نظير قوله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مع قوله مَثَلُ نُورِهِ، ويَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ:
قولك: زيد كرم وجود، ثم تقول: ينعش الناس بكرمه وجوده. والمعنى: ذو نور السماوات، وصاحب نور السماوات، ونور السماوات والأرض الحق، شبهه بالنور في ظهوره وبيانه، كقوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ: أى من الباطل إلى الحق.
وأضاف النور إلى السماوات والأرض لأحد معنيين: إما للدلالة على سعة إشراقه وفشوّ إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض. وإما أن يراد أهل السماوات والأرض وأنهم يستضيئون به مَثَلُ نُورِهِ أى صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة كَمِشْكاةٍ كصفة مشكاة وهي الكوّة في الجدار غير النافذة فِيها مِصْباحٌ سراج ضخم ثاقب فِي زُجاجَةٍ أراد قنديلا من زجاج شامي [[قوله «شامي» نعت لزجاج، ويوضحه قوله «أزهر» وعبارة النسفي: شامي بكسر الزاى، أى قرأ الشامي:
زجاجة، بكسر الزاى. (ع)]] أزهر. شبهه في زهرته بأحد الدراري من الكواكب وهي المشاهير، كالمشترى والزهرة والمرّيخ وسهيل ونحوها يُوقَدُ هذا المصباح مِنْ شَجَرَةٍ أى ابتدأ ثقوبه من شجرة الزيتون، يعنى: زويت ذبالته [[قوله «يعنى زويت ذبالته بزيتها» في الصحاح: زويت الشيء: جمعته وقبضته. وانزوت الجلدة في النار، أى: اجتمعت وتقبضت. وفيه «الذبالة» الفتيلة، ولعله «رويت» بالراء» كما في عبارة النسفي.]] بزيتها مُبارَكَةٍ كثيرة المنافع. أو: لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل: بارك فيها سبعون نبيا، منهم إبراهيم عليه السلام. وعن النبي ﷺ: «عليكم بهذه الشجرة زيت الزيتون فتداووا به، فإنه مصحة من الباسور [[أخرجه الطبراني وابن أبى حاتم في العلل وأبو نعيم في الطب والثعلبي كلهم من طريق عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبى الخير عن عتبة بن عامر بهذا]] » لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ أى منبتها الشام. وأجود الزيتون: زيتون الشام. وقيل: لا في مضحى ولا مقنأة، [[قوله «ولا مقنأة» في الصحاح «المقأة» المكان الذي لا تطلع عليه الشمس.]] ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها، وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها. قال رسول الله ﷺ: «لا خير في شجرة في مقنأة، ولا نبات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى» [[لم أجده]] وقيل: ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط، بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا، فهي شرقية وغربية، ثم وصف الزيت بالصفاء والوبيص، [[قوله «والوبيص» البريق واللمعان، أفاده الصحاح. (ع)]] وأنه لتلألئه يَكادُ يضيء من غير نار نُورٌ عَلى نُورٍ
أى هذا الذي شبهت به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، حتى لم تبق مما يقوى النور ويزيده إشراقا ويمدّه بإضاءة: بقية، وذلك أن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره، بخلاف المكان الواسع فإنّ الضوء ينبث فيه وينتشر، والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة، وكذلك الزيت وصفاؤه يَهْدِي اللَّهُ لهذا النور الثاقب مَنْ يَشاءُ من عباده، أى: يوفق لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله والإنصاف من نفسه، ولم يذهب عن الجادة الموصلة إليه يمينا وشمالا. ومن لم يتدبر فهو كالأعمى الذي سواء عليه جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس. وعن علىّ رضى الله عنه:
«الله نور السماوات والأرض» أى نشر فيها الحق وبثه فأضاءت بنوره. أو نور قلوب أهلها به، وعن أبىّ بن كعب رضى الله عنه: مثل نور من آمن به. وقرئ: زجاجة الزجاجة، بالفتح والكسر:
ودرّىّ: منسوب إلى الدرّ أى، أبيض متلألأ. ودرّىء: بوزن سكيت: يدرأ الظلام بضوئه.
ودريء كمريق. ودرى كالسكينة، عن أبى زيد. وتوقد: بمعنى تتوقد. والفعل للزجاجة. ويوقد، وتوقد، بالتخفيف. ويوقد، بالتشديد. ويوقد بحذف التاء وفتح الياء، لاجتماع حرفين زائدين وهو غريب. ويمسه بالياء، لأن التأنيث ليس بحقيقى، والضمير فاصل.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}