الباحث القرآني

قوله عز وجل: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن عباس رضي الله عنه: «هادي أهل السموات وأهل الأرض» ، ويقال: هادي أهل السموات والأرض من يشاء، وبين ذلك في آخر الآية بقول: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ويقال: معناه، الله مُنَّورُ السموات والأرض، وقال ابن عباس: «بدليل قوله: مَثَلُ نُورِهِ، فأضاف النور إليه» ، وبدليل ما قال في سياق الآية وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً [النور: 40] وروي عن أبي العالية أنه قال: معناه، الله منور قلوب أهل السموات وقلوب أهل الأرض بالمعرفة والتوحيد، يعني: من كان أهلاً للإيمان. ويقال: الله منور السموات والأرض، أما السموات فنورها بالشمس والقمر والكواكب، وأما الأرض فنورها بالأنبياء والعلماء والعباد عليهم السلام. ثم قال تعالى: مَثَلُ نُورِهِ، يعني: مثل نور المعرفة في قلب المؤمن، كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ يعني: كمثل كوة فيها سراج، ويقال: المشكاة الكوة التي ليست بنافذة، وهي بلغة الحبشة. وروي في قراءة ابن مسعود مَثَلُ نُورِهِ في قلب المؤمن، كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ. ثم وصف المصباح، فقال: الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، يعني: كمثل سراج في قنديل في كوة، فكذلك الإيمان والمعرفة في قلب المؤمن. والقلب في الصدر، والصدر في الجسد، فشبه القلب بالقنديل، والماء الذي في القنديل سبّه بالعلم، والدهن بالرفق وحسن المعاملة. وشبه الفتيلة باللسان، وشبه النار بالجوف في زجاجة. يعني: في قلب مضيء، ويقال: إنما شبَّه القلب بالزجاجة، لأن ما في الزجاجة يرى من خارجها، فكذلك ما في القلب يرى من ظاهره، ويبيّن ذلك في أعضائه. ويقال: لأن الزجاجة تسرع الكسر بأدنى آفة تصيبها، فكذلك القلب بأدنى آفة تدخل فيه، فإنه يفسد. ثم وصف الزجاجة، فقال: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يعني: استنارة القنديل بصفاء الزجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ. قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم في رواية حفص كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بضم الدال غير مهموز، وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وبهمز الياء، وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر بالضم والهمز. فمن قرأ بضم الدال فهو منسوب إلى الدر، يعني: يشبه في ضوئه الدر. وممن قرأ بكسر الدال يعني: الذي يدرأ عَن نَّفْسِهِ، يعني: لا يكاد يقدر النظر إليه من شدة ضوئه. ثم قال تعالى: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ، يعني: السراج يوقد بدهن من شجرة مباركة زَيْتُونَةٍ قرأ أبو عمرو وابن كثير توقد بنصب التاء والواو والقاف بلفظ التأنيث، وأصله: تتوقد، فحذف إحدى التاءين. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي بضم التاء والتخفيف بلفظ التأنيث، على فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون يُوقَدُ بالياء والضمّ بلفظ التذكير والتفسير على معنى فعل ما لم يسم فاعله. فمن قرأ بالتأنيث انصرف إلى الزجاجة، ومن قرأ بالتذكير انصرف إلى المصباح والسراج. ثم وصف الشجرة المباركة، فقال: زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يعني: لم تكن بحال يصيبها الشمس في أول النهار ولا يصيبها في آخر النهار، ولكنها في مكان مطمئن تصيبها الشمس في أول النهار وآخره، فكذلك هذا المؤمن تكون كلمة الإخلاص في قلبه ثابتة مثل ثبوت الشجرة. فلا يكون مشبّها، ولا معطّلا، ولا قدرياً، ولا جبرياً، ولكنه على الاستقامة. ويقال: لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يعني: تكون في وسط الأشجار حتى لا تحرقها الشمس، فكذلك هذا المؤمن بين أصحاب صلحاء، يثبتونه على الاستقامة. وروي عن الحسن أنه قال: ليس هذه من أشجار الدنيا، لكن من أشجار الآخرة، يعني: أن أشجار الدنيا لا تخلو من أن تكون شرقية أو غربية، ولكن هذه من أشجار الآخرة، فكذلك هذا المؤمن من أصاب المعرفة بتوفيق الله عز وجل. وقال: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ يعني: أن الزيت في الزجاجة، يكاد أن يضيء، ولو لم يكن موقداً، فكذلك المؤمن يعرف الله تعالى ويخافه ويطيعه، وإن لم يكن له أحد يذكره ويأمره وينهاه. ثم قال: نُورٌ عَلى نُورٍ، يعني: الزجاجة نور، والسراج نور، والزيت نور، فكذلك المؤمن اعتقاده نور، وقوله نور، وفعله نور. وقال أبو العالية: فهو يتقلب في خمسة من الأنوار: فكلامه نور، وعمله نور، ومخرجه نور، ومدخله نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ، يعني: يوفق ويعطي من يشاء، يعني: الهدى. وللآية وجه آخر: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: الله مرسل الرسل إلى أهل السموات وأهل الأرض مَثَلُ نُورِهِ يعني: مثل نور محمد ﷺ، فسماه نورا كقوله: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ [المائدة: 15] . ثم قال: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، يعني: مثل نور محمد ﷺ في صلب أبيه، كالقنديل يضيء البيت المظلم. فكما أن البيت يكون مضيئاً بالقنديل، فإذا أخذ منه القنديل يبقى البيت مظلماً، فكذلك محمد ﷺ كان كالقنديل في صلب أبيه، فلما خرج بقي صلب أبيه مظلماً. يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ، يعني: نور محمد ﷺ من نور إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يعني: لم يكن إبراهيم عليه السلام يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلَكِن كان حنيفاً مسلماً. ويقال: لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يعني محمدا ﷺ كان من العرب. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ يعني: يضيء بطاعته وإن لم يكن نبيا نُورٌ عَلى نُورٍ يعني محمدا ﷺ كان عمله نورا وقوله نورا يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يعني: يعطي النبوة لمن يشاء. ولها وجه آخر اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يعني: منزل القرآن، فنور بالقرآن السموات والأرض. مَثَلُ نُورِهِ يعني: مثل نور القرآن في قلب المؤمن كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، يعني: قلب المؤمن بالقرآن، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يعني: ينزل القرآن من رب كريم ذي بركة لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، أي ليس القرآن بلغة السريانية ولا بلغة العبرانية، ولكنه عربي مبين يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، يعني: القرآن يضيء وألفاظه مهذبة، وإن لم تفهم معانيه يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ، يعني: يوفق ويكرم بفهم القرآن من يشاء. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ يعني: الله عزّ وجل يبيّن الأشباه للناس لكي يفهموا، ويقال: المثل كالمرآة يظهر عنده الحق وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ من ضرب الأمثال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب