الباحث القرآني
ثم قال الله سبحانه وتعالى: (﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور: ٣٥] أي: منوِّرهما بالشمس والقمر ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ أي: صفته في قلب المؤمن) إلى آخره.
هذه الآية تضمنت عدة أشياء:
أولًّا: قال: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فما هذه الجملة، هل هي جملة على ظاهرها وحقيقتها، أم هي تحتاج إلى تأويل؟
اختلف فيها أهل السنة وغيرهم كالعادة في بقية آيات الصفات؛ فذهب أهل التأويل إلى أن الآية لها تأويل، وجعلوا التأويل إما أن ﴿نُورُ﴾ بمعنى: منوِّر، كما ذهب إليه المؤلف، أو أن ﴿نُورُ﴾ بمعنى: ذو النور، كما تقول: رجل عدل، أي: ذو عدل. فمعنى ﴿نُورُ السَّمَاوَاتِ﴾ أي: ذو نور السماوات والأرض، أي: صاحب نورهما، أي: الخالق للنور فيهما. وعليه يعود هذا المعنى إلى المعنى الأول، لكن الاختلاف في التقدير، وهذا مذهب أهل التحريف الذي يُسمَّون أهل التأويل، والأصح في تسميتهم (أهل التحريف)؛ لأن التأويل في الحقيقة منه صحيح ومنه غير صحيح.
والأليق بالتأويل غير الصحيح أن يسمى تحريفًا؛ لأنه صرف للفظ عن مدلوله بدون دليل، وهذا هو التحريف حقيقة.
أما أهل السنة والجماعة فقالوا: إن الآية على حقيقتها وعلى ظاهرها، وأن الله سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض، لكن النور نوعان: نور هو ذات الباري جل وعلا، وصفاته وآياته وأحكامه، وهذا غير مخلوق. ونور آخر حسي مخلوق منفصل بائن عن الله. فالنور الذي نراه في الشمس، وفي القمر، وفي النجوم، وفي السرج هذه من أي النوعين؟ من النور الحسي المخلوق، كذا. ثم النور المخلوق منه أيضًا حسي ومعنوي، الحسي هذا الذي مثلنا به. والمعنوي ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور ٣٥] إلى آخره.
إذن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله تعالى نور السماوات والأرض، فهو نور بذاته، وكذلك أيضًا صفاته، وكذلك آياته سماها الله تعالى نورًا: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤]، فهو سبحانه وتعالى نور، لكن أهل التحريف لما ظنوا أن النور هو مادة الإضاءة، أو الضوء نفسه قالوا: هذا عرَض يزول، والله سبحانه منزه عن العرض، أو هذا جسم، يعني: قابل للإضاءة، والله تعالى منزه عن الجسم؛ على حد تعبيرهم وقواعدهم.
لكننا نقول: ما الذي يوجب لنا أن نعدل، بل ما الذي يسوغ لنا أن نعدل بالآية عن ظاهرها ولا نقول: الله نور السماوات والأرض، وقد قال النبي ﷺ: «أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ»[[أخرجه الطبراني في الكبير (١٨١)، والدعاء له (١٠٣٦) من حديث عبد الله بن جعفر.]] فأثبت لوجهه نورًا.
لكن الطريق السليم أن نقول: نور الله سبحانه وتعالى ليس مخلوقًا، ليس كنور القمر الذي جعله الله فيه ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح ١٦]، وليس كنور المصباح، وليس كالنور الذي يكون في قلب المؤمن من العلم والهداية والإيمان، ولكن النور حقيقي لله سبحانه وتعالى، فهو نور، وصفاته نور، وكذلك آياته نور، سماها الله تعالى نورًا.
ولكن التقسيم السليم أن نقول: النور ينقسم إلى قسمين: نور غير مخلوق ونور مخلوق، فغير المخلوق: هو نور الله عز وجل، فالله تعالى نور السماوات والأرض، هو نور، وكلامه نور، وصفاته نور أيضًا، ولكن ليس كالنور الذي نتصوره أو نتخيله، فإن النبي ﷺ يقول: «حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، يعني: لأحرقت سبحات وجهه كل شيء؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء.
أما النور المخلوق فإنه ينقسم إلى قسمين: ما هما؟ معنوي وحسي، فالحسي: ما يرى في هذه الأجسام، كنور الشمس، والقمر، والنجوم، والمصابيح، وما أشبهها. والمعنوي: ما يكون في قلب المؤمن من العلم والإيمان.
وبهذا التفصيل يزول الإشكال، ونبقي الآية على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، ونقول: الله نور، وصفاته نور، وكلامه نور أيضًا؛ وذلك لأن الله تعالى وصف نفسه بهذا الشيء، فما الذي يوجب لنا أن نعدل عنه، بل ما الذي يسوغ.
إذن نور السماوات والأرض يعني: هو نفسه نور فيهما.
* طالب: (...).
* الشيخ: كلام الله نور لما يحصل به من الهداية؛ لأن أصل النور هو الذي يهتدَى به.
؎............................. ∗∗∗ كَأَنَّــــــهُ عَلَــــــمٌ فِي رَأْسِــــــهِنَارُ
إذن نقول: الله سبحانه وتعالى هو نور السماوات والأرض، أي: نور فيهما، ولكن هذا النور الذي وصف الله به نفسه، وجعله من صفاته وأسمائه، هل يشبه نور الأشياء المخلوقة؟
أيش الجواب؟ لا، كسائر الصفات.
إذن كلام المؤلف: (أي منوِّرهما)، هذا ليس بصحيح، هذا تحريف، وليس بصحيح، وإنما معناه: نور في السماوات والأرض، نور بذاته وصفاته وآياته تبارك وتعالى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، مسألة العذر شيء آخر، نحن نبطل القول ونعذر القائل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، مسألة العذر غير، يعني نحن نبطل القول ونعذر القائل، ونقول للرجل إذا أخطأ: أخطأت، ولكن مع ذلك (...) إذا علمنا منه حسن النية، بل نحبه أيضًا، نحن نعرف الآن علماء أجلاء فضلاء ممن سلكوا هذا المسلك، مسلك التحريف في أسماء الله وصفاته، ومع ذلك نشهد الله على محبتهم؛ لأننا نعرف أنهم ما سلكوا ذلك إلا عن اجتهاد وحسن نية، نعم، لما لهم من قدم الصدق في الإسلام، والنصح للإسلام، والكتابة في الإسلام، مثل: النووي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهما كثير، هؤلاء ما حد يكرههم أو يبغضهم، أو يسيء الظن بهم، لكن لا مانع أن نقول إذا أخطؤوا: أخطؤوا. إذا أخطؤوا نقول: أخطؤوا، نقول: قولهم خطأ، نقول: قولهم: باطل، لكن لا يلزم من ذلك أن نلوم هذا الشخص إذا علمنا منه حسن النية، وأن هذا هو الذي أداه إليه اجتهاده.
وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة، ولذلك ما تجد بينهم عداوة ولا بغضاء، إذا اختلفت أقوالهم كل واحد منهم يعرف أن صاحبه معذور، لكن أهل الأهواء -والعياذ بالله- هم الذين لا يعذرون أحدًا يخالفهم، وإن كانوا هم على باطل، ولذلك تجدهم يُكِنون العداوة والبغضاء لمن خالفهم، إي نعم.
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
قال الله تعالى: (﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ أي: صفته في قلب المؤمن) هذا في الحقيقة مثل نوره، أي: نور الله، مثل نوره أي: مثل نور الله كمشكاة. المؤلف -رحمه الله- قال: (في قلب المؤمن ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ ) إلى آخره. لماذا لا نجعل ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ الذي هو نور ذاته وصفته يعني: ما الذي أوجب لنا أن نؤول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم هذه؛ لأن الله لا مثل له، ما يمكن أن نمثل نوره الذي هو صفته بشيء من مخلوقاته، فإن الله قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، إذن فلا بد من التأويل.
وفي الحقيقة إذا قال قائل: ألستم تنكرون التأويل؟ نقول: لا ننكر التأويل مطلقًا، بل ننكر التأويل الذي لا دليل عليه، أما ما يقتضيه العقل فإنه أمر معلوم، يعني حتى الآن عقلًا هل يمكن أن عقلك يصدق أن نور الله بهذا الحجم كمشكاة فيها مصباح، أبدًا، حتى العقل يمنع هذا.
إذا كان العقل يمنع هذا فالتأويل لا بد منه، يقول الله عز وجل في ريح عاد: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف ٢٥] عقلًا ما دمرت السماوات، ولا دمرت الأرض، وإنما دمرت كل شيء ينتفعون به، بدليل قوله: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾.
فعلى كل حال (...) نقول: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ أي: مثل نوره الذي يضعه في قلب المؤمن.
وبعضهم يقول: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ الذي يهدي به، ويرى أن هذا من باب تقريب المعنوي بالحسي، يقول مثلًا: القرآن نور مثل هذا النور كمشكاة إلى آخره، لكن الأسلم ما ذهب إليه المؤلف أن المراد بالنور هنا: النور الذي يضعه الله تعالى في قلب المؤمن.
﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ أيش المشكاة؟ الكوة اللي يسميها الناس الروزنة، هذه المشكاة.
﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ سراج (﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ هي القنديل، والمصباح: السراج، أي: الفتيلة الموقودة والمشكاة الطاقة، غير النافذة، أي الأنبوبة في القنديل) إلى آخره.
المشكاة كما قال المؤلف رحمه الله: (الطاقة غير النافذة)، يعني يسمونها الناس الروزنة، هذه إذا كان فيها مصباح وفيه زجاجة، وسيأتي أيضًا وصف هذه الزجاجة، يكون نوره أقوى؛ لأن النور ينعكس ولا يتبدد، وهذا في الحقيقة أصل عملية الكوبس اللي يسموه كوبس، هذه اللي تعكس النور مأخوذة من القرآن؛ لأن هذه المشكاة هي في الحقيقة نظرية الكوبس.
يقول: (﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا﴾ والنور فيها ﴿كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أي: مضيء، بكسر الدال وضمها، من الدرء بمعنى الدفع، لدرئه الظلام).
* طالب: (لدفعه).
* الشيخ: عندي (لدرئه) وهو أولى؛ لأنه يفسر: ﴿دُرِّيٌّ﴾.
(بكسر الدال وضمها من الدرء، بمعنى الدفع، لدرئه الظلام، وبضمها وتشديد الياء منسوب إلى الدر اللؤلؤ).
﴿دُرِّيٌّ﴾ هذه القراءة الأخيرة بضمها وتشديد الياء، منسوب إلى الدُّرِّ، يعني اللؤلؤ، ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾. والثاني بكسر الدال وضمها: ﴿دريء﴾ ، ما ذكر الهمزة الحقيقة، وإلا لازم أنها تذكر الهمزة، شوف تكملة في الحاشية، جايبه معك؟
* طالب: أي: مع الهمزة.
* الشيخ: لازم همزة، ما دام من الدرء.
* طالب: فيه همزة في الأصل.
* الشيخ: فيه في الأصل، ما عندي همزة في الأصل.
﴿دِرِّيء﴾ هذه واحدة، و﴿دُرِّيء﴾ هذه الثانية، يعني فِعِّيل وفُعِّيل، من الدَّرء بمعنى الدفع، لكن لا بد لنا أن نتحقق أكثر، ويش يقول؟
* طالب: الدرء بمعنى الدفع.
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب اللي بعده.
* الطالب: الدرء بمعنى الدفع.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: دُرِّي.
* الطالب: دُرِّي، كذا في أصل (...) ودُرِّي بالضم (...) الدُّر، وقرئ: ﴿دُرِّيء﴾ بالضم والهمزة.
* الشيخ: ﴿دُرِّيء﴾ .
* الطالب: دُرِّيء بالضم والهمزة، و﴿دَرِّيء﴾ بالفتح والهمزة (...).
* الشيخ: لا خلاص (...) القراءات ثلاث:
﴿دُرِّيٌّ﴾ بدون همزة، منسوب إلى الدُّرّ، وهو اللؤلؤ؛ لصفائه.
و﴿دِرِّيء﴾ على وزن سِكَّين، مبالغة من الدرء، بمعنى: الدفع.
أو﴿دُرِّيء﴾ أيضًا: من الدَّرْء بمعنى: الدفع.
والكوكب الدري: معناه العظيم النور، والتوقد يعني توقده، ونوره عظيم، وذلك لأن وصفه بهذا الدرء يدل على قوة نوره ونفوذه، وكلما كان أشد لمعانًا كان أشد درءًا، ولهذا جاءت المسألة على باب المبالغة؛ لأن فِعّيل وفُعّيل كلاهما من صيغ المبالغة؛ إذ إن اسم الفاعل في هذه المسألة لو قال: دارئ، فإذا حول عن اسم الفاعل إلى غيره صار ذلك صيغة مبالغة.
دري من أين؟ يشتق من الدرء، درأ يدرأ فهو دارئ، هذا اسم الفاعل، لكن جاءت المسألة على وزن فِعّيل، وفُعّيل لماذا؟ للمبالغة، جاءت للمبالغة؛ لأن كل مشتق بمعنى اسم فاعل إذا عدل به عنه يدل على أحد أمرين: إما المبالغة وإما الصفة المشبهة.
فهنا المبالغة يعني لكونه لقوة توقده، وقوة ضوئه، يكون دِرِّيئًا أي: يدرأ الظلام لقوة نفوذه، وطبعًا ما يمكن أن يدرأ الظلام بقوة نفوذه إلا وهو عظيم التوقد وعظيم النور؛ لأنك لو جبت مثلًا سراجًا، أو لمبة صغيرة، هل تدرأ الظلام؟ ما تدرأ إلا درءًا بسيطًا فيما حولها، لكن لو جبت لمبة كبيرة وعظيمة تدرأ الظلام بقوة، ولذلك يكون ما حولها منيرًا جدًّا، وكذلك أيضًا أوسع وأبعد.
فيها القراءة الثانية: ﴿دُرِّيٌّ﴾ ويش النسبة له؟ للدر، وهو اللؤلؤ، لصفائه، يعني: ما فيه مثلًا قتم يحول بيننا وبين هذا الكوكب اللي ما هو صافٍ جدًّا مثل الدر.
هاتان القراءتان أظنه سبق لنا إشارة إلى أن القراءتين يكون من فوائدهما: سعة المعنى، يكون من فوائدهما أحيانا: سعة المعنى. يعني اختلاف القراءتين له مصلحة، له فائدة عظيمة:
منها مثلًا التفسير؛ كقوله: ﴿فَتَثَبَّتُوا﴾ ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾.
ومنها أيضًا: توسيع المعنى، فمثلا ﴿دُرِّيء﴾ أو ﴿دِرِّيء﴾ و﴿دُرِّيٌّ﴾ ويش اللي يوسع في المعنى؟ أنها بنفسها صافية بناء على دُرِّي، وقوية الإضاءة بناءا على دِرِّيء.
فهذه من فوائد اختلاف القراءات: أنه يظهر في كل قراءة معنى غير الذي ظهر في القراءة الأخرى، فيكون ذلك أوسع وأشمل.
* طالب: سبيعية.
* الشيخ: الظاهر أنها ما هي سبعية، ما ذكرها المؤلف. (قُرِئ) ما هو بسبعية.
قال: (﴿تَوَقَّدَ﴾ المصباح بالماضي، وفي قراءة بمضارع أوقد مبنيًّا للمفعول بالتحتانية) أوقد مضارعه: يوقد (مبنيًّا للمفعول بالتحتانية، وفي أخرى بالفوقانية) يعني: ﴿تُوقَدُ﴾ (أي الزجاجة).
إذن ثلاث قراءاتٍ هنا: ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ تَوَقَّدَ﴾ ، هذه على أنها فعل ماضٍ (...).
استمد الوقود لشجرة مباركة، إلى آخره.
وفيه أيضًا: ﴿يُوقَدُ﴾ أي: يوضع فيه الوقود.
وفيه أيضًا: ﴿تُوقَدُ﴾ .
على تَوَقَّد وعلى يُوقَدُ الضمير يعود على أي شيء؟ على الكوكب؛ لأنه مذكر: كوكب دري تَوَقَّد، كوكب دري يُوقَدُ، لكن على قراءة ﴿تُوقَد﴾ : كأنها كوكب دري تُوقَدُ.
يقول المؤلف على هذه القراءة: (أي الزجاجة)، يعود الضمير على الزجاجة، لا على الكوكب، وهنا ما يقال مثلًا: إن الضمير يعود إلى أقرب مذكور؛ لأن القاعدة: الضمير يعود على أقرب مذكور ما لم يوجد مانع لفظي أو معنوي.
فهنا وُجد مانع لفظي، ويش المانع اللفظي؟ عود الضمير؛ لأن (تُوقَد) يعود الضمير على مؤنث، والكوكب مذكر. هذا وجد مانع لفظي يمنع من عود الضمير إلى آخر مذكور.
وربما يوجد مانع معنوي، مثل قوله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ وأيش اللي قبل الآية هذه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ﴾ أي: الله ﴿اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج ٧٨] الضمير يعود على من؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، يعود على الله ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ﴾ أي: الله ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ طبعًا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما سمانا في هذا؛ لأنه لو فرض أنه يصح أنه سماكم من قبل يمكن يصح أن يكون إبراهيم لكن ﴿وَفِي هَذَا﴾ ما يصح.
ولذلك نقول: هذا مانع معنوي؛ لأن هو صالح لأن يرجع إلى الله وصالح لأن يرجع إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن المعنى يمنع منه.
على كل حال نعود إلى قراءتنا، نقول: ﴿تَوَقَّدَ﴾ و﴿يُوقَدُ﴾ كلاهما الضميرُ يعود على أيش؟ الكوكب، وأما ﴿تُوقَدُ﴾ فالضمير يعود على الزجاجة التي فيها المصباح كأنها كوكب دري.
﴿مِنْ شَجَرَةٍ﴾
(﴿مِنْ﴾ زيت ﴿شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ بل بينهما، فلا يتمكن منها حر ولا برد مضرين).
* طالب: توقد المصباح.
* الشيخ: قصدك أن المؤلف أعاده على المصباح، إي نعم، هو يعود على المصباح لا شك، وإحنا قررنا أنه يعود على الكوكب، ويلاحظ أن هذا ما يصح تقديرًا؛ لأن الكوكب ما هو بيوقد من هذا الشيء، الكوكب ما هو بيوقد من الشجرة، الذي يوقد هو المصباح.
يقول ﴿مِنْ شَجَرَةٍ﴾:
(﴿مِنْ﴾ زيت ﴿شَجَرَةٍ﴾ ) كيف كان من زيت شجرة؛ لأن الشجرة نفسها ليست هي الوقود، وإنما الوقود زيتها.
وقوله: ﴿مُبَارَكَةٍ﴾ أي ذات بركة، والبركة هي الخير الكثير الثابت، مأخوذ من بركة الماء؛ لكثرة مائها وثبوته.
وقوله: ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ هل هناك شجرة غير الزيتون يوقد منها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: فيه، ولكن زيت الزيتون هو أعلاها وأشدها صفاءً وأقواها نورًا.
وقوله: ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ كيف قال ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ ويش معناه؟
يقول: (بل بينهما فلا يتمكن منها حر ولا برد) عندي (مضرين)، والظاهر الصواب (مضران) لأنها (...).
طيب اللي لا شرقية ولا غربية يكون يقولون: معناها أنها في ربوة أو جبل؛ لأنها إذا كانت في منخفض هي لازم تكون شرقية أو غربية، إن كانت في المنخفض من جهة الشرق فهي شرقية، شمس آخر النهار لا تصيبها، وإذا كانت من جهة الغرب فهي غربية شمس أول النهار لا تصيبها، فهي إما في ربوة وذلك أكمل وأبين، وإما في مكان مستوٍ، صحراوية إي نعم، لكنهم قالوا: إنها في ربوة؛ لأنها إذا كانت في ربوة فهي أبين وأعلى وأطيب زيتًا، لكنها موصوفة بقوله: ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾. وفي هذا دليل وإرشاد أنه ينبغي للإنسان إذا وضع الشجر ألا يضعه في مكان يحتجب عن الشمس شرقًا أو غربًا، بل ينبغي أن يُوضَع الشجر في مكان يبرز للشمس شرقًا وغربًا.
(﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ لصفائه).
﴿يَكَادُ﴾ بمعنى يقرب ﴿زَيْتُهَا﴾ أي: زيت هذه الشجرة ﴿يُضِيءُ﴾ أي: يحدث إضاءة ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾، كيف يمكن يضيء ولو لم تمسسه نار؟ يقول المؤلف: (لصفائه)، فإذا أصابته النار أصله صافٍ يكاد يضيء، ويش صار؟ ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾.
(﴿نُورٌ﴾ به ﴿عَلَى نُورٍ﴾ بالنار، ونور الله تبارك وتعالى الذي يوجد للمؤمنين نور)..
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش بعده؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (أي: هداه للمؤمنين، نور على نور الإيمان).
الآن يمكن أن نعرف كيف هذا التمثيل، وهل هذا التمثيل مركب ولَّا مفرد؟
الظاهر أنه مركب، يعني معناه مركب من هذه الأشياء، ولا يتحقق، ولا يتم التمثيل إلا بتصور هذه الأشياء مجتمعة. لو قلنا: إنه مفرد كان معناه كل تمثيل لا يتصل بما بعده.
نبدأ ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ أين المشبه؟ نور الله، والمشبه به: المشكاة.
ثم ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ هل هذا التشبيه مستقل عما قبله، أو هو في ضمن ما قبله؟ الذي نرى -وهو أبلغ- أن يكون في ضمن ما قبله؛ لأجل أن يكون التشبيه مركبًا من الصورة كاملة.
﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ هذا إذن تشبيه تمثيلي، بمعنى أن الله شبه النور الذي في قلب المؤمن بهذه القضية كلها ﴿مِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾.
طيب أين الذي يقابل المشكاة؟ القلب، والنور الذي يقذفه الله في قلبه مع نور الإيمان هو المصباح. لكن هذا المصباح مركب مم؟
في زجاجة، والزجاجة الصافية لماعة كأنها كوكب دري، ووقود هذا النور من شجرة مباركة زيتونة، زيتها صافٍ وجيد، فصار الآن مادة النور جيدة، وكذلك محله جيد، وكذلك وقايته جيدة؛ لأن الزجاجة تقي النور وتصفيه، النور إذا لم يكن في زجاجة كما هو معلوم يكون مضطربًا ويكون غير صافٍ، فتجد أن هذا النور قد كملت فيه أسباب الصفاء؛ من حيث الوقود والمكان، وكذلك أسباب الشمول من حيث كونه، والقوة من حيث كونه في مشكاة.
النور الذي في قلب المؤمن مثل هذا، ولكنه في الحقيقة المؤمن كامل الإيمان، فأما المؤمن ناقص الإيمان فإنه ينقص من نوره بمقدار ما نقص من إيمانه، يعني لا تظنوا أن هذا التشبيه لكل قلب مؤمن، لا، بل المراد المؤمن الكامل الإيمان، فإن الله يجعل في قلبه هذا النور العظيم، وذلك أمر معلوم، كلما قوي إيمان العبد وكلما قوي طلبه للحق فإن الله تعالى يهديه للنور، وكلما ضعف إيمان العبد أو ضعف طلبه للحق فإنه يضعف نوره، ولهذا قال الشافعي رحمه الله:
؎شَكَوْت إِلَى وَكِيعٍ سُـــوءَ حِفْظِــــــــي ∗∗∗ فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِالْمَعاصِـــــــــــــــــــــي؎وَقَــــــالَ: اعْلَــــــمْ بِأَنَّ الْعِلْـــــمَنُـــــــــــورٌ ∗∗∗ وَنُــــــــــــــــورُ اللهِ لَا يُؤْتَاهُعَاصِــــــــــــــي
فكلما نقص الإيمان، أو نقص طلب الحق، فإنه يَنقص هذا النور، وكلما ازداد الإنسان في طلب الحق، وذلك بالتعلم، وقوي إيمانه، ازداد نوره. ولذلك تجد أن أهل العلم تَقوَى معرفتهم بالشريعة بحسب ما أُثر عنهم من الإيمان والتقوى.
قال الله تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ﴾ ما هو النور الذي على النور؟
النور: نور هذا المصباح، ﴿عَلَى نُورٍ﴾ ما في الزيت، فإن هذا الزيت أصله فيه إنارة، يعني ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ فكيف إذا أصابته النار؟ كذلك نور الإيمان في القلب مثل نور الزيت، ونور العلم والهداية مثل النار التي تصيب هذا الزيت.
﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾.
يقول: (﴿نُورٌ﴾ به ﴿عَلَى نُورٍ﴾ بالنار، أي نور الله تعالى، أي هداه للمؤمنين نور على نور الإيمان).
إذن فالإيمان بمنزلة الزيت، والهداية بمنزلة النار التي جُعل الزيت وقودًا لها.
(﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ﴾ أي: دين الإسلام ﴿مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ تقريبًا لأفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا، ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ منه ضرب الأمثال).
﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ﴾ هذا النور الذي يهدي الله له هو النور الذي يقذفه في قلب المؤمن، ولّا النور الذي ينزله للناس؟
الذي ينزله للناس، يهدي الله المؤمن إليه، فالذي ينزله الله سبحانه وتعالى إلى الناس من الوحي هو نور بلا شك، ويهدي إليه من يشاء.
وكلمة ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ تَقدَّم لنا أن كل شيء عُلق بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة، فالله تعالى يهدي من يشاء، لكن إذا اقتضت الحكمة هدايته.
وقد علمنا أن كل من طلب الحق بنية صادقة، فإن الله سبحانه وتعالى يهديه، وكل من زاغ عن الحق، وتولى عنه، فإن الله تعالى يضله، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة ٤٩].
على كل حال ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ يكون ممن تقتضي الحكمة هدايته، وذلك لكونه مستعدًّا وقابلًا للهداية.
وقوله: ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾: الأمثال: جمع مَثَل، وهو الشَّبَه، أو مِثل وهو الشِّبه أيضًا. والأمثال: كل شيء يشابه غيره، فالله تعالى يضرب الأمثال للناس؛ إما أن يضرب حسيًّا بحسي، أو معنويًّا بمعنوي، أو معنويًّا بحسي.
والغالب أن الله يضرب الأمثال إذا كان الأمر معنويًّا يضربه بأمر حسي، أو إذا كان الأمر الحسي أمرًا مستبعدًا، أو منكرًا، فإنه يضربه بحسي معلوم، وذلك لتقريب الأمر إلى أذهان الناس.
مثلًا نجد أن الله تعالى ضرب مثلًا للذين يعبدون غير الله بأي شيء؟ ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت ٤١] هذا ضرب أمر معنوي بأمر حسي، فهم يلوذون بهذه الأصنام، كما أن العنكبوت تلوذ ببيتها، لكن هل بيتها يقيها؟ لا، ولهذا قال: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت ٤١]، ونجد أن الله تعالى يضرب مثلًا لما ينكره الكافرون من إحياء الموتى بأي شيء؟ بإحياء الأرض بعد موتها؛ فإن الأرض تكون ميتة هامدة، فإذا أنزل الله عليها الماء ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩].
نجد أنه هنا في الأمر المعنوي اللي هو نور الله في قلب المؤمن، ونور الله سبحانه وتعالى الذي ينزله فيهتدي به المؤمن، نجد أن الله تعالى ضرب به مثلًا في هذه المصباح الذي في المشكاة إلى آخره.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ مناسبة هذه الآية أنه سبحانه وتعالى أعلم العالِمين بما يطابق المثل مَضْرِبًا ومَوْرِدًا؛ لأن المثل له مضرب وله مورد، لكن الله سبحانه وتعالى هو أعلم العالِمين بهذا المضرب والمورد، ومطابقة أحدهما للآخر؛ لأنه ربما يأتي إنسان ويشبه شيئًا بشيء، وعندما تمحص وتحقق الأمر تجد أنه لا مشابهة، لكن الله سبحانه وتعالى إذا ضرب مثلًا بشيء، فإنه سبحانه وتعالى بكل شيء عليم، لا يخفى عليه أوجه المشابهة التي يتضمنها هذا المثل.
وفي هذه الآية إشارة، بل صريح، إلى عموم علم الله سبحانه وتعالى، وأنه عليم بكل شيء، لا فيما يتعلق بأفعاله، ولا فيما يتعلق بأفعال العباد، من الذي أنكر العلم بأفعال العباد...
* * *
...بآيات من متشابه القرآن، والله سبحانه وتعالى حكيم يجعل في وحيه أمرًا متشابهًا، ويش يستدلون به في مثل قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد ٣١]، قالوا: (حتى) للغاية، فمعنى ذلك أنه سبحانه وتعالى لا يعلم المجاهد والصابر إلا بعد أن يجاهد ويصبر، ولكنه سبق لنا الجواب عن مثل هذا الإشكال:
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني قصدك تقول: إن المراد العلم الذي يترتب عليه الجزاء؟
لا؛ لأن علم الله تعالى بالشيء قبل وقوعه ما يترتب عليه جزاء، يعني كون الله يعلم أن هذا بيجاهد، وهذا ما هو مجاهد، هذا ما يترتب عليه الجزاء، فيكون ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾ العلم الذي يترتب عليه الجزاء، وذلك لا يكون إلا بعد الامتحان والابتلاء.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، يعني نقول أيضًا فرقًا آخر: علم الله بالشيء قبل وقوعه: علم بأنه سيقع، فلا يتعلق به شيء، وعلمه بعد وقوعه: علم بأنه وقع. وفرق بين مَدرَك العِلمين: الأول علم بأنه سيقع، ولا يترتب عليه شيء بالنسبة للمكلف. والثاني: علم بأنه وقع، وهو الذي يترتب عليه ما رتبه الله سبحانه وتعالى بالنسبة للمكلَّف. مفهوم يا جماعة، هذا هو ما أجاب به أهل السنة عن مثل هذه الآية.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه شاملة لها، نعم، فهو بكل شيء عليم في نفس المثل، وفيمن ينتفع به.
* * *
* طالب: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور ٣٨ - ٤٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه نور السماوات والأرض، وبينا على ذلك أن النور قسمان: مخلوق وغير مخلوق. فما وصف الله به نفسه، وسمى به نفسه من النور فهو غير مخلوق؛ لأن الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق.
وأما القسم الثاني، وهو النور المخلوق، فينقسم أيضا إلى قسمين: حسي ومعنوي، فما في السماوات والأرض من الأجرام المضيئة هذا حسي، وما لدى الإنسان من الإيمان والعلم هذا معنوي.
وسبق أن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلًا لنوره في قلب عبده المؤمن بمصباح كامل في مادته، أي وقوده، وفي محله، وفي حمايته. في وقوده يوقد منين؟ ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور ٣٥] وفي حمايته ووقايته في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري. وفي محله، أو موضعه الذي ينعكس فيه النور، في أيش؟ في مشكاة.
وهذا أعلى ما يكون من الإضاءة؛ لوجود أسبابها كاملة، وهذا أيضًا مثل تقريبي، وإلا فنور الإيمان والعلم في قلب المؤمن أشد وأبلغ، لكن تضرب الأشياء المعقولة بالأشياء المحسوسة تقريبًا فقط، لا تحقيقًا ومساواة، بل بينهما فرق.
ثم بيّن الله سبحانه وتعالى أنه يضرب الأمثال للناس، الأمثال يعني الأشباه والنظائر، فيضرب أحيانًا المعقول بالمحسوس، وأحيانًا يضرب الغائب بالحاضر، وهذا لا شك أنه من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده؛ لأن ذلك من تمام التعليم، هذا لا شك أنه من تمام التعليم، وإلا فلو شاء الله سبحانه وتعالى ما ضرب الأمثال للناس، ولتركهم حتى يضلوا، ولكن من تمام رحمته أن كان تعليمه على وجه الكمال والتمام، ولذلك يضرب الله الأمثال لأجل أن يستدل الناس بها على ما يريد الله سبحانه إثباته لهم.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق