الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿اللهُ نُورُ السَماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُجاجَةُ كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورُ عَلى نُورُ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مِن يَشاءُ ويَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ "النُورُ" في كَلامِ العَرَبِ: الأضْواءُ المُدْرَكَةُ بِالبَصَرِ، ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا فِيما صَحَّ مِنَ المَعانِي ولاحَ، فَيُقالُ: "كَلامٌ لَهُ نُورٌ"، ومِنهُ "الكِتابُ المُنِيرُ" ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ نِسَبٌ كَأنَّ عَلَيْهِ مَن شَمْسِ الضُحى نُورًا ومَن فَلَقِ الصَباحِ عَمُودا واللهُ تَعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَبَيِّنٌ أنَّهُ لَيْسَ كالأضْواءِ المُدْرَكَةِ، ولَمْ يَبْقَ لِلْآيَةِ مَعْنى إلّا أنَّهُ أرادَ: اللهُ ذُو نُورِ السَماواتِ والأرْضِ، أيْ بِقُدْرَتِهِ أنارَتْ أضْواؤُها، واسْتَقامَتْ (p-٣٨٥)أُمُورُها، وقامَتْ مَصْنُوعاتُها، فالكَلامُ عَلى التَقْرِيرِ لِلذِّهْنِ، كَما تَقُولُ: المَلِكُ نُورُ الأُمَّةِ، أيْ بِهِ قِوامُ أُمُورِها وصَلاحُ جُمْلَتِها، والأمْرُ في المَلِكِ مَجازٌ، وهو في صِفَةِ اللهِ تَعالى حَقِيقَةٌ مَحْضَةٌ؛ إذْ هو الَّذِي أبْدَعَ المَوْجُوداتِ، وخَلَقَ العَقْلَ نُورًا هادِيًا؛ لَأنَّ ظُهُورَ الوُجُودِ بِهِ حَصَلَ، كَما حَصَلَ بِالضَوْءِ ظُهُورُ المُبْصِراتِ، تَبارَكَ اللهُ لا رَبَّ سِواهُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: التَقْدِيرُ: دِينُ اللهِ نُورُ السَماواتِ والأرْضِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المَعْنى: هادِي أهْلَ السَماواتِ والأرْضِ. والأوَّلُ أعَمُّ لِلْمَعانِي وأوضَحُ مَعَ التَأمُّلِ. وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ: "اللهُ نَوَّرَ" بِفَتْحِ النُونِ والواوِ المُشَدَّدَةِ وفَتْحِ الراءِ عَلى أنَّهُ فَعَلَ. ورُوِيَ أنَّ اليَهُودَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَسَمُوا في تَأْوِيلِها، واعْتَرَضُوا مُحَمَّدًا ﷺ بِأنْ قالُوا: كَيْفَ هو نُورُ الأرْضِ والسَماءِ بَيْنَنا وبَيْنَهُ، فَنَزَلَتْ حِينَئِذٍ ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ﴾ الآيَةُ، أيْ: لَيْسَ الأمْرُ كَما ظَنَنْتُمْ، وإنَّما هو نُورٌ بِأنَّهُ قِوامُ كُلِّ شَيْءٍ وخالِقُهُ ومُوجِدُهُ، مَثَلُ نُورِهِ كَذا وكَذا. واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في الضَمِيرِ في "نُورِهِ" عَلى مَن يَعُودُ؟ فَقالَ كَعْبُ الأحْبارِ، وابْنُ جُبَيْرٍ: هو عائِدٌ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ، أيْ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والضِحاكُ: هو عائِدٌ عَلى المُؤْمِنِينَ، وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِينَ"، ورُوِيَ أنَّ في قِراءَتِهِ "مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِ"، ورُوِيَ أنَّ فِيها (p-٣٨٦)"مَثَلُ نُورِ مَن آمَنَ بِهِ"، وقالَ الحَسَنُ: هو عائِدٌ عَلى القُرْآنِ والإيمانِ، قالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ يُوقَفُ عَلى قَوْلِهِ: "والأرْضِ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذِهِ أقْوالٌ فِيها عَوْدُ الضَمِيرِ عَلى مَن لَمْ يَجْرِ لَهُ ذَكْرٌ، وفِيها قَطْعُ المَعْنى المُرادِ بِالآيَةِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الضَمِيرُ في "نُورِهِ" عائِدٌ عَلى اللهُ تَعالى، ثُمُ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ في المُرادِ بِالنُورِ الَّذِي أُضِيفَ إلى اللهِ تَعالى إضافَةَ خَلْقٍ إلى خالِقٍ، كَما تَقُولُ: سَماءُ اللهِ، وناقَةُ اللهِ، فَقالَ بَعْضُها: هو مُحَمَّدٌ ﷺ، وقالَ بَعْضُها: هو المُؤْمِنُ، وقالَ بَعْضُها: هو الإيمانُ والقُرْآنُ، وهَذِهِ الأقْوالُ مُتَّجِهَةٌ مُطَّرِدٌ مَعَها المَعْنى، فَكَأنَّ اليَهُودَ لَمّا تَأوَّلُوا ﴿اللهُ نُورُ السَماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةُ بِمَعْنى الضَوْءِ قِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وإنَّما هو نُورٌ بِأنَّهُ قِوامُ كُلِّ شَيْءٍ وهادِيهِ، مَثَلُ نُورِهِ في مُحَمَّدٍ ﷺ، أو في المُؤْمِنِ، أو في القُرْآنِ والإيمانِ كَمِشْكاةٍ، وهي الكُوَّةُ غَيْرُ النافِذَةِ فِيها القِنْدِيلُ ونَحْوَهُ. وهَذِهِ الأقْوالُ الثَلاثَةُ تَضْطَرِدُ فِيها مُقابَلَةُ جُزْءٍ مِنَ المِثالِ لِجُزْءٍ مِنَ المُمَثَّلِ، فَعَلى قَوْلِ مَن قالَ: "المُمَثَّلُ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ -وَهُوَ قَوْلُ كَعْبِ الخَيْرِ - فَرَسُولُ اللهِ ﷺ هو المِشْكاةُ، أو صَدْرُهُ، والمِصْباحُ هو النُبُوَّةُ وما يَتَّصِلُ بِها مِن عَمَلِهِ وهُداهُ، والزُجاجَةُ قَلْبُهُ، والشَجَرَةُ المُبارَكَةُ هي الوَحْيُ والمَلائِكَةُ رُسُلُ اللهِ إلَيْهِ وسَبَبُهُ المُتَّصِلُ بِهِ، والزَيْتُ هو الحُجَجُ والبَراهِينُ والآياتُ الَّتِي تَضَمَّنَها الوَحْيُ. وعَلى قَوْلِ مَن قالَ: "المُمَثَّلُ بِهِ المُؤْمِنُ" -وَهُوَ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - فالمِشْكاةُ صَدْرُهُ، والمِصْباحُ الإيمانُ والعِلْمُ، والزُجاجَةُ قَلْبُهُ، والشَجَرَةُ القُرْآنُ، وزَيْتُها هو الحُجَجُ والحِكْمَةُ الَّتِي تَضَمَّنَها، قالَ أُبَيٌّ: فَهو عَلى أحْسَنِ الحالِ يَمْشِي في الناسِ كالرَجُلِ الحَيِّ يَمْشِي في قُبُورِ الأمْواتِ. ومِن قالَ: "إنِ المُمَثَّلَ بِهِ القُرْآنُ والإيمانُ" فَتَقْدِيرُ الكَلامِ: مَثَلُ نُورِهِ -الَّذِي هو الإيمانُ في صَدْرِ المُؤْمِنِ- في قَلْبِهِ كَمِشْكاةٍ، أيْ: كَهَذِهِ الجُمْلَةِ. وهَذا القَوْلُ لَيْسَ في مُقابَلَةِ التَشْبِيهِ كالأوَّلَيْنِ، لَأنَّ المِشْكاةَ لَيْسَتْ تَقابُلُ الإيمانَ. (p-٣٨٧)وَتَحْتَمِلُ الآيَةُ مَعْنًى آخَرَ لَيْسَ فِيهِ مُقابَلَةُ جُزْءٍ مِنَ المَثالِ لِجُزْءٍ مِنَ المُمَثَّلِ بِهِ، بَلْ وقَعَ التَشْبِيهُ فِيهِ جُمْلَةً بِجُمْلَةٍ، [وَذَلِكَ أنْ يُرِيدَ: مَثَلُ نُورِ اللهِ الَّذِي هو هُداهُ وإتْقانُهُ صَنْعَةَ كُلِّ مَخْلُوقٍ وبَراهِينُهُ الساطِعَةُ عَلى الجُمْلَةِ] كَهَذِهِ الجُمْلَةِ مِنَ النُورِ الَّذِي تَتَّخِذُونَهُ أنْتُمْ عَلى هَذِهِ الصِفَةِ الَّتِي هي أبْلَغُ صِفاتِ النُورِ الَّذِي بَيْنَ أيْدِي الناسِ، أيْ: فَمَثَلُ نُورِ اللهِ في الوُضُوحِ كَهَذا الَّذِي هو مُنْتَهاكم أيُّها البَشَرُ. و"المِشْكاةُ": الكُوَّةُ في الحائِطِ غَيْرِ النافِذَةِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، وسَعِيدُ بْنُ عِياضٍ، وجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ، وهي أجْمَعُ لِلضَّوْءِ، والمِصْباحُ فِيها أكْثَرُ إنارَةً مِنهُ في غَيْرِها، وقالَ مُجاهِدٌ: المِشْكاةُ: العَمُودُ الَّذِي يَكُونُ المِصْباحُ عَلى رَأْسِهِ، وقالَ أبُو مُوسى: المِشْكاةُ: الحَدِيدَةُ أوِ الرَصاصَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيها الفَتِيلُ في جَوْفِ الزُجاجَةِ، وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا: المِشْكاةُ: الحَدائِدُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِها القِنْدِيلُ. والأوَّلُ أصَحُّ هَذِهِ الأقْوالِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فِي زُجاجَةٍ" لَأنَّهُ جِسْمٌ شَفّافٌ، المِصْباحُ فِيهِ أنْوَرُ مِنهُ في غَيْرِ الزُجاجِ. و"المِصْباحُ": الفَتِيلُ بِنارِهِ. وأمالَ الكِسائِيُّ -فِيما رَوى عنهُ أبُو عَمْرٍو الدانِي - الألْفَ مِن "مِشْكاةٍ" فَكَسَرَ الكافَ الَّتِي قَبِلَها، وقَرَأ نَصْرُ بْنُ عاصِمْ: "فِي زَجاجَةٍ" بِفَتْحِ الزايِ و"الزَجاجَةُ" كَذَلِكَ، وهي لُغَةٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أيْ في الإنارَةِ والضَوْءِ، وذَلِكَ يَحْتَمِلُ مُعِنِّينَ: إمّا أنْ يُرِيدَ أنَّها بِالمِصْباحِ كَذَلِكَ، وإمّا أنْ يُرِيدَ أنَّها في نَفْسِها لِصَفائِها وجَوْدَةِ جَوْهَرِها كَذَلِكَ، وهَذا التَأْوِيلُ أبْلَغُ في التَعاوُنِ عَلى النُورِ، قالَ الضِحاكُ: الكَوْكَبُ الدُرِّيُّ هو الزَهْرَةُ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ: "دُرِّيٌّ" بِضَمِّ الدالِ وشَدِّ الياءِ، ولِهَذِهِ القِراءَةِ وجْهانِ: إمّا أنْ يُنْسَبَ الكَوْكَبُ إلى الدُرِّ لِبَياضِهِ وصَفائِهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ أصْلُهُ "دُرِّيءٌ" مَهْمُوزٌ مِنَ الدُرّاءِ وهو الدَفْعُ، وخُفِّفَتِ الهَمْزَةُ. وقَرَأ حَمْزَةُ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمْ: "دُرِّيءٌ" بِالهَمْزَةِ، وهو فَعِيلٌ مَنَّ الدُرّاءِ، بِمَعْنى أنَّها تَدْفَعُ بَعْضَها بَعْضًا، أو بِمَعْنى أنَّ بِها ما يَدْفَعُ خَفاءَها، وفَعِيلٌ بِناءٌ لا يُوجَدُ في الأسْماءِ إلّا في قَوْلِهِمْ: مَرِيقٌ (p-٣٨٨)لِلْعُصْفُرِ وفي السُرِّيَّةِ إذا اشْتُقَّتْ مِنَ السِرِّ، ووَجْهُ هَذِهِ القِراءَةِ أبُو عَلِيٍّ وضَعَّفَها غَيْرُهُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ: "دِرِّيءٌ" عَلى وزْنٍ فِعِيلٌ بِكَسْرِ الفاءِ، مِنَ الدَرْءِ، وهَذِهِ مُتَوَجِّهَةٌ. وقَرَأ قَتادَةُ: "دَرِّيءَ" بِفَتْحِ الدالِ والهَمْزَةِ، قالَ أبُو الفَتْحِ: وهَذا عَزِيزٌ، وإنَّما حُفِظَ مِنهُ "السِكِّينَةُ" بِشَدِّ الكافِ، وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وأبُو رَجاءٍ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمْ: "دَرِّيٌّ" بِفَتْحِ الدالِّ دُونَ هَمْزٍ وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمْ، وطِلْحَةُ، والأعْمَشُ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وابْنُ وثّابٍ، وعِيسى: "تُوقَدُ" بِضَمِّ التاءِ، أيِ الزُجاجَةُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وأهْلُ الكُوفَةِ، والحُسْنُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "تَوَقَّدُ" بِفَتْحِ التاءِ والواوِ وشَدِّ القافِ وضَمِّ الدالِّ، أيِ الزُجاجَةُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو أيْضًا، وابْنُ كَثِيرٍ: "تَوَقَّدُ" بِفَتْحِ التاءِ والدالِ، أيِ المِصْباحُ، وقَرَأ عاصِمْ -فِيما رَوى عنهُ إسْماعِيلُ - "يُوقَدُ" بِالياءِ المَرْفُوعَةِ، عَلى مَعْنى: يُوقَدُ المِصْباحُ، قالَ أبُو الفَتْحِ: وقَرَأ السُلَمِيُّ، والحُسْنُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وسَلّامٌ، وقَتادَةُ: "يَوَقَّدُ" بِفَتْحِ الياءِ والواوِ والقافِ المُشَدَّدَةِ ورَفْعِ الدالِّ، أصْلُهُ: يَتَوَقَّدُ. وقَوْلُهُ تَعالى: "مِن شَجَرَةٍ" أيْ: مِن زَيْتِ شَجَرَةٍ، و"المُبارَكَةُ": المُنَمّاةُ، و"الزَيْتُونُ" مِن أعْظَمِ الثِمارِ نَماءً واطِّرادَ أفْنانٍ وغَضارَةً ولا سِيَّما بِالشامِ، والرُمّانُ كَذَلِكَ، والعِيانُ يَقْضِي بِذَلِكَ، وقَوْلُ أبِي طالِبٍ يَرْثِي مُسافِرَ بْنَ أبِي عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: ؎ لَيْتَ شِعْرِي مُسافِرَ بْنَ أبِي عَمْـ ∗∗∗ ـرٍو، ولَيْتَ يَقُولُها المَحْزُونُ ∗∗∗ بُورِكَ المَيِّتُ الغَرِيبُ كَما بُو ∗∗∗ رِكَ الرُمّانُ والزَيْتُونُ (p-٣٨٩)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ فِيهِما بِالخَفْضِ عَطْفًا عَلى "زَيْتُونَةٍ"، وقَرَأ الضَحّاكُ: "لا شَرْقِيَّةٌ ولا غَرْبِيَّةٌ" بِالرَفْعِ، واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْناهُ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما -فِيما حَكى عنهُ الطَبَرِيُّ -: مَعْناهُ أنَّها شَجَرَةٌ في دَوْحَةٍ قَدْ أحاطَتْ بِها فَهي غَيْرُ مُنْكَشِفَةٍ مِن جِهَةِ الشَرْقِ ولا مِن جِهَةِ الغَرْبِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا قَوْلٌ لا يَصِحُّ عِنْدِي عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما؛ لَأنَّ الوُجُودَ يَقْتَضِي أنَّ الشَجَرَةَ الَّتِي تَكُونُ بِهَذِهِ الصِفَةِ يَنْفَذُ جَناها. وقالَ الحَسَنُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الشَجَرَةُ مِن شَجَرِ الدُنْيا، وإنَّما هو مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعالى لِنُورِهِ، ولَوْ كانَتْ في الدُنْيا لَكانَتْ إمّا شَرْقِيَّةً وإمّا غَرْبِيَّةً. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أرادَ أنَّها مِن شَجَرِ الشامِ ؛ لَأنَّ شَجَرَ الشامِ هي أفْضَلُ الشَجَرِ، ومِنَ الأرْضِ المُبارَكَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهُمُ: المَعْنى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ أنَّها في مُنْكَشَفٍ مِنَ الأرْضِ، تُصِيبُها الشَمْسُ طُولَ النَهارِ، تَسْتَدِيرُ عَلَيْها، فَلَيْسَتْ خالِصَةً لِلشَّرْقِ فَتُسَمّى شَرْقِيَّةً، ولا لِلْغَرْبِ فَتُسَمّى غَرْبِيَّةً. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾ مُبالَغَةً في صِفَةٍ مِن صِفاتِهِ وحُسْنِهِ وجَوْدَتِهِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَمْسَسْهُ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، والحُسْنُ بِالياءِ مِن تَحْتٍ. وقَوْلُهُ: ﴿نُورٌ عَلى نُورٌ﴾ أيْ هَذِهِ كُلُّها مُعاوِنٌ تَكامَلَ بِها هَذا النُورُ المُمَثَّلُ بِهِ، وفي هَذا المَوْضِعِ تَمَّ المِثالُ. ثُمْ ذَكَرَ تَبارَكَ وتَعالى هُداهُ لِنُورِهِ مَن شاءَ وأسْعَدَ مِن عِبادِهِ، وذَكَرَ تَفَضُّلَهُ في ضَرْبِ الأفْعالِ لِلْعِبادِ لِيَقَعَ لَهُمُ العِبْرَةُ والنَظَرُ المُؤَدِّي إلى الإيمانِ. (p-٣٩٠)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب