الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: (p-١٠٢)أحَدُها: مَعْناهُ اللَّهُ هادِي السَّماواتِ والأرْضِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وأنَسٌ. الثّانِي: اللَّهُ مُدَبِّرُ السَّماواتِ والأرْضِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: اللَّهُ ضِياءُ السَّماواتِ والأرْضِ، قالَهُ أُبَيٌّ. الرّابِعُ: مُنَوِّرُ السَّماواتِ والأرْضِ. فَعَلى هَذا فَبِما نَوَّرَهُما بِهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: اللَّهُ نَوَّرَ السَّماواتِ بِالمَلائِكَةِ ونَوَّرَ الأرْضَ بِالأنْبِياءِ. الثّانِي: أنَّهُ نَوَّرَ السَّماواتِ بِالهَيْبَةِ ونَوَّرَ الأرْضَ بِالقُدْرَةِ. الثّالِثُ: نَوَّرَهُما بِشَمْسِها وقَمَرِها ونُجُومِها، قالَهُ الحَسَنُ، وأبُو العالِيَةِ. ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ ﷺ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. الثّالِثُ: مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِ، قالَهُ أُبَيٌّ. الرّابِعُ: مَثَلُ نُورِ القُرْآنِ، قالَهُ سُفْيانُ. فَمَن قالَ: مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِ، يَعْنِي في قَلْبِ نَفْسِهِ، ومَن قالَ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي في قَلْبِ المُؤْمِنِ، ومَن قالَ: نُورُ القُرْآنِ، يَعْنِي في قَلْبِ مُحَمَّدٍ. وَمَن قالَ: نُورُ اللَّهِ، فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: في قَلْبِ مُحَمَّدٍ. الثّانِي: في قَلْبِ المُؤْمِنِ. ﴿كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ المِشْكاةَ كُوَّةٌ لا مَنفَذَ لَها والمِصْباحَ السِّراجُ، قالَهُ كَعْبِ الأحْبارَ. الثّانِي: المِشْكاةُ القِنْدِيلُ والمِصْباحُ الفَتِيلَةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: المِشْكاةُ مَوْضِعُ الفَتِيلَةِ مِنَ القِنْدِيلِ الَّذِي هو كالأُنْبُوبِ، والمِصْباحُ الضَّوْءُ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الرّابِعُ: المِشْكاةُ الحَدِيدُ الَّذِي بِهِ القِنْدِيلُ وهي الَّتِي تُسَمّى السِّلْسِلَةَ (p-١٠٣)والمِصْباحُ هو القِنْدِيلُ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا. الخامِسُ: أنَّ المِشْكاةَ صَدْرُ المُؤْمِنِ والمِصْباحَ القُرْآنُ الَّذِي فِيهِ والزُّجاجَةَ قَلْبُهُ، قالَهُ أُبَيٌّ، قالَ الكَلْبِيُّ: والمِشْكاةُ لَفْظٌ حَبَشِيٌّ مُعَرَّبٌ. ﴿المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي أنَّ نارَ المِصْباحِ في زُجاجَةِ القِنْدِيلِ لِأنَّهُ فِيها أضْوَأُ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ. الثّانِي: أنَّ المِصْباحَ القُرْآنُ والإيمانُ، والزُّجاجَةَ قَلْبُ المُؤْمِنِ، قالَهُ أُبَيٌّ. ﴿كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أمّا الكَوْكَبُ فَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الزُّهْرَةُ خاصَّةً، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: أنَّهُ أحَدُ الكَواكِبِ المُضِيئَةِ مِن غَيْرِ تَعْيِينٍ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وَأما دُرِّيٌّ فَفِيهِ أرْبَعُ قِراءاتٍ: إحْداها: دُرِّيٌّ بِضَمِّ الدّالِ وتَرْكِ الهَمْزِ وهي قِراءَةُ نافِعٍ وتَأْوِيلُها أنَّهُ مُضِيءٌ يُشْبِهُ الدُّرَّ لِضِيائِهِ ونَقائِهِ. الثّانِيَةُ: بِالضَّمِّ والهَمْزِ وهي قِراءَةُ عاصِمٍ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ وتَأْوِيلُها أنَّهُ مُضِيءٌ. الثّالِثَةُ: بِكَسْرِ الدّالِ وبِالهَمْزِ وهي قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو والكِسائِيِّ وتَأْوِيلُها أنَّهُ مُتَدافِعٌ لِأنَّهُ بِالتَّدافُعِ يَصِيرُ مُنْقَضًا فَيَكُونُ أقْوى لِضَوْئِهِ، مَأْخُوذٌ مِن دَرَأ أيْ دَفَعَ يَدْفَعُ. الرّابِعَةُ: بِالكَسْرِ وتَرْكِ الهَمْزِ وهي قِراءَةُ المُفَضَّلِ بْنِ عاصِمٍ، وتَأْوِيلُها أنَّهُ جارٍ كالنُّجُومِ الدَّرارِيِّ الجارِيَةِ مِن دَرَّ الوادِي إذا جَرى. ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: (p-١٠٤)أحَدُهُما: يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ المُبارَكَةِ إبْراهِيمَ والزُّجاجَةُ الَّتِي كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ مُحَمَّدٌ ﷺ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. الثّانِي: أنَّهُ صِفَةٌ لِضِياءِ المِصْباحِ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا يَعْنِي أنَّ المِصْباحَ يُشْعَلُ مِن دُهْنِ شَجَرَةٍ زَيْتُونَةٍ. ﴿مُبارَكَةٍ﴾ في جَعْلِها مُبارَكَةً وجْهانِ: أحَدُهُما: لِأنَّ اللَّهَ بارَكَ في زَيْتُونِ الشّامِ فَهو أبْرَكُ مِن غَيْرِهِ. الثّانِي: لِأنَّ الزَّيْتُونَ يُورِقُ غُصْنُهُ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ ولَيْسَ لَهُ في الشَّجَرِ مَثِيلٌ إلّا الرُّمّانَ. قالَ الشّاعِرُ: ؎ بُورِكَ المَيْتُ الغَرِيبُ كَما بُو رِكَ نَضْرُ الرُّمّانِ والزَّيْتُونِ ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ فِيهِ سَبْعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها لَيْسَتْ مِن شَجَرَةِ الشَّرْقِ دُونَ الغَرْبِ ولا مِن شَجَرَةِ الغَرْبِ دُونَ الشَّرْقِ لِأنَّ ما اخْتُصَّ بِأحَدِ الجِهَتَيْنِ أقَلُّ زَيْتًا وأضْعَفُ، ولَكِنَّها شَجَرُ ما بَيْنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ كالشّامِ لِاجْتِماعِ القُوَّتَيْنِ فِيهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ شَجَرَةَ وحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَمِنهُ قَوْلُهم: لا خَيْرَ في المَتْقاةِ والمَضْحاةِ، فالمَتْقاةُ أسْفَلَ الوادِي الَّذِي لا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ، والمَضْحاةُ رَأْسُ الجَبَلِ الَّذِي لا تَزُولُ عَنْهُ الشَّمْسُ. الثّانِي: أنَّها لَيْسَتْ بِشَرْقِيَّةٍ تُسْتَرُ عَنِ الشَّمْسِ في وقْتِ الغُرُوبِ ولا بِغَرْبِيَّةِ تُسْتَرُ عَنِ الشَّمْسِ وقْتَ الطُّلُوعِ بَلْ هي بارِزَةٌ لِلشَّمْسِ مِن وقْتِ الطُّلُوعِ إلى وقْتِ الغُرُوبِ فَيَكُونُ زَيْتُها أقْوى وأضْوَأ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: أنَّها وسَطَ الشَّجَرَةِ لا تَنالُها الشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ ولا إذا غَرَبَتْ وذَلِكَ أضْوَأُ لِزَيْتِها، قالَهُ عَطِيَّةُ. (p-١٠٥)الرّابِعُ: أنَّها لَيْسَ في شَجَرِ الشَّرْقِ ولا في شَجَرِ الغَرْبِ مِثْلُها، حَكاهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ. الخامِسُ: أنَّها لَيْسَتْ مَن شَجَرِ الدُّنْيا الَّتِي تَكُونُ شَرْقِيَّةً أوْ غَرْبِيَّةً، وإنَّما هي مَن شَجَرَ الجَنَّةِ، قالَهُ الحَسَنُ. السّادِسُ: أنَّها مُؤْمِنَةٌ لا شَرْقِيَّةٌ ولا غَرْبِيَّةٌ، أيْ لَيْسَتْ بِنَصْرانِيَّةٍ تُصَلِّي إلى الشَّرْقِ، ولا غَرْبِيَّةٍ أيْ لَيْسَتْ بِيَهُودِيَّةٍ تُصَلِّي إلى الغَرْبِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. السّابِعُ: أنَّ الإيمانَ لَيْسَ بِشَدِيدٍ ولا لَيِّنٍ لِأنَّ في أهْلِ الشَّرْقِ شِدَّةً، وفي أهْلِ الغَرْبِ لِينٌ. ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ صَفاءَ زَيْتِها كَضَوْءِ النّارِ وإنْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ عِيسى. الثّانِي: أنَّ قَلْبَ المُؤْمِنِ يَكادُ أنْ يَعْرِفَ الحَقَّ قَبْلَ أنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ لِمُوافَقَتِهِ لَهُ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ. الثّالِثُ: يَكادُ العِلْمُ يَفِيضُ مِن فَمِ العالِمِ المُؤْمِنِ مِن قَبْلِ أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. الرّابِعُ: تَكادُ أعْلامُ النُّبُوَّةِ تَشْهَدُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أنْ يَدْعُوَ إلَيْها. ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: يَعْنِي ضَوْءَ النّارِ عَلى ضَوْءِ الزَّيْتِ عَلى ضَوْءِ الزُّجاجَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: نُورُ النُّبُوَّةِ عَلى نُورِ الحِكْمَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّالِثُ: نُورُ الزُّجاجَةِ عَلى نُورِ الخَوْفِ. الرّابِعُ: نُورُ الإيمانِ عَلى نُورِ العَمَلِ. الخامِسُ: نُورُ المُؤْمِنِ فَهو حُجَّةُ اللَّهِ، يَتْلُوهُ مُؤْمِنٌ فَهو حُجَّةُ اللَّهِ حَتّى لا تَخْلُوَ الأرْضُ مِنهم. السّادِسُ: نُورُ نَبِيٍّ مِن نَسْلِ نَبِيٍّ، قالَهُ السُّدِّيُّ. ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: يَهْدِي اللَّهُ لِدِينِهِ مَن يَشاءُ مِن أوْلِيائِهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. (p-١٠٦)الثّانِي: يَهْدِي اللَّهُ لِدَلائِلِ هِدايَتِهِ مَن يَشاءُ مِن أهْلِ طاعَتِهِ. الثّالِثُ: يَهْدِي اللَّهُ لِنُبُوَّتِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ. ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ﴾ الآيَةَ. وَفِيما ضَرَبَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَثَلًا فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ في وُضُوحِ الحَقِّ لَهُ. الثّانِي: أنَّها مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِطاعَتِهِ فَسَمّى الطّاعَةَ نُورًا لِتَجاوُزِها عَنْ مَحَلِّها. الثّالِثُ: ما حَكاهُ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ اليَهُودَ قالُوا: يا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مِن دُونِ السَّماءِ، فَضَرَبَ اللَّهُ ذَلِكَ مَثَلًا لِنُورِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب