الظلام بضوئه، أو كوكب يُدْرَأ، أي: يدفع ويرمي به، والكواكب في ذلك الحين أشد استنارة من سائر الأحوال، وقلبت همزته ياء، ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾، أي: ابتداء ثقوبه من شجرة الزيت المتكاثر نفعه، يعني رويت ذبالته بزيتها، وفي تنكير الشجرة ووصفها ثم الإبدال عنها تفخيم لشأن الزيت، ﴿لا شَرْقِيَّةٍ﴾: وحدها فلا تصيبها الشمس في المساء، ﴿ولا غَرْبِيَّةٍ﴾: وحدها فلا تصيبها في الغداة، بل في مكان عليها الشمس مشرقة من أول طلوعها إلى آخر غروبها كصحراء أو رأس جبل فزيتها أضوء، وهذا نحو فلان ليس بأسود ولا أبيض، أو لا في مضحي تشرق عليها الشمس فتحرقها، ولا في مقناة تغيب عنها دائمًا فيتركها نيًا، أو لا نابتة في شرق الأرض، ولا في غربها، بل في وسطها، وهو الشام فإن زيتونه أجود أو لا في شرقية من الشجر، ولا في غربية، بل في وسط الشجر أو ليست من أشجار الدنيا، إذ لو كانت منها لكانت أحدهما، لكنه مثل ضربه الله لنوره فإن نور قلب المؤمن من نور الله، ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ﴾: بنفسه، ﴿ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾: لفرط بريقه وضوء إشراقه، ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾، نوره متضاعف نوّر النار ونور ذلك الزيت، ونور القنديل، وضبط المشكاة لأشعته، ﴿يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ﴾، يزين فؤاد عباده المؤمنين بنور من نوره، فينشرح صدورهم لمعارفه، عن ابن عباس يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدي قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدي ونورًا على هدي ونور وعن بعضهم: القرآن المصباح، والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه، وفمه والشجرة الوحي، يكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ ”نور على نور“ نور القرآن والدلائل العقلية، ونور البصيرة، ﴿ويَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ﴾ تقريبًا للأفهام وتسهيلًا لسبيل الإدراك، ﴿واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: من العقول، والمحسوس الظاهر، والخفي الكلي، والجزئي.
﴿فِي بُيُوتٍ﴾، أي: كمشكاة في بعض بيوت، وهي المساجد كأنه قيل: مثل نوره في قلبه كما ترى في المساجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، وقيل متعلق بما بعده أي: يسبح في بيوت، ولفظ فيها تكرير نحو زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف أي: سبحوا في بيوت، ﴿أذِنَ اللهُ﴾: أمر الله، ﴿أنْ تُرْفَعَ﴾، أن يعظم قدرها فيطهرونها من الدنس، واللغو، وكل ما لا يليق فيها، ﴿ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾، المراد من التسبيح إما الصلاة، وبالغدو الصبح، وبالآصال باقى الصلوات، لأن اسم الأصيل يجمعها أو صلاة الصبح والعصر، وإما التسبيح والتنزيه، والذكر في طرفي النهار، ﴿رِجالٌ﴾، فاعل يسبح، وعند من قرأ يسبَح بصيغة المفعول ففاعل محذوف كأنه قيل من يسبح فأجاب يسبح رجال، ﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾: لا تشغلهم، ﴿تِجارَةٌ﴾: معاملة رائجة، ﴿ولاَ بَيْعٌ عَن ذكْرِ اللهِ﴾، أو المراد بالتجارة الشري، فإنه أصلها ومبدأها، أو التجارة الجلب فإن من يجلب الأمتعة من بلد إلى بلد للبيع هو التاجر، ﴿وإقامِ الصَلاةِ﴾، عطف على ذكر الله، أي: لا يشغلهم شيء عن إقامة الصلاة، ﴿وإيتاء الزَّكاةِ يَخافونَ يَوْمًا﴾: مع تلك الطاعات، ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾، تضطرب، وتتغير من الهول وهو يوم القيامة، ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾، متعلق بـ يسبح، أو لا تلهيهم، ﴿اللهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾، أي: أحسن جزاء أعمالهم، ﴿ويَزِيدَهُم مِن فَضْلِهِ﴾: أشياء لم تخطر ببالهم، ﴿واللهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ والَّذِينَ كفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾، هو ما يرى في الفلاة وقت الظهيرة فيظن أنه ماء، ﴿بِقِيعَةٍ﴾، هي. بمعنى القاع، وهو الأرض المستوية، ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ﴾: العطشان في القيامة، ﴿ماءً﴾، فتوجه إليه، ﴿حَتّى إذا جاءهُ﴾: جاء السراب، ﴿لمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾: مما ظنه، ﴿ووَجَدَ الله عِندَهُ﴾: محاسبًا إياه، ﴿فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾: جزاء عمله، ﴿واللهُ سَرِيعُ الحِسابِ﴾، لا يشغله حساب عن حساب كذلك الكافر يحسب أن عمله مغن عن عقاب الله، فإذا جاء إليه ليغنيه عند الموت في أشد أوقات الحاجة لم يجد عمله ينفعه ووجد الله عنده، أو وجد عقابه عنده، فوفاه جزاء عمله، فيجر إلى جهنم وبئس المهاد.
﴿أوْ كَظُلُماتٍ﴾، عطف على كسراب وأو للتخيير أو للتنويع، فإن الأول حال رؤسائهم وعقلائهم، والثاني حال مقلديهم وجُهّالهم، ﴿فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾: عميق كثير الماء، ﴿يَغْشاهُ﴾: يعلو البحر، ﴿مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾: أمواج مترادفة، ﴿مِّن فَوْقِهِ﴾، الضمير إلى الموج الثاني، ﴿سَحابٌ﴾، يظلمه، ﴿ظُلُماتٌ﴾، أي: هذه ظلمات، ﴿بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ﴾، وقراءة جر ظلمات على أنها بدل من ظلمات، ﴿إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها﴾: لم يقرب من أن يراها فضلًا عن أن يراها والضمائر لمن في البحر لدلالة الفحوى عليه شبه أعمالهم في سوادها وظلمتها، وما في قلوبهم من الجهل والحيرة بظلمات متراكمة في غاية ما يكون بحيث لا يمكن أن يهتدي إلى النور سبيلًا، ﴿ومَن لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِن نُورٍ﴾، هذا في مقابلة يهدي الله لنوره من يشاء، وقوله: ”نور على نور“.
{"ayahs_start":35,"ayahs":["۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ","فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ","رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ","لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ"],"ayah":"۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق