الباحث القرآني
ثُمَّ أعْلَمَ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّهُ قَدْ بَيَّنَ جَمِيعَ أمْرِ السَّماءِ، وأمْرِ الأرْضِ، بَيانًا نَيِّرًا، لا غايَةَ بَعْدَ نُورِهِ، فَقالَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، أيْ: ”مُدَبِّرُ أمْرِهِما بِحِكْمَةٍ بالِغَةٍ، وحُجَّةٍ نَيِّرَةٍ، ثُمَّ مَثَّلَ مَثَلَ نُورِهِ ذَلِكَ في القُلُوبِ، بِأبْيَنِ النُّورِ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ بِالأبْصارِ، فَقالَ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾، فَنُورُهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ما ذَكَرْنا مِن تَدْبِيرِهِ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ كِتابَهُ الَّذِي بَيَّنَ بِهِ، فَقالَ: ﴿قَدْ جاءَكم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥]، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ هو النُّورَ الَّذِي قالَ:“ مَثَلُ نُورِهِ ”، لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ هو المُرْشِدُ، والمُبَيِّنُ، والنّاقِلُ عَنِ اللَّهِ ما هو نَيِّرٌ، بَيِّنٌ، وقالَ: ﴿كَمِشْكاةٍ﴾، وهي الكُوَّةُ، وقِيلَ: إنَّها بِلُغَةِ الحَبَشِ، و“ اَلْمِشْكاةُ ”، مِن كَلامِ العَرَبِ، ومِثْلُها - وإنْ كانَتْ لِغَيْرِ الكُوَّةِ -:“ اَلشَّكْوَةُ ”، وهي مَعْرُوفَةٌ، وهي الدَّقِيقُ الصَّغِيرُ، أوْ ما يُعْمَلُ مِثْلُهُ، ﴿فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾، و“ اَلْمِصْباحُ ”: اَلسِّراجُ، وقالَ:“ اَلْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ ”، لِأنَّ النُّورَ في الزُّجاجِ (p-٤٤)وَضَوْءِ النّارِ أبْيَنُ مِنهُ في كُلِّ شَيْءٍ، وضَوْؤُهُ يَزِيدُ في الزُّجاجِ، ثُمَّ وصَفَ الزُّجاجَةَ فَقالَ: ﴿كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾، و“ دُرِّيٌّ ”، مَنسُوبٌ إلى أنَّهُ كالدُّرِ في صَفائِهِ، وحُسْنِهِ، وقُرِئَتْ:“ دِرِّيٌّ ”، و“ دَرِّيٌّ ”، بِالكَسْرِ، والفَتْحِ، وقَدْ رُوِيَتْ بِالهَمْزِ، والنَّحْوِيُّونَ أجْمَعُونَ لا يَعْرِفُونَ الوَجْهَ فِيهِ، لِأنَّهُ لَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ شَيْءٌ عَلى“ فُعِّيلٌ ”، ولَكِنَّ الكَسْرَ جَيِّدٌ بِالهَمْزِ، يَكُونُ عَلى وزْنِ“ فِعِّيلٌ ”، ويَكُونُ مِنَ النُّجُومِ الدَّرارِيِّ الَّتِي تَدَرُ، أيْ: يَنْحَطُّ، ويَسِيرُ مُتَدافِعًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ“ دِرِّيٌّ ”، بِغَيْرِ هَمْزٍ، مُخَفَّفًا مِن هَذا، قالَ أبُو إسْحاقَ: ولا يَجُوزُ أنْ يُضَمَّ الدّالُ ويُهْمَزَ، لِأنَّهُ لَيْسَ في الكَلامِ“ فُعِّيلٌ ”، ومِثالُ“ دُرِّيٌّ ”،“ فُعْلِيٌّ ”، مَنسُوبٌ إلى“ اَلدُّرُّ ”، ومَن كَسَرَ الدّالَ قالَ:“ دِرِّيٌّ ”، فَكانَ لَهُ أنْ يَهْمِزَ، ولا يَهْمِزَ، فَمَن هَمَزَ أخَذَهُ مِن“ دَرَأ، يَدْرَأُ الكَوْكَبُ ”، إذا تَدافَعَ مُنْقَضًّا، فَتَضاعَفَ ضَوْؤُهُ، يُقالُ:“ تَدارَأ الرَّجُلانِ ”، إذا تَدافَعا، ويَكُونُ وزْنُهُ عَلى“ فِعِّيلٌ ”، ومَن كَسَرَها فَإنَّما أصْلُهُ الهَمْزُ، فَخُفِّفَ، وبَقِيَتْ كَسْرَةُ الدّالِ عَلى أصْلِها، ووَزْنُهُ أيْضًا“ فِعِّيلٌ ”، كَما كانَ وهو مَهْمُوزٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾، ويُقْرَأُ:“ تُوقَدُ ”، بِالتّاءِ، فَمَن قَرَأ بِالياءِ عَنى بِهِ المِصْباحَ، وهو مُذَكَّرٌ، ومَن قَرَأ بِالتّاءِ عَنى بِهِ الزُّجاجَةَ، ويَجُوزُ:“ في زَجاحَةٍ ”، بِفَتْحِ الزّايِ، وفِيها وجْهانِ آخَرانِ قُرِئَ بِهِما:“ تَوَقَّدُ ”، بِفَتْحِ الدّالِ، وضَمِّها، وتَشْدِيدِ القافِ فِيهِما جَمِيعًا، فَمَن قَرَأ:“ تَوَقَّدُ ”، فالمَعْنى:“ تَتَوَقَّدُ الزُّجاجَةُ ”، ومَن قَرَأ:“ تَوَقَّدَ ”، فَتَحَهُ لِأنَّهُ فِعْلٌ ماضٍ، ويَكُونُ المَعْنى:“ اَلْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ تَوَقَّدَ المِصْباحُ " .
وَقَوْلُهُ: ﴿مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾، (p-٤٥)وَلَيْسَ شَيْءٌ في الشَّجَرِ - يُورِقُ غُصْنُهُ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ - مِثْلُ الزَّيْتُونِ، والرُّمّانِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎بُورِكَ المَيْتُ الغَرِيبُ كَما ∗∗∗ بُورِكَ نَظْمُ الرُّمّانِ والزَّيْتُونِ
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾، أكْثَرُ التَّفْسِيرِ أنَّها لَيْسَتْ مِمّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ في وقْتِ شُرُوقِها فَقَطْ، أوْ عِنْدَ الغُرُوبِ، أيْ: لَيْسَ يَسْتُرُها في وقْتٍ مِنَ النَّهارِ شَيْءٌ، أيْ: فَهي شَرْقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ، أيْ: تُصِيبُها الشَّمْسُ بِالغَداةِ، والعَشِيِّ، فَهو أنْضَرُ لَها، وأجْوَدُ لِزَيْتِها، وزَيْتُونِها، وقالَ الحَسَنُ: إنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ أنَّها لَيْسَتْ مِن شَجَرِ الدُّنْيا، أيْ: هي مِن شَجَرِ الجَنَّةِ.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق