الباحث القرآني

. (p-١٠١٤)لَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ مِنَ الأحْكامِ ما بَيَّنَ أرْدَفَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ سُبْحانَهُ في غايَةِ الكَمالِ فَقالَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَها، والِاسْمُ الشَّرِيفُ مُبْتَدَأٌ، ونُورُ السَّماواتِ والأرْضِ خَبَرُهُ، إمّا عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: ذُو نُورِ السَّماواتِ والأرْضِ، أوْ لِكَوْنِ المُرادِ المُبالَغَةَ في وصْفِهِ سُبْحانَهُ بِأنَّهُ نُورٌ لِكَمالِ جَلالِهِ وظُهُورِ عَدْلِهِ وبَسْطِهِ أحْكامَهُ، كَما يُقالُ فُلانٌ نُورُ البَلَدِ وقَمَرُ الزَّمَنِ وشَمْسُ العَصْرِ، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ: ؎فَإنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبُ إذا ظَهَرَتْ لَمْ يَبْقَ فِيهِنَّ كَوْكَبُ وقَوْلُ الآخَرِ: ؎هَلّا قَصَدْتَ مِنَ البِلادِ لِمُفَضَّلٍ ∗∗∗ قَمَرُ القَبائِلِ خالِدُ بْنُ يَزِيدِ ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إذا سارَ عَبْدُ اللَّهِ مِن مَرْوِ لَيْلَةً ∗∗∗ فَقَدْ سارَ مِنها نُورُها وجِمالُها وقَوْلُ الآخَرِ: ؎نَسَبٌ كَأنَّ عَلَيْهِ مِن شَمْسِ الضُّحى ∗∗∗ نُورًا ومِن فَلَقَ الصَّباحِ عَمُودا ومَعْنى النُّورِ في اللُّغَةِ: الضِّياءُ، وهو الَّذِي يُبَيِّنُ الأشْياءَ ويُرِيَ الأبْصارَ حَقِيقَةَ ما تَراهُ، فَيَجُوزُ إطْلاقُ النُّورِ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ عَلى طَرِيقَةِ المَدْحِ، ولِكَوْنِهِ أوْجَدَ الأشْياءِ المُنَوَّرَةِ وأوْجَدَ أنْوارَها ونُورَها، ويَدُلُّ عَلى هَذا المَعْنى قِراءَةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وأبِي جَعْفَرٍ وعَبْدِ العَزِيزِ المَكِّيِّ ( اللَّهُ نَوَّرَ السَّماواتِ والأرْضَ ) عَلى صِيغَةِ الفِعْلِ الماضِي، وفاعِلِهِ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إلى اللَّهِ والسَّماواتُ مَفْعُولُهُ فَمَعْنى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أنَّهُ سُبْحانَهُ صَيَّرَهُما مُنِيرَتَيْنِ بِاسْتِقامَةِ أحْوالِ أهْلِهِما وكَمالِ تَدْبِيرِهِ - عَزَّ وجَلَّ - لِمَن فِيهِما، كَما يُقالُ المَلِكُ نُورُ البَلَدِ، هَكَذا قالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ والأزْهَرِيُّ والضَّحّاكُ والقُرَظِيُّ وابْنُ عَرَفَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرِهِمْ، ومَثَلُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎وأنْتَ لَنا نُورٌ وغَيْثٌ وعِصْمَةٌ ∗∗∗ ونَبْتٌ لِمَن يَرْجُو نَداكَ ورِيفُ وقالَ هِشامٌ الجَوالِيقِيُّ وطائِفَةٌ مِنَ المُجَسِّمَةِ: إنَّهُ سُبْحانَهُ نُورٌ لا كالأنْوارِ، وجِسْمٌ لا كالأجْسامِ، وقَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ كَمِشْكاةٍ أيْ صِفَةُ نُورِهِ الفائِضِ عَنْهُ، الظّاهِرُ عَلى الأشْياءِ كَمِشْكاةِ، والمِشْكاةُ الكُوَّةُ في الحائِطِ غَيْرُ النّافِذَةِ، كَذا حَكاهُ الواحِدِيُّ عَنْ جَمِيعِ المُفَسِّرِينَ، وحَكاهُ القُرْطُبِيُّ عَنْ جُمْهُورِهِمْ. ووَجْهُ تَخْصِيصِ المِشْكاةِ أنَّها أجْمَعُ لِلضَّوْءِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِن مِصْباحٍ أوْ غَيْرِهِ، وأصْلُ المِشْكاةِ الوِعاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ. وقِيلَ: المِشْكاةُ عَمُودُ القِنْدِيلِ الَّذِي فِيهِ الفَتِيلَةُ. وقالَ مُجاهِدٌ هي القِنْدِيلُ. والأوَّلُ أوْلى، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎كَأنَّ عَيْنَيْهِ مِشْكاتانِ في جُحْرٍ ثُمَّ قالَ: ﴿فِيها مِصْباحٌ﴾ وهو السِّراجُ ﴿المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: النُّورُ في الزُّجاجِ وضَوْءُ النّارِ أبْيَنُ مِنهُ في كُلِّ شَيْءٍ وضَوْءُهُ يَزِيدُ في الزُّجاجِ، ووَجْهُ ذَلِكَ: أنَّ الزُّجاجَ جِسْمٌ شَفّافٌ يَظْهَرُ فِيهِ النُّورُ أكْمَلَ ظُهُورٍ. ثُمَّ وصَفَ الزُّجاجَةَ فَقالَ: ﴿الزُّجاجَةُ كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أيْ مَنسُوبٌ إلى الدُّرِّ لِكَوْنِ فِيهِ مِنَ الصَّفاءِ والحُسْنِ ما يُشابِهُ الدُّرَّ. وقالَ الضَّحّاكُ: الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ الزُّهْرَةُ. قَرَأ أبُو عُمَرَ ( دِرِّيٌّ ) بِكَسْرِ الدّالِّ. قالَ أبُو عَمْرٍو: لَمْ أسْمَعْ أعْرابِيًّا يَقُولُ: إلّا كَأنَّهُ كَوْكَبٌ دِرِّيٌّ بِكَسْرِ الدّالِّ، أخَذُوهُ مَن دَرَأتِ النُّجُومُ تَدْرَأُ إذا انْدَفَعَتْ. وقَرَأ حَمْزَةُ بِضَمِّ الدّالِّ مَهْمُوزًا، وأنْكَرُهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ والمُبَرِّدُ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: إنْ ضَمَمْتَ الدّالَّ وجَبَ أنْ لا تَهْمِزَ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ. والدَّرارِيُّ هي المَشْهُورَةُ مِنَ الكَواكِبِ كالمُشْتَرِي والزُّهْرَةِ والمِرِّيخِ وما يُضاهِيها مِنَ الثَّوابِتِ. ثُمَّ وصَفَ المِصْباحَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ ومِن هَذِهِ هي الِابْتِدائِيَّةُ أيْ: ابْتِداءُ إيقادِ المِصْباحِ مِنها، وقِيلَ: هو عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ: يُوقَدُ مِن زَيْتِ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ، والمُبارَكَةُ الكَثِيرَةُ المَنافِعِ. وقِيلَ: المُنَمّاةُ، والزَّيْتُونُ مِن أعْظَمِ الثِّمارِ نَماءً، ومِنهُ قَوْلُ أبِي طالِبٍ يَرْثِي مُسافِرَ بْنَ أبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: ؎لَيْتَ شِعْرِي مُسافِرَ بْنَ أبِي عَمْرٍو ؎ولَيْتَ يَقُولُها المَحْزُونُ ∗∗∗ بُورِكَ المَيِّتُ الغَرِيبُ كَما بُورِكَ نَبْعُ الرُّمّانِ والزَّيْتُونِ قِيلَ ومِن بَرَكَتِها أنَّ أغْصانَها تُورِقُ مِن أسْفَلِها إلى أعْلاها، وهي إدامٌ ودِهانٌ ودِباغٌ ووَقُودٌ، ولَيْسَ فِيها شَيْءٌ إلّا وفِيهِ مَنفَعَةٌ، ثُمَّ وصَفَها بِأنَّها ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ . وقَدِ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في مَعْنى هَذا الوَصْفِ، فَقالَ عِكْرِمَةُ وقَتادَةُ وغَيْرُهم: إنَّ الشَّرْقِيَّةَ هي الَّتِي تُصِيبُها الشَّمْسُ إذا شَرَقَتْ. ولا تُصِيبُها إذا غَرَبَتْ. والغَرْبِيَّةُ هي الَّتِي تُصِيبُها إذا غَرَبَتْ، ولا تُصِيبُها إذا شَرَقَتْ. وهَذِهِ الزَّيْتُونَةُ هي في صَحْراءَ بِحَيْثُ لا يَسْتُرُها عَنِ الشَّمْسِ شَيْءٌ لا في حالِ شُرُوقِها ولا في حالِ غُرُوبِها، وما كانَتْ مِنَ الزَّيْتُونِ هَكَذا فَثَمَرُها أجْوَدُ. وقِيلَ: إنَّ المَعْنى: إنَّها شَجَرَةٌ في دَوْحَةٍ قَدْ أحاطَتْ بِها، فَهي غَيْرُ مُنْكَشِفَةٍ مِن جِهَةِ الشَّرْقِ، ولا مِن جِهَةِ الغَرْبِ، حَكى هَذا ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا لا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ لِأنَّ الثَّمَرَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَفْسُدُ جَناها، وذَلِكَ مُشاهَدٌ في الوُجُودِ. ورَجَّحَ القَوْلَ الأوَّلَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ. وقالَ الحَسَنُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ مِن شَجَرِ الدُّنْيا، وإنَّما هو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ ولَوْ كانَتْ في الدُّنْيا لَكانَتْ إمّا شَرْقِيَّةً وإمّا غَرْبِيَّةً. قالَ الثَّعْلَبِيُّ: قَدْ أفْصَحَ القُرْآنُ بِأنَّها مِن شَجَرِ الدُّنْيا؛ لِأنَّ قَوْلَهُ زَيْتُونَةٌ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ شَجَرَةٌ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّها مِن شَجَرِ الشّامِ، فَإنَّ الشّامَ لا شَرْقِيٌّ ولا غَرْبِيٌّ، والشّامُ هي الأرْضُ المُبارَكَةُ. وقَدْ قُرِئَ تُوقَدُ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ راجِعٌ إلى الزُّجاجَةِ دُونَ المِصْباحِ، وبِها قَرَأ الكُوفِيُّونَ. وقَرَأ شَيْبَةُ ونافِعٌ وأيُّوبٌ وسَلامٌ وابْنُ عامِرٍ وأهْلُ الشّامِ وحَفْصٌ ( يُوقَدُ ) بِالتَّحْتِيَّةِ مَضْمُومَةً وتَخْفِيفِ القافِ وضَمِّ الدّالِّ. وقَرَأ الحَسَنُ والسُّلَمِيُّ وأبُو عُمَرَ بْنُ العَلاءِ وأبُو جَعْفَرٍ ( تَوَقَّدَ ) بِالفَوْقِيَّةِ مَفْتُوحَةً وفَتْحِ الواوِ وتَشْدِيدِ القافِ وفَتْحِ الدّالِّ عَلى أنَّهُ فِعْلٌ ماضٍ مِن تَوَقَّدَ يَتَوَقَّدُ، والضَّمِيرُ في هاتَيْنِ القِراءَتَيْنِ راجِعٌ إلى المِصْباحِ. قالَ النَّحّاسُ: وهاتانِ القِراءَتانِ مُتَقارِبَتانِ؛ لِأنَّهُما جَمِيعًا لِلْمِصْباحِ، وهو أشْبَهُ بِهَذا الوَصْفِ (p-١٠١٥)لِأنَّهُ الَّذِي يُنِيرُ ويُضِيءُ، وإنَّما الزُّجاجَةُ وِعاءٌ لَهُ. وقَرَأ نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ كَقِراءَةِ أبِي عَمْرٍو ومَن مَعَهُ إلّا أنَّهُ ضَمَّ الدّالَّ عَلى أنَّهُ فِعْلٌ مُضارِعٌ، وأصْلُهُ تَتَوَقَّدُ. ثُمَّ وصَفَ الزَّيْتُونَةَ بِوَصْفٍ آخَرَ فَقالَ: ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ تَمْسَسْهُ بِالفَوْقِيَّةِ؛ لِأنَّ النّارَ مُؤَنَّثَةٌ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: إنَّهُ لا يَعْرِفُ إلّا هَذِهِ القِراءَةَ. وحَكى أبُو حاتِمٍ أنَّ السُّدِّيَّ رَوى عَنْ أبِي مالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ ( يَمْسَسْهُ ) بِالتَّحْتِيَّةِ لِكَوْنِ تَأْنِيثِ النّارِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ. والمَعْنى: أنَّ هَذا الزَّيْتَ في صَفائِهِ وإنارَتِهِ يَكادُ يُضِيءُ بِنَفْسِهِ مِن غَيْرِ أنْ تَمَسَّهُ النّارُ أصْلًا، وارْتِفاعُ نُورٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ: هي نُورٌ، و﴿عَلى نُورٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لِنُورٍ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ، والمَعْنى: هو نُورٌ كائِنٌ عَلى نُورٍ. قالَ مُجاهِدٌ: والمُرادُ النّارُ عَلى الزَّيْتِ. وقالَ الكَلْبِيُّ: المِصْباحُ نُورٌ، والزُّجاجَةُ نُورٌ وقالَ السُّدِّيُّ: نُورُ الإيمانِ ونُورُ القُرْآنِ ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ﴾ مِن عِبادِهِ أيْ: هِدايَةً خاصَّةً مُوَصِّلَةً إلى المَطْلُوبِ، ولَيْسَ المُرادُ بِالهِدايَةِ هُنا مُجَرَّدُ الدَّلالَةِ ﴿ويَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ﴾ أيْ يُبَيِّنُ الأشْياءَ بِأشْباهِها ونَظائِرِها تَقْرِيبًا لَها إلى الأفْهامِ وتَسْهِيلًا لِإدْراكِها؛ لِأنَّ إبْرازَ المَعْقُولِ في هَيْئَةِ المَحْسُوسِ وتَصْوِيرَهُ بِصُورَتِهِ يَزِيدُهُ وُضُوحًا وبَيانًا ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ مَعْقُولًا كانَ أوْ مَحْسُوسًا، ظاهِرًا أوْ باطِنًا. واخْتُلِفَ في قَوْلِهِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ﴾ بِما هو مُتَعَلِّقٌ، فَقِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِما قَبْلَهُ أيْ: كَمِشْكاةٍ في بَعْضِ بُيُوتِ اللَّهِ وهي المَساجِدُ، كَأنَّهُ قِيلَ مَثَلُ نُورِهِ كَما تَرى في المَسْجِدِ نُورُ المِشْكاةِ الَّتِي مِن صِفَتِها كَيْتَ وكَيْتَ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمِصْباحٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: سَمِعْتُ أبا العَبّاسِ يَقُولُ: هو حالٌ لِلْمِصْباحِ والزُّجاجَةِ والكَوْكَبِ، كَأنَّهُ قِيلَ: وهي في بُيُوتٍ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِـ تُوقَدُ، أيْ تُوقَدُ في بُيُوتٍ، وقَدْ قِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ، وهو يُسَبِّحُ أيْ: يُسَبِّحُ لَهُ رِجالٌ في بُيُوتٍ، وعَلى هَذا يَكُونُ قَوْلُهُ: فِيها تَكْرِيرًا كَقَوْلِكَ، زَيْدٌ في الدّارِ جالِسٌ فِيها. وقِيلَ: إنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَمّا قَبْلَهُ، كَأنَّهُ قالَ اللَّهُ: في بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ. قالَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وبِذَلِكَ جاءَتِ الأخْبارُ أنَّهُ مَن جَلَسَ في المَساجِدِ فَإنَّما يُجالِسُ رَبَّهُ. وقَدْ قِيلَ عَلى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهِ بِمِشْكاةٍ أوْ مِصْباحٍ أوْ بِـ تُوقَدُ ما الوَجْهُ في تَوْحِيدِ المِصْباحِ والمِشْكاةِ وجَمْعِ البَيْتِ ؟ ولا تَكُونُ المِشْكاةُ الواحِدَةُ ولا المِصْباحُ الواحِدُ إلّا في بَيْتٍ واحِدٍ. وأُجِيبُ بِأنَّ هَذا مِنَ الخِطابِ الَّذِي يُفْتَحُ أوَّلُهُ بِالتَّوْحِيدِ، ويُخْتَمُ بِالجَمْعِ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ [الطلاق: ١] ونَحْوِهِ. وقِيلَ: مَعْنى في بُيُوتٍ: في كُلِّ واحِدٍ مِنَ البُيُوتِ، فَكَأنَّهُ قالَ: في كُلِّ بَيْتٍ، أوْ في كُلِّ واحِدٍ مِنَ البُيُوتِ. واخْتَلَفَ النّاسُ في البُيُوتِ، عَلى أقْوالٍ: الأوَّلُ أنَّها المَساجِدُ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ والحَسَنِ وغَيْرِهِما. الثّانِي أنَّ المُرادَ بِها بُيُوتُ بَيْتِ المَقْدِسِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ. الثّالِثُ أنَّها بُيُوتُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ. الرّابِعُ هي البُيُوتُ كُلُّها، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الخامِسُ أنَّها المَساجِدُ الأرْبَعَةُ: الكَعْبَةُ، ومَسْجِدُ قُباءٍ، ومَسْجِدُ المَدِينَةِ، ومَسْجِدُ بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والقَوْلُ الأوَّلُ أظْهَرُ لِقَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ والباءُ مِن بَيْتٍ تُضَمُّ وتُكْسَرُ كُلُّ ذَلِكَ ثابِتٌ في اللُّغَةِ، ومَعْنى أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ: أمَرَ وقَضى، ومَعْنى تُرْفَعُ تُبْنى، قالَهُ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ وغَيْرُهُما، ومِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ﴾ وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ وغَيْرُهُ: مَعْنى تُرْفَعُ تُعَظَّمُ ويُرْفَعُ شَأْنُها وتُطَهَّرُ مِنَ الأنْجاسِ والأقْذارِ، ورَجَّحَهُ الزَّجّاجُ وقِيلَ: المُرادُ بِالرَّفْعِ هُنا مَجْمُوعُ الأمْرَيْنِ، ومَعْنى ﴿يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ كُلُّ ذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقِيلَ: هو التَّوْحِيدُ، وقِيلَ: المُرادُ تِلاوَةُ القُرْآنِ، والأوَّلُ أوْلى ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ رِجالٌ﴾ قَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ ( يُسَبَّحُ ) بِفَتْحِ الباءِ المُوَحِّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ إلّا ابْنَ وثّابٍ وأبا حَيْوَةَ فَإنَّهُما قَرَآ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ وكَسْرِ المُوَحَّدَةِ، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى يَكُونُ القائِمُ مَقامَ الفاعِلِ أحَدَ المَجْرُوراتِ الثَّلاثَةِ، ويَكُونُ رِجالٌ مَرْفُوعًا عَلى أحَدِ وجْهَيْنِ: إمّا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وكَأنَّهُ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، كَأنَّهُ مَن يُسَبِّحُهُ ؟ فَقِيلَ يُسَبِّحُهُ رِجالٌ. الثّانِي أنَّ ( رِجالٌ ) مُرْتَفَعٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ يَكُونُ رِجالٌ فاعِلُ يُسَبِّحُ وعَلى القِراءَةِ الثّالِثَةِ يَكُونُ الفاعِلُ أيْضًا رِجالٌ، وإنَّما أُنِّثَ الفِعْلُ لِكَوْنِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ يُعامَلُ مُعامَلَةَ المُؤَنَّثِ في بَعْضِ الأحْوالِ. واخْتُلِفَ في هَذا التَّسْبِيحِ ما هو ؟ فالأكْثَرُونَ حَمَلُوهُ عَلى الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ، قالُوا: الغُدُوُّ صَلاةُ الصُّبْحِ، والآصالُ صَلاةُ الظُّهْرِ والعَصْرِ والعِشاءَيْنِ؛ لِأنَّ اسْمَ الآصالِ يَشْمَلُها، ومَعْنى بِالغُدُوِّ والآصالِ: بِالغَداةِ والعَشِيِّ وقِيلَ: صَلاةُ الصُّبْحِ والعَصْرِ، وقِيلَ: المُرادُ صَلاةُ الضُّحى، وقِيلَ: المُرادُ بِالتَّسْبِيحِ هُنا مَعْناهُ الحَقِيقِيُّ، وهو تَنْزِيهُ اللَّهِ سُبْحانَهُ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ، ويُؤَيِّدُ هَذا ذِكْرُ الصَّلاةِ والزَّكاةِ بَعْدَهُ، وهَذا أرْجَحُ مِمّا قَبْلَهُ؛ لِكَوْنِهِ المَعْنى الحَقِيقِيَّ مَعَ وُجُودِ دَلِيلٍ عَلى خِلافِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الأوَّلُونَ. وهو ما ذَكَرْناهُ. ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرِجالٍ أيْ: لا تَشْغَلُهُمُ التِّجارَةُ والبَيْعُ عَنِ الذِّكْرِ، وخَصَّ التِّجارَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّها أعْظَمَ ما يَشْتَغِلُ بِهِ الإنْسانُ عَنِ الذِّكْرِ. وقالَ الفَرّاءُ: التِّجارَةُ لِأهْلِ الجَلَبِ، والبَيْعُ ما باعَهُ الرَّجُلُ عَلى بَدَنِهِ، وخَصَّ قَوْمٌ التِّجارَةَ هاهُنا بِالشِّراءِ لِذِكْرِ البَيْعِ بَعْدَها، وبِمِثْلِ قَوْلِ الفَرّاءِ قالَ الواقِدِيُّ فَقالَ: التُّجّارُ هُمُ الجُلّابُ المُسافِرُونَ والباعَةُ هُمُ المُقِيمُونَ، ومَعْنى ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾: هو ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ وقِيلَ: المُرادُ الأذانُ، وقِيلَ: عَنْ ذِكْرِهِ بِأسْمائِهِ الحُسْنى أيْ: يُوَحِّدُونَهُ ويُمَجِّدُونَهُ. وقِيلَ: المُرادُ عَنِ الصَّلاةِ، ويَرُدُّهُ ذِكْرُ الصَّلاةِ بَعْدَ الذِّكْرِ هُنا. والمُرادُ بِإقامِ الصَّلاةِ إقامَتُها لِمَواقِيتِها مِن غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وحُذِفَتِ التّاءُ لِأنَّ الإضافَةَ تَقُومُ مَقامَها في ثَلاثِ كَلِماتٍ جَمَعَها الشّاعِرُ في قَوْلِهِ: (p-١٠١٦) ؎ثَلاثَةٌ تُحْذَفُ تاءاتُها ∗∗∗ مَضافَةً عِنْدَ جَمِيعِ النُّحاةِ ؎وهْيَ إذا شِئْتَ أبُو عُذْرِها ∗∗∗ ولَيْتَ شِعْرِي وإقامُ الصَّلاةِ وأنْشَدَ الفَرّاءُ في الِاسْتِشْهادِ لِلْحَذْفِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎إنَّ الخَلِيطَ أجَدُّوا البَيْنَ وانْجَرَدُوا ∗∗∗ وأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الَّذِي وعَدُوا أيْ عِدَةَ الأمْرِ، وفي هَذا البَيْتِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الحَذْفَ مَعَ الإضافَةِ لا يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الثَّلاثَةِ المَواضِعِ. قالَ الزَّجّاجُ: وإنَّما حُذِفَتِ الهاءُ؛ لِأنَّهُ يُقالُ أقَمْتَ الصَّلاةَ إقامَةً، وكانَ الأصْلُ إقْوامًا، ولَكِنْ قُلِبَتِ الواوُ ألْفًا فاجْتَمَعَتْ ألْفانِ فَحُذِفَتْ إحْداهُما لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ فَبَقِيَ أقَمْتُ الصَّلاةَ إقامًا فَأُدْخِلَتِ الهاءُ عِوَضًا عَنِ المَحْذُوفِ وقامَتِ الإضافَةُ هاهُنا في التَّعْوِيضِ مَقامَ الهاءِ المَحْذُوفَةِ، وهَذا إجْماعٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ انْتَهى. وقَدِ احْتاجَ مَن حَمَلَ ذِكْرَ اللَّهِ عَلى الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ أنْ يَحْمِلَ إقامَ الصَّلاةِ عَلى تَأْدِيَتِها في أوْقاتِها فِرارًا مِنَ التَّكْرارِ ولا مُلْجِئَ إلى ذَلِكَ، بَلْ يُحْمَلُ الذِّكْرُ عَلى مَعْناهُ الحَقِيقِيِّ كَما قَدَّمْنا. والمُرادُ بِالزَّكاةِ المَذْكُورَةِ هي المَفْرُوضَةُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالزَّكاةِ طاعَةُ اللَّهِ والإخْلاصُ، إذْ لَيْسَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مالٌ ﴿يَخافُونَ يَوْمًا﴾ أيْ يَوْمَ القِيامَةِ، وانْتِصابُهُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لِلْفِعْلِ لا ظَرْفٌ لَهُ، ثُمَّ وصَفَ هَذا اليَوْمَ بِقَوْلِهِ: ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ أيْ تَضْطَرِبُ وتَتَحَوَّلُ، قِيلَ المُرادُ بِتَقَلُّبِ القُلُوبِ انْتِزاعُها مِن أماكِنِها إلى الحَناجِرِ فَلا تَرْجِعُ إلى أماكِنِها ولا تَخْرُجُ، والمُرادُ بِتَقَلُّبِ الأبْصارِ هو أنْ تَصِيرَ عَمْياءَ بَعْدَ أنْ كانَتْ مُبْصِرَةً. وقِيلَ: المُرادُ بِتَقَلُّبِ القُلُوبِ أنَّها تَكُونُ مُتَقَلِّبَةٌ بَيْنَ الطَّمَعِ في النَّجاةِ والخَوْفِ مِنَ الهَلاكِ، وأمّا تَقَلُّبُ الأبْصارِ فَهو نَظَرُها مِن أيِّ ناحِيَةٍ يُؤْخَذُونَ، وإلى أيِّ ناحِيَةٍ يَصِيرُونَ. وقِيلَ: المُرادُ تَحَوُّلُ قُلُوبِهِمْ وأبْصارِهِمْ عَمّا كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّكِّ إلى اليَقِينِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ﴾ فَما كانَ يَراهُ في الدُّنْيا غَيًّا يَراهُ في الآخِرَةِ رُشْدًا. وقِيلَ: المُرادُ التَّقَلُّبُ عَلى جَمْرِ جَهَنَّمَ، وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أيْ: يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ مِنَ التَّسْبِيحِ والذِّكْرِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾ أيْ: أحْسَنَ جَزاءِ أعْمالِهِمْ حَسْبَما وعَدَهم مِن تَضْعِيفِ ذَلِكَ إلى عَشَرَةِ أمْثالِهِ وإلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وقِيلَ: المُرادُ بِما في هَذِهِ الآيَةِ ما يَتَفَضَّلُ سُبْحانَهُ بِهِ عَلَيْهِمْ زِيادَةً عَلى ما يَسْتَحِقُّونَهُ، والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ: ﴿ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ﴾ فَإنَّ المُرادَ بِهِ التَّفَضُّلُ عَلَيْهِمْ بِما فَوْقَ الجَزاءِ المَوْعُودِ بِهِ ﴿واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ أيْ مِن غَيْرِ أنْ يُحاسِبَهُ عَلى ما أعْطاهُ، أوْ أنَّ عَطاءَهُ سُبْحانَهُ لا نِهايَةَ لَهُ، والجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِما سَبَقَها مِنَ الوَعْدِ بِالزِّيادَةِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: يُدَبِّرُ الأمْرَ فِيهِما نُجُومَهُما وشَمْسَهُما وقَمَرَهُما. وأخْرَجَ الفِرْيابِيٌّ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ الَّذِي أعْطاهُ المُؤْمِنُ كَمِشْكاةٍ وقالَ في تَفْسِيرِ: ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ إنَّها الَّتِي في سَفْحِ جَبَلٍ لا تُصِيبُها الشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ ولا إذا غَرَبَتْ ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ فَذَلِكَ مَثَلُ قَلْبِ المُؤْمِنِ نُورٌ عَلى نُورٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ في المَصاحِفِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: في قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ( مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِ كَمِشْكاةٍ ) . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: يَقُولُ مَثَلُ نُورِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ كَمِشْكاةٍ، وهي الكُوَّةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ قالَ: هي خَطَأٌ مِنَ الكاتِبِ هو أعْظَمُ مِن أنْ يَكُونَ مَثَلُ نُورِهِ المِشْكاةَ، قالَ: مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِ كَمِشْكاةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنْهُ أيْضًا ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: هادِي أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ مَثَلُ هُداهُ في قَلْبِ المُؤْمِنِ كَمِشْكاةٍ يَقُولُ مَوْضِعُ الفَتِيلَةِ كَما يَكادُ الزَّيْتُ الصّافِي يُضِيءُ قَبْلَ أنْ تَمَسَّهُ النّارُ، فَإذا مَسَّتْهُ النّارُ ازْدادَ ضَوْءًا عَلى ضَوْئِهِ، كَذَلِكَ يَكُونُ قَلْبُ المُؤْمِنِ يَعْمَلُ بِالهُدى قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُ العِلْمُ، فَإذا جاءَهُ العِلْمُ ازْدادَ هُدًى عَلى هُدًى ونُورًا عَلى نُورٍ، وفي إسْنادِهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ، وفِيهِ مَقالٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ قالَ: هو المُؤْمِنُ الَّذِي قَدْ جُعِلَ الإيمانُ والقُرْآنُ في صَدْرِهِ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ، فَقالَ: ﴿نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ فَبَدَأ بِنُورِ نَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ المُؤْمِنُ، فَقالَ مَثَلُ نُورِ مَن آمَنَ بِهِ، فَكانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَأُها ( مَثَلُ نُورِ مَن آمَنَ بِهِ ) فَهو المُؤْمِنُ، جُعِلَ الإيمانُ والقُرْآنُ في صَدْرِهِ كَمِشْكاةٍ قالَ: فَصَدْرُ المُؤْمِنَ المِشْكاةُ ﴿فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ﴾ النُّورُ، وهو القُرْآنُ والإيمانُ الَّذِي جُعِلَ في صَدْرِهِ ﴿فِي زُجاجَةٍ﴾ والزُّجاجَةُ قَلْبُهُ ﴿كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ يَقُولُ كَوْكَبٌ مُضِيءٌ ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ والشَّجَرَةُ المُبارَكَةُ: أصْلُ المُبارَكِ الإخْلاصُ لِلَّهِ وحْدَهُ وعِبادَتُهُ لا شَرِيكَ لَهُ ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ قالَ: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ التَفَّتْ بِها الشَّجَرُ، فَهي خَضْراءُ ناعِمَةٌ لا تُصِيبُها الشَّمْسُ عَلى أيِّ حالٍ كانَتْ، لا إذا طَلَعَتْ ولا إذا غَرَبَتْ، فَكَذَلِكَ هَذا المُؤْمِنُ قَدْ أُجِيرَ مِن أنْ يُضِلَّهُ شَيْءٌ مِنَ الفِتَنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِمُحَمَّدٍ: كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مِن دُونِ السَّماءِ ؟ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ ذَلِكَ لِنُورِهِ فَقالَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ﴾» المِشْكاةُ كُوَّةُ البَيْتِ فِيها مِصْباحٌ، وهو السِّراجُ يَكُونُ في الزُّجاجَةِ، وهو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِطاعَتِهِ، فَسَمّى طاعَتَهُ نُورًا، ثُمَّ سَمّاها أنْواعًا شَتّى ﴿لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ قالَ: وهي وسَطُ الشَّجَرِ لا تَنالُها الشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ ولا إذا غَرَبَتْ، وذَلِكَ أجْوَدُ الزَّيْتِ ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ﴾ بِغَيْرِ نارٍ ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ إيمانَ العَبْدِ وعِلْمَهُ ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ﴾ وهو مَثَلُ (p-١٠١٧)المُؤْمِنِ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في قَوْلِهِ: ﴿كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾ قالَ: المِشْكاةُ جَوْفُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، والزُّجاجَةُ قَلْبُهُ، والمِصْباحُ النُّورُ الَّذِي في قَلْبِهِ ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ الشَّجَرَةُ إبْراهِيمُ ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ﴾ لا يَهُودِيَّةٍ ولا نَصْرانِيَّةٍ، ثُمَّ قَرَأ ﴿ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا ولَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٦٧] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ شَمَرِ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ: جاءَ ابْنُ عَبّاسٍ إلى كَعْبٍ الأحْبارِ، فَقالَ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ قالَ: مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كَمِشْكاةٍ قالَ: المِشْكاةُ الكُوَّةُ ضَرَبَها اللَّهُ مَثَلًا لِقِمَّةٍ فِيها مِصْباحٌ، والمِصْباحُ قَلْبُهُ ﴿المِصْباحُ في زُجاجَةٍ﴾ والزُّجاجَةُ صَدْرُهُ ﴿كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ شَبَّهَ صَدْرَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ رَجَعَ المِصْباحُ إلى قَلْبِهِ فَقالَ: ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ﴾ قالَ: يَكادُ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُبَيِّنُ لِلنّاسِ ولَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ أنَّهُ نَبِيٌّ، كَما يَكادُ الزَّيْتُ أنْ يُضِيءَ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ. وأقُولُ: إنَّ تَفْسِيرَ النَّظْمِ القُرْآنِيِّ بِهَذا ونَحْوِهِ مِمّا تَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - لَيْسَ عَلى ما تَقْتَضِيهِ لُغَةُ العَرَبِ، ولا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ما يَجُوزُ العُدُولُ عَنِ المَعْنى العَرَبِيِّ إلى هَذِهِ المَعانِي الَّتِي هي شَبِيهَةٌ بِالألْغازِ والتَّعْمِيَةِ، ولَكِنَّ هَؤُلاءِ الصَّحابَةَ ومَن وافَقَهم مِمَّنْ جاءَ بَعْدَهُمُ اسْتَبْعَدُوا تَمْثِيلَ نُورِ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِنُورِ المِصْباحِ في المِشْكاةِ، ولِهَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو أعْظَمُ مِن أنْ يَكُونَ نُورُهُ مِثْلَ نُورٍ المِشْكاةِ كَما قَدَّمْنا عَنْهُ، ولا وجْهَ لِهَذا الِاسْتِبْعادِ. فَإنّا قَدْ قَدَّمَنا في أوَّلِ البَحْثِ ما يَرْفَعُ الإشْكالَ ويُوَضِّحُ ما هو المُرادُ عَلى أحْسَنِ وجْهٍ وأبْلَغِ أُسْلُوبٍ، وعَلى ما تَقْتَضِيهِ لُغَةُ العَرَبِ ويُفِيدُهُ كَلامُ الفُصَحاءِ، فَلا وجْهَ لِلْعُدُولِ عَنِ الظّاهِرِ، لا مِن كِتابٍ ولا مِن سُنَّةٍ ولا مِن لُغَةٍ. وأمّا ما حُكِيَ عَنْ كَعْبٍ الأحْبارِ في هَذا كَما قَدَّمْنا، فَإنْ كانَ هو سَبَبَ عُدُولِ أُولَئِكَ الصَّحابَةِ الأجِلّاءِ عَنِ الظّاهِرِ في تَفْسِيرِ الآيَةِ، فَلَيْسَ مِثْلُ كَعْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ في مِثْلِ هَذا. وقَدْ نَبَّهْناكَ فِيما سَبَقَ أنَّ تَفْسِيرَ الصَّحابِيِّ إذا كانَ مُسْتَنَدُهُ الرِّوايَةَ عَنْ أهْلِ الكِتابِ كَما يَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَلا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ ولا يَسُوغُ لِأجْلِهِ العُدُولُ عَنِ التَّفْسِيرِ العَرَبِيِّ، نَعَمْ إنْ صَحَّتْ قِراءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، كانَتْ هي المُسْتَنَدَ لِهَذِهِ التَّفاسِيرِ المُخالِفَةِ لِلظّاهِرِ، وتَكُونُ كالزِّيادَةِ المُبَيِّنَةِ لِلْمُرادِ، وإنْ لَمْ تَصِحَّ فالوُقُوفُ عَلى ما تَقْتَضِيهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ مِنَ السَّبْعَةِ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَبْلَهم ومِمَّنْ بَعْدَهم هو المُتَعَيَّنُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ﴾ قالَ: هي المَساجِدُ تُكْرَمُ ويُنْهى عَنِ اللَّغْوِ فِيها، ويُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ، يُتْلى فِيها كِتابُهُ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ صَلاةِ الغَداةِ وصَلاةِ العَصْرِ، وهُما أوَّلُ ما فَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلاةِ فَأحَبَّ أنْ يَذْكُرَهُما ويُذَكِّرَ بِهِما عِبادَهُ. وقَدْ ورَدَ في تَعْظِيمِ المَساجِدِ وتَنْزِيهِها عَنِ القَذَرِ واللَّغْوِ وتَنْظِيفِها وتَطْيِيبِها أحادِيثُ لَيْسَ هَذا مَوْضِعَ ذِكْرِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ صَلاةَ الضُّحى لَفي القُرْآنِ وما يَغُوصُ عَلَيْها إلّا غَوّاصٌ في قَوْلِهِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قالَ: هُمُ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والدَّيْلَمِيُّ عَنِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ: ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قالَ: هُمُ الَّذِي يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ، قالَ: كانُوا رِجالًا يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ يَشْتَرُونَ ويَبِيعُونَ، فَإذا سَمِعُوا النِّداءَ بِالصَّلاةِ ألْقَوْا ما في أيْدِيهِمْ وقامُوا إلى المَسْجِدِ فَصَلَّوْا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ في الآيَةِ، قالَ: ضَرَبَ اللَّهُ هَذا المَثَلَ قَوْلَهُ: كَمِشْكاةٍ لِأُولَئِكَ القَوْمِ الَّذِينَ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وكانُوا أتْجَرَ النّاسِ وأبْيَعَهم، ولَكِنْ لَمْ تَكُنْ تُلْهِيهِمْ تِجارَتُهم ولا بَيْعُهم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قالَ: عَنْ شُهُودِ الصَّلاةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ في السُّوقِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَأغْلَقُوا حَوانِيتَهم، ثُمَّ دَخَلُوا المَسْجِدَ، فَقالَ ابْنُ عُمَرَ فِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ رَأى ناسًا مِن أهْلِ السُّوقِ سَمِعُوا الأذانَ فَتَرَكُوا أمْتِعَتَهم، فَقالَ: هَؤُلاءِ الَّذِي قالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ . وأخْرَجَ هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ في الزُّهْدِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في الصَّلاةِ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ النّاسَ في صَعِيدٍ واحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدّاعِيَ يُنْفِذُهُمُ البَصَرَ، فَيَقُومُ مُنادٍ فَيُنادِي أيْنَ الَّذِينَ كانُوا يَحْمَدُونَ اللَّهَ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ ؟ فَيَقُومُونَ وهم قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُنادِي أيْنَ الَّذِينَ كانَتْ تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ ؟ فَيَقُومُونَ وهم قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ثُمَّ يَعُودُ فَيُنادِي: لِيَقُمِ الَّذِينَ كانُوا لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَيَقُومُونَ وهم قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ، ثُمَّ يَقُومُ سائِرُ النّاسِ فَيُحاسَبُونَ» . وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب