الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة ٩٠]، هذه الآية جمعت بين خبر وطلب، الخبر قوله: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، والطلب قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، في هذه الآية يبدأ الله تعالى الخطاب بـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وقد تكرر هذا الخطاب، وبيَّنَّا أن بدء الكلام بالخطاب يدل على أهميته والعناية به، ثم بدؤه بهذا الوصف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يدل على أن العمل به تصديقًا أو امتثالًا من مقتضيات الإيمان، كذلك أيضًا يدل على أن مخالفته أو الشك فيه أو تكذيبه منافٍ للإيمان؛ إما لأصله أو لكماله، وثالثًا: أن في هذا إغراءً للمخاطب، كأنه يقول: إن كنت مؤمنًا فاستمع وامتثل.
وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أطلق الله عز وجل الإيمان ولم يذكر ما يؤمن به؛ لأن ذلك معلوم، وقد سأل جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه -أي عن الإيمان- فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه البخاري (٤٧٧٧) من حديث أبي هريرة، ومسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]].
﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ﴾ (إنما) أداة حصر، والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، هذا هو الأصل، وقد يراد به تحقيق الحكم في المذكور، ولا يلزم أن ينفى عما سواه؛ كما سيتبين إن شاء الله في التفسير.
﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ﴾ الخمر قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: إنه المسكر، المسكر هذا هو الخمر، كل ما أسكر فهو خمر، ولا نقول: كل ما أذهب العقل فهو خمر، أو كل ما أذهب الإحساس فهو خمر، بل نقول: الخمر ما غطى العقل على وجه اللذة والطرب؛ لأن الذين يشربون الخمر يجدون راحة ونشوة وطربًا، وعلى هذا فالبنج ليس بخمر؛ لأنه وإن كان يفقد الإحساس لكنه لا يجد الإنسان فيه النشوة والطرب، ومع ذلك لا يستعمل البنج إلا للحاجة والضرورة.
الميسر هو: أخذ المال على وجه المغالبة، وسُمي ميسرًا لتيسر الحصول عليه، مثاله: المراهنة والقمار، مثل أن يقول: سنعمل عملًا سويًّا ونجعل العوض مثلًا عشرة آلاف ريال، فمن غلب أخذ العشرة، ومن غُلب أُخذت منه العشرة. إذن المسألة الآن غرر وجهالة، فيسمى هذا ميسرًا؛ لما فيه من المغامرة والغرر والمخاطرة، وقد كان هذا معروفًا عند العرب وكذلك في أول الإسلام، ولكنه -والحمد لله- حرم.
﴿وَالْأَنْصَابُ﴾ الأنصاب هي: ما ينصب ليعبد من دون الله، ﴿وَالْأَزْلَامُ﴾ هي ما يُستقسم به، أي يطلب به الإنسان ما قُسم له، وكانوا يستعملون هذا في الجاهلية، يضعون أقداحًا فيها: افعل، ولا تفعل، والقدح الثالث ليس فيه شيء، ثم يخلطونها جميعًا ويقول القائل: خذ منها بدون أن تعلم، تجعل في كيس أو نحوه، ثم يقال: أدخل يدك وأخرج قدحًا، إن خرج (افعل) فعل، وإن خرج (لا تفعل) لم يفعل، إن خرج المهمل أعاد مرة أخرى. هذا العمل كانوا يستعملونه في الجاهلية، وهو مبني على أوهام لا حقيقة له، ولذلك حرمه الله عز وجل.
وقوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ الرجس: النجس، لكن يكون الرجس نجسًا حسيًّا ويكون معنويًّا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب ٣٣]، وقال: ﴿اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج ٣ ] المراد من الرجس هنا حسي ولَّا معنوي؟ هذا معنوي، وقد يكون حسيًّا، أي نجس نجاسة حسية؛ كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥].
* الشيخ: هذه الآية من أي الرجسين؟ الحسي أو المعنوي؟
* طالب: معنوي.
* الشيخ: الصواب أنها من الرجس المعنوي؛ لأنه وُصف بقوله: ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [المائدة ٩٠]، فقوله: ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ صفة لرجس وليست خبرًا ثانيًا؛ لأننا إذا جعلناها خبرًا ثانيًا صار المعنى أن هذه الأربعة: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس وأنها من عمل الشيطان، وإذا جعلناها وصفًا لرجس صار المعنى أنه رجس عملي وليس رجسًا حسيًّا، وهذا هو الصواب.
* طالب: شيخ، هنا العشرة مساكين، يعني إطعام عشرة مساكين، لو أنهم تسعة وفيهم امرأة مرضعة..
* الشيخ: رضيع؟
* طالب: رضيع نعم، فهل نعطيهم على حساب عشرة على هذا الطفل هذا..؟
* الشيخ: نطعمها مرتين، نعم. يسأل يقول: إذا كان تسعة فقراء أحدهم امرأة ترضع فهل يكفي أن يطعمها مرتين؟ الجواب: لا، لا بد من إطعام عشرة مساكين يتغذون بالطعام، لا باللبن.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، لو وجدنا فقيرًا، وهو يعول عائلة من تسعة، وهو العاشر، لكنهم ليسوا معه في البلد، فهل نعطيه الكفارة..؟
* الشيخ: نعم، إذا علمنا أنه سيؤديها لهم، أما إذا لم نعلم فلا.
* الطالب: هو يعولهم، قد يبيعه مثلًا ويروح له فلوسه؟
* الشيخ: لا ما يجوز، لازم من إطعام عشرة.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، هناك بعض المشروبات فيه نوع مادة الكحول واحد أو أكثر (...) هل يجوز فعله؟
* الشيخ: لم نصل إليه بعد.
* طالب: عفا الله عنك يا شيخ، خص الآية للمؤمنين دون الكافرين يا شيخ، عدم العناية فيهم للكفار، ولّا إنه هو لا بأس (...)؟
* الشيخ: هذه لم تأت بعد.
* طالب: أحسن الله إليكم، هل ينعقد اليمين إذا دفعه إليه موقف معين، غضب أو غيظ أو نحوه؟
* الشيخ: إي نعم، يعني إذا صدر اليمين عن غضب، هل ينعقد أو لا ينعقد؟ هذه مسألة لا بد أن تأخذوا بها قاعدة: كل قول يكون عن غضب لا يملك فيه الإنسان نفسه فلا عبرة به، كل قول يكون عن غضب شديد لا يملك فيه الإنسان نفسه فإنه لا عبرة به، فلو طلق في غضب شديدلم تطلق امرأته، ولو أقسم في غضب شديدلم ينعقد اليمين، ولو ظاهر من امرأته في غضب شديدلم يكن ظهارًا، وهذه قاعدة ثابتة، نعم.
* طالب: يا شيخ، هل يشترط في الكسوة التمليك؟
* الشيخ: التمليك؟ إي نعم، تعير الثوب وتأخذه على العصر!
* طالب: طيب، شيخنا قلنا: إذن الإطعام ما يشترط تمليكه؟
* الشيخ: إي؛ لأن الطعام ينتفع به مرة واحدة وينتهي.
* طالب: (...) استضاف المساكين رز نيء (...)؟
* الشيخ: إي، كلام الفقهاء يقولون: لا بأس أن يعطيهم رزًّا نيئًا لكن يحسن أن يكون معه شيء يؤدمه.
* طالب: أقول: لحم يا شيخ يعني؟
* الشيخ: إي، لحم.
* طالب: اللبن والحليب أليس من الإطعام؟
* الشيخ: لا، ليس طعامًا.
* طالب: اليمين الغموس هل تجب الكفارة مع التوبة؟
* الشيخ: لا، اليمين الغموس لا تكون إلا على شيء ماض، كل يمين على شيء ماض ما فيه كفارة.
* طالب: أحسن الله إليك، ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ رقبة هنا مطلقة، هل يقيد بالإيمان؟
* الشيخ: أحسنت، هذه نسينا أن ننبه عليها، الرقبة هنا مطلقة ﴿تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾، فهل يصح إعتاق الكافر؟
يرى بعض أهل العلم أنه يصح؛ لأننا نطلق ما أطلقه الله ونقيد ما قيده الله، والرقبة وردت مطلقة هنا في كفارة اليمين، ووردت مطلقة في كفارة الظهار، ووردت مطلقة في كفارة الجماع في رمضان، ووردت مقيدة في كفارة القتل، فمن العلماء من قال: يجب علينا أن نبقي النصوص كلها على ما هي عليه، فيشترط الإيمان في كفارة القتل، ولا يشترط في كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الجماع، ومنهم من قال: ما دام الحكم واحدًا فإنه يجب أن يقيد المطلق بالقيد الذي قيد به المقيد، وإن اختلف السبب، واستدل هؤلاء بدليل حديث معاوية بن الحكم أنه أراد أن يعتق جاريته التي لطمها، فدعا بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسألها: «أَيْنَ اللهُ؟» قالت: في السَّماء. قال: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم. ]]، فإنه يستفاد من هذا أنه لو لم تكن مؤمنة ما شرع عتقها، وعللوا أيضًا بتعليل جيد، قالوا: إنه إذا عتق الكافر فإنه لا يُؤمَن أن يرجع إلى أصله وأهله؛ لأنه الآن تحرر، فيمكن أن يذهب إلى أهله ويزيد سوادهم في محاربة المسلمين، فالصواب أنه لا بد من الإيمان، الصحيح أنه لا بد من الإيمان.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، بالنسبة للكسوة يكفي كسوة ككسوة الأطفال؟
* الشيخ: إي نعم، ظاهر الآية أنه يكفي، لكن الطفل الذي يأكل الطعام.
﴿وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ﴾ أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه في ذلك أثر، ما هو؟
* طالب: «أنه قال: إذا سمعتم قوله:» ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ «فأرعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه»[[أخرجه ابن المبارك في الزهد (٣٦)، وسعيد بن منصور في التفسير (٥٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
* الشيخ: نعم، إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه. وذكرنا أن تصدير الخطاب بالنداء يدل؟
* طالب: على ثلاثة أشياء.
* الشيخ: لا.
* الطالب: على التنبيه.
* الشيخ: على التنبيه والإتيان به. وإذا صُدِّر بمخاطبة المؤمنين ماذا يفيد؟
* الطالب: فإنه يدل على أن امتثال ما يأتي إما فعلًا أو تركًا من مقتضيات الإيمان.
* الشيخ: وتصديقه إن كان خبرًا..
* الطالب: من مقتضيات الإيمان.
* الشيخ: هذه واحدة.
* الطالب: الثاني أن فيه الإغراء.
* الشيخ: نعم، الإغراء والحث؛ لأن وصف الإنسان بالشيء الذي يؤدي إلى أن يُقدِم هذا إغراء وحث.
* الطالب: الثالث: أن مخالفته من أسباب نقصان الإيمان.
* الشيخ: نعم، أن مخالفته سبب لنقصان الإيمان، بارك الله فيك. الخمر له تعريف؟
* طالب: هو ما أذهب العقل على وجه اللذة والطرب.
* الشيخ: ما غطَّى، ما هو أذهب، ما هو يذهب العقل.
* الطالب: غطى العقل.
* الشيخ: على وجه اللذة والطرب. طيب، هل له أصل في المعاني الحسية؟
* الطالب: الخمر؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: نعم، من ما (...).
* الشيخ: ومنه الخمار تغطي به المرأة رأسها. طيب، الميسر؟
* طالب: أخذ المال على وجه غير مقابل.
* الشيخ: لا، ما هو صحيح، أجل معناه أني لو آتي وأعطيك هبة صار ميسرًا؟
* الطالب: لا يا شيخ، وجه أخذ المال على وجه المغالبة من غير حق.
* الشيخ: هو ما فيه ظلم ولا..
* طالب: أخذ المال كالمغالبة من جهتين: المغالبة كالمراهنة.
* الشيخ: نعم، هو أخذ المال على وجه المغالبة، طيب ويسمى قمارًا، لماذا سمي ميسرًا؟
* طالب: لتيسر الحصول عليه.
* الشيخ: ولهذا ربما يربح الإنسان في مجلس واحد مئات الآلاف. طيب، الأنصاب؟
* طالب: الأنصاب هي الأصنام التي ينتصب لها الإنسان للعبادة.
* الشيخ: لأنها تنصب لتُعبد من دون الله. طيب، الأزلام؟
* طالب: هي ما يُستقسم به.
* الشيخ: كيف ذلك؟ معروفة.
* الطالب: كان توضع أقداح و..
* الشيخ: لنفرض أنها رِقاع.
* الطالب: يكتب على أحدهما: افعل، أو لا تفعل، فإذا خرج..
* الشيخ: والثالث؟
* الطالب: والثالث لا يكتب عليه شيء.
* الشيخ: طيب، ويضعها في؟
* الطالب: ويضعها في إناء أو كيس أو ما أشبه ذلك..
* الشيخ: لا، في إناء ما يصح، الإناء يشوفه ويأخذ اللي يبغيه.
* الطالب: يضعها في جيب أو ما أشبه ذلك..
* الشيخ: أو في كيس.
* الطالب: أو في كيس، ثم يدخل يده فيأخذ واحدًا، إذا خرجت (افعل) فيأخذ به، وإذا خرجت (لا تفعل) فيأخذ به، وإذا خرجت التي غير مكتوب عليها شيء يعيد مرة ثانية.
* الشيخ: صح، ما معنى (يستقسمون)، هو الأزلام يستقسمون بها؟
* طالب: يطلبون ما قُسم لهم.
* الشيخ: نعم يطلبون ما قُسم لهم، بارك الله فيك.
قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (لعل) هنا؟
* طالب: للترجي، وهي من الله عز وجل واقعة.
* الشيخ: (لعل)؟
* الطالب: للتعليل.
* الشيخ: (لعل) للتعليل، أي لأجل أن تفلحوا.
فما هو الفلاح؟ نأخذ إن شاء الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ ذكرنا أن الرجس نوعان؟
* طالب: حسي ومعنوي.
* الشيخ: مَثِّل للمعنوي؟
* الطالب: المعنوي عبادة غير الله كالأصنام.
* الشيخ: مثل؟ لقوله تعالى؟
* الطالب: لقوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: لقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾.
* الشيخ: طيب، الحسي؟
* الطالب: الحسي مثل الخمر.
* الشيخ: لا. طيب كمل؟
* طالب: الحسي مثل الميتة.
* الشيخ: هات مثالًا، شاهدًا؟
* الطالب: يعني يا شيخ، الخنزير أو الميتة.
* الشيخ: إي لكن نريد دليلًا من القرآن أو السنة؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾.
* الشيخ: هذا رجس حسي ولّا معنوي؟
* الطالب: حسي.
* الشيخ: بارك الله فيك. طيب، ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ يعني أن هذا العمل من عمل الشيطان، أضافه إلى الشيطان لأنه أوحى به وأمر به الإنسان، والشيطان قيل: إنه مشتق من (شطن) إذا بعُد، لبعده عن رحمة الله عز وجل؛ لأن الله لعنه وطرده وأبعده عن رحمته، وقيل: إنه من شاط، أي: غضب، والغضب دائمًا يكون التصرف فيه أهوج، والأول أصح، والدليل على هذا أنه مصروف: شيطان، ولو كان من (شاط) لكان فيه زيادة الألف والنون، فيكون غير مصروف.
﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أي: ابتعدوا عنه، كونوا في جانب وهو في جانب.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (لعل) للتعليل، أي لأجل أن تصلوا إلى الفلاح، والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، فهو يجمع أمرين: الفوز بالمطلوب؛ أي: حصول مطلوب الإنسان، أي ما يطلبه، والنجاة من المرهوب، وهو كثير في القرآن.
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [المائدة ٩١] الجملة فيها حصر، أداته (إنما)، أي: ما يريد الشيطان إلا ذلك ﴿أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ﴾ إلى آخره.
وقوله: ﴿يُرِيدُ﴾ هنا بمعنى: يحب، وإذا أحب سيفعل.
﴿أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ﴾ أي: أيها المؤمنون، العداوة والبغضاء في الخمر والميسر. العداوة ضد الولاية، والبغضاء ضد المحبة، ففي البغضاء تنفر القلوب، وفي العداوة تنفر الأبدان بعضها من بعض فلا يتولى أحد الآخر، وأيهما الناتج عن الثاني؟ العداوة؛ لأنه يُبغِض أولًا ثم يعادي ثانيًا.
﴿فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ (في) هنا للسببية، وتأتي (في) للسببية في اللغة العربية في مواضع كثيرة، ومنها قول النبي ﷺ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا» » أي بسبب هرة «دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٣٦٥)، ومسلم (٢٢٤٢ / ١٥١) من حديث عبد الله بن عمر.]]، أي بسبب الهرة، وليس المعنى أنها دخلت في جوف الهرة، بل المعنى أنها عُذبت بسببها.
﴿فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ ووجه ذلك أنه يوقع العداوة والبغضاء، أن صاحب الخمر -والعياذ بالله- إذا شرب صار كالمجنون، ربما يقتل أو يسرق أو يزني، وبذلك تحصل العداوة والبغضاء. الميسر أيضًا وجه العداوة والبغضاء أن الميسر أخذ المال على وجه المغالبة، والمال محبوب إلى النفوس، فإذا أخذ هذا الإنسان منك مالًا كثيرًا من أجل أنه غلبك في شيء لا يساوي ولا ربع المال الذي أخذه فإنه سوف يبقى في قلبه بغضاء وتُنتج العداوة.
﴿وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ نعم يريد الشيطان أن يصدنا عن ذكر الله؛ عن ذكر الله باللسان، وعن ذكر الله بالجوارح، وعن ذكر الله بالقلب. هذا ما يريد الشيطان منا؛ أن يصدنا عن ذكر الله بالقلب واللسان والجوارح، فتجد الإنسان إذا هم أن يقوم يصلي يثبطه الشيطان ويسول له ويأتيه التثاؤب ثم يبقى. إذا أراد أن يذكر الله أو يقرأ القرآن فكذلك، تجده نشيطًا في شيء من الأشياء فإذا أمسك بالمصحف ليقرأ أتاه الكسل. إذا عجز الشيطان عن الإنسان أن يصده عن القول والفعل أتاه من ناحية ثانية وهي الصد بالقلب؛ أن يصد قلبه عن ذكر الله، وهذه هي الفاجعة العظيمة؛ لأن القلب إذا غفل عن ذكر الله فإنه يضيع على الإنسان أمور دينه ودنياه، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف ٢٨].
ولهذا يجب على الإنسان أن يلاحظ نفسه في هذه الناحية، هل هو إذا جلس يقرأ القرآن قلبه يكون حاضرًا؟ وهل هو إذا ذكر الله يكون قلبه حاضرًا؟ وهل هو إذا صلى يكون قلبه حاضرًا؟ أم هو غافل؟
إنه إذا كان غافل القلب عن ذكر الله باللسان والجوارح فقدْ فقدَ رُوح العبادة حقيقةً، ولذلك نجد الإنسان إذا غفل في صلاته خرج منها بقلب كما دخل فيها بقلب، يعني بنفس القلب، لا يزداد نورًا ولا إيمانًا ولا كراهة للفحشاء والمنكر، وقد أخبر الله تعالى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلماذا لا يجد الإنسان إذا خرج من الصلاة كراهة للفحشاء والمنكر؟ لماذا لا يجد؟
لأنه إنما صلى صلاة جسد فقط، لا صلاة قلب، وهذه نقطة نسأل الله تعالى أن يعيننا عليها، أكثر الناس اليوم مبتلَون بها ويسألون دائمًا كيف يتخلصون منها، لكن الخلاص منها سهل، وهو أن تحاول حضور القلب في الصلاة من أولها إلى آخرها، عوِّد نفسك هذا، أجبِر نفسك على هذا حتى تجد لذة العبادة.
﴿وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ خص الصلاة بالذكر معيدًا حرف الجر إشارة إلى شرفها وعظمها، يعني أعاد حرف الجر، دون أن يكون الكلام: ويصدكم عن ذكر الله والصلاة، قال: ﴿وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ إشارة إلى أهميتها، فالتنصيص عليها، وهي من ذكر الله، دليل على شرفها، وإعادة العامل وهي معطوفة دليل آخر على شرفها وأنها جديرة بأن تكون قسمًا مستقلًّا برأسه.
و﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ الاستفهام هنا بمعنى الإغراء، الإغراء عن، بأي شيء؟ بالانتهاء، فهو أبلغ من قوله: فانتهوا، يعني فهل بعد هذا البيان والإيضاح هل تنتهون؟ الجواب: نعم أنتهي، ولهذا قال عمر رضي الله عنه حين نزلت الآية: «انتهينا انتهينا»[[أخرجه الترمذي (٣٠٤٩)، والنسائي (٥٥٤٠) من حديث عمر بن الخطاب.]].
* في هذه الآية الكريمة فوائد، منها: أهمية الحكم، وهو اجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، ووجه ذلك تصدير الآية بالنداء.
* ومن الفوائد: أن اجتناب هذه الأشياء الأربعة من مقتضيات الإيمان، وأن الوقوع فيها من نواقص الإيمان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم الخمر من أي شيء كان، سواء من العنب، أو من الرطب، أو من الشعير، أو من البُر، أو من أي شيء؛ لعموم الآية، والقول بأنه لا يحرم إلا خمر العنب قول ضعيف؛ أولًا لأن الآية مطلقة، بل هي عامة؛ إذ فيها (أل) الداخلة على المفرد، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الخمر كل مسكر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخمر قليله وكثيره حرام؛ للعموم، ولكن إذا كان الشراب لو أقللت منه لم يحصل الإسكار، ولو أكثرت لحصل الإسكار، فهل يحرم؟
الجواب: نعم يحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»[[أخرجه أبو داود (٣٦٨١)، والترمذي (١٨٦٥) من حديث جابر بن عبد الله، والنسائي (٥٦٠٧) من حديث عبد الله بن عمرو. ]]، ولأن تناول اليسير الذي لا يسكر ذريعة إلى تناول الكثير الذي يسكر؛ فإن الإنسان إذا شرب هذا الشراب اللذيذ وهو لا يسكره فإن ذلك يتعدى إلى أن يزداد منه فيسكر.
وهل إذا كان هذا الشراب يسكر من شربه ولا يسكر من أدمن عليه، كما يوجد الآن في الذين يدمنون على الخمر -نسأل الله العافية- لا يسكره، فهل يحرم عليهم أو لا يحرم؟ يحرم؛ لأنه إذا كان اليسير الذي لا يسكر يحرم فهذا مثله، وعدم الإسكار في هذا باعتبار الشخص المعين لا باعتبار قوة هذا الشراب، فإن هذا الشراب فيه القوة المسكرة لا شك، فيكون حرامًا على من أسكره وعلى من لم يسكره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز النبيذ إذا لم يصل إلى حد الإسكار، النبيذ هو الماء ينبذ فيه العنب أو الرطب لمدة يوم أو يومين، فيكتسب الماء طعم هذا الذي نبذ فيه دون أن يسكر، فهل هو حلال أو حرام؟
الجواب: حلال؛ لأن المحرم الخمر، وهذا لا يسكر، طيب لو طالت مدته بأن زاد على ثلاثة أيام؟ فما دام لم يسكر فإنه حلال، لكن ينبغي إذا أتى عليه ثلاثة أيام، ولا سيما في أيام الحر والمناطق الحارة، ألا يشربه؛ لأن الإسكار فيه قد يكون خفيًّا، ولكن علامة المسكر أنه يرتفع، أن الشراب يرتفع؛ لأنه يكون فيه الزبد، والزبد يرفع عن مستواه، فهذا علامة المسكر.
والخلاصة أن النبيذ حلال؛ لأنه لا يسكر، لكن إذا كان في زمن أو مكان يغلب على الظن أنه وصل إلى حد الإسكار فالورع اتقاؤه، ويعطى الحيوان أو ما أشبه ذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم الميسر قليله وكثيره؛ للعموم ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾، حتى لو كانت المغالبة من قرش واحد، كذا؟ لو يسيرًا؟ ولو يسيرًا؛ لأننا نقول: قليل الميسر الذي لا يجحف بمال الإنسان ولا يهتم به كقليل الخمر الذي إذا كان قليلًا لم يسكر، وإذا كان كثيرًا أسكر، ولا شك أن المغالبة إذا كانت في شيء يسير تجر إلى المغالبة في شيء كثير، لا شك في هذا، ويُستثنى من ذلك ما مصلحته أعلى من مفسدته، وذلك في ثلاثة أشياء بيَّنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٥٧٤)، والترمذي (١٧٠٠)، والنسائي (٣٥٨٥) واللفظ للترمذي، من حديث أبي هريرة.]]، (السَّبَق) بفتح الباء هو العِوض المأخوذ على السبق، و(النصل) السهام، و(الخف) البعير، و(الحافر) الفرس.
قال أهل العلم: وإنما استثنى النبي ﷺ ذلك بأن بها يقوم الجهاد في سبيل الله الذي به إعلاء كلمة الله، وهذه مصلحة عظيمة، فالناس إذا علموا أنهم إذا تسابقوا في هذه الأشياء رُخص لهم في أخذ العِوض عليها سوف يُكثرون المسابقة؛ لأنه سيحصل عليها شيئًا.
فإن قال قائل: لو أن الناس عدلوا عن هذه الثلاثة في الجهاد إلى وسائل أخرى، فهل يبقى الحكم فيها أو ينتقل إلى الوسائل الأخرى؟
فالجواب: تعارض هنا اللفظ والمعنى، فمن كان لفظيًّا قال: يبقى الحكم فيها، وإن لم تستعمل في الحرب، ومن نظر إلى المعنى قال: إنها إذا كانت لا تستعمل في الحرب فلا فرق بينها وبين الأشياء الأخرى، وهذا هو الأقرب، إلا أن هذا يعكر عليه أن الرسول أخبر أنه في آخر الزمان تبطل وسائل الحرب ويعود الناس إلى السهام، هذا واحد.
ثانيًا: أن الرسول ﷺ أخبر «أنَّ الخيلَ في نَوَاصِيها الخير إلى يوم القيامةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٤٩)، ومسلم (١٨٧١ / ٩٦) من حديث عبد الله بن عمر.]].
ثالثًا: أنه ربما تسقط منفعة هذه الأشياء في مكان دون مكان، ففي المغارات والجبال لا ينفع فيها إلا الخيل.
فعلى كل حال نحن نريد أن نحرر المسألة من الناحية الفقهية، نقول: إذا ثبت الحكم لعلة فإنه يزول بزوالها، فإذا قدرنا أن الناس لا يستعملون هذه الأشياء الثلاثة في الحرب فقد انتفت العلة، فينتفي الحكم، وتكون المغالبة فيها كالمغالبة في غيرها، هي إذا بطلت لا بد أن ينتقل الناس إلى أيش؟ إلى شيء آخر، فهل تجوز المسابقة بعوض في هذا الشيء الآخر الذي حل محل هذه المذكورات؟
الجواب: نعم، لا شك في هذا، وعليه فالوسائل الحديثة في الحرب تجوز فيها المغالبة بالعوض؛ لأنها قائمة مقام هذه الأشياء الثلاثة.
يشبه هذا من بعض الوجوه أن زكاة الفطر جاء فيها ذكر التمر والشعير والزبيب والأقط، وقد أخبر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن هذا هو طعامهم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: «كنَّا نُخْرِجها على عهد الرسول ﷺ صاعًا من طعامٍ، وكان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والأَقِط»[[متفق عليه؛ البخاري (١٥٠٦)، ومسلم (٩٨٥ / ١٧) من حديث أبي سعيد الخدري.]]. لو أن الناس عدلوا عن الشعير وصاروا لا يقتاتونه، فهل يبطل الحكم فيه أو لا يبطل؟ نقول: من كان لفظيًّا قال: لا يبطل؛ لأنه نص عليه في الحديث، ومن كان معنويًّا قال: إنه يبطل، والصحيح أنه يبطل، وأنه إذا صار الشعير غير قوت فلا يجزئ في الفطر؛ لأن السنة واضحة في هذا، واضحة في أنه لا بد أن يكون طعامًا، مثل قوله في الحديث؛ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فَرَضَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ الفِطْر طُهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفَث وطُعمةً للمساكينَ»[[أخرجه أبو داود (١٦٠٩)، وابن ماجه (١٨٢٧) من حديث ابن عباس. ]] فانتبه لهذا.
الآن لدينا مثالان: الفطرة، والمسابقة في الثلاثة. المسابقة في العلم، نحن نعلم أن الدين الإسلامي قام بالجهاد باللسان والسنان، فهل تجوز المغالبة في العلم الشرعي بعوض أو لا تجوز؟
المشهور من المذهب أنها لا تجوز، وقالوا: إن النبي ﷺ حصر «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي»[[أخرجه أبو داود (٢٥٧٤)، والترمذي (١٧٠٠)، والنسائي (٣٥٨٥) من حديث أبي هريرة.]]، وهذا حصر، والذين يذهبون إلى اعتبار المعاني يقولون: يجوز، تجوز المناظرة والمغالبة في العلوم الشرعية. وربما استدلوا بقصة أبي بكر رضي الله عنه مع قريش في قوله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم ١- ٤] من الذي غلب الروم؟ الفرس، والفرس قوم مشركون، ويميل إلى جانبهم المشركون من قريش، والروم أهل كتاب يميل إليهم المؤمنون ويفرحون بانتصارهم على الفرس، مع أنهم كفار، لكنهم أقرب إلى المؤمنين من الفرس في ذلك الزمن؛ لقوة الفرس في ذلك الوقت، قال المشركون: لا يمكن أن يغلب الروم الفرس وقال أبو بكر: بل يمكن، أبو بكر يصدق بالقرآن وأخباره، وهم لا يصدقون، فضربوا أجلًا عشر سنين إن غلبت الفرس في هذه العشر فالسبق على من؟ على أبي بكر، وإن غلبت الروم فالسبق على قريش، فأقر النبي ﷺ هذه المغالبة؛ لأنها علم شرعي، تصديق بالقرآن وعدم تصديق.
واختار هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله على أن المغالبة في العلم بالسبق جائزة.
لكن انتبهوا لنقطة في هذه المسألة: إذا كانت المغالبة لقصد الوصول إلى الحكم الشرعي، أما إذا كانت المغالبة من أجل أن يكتسب هذا مالًا من أخيه فلا تجوز؛ لأن هؤلاء لم يريدوا الدين، أرادوا المال، أرادوا الدنيا.
بعض الناس استغل هذه المسألة، أو استغل هذا القول على إطلاقه وقال: خلاص، ما دام المسألة مسألة علم (...). ولكن لا بد من التقييد، أن يكون القصد بالمغالبة الوصول إلى الحق، لا الوصول إلى المال.
العلوم غير الشرعية؛ كعلم النحو مثلًا، تجوز المغالبة فيه؟ الظاهر لا؛ لأن النحو وإن قلنا: إنه شرعي فإنما يكون شرعيًّا إذا كان المقصود به الوصول إلى معرفة الكتاب والسنة، ولهذا نقول: علوم العربية وسيلة، ما هي مقصودة لذاتها. طيب الفيزياء والكيمياء والجغرافيا والأشياء دي تجوز المغالبة فيها؟ لا تجوز المغالبة فيها.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم الأصنام؛ لقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، وهل يعم هذا كل ما اتخذ صنمًا من أي مادة كان؟ الجواب: نعم، يَعُمّ؛ لأن الآية مُطْلَقة، وقد أبدل الله تبارك وتعالى عبادة الأصنام بعبادة الرحمن؛ لأن الإنسان بطبيعته لا بد له من شيء يأوي إليه في طلب ما ينفعه ودفع ما يضره، فأبدل الله تعالى التعلق بالأصنام بالتعلق بالله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم الاستقسام بالأزلام، وهو صريح، ومثل ذلك ما يسمونه بـ(حظك ونصيبك)، فهي إن لم تدخل في هذا تدخل في الميسر، فهي محرمة.
وهل مثلها أن يستقسم بالنجوم؟ فيقال مثلًا: هذا الرجل ولد في ساعة السعود فحياته سعيدة، هذا ولد في نجم الدبران فحياته تعيسة، دبور، وما أشبه ذلك؟
الجواب: نعم، يدخل في هذا، بل هو نوع من الشرك؛ لأن إثبات سبب لم يجعله الله سببًا شرعيًّا ولا قدريًّا من الشرك، وقد أبدل الله -والحمد لله- هذه الأزلام بصلاة الاستخارة، فإذا أشكل عليك أمر من الأمور تريد أن تفعله أخير هو لك أم شر فعليك بالاستخارة، تصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم إذا سلمت تدعو الله تعالى بالدعاء المعروف: «اللَّهُمِّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ»[[أخرجه البخاري (١١٦٢) من حديث جابر بن عبد الله. ]] إلى آخره.
* طالب: المراهنة من طرف واحد، هذه الأمور ليست شرعية، كأن يقول مثلًا: أراهن إن جاء فلان الليلة ثلاث مئة ريال (...)؟
* الشيخ: هذه ما هي مراهنة، هذه إما جُعْل وإلا تشجيع، إذا كان فيها خير مثل أن أقول: إن عرفت كذا، فلك كذا وكذا.
* طالب: الناس (...) الواقع في هذا؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: إن جاء فلان أعشيك بالليل. أشياء تافهة.
* الشيخ: في الحقيقة الناس ارتكبوا مثل هذا الذي تقول وارتكبوا أيضًا شيء آخر، يتلاعبون بالمال؛ لأن الله منعم عليهم، لو تريد تنادي واحد اسمه محمد تقول: عبد الله، نسيانًا، قالوا: عليك حق، ولو تعطيه الفنجان ما امتلأ، قالوا: ما ملأته يا أخي، عليك حق. هذه الحقيقة عندنا من باب الترف والميوعة، وإنها في الحقيقة التلاعب بالمال، ولهذا نُستفتَى في هذه المسألة ونقول: لا يلزمك أن تلتزم بما قال، قل: لا ما أعطيك.
* طالب: شيخ، بعض العلماء يقول بالتحريم؟
* الشيخ: التحريم صعب.
* * *
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ إلى آخره. انتهينا إلى قوله: ﴿وَالْأَزْلَامُ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: التحذير البالغ من هذه الأعمال الأربعة؛ لقوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ فإن هذا يقتضي التنفير التام بوصفها رجسًا، ثم بوصف هذا الرجس من عمل الشيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب اجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام؛ لقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن اجتناب هذه الأشياء الأربعة سبب للفلاح، وكل إنسان منا يريد الفلاح فليأت أسبابه، وجه ذلك قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات تعليل الأحكام الشرعية، يعني أن الأحكام الشرعية لها غايات حميدة، وهي الحكمة؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، ومن قوله أيضًا: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن طريقة القرآن الكريم في بيان العلل تارة يتقدم بيان العلة وتارة يتأخر، يعني إذا ذكر الله حكمًا وذكر له علة فتارة يذكر العلة قبل ثم يبني عليها الحكم، وتارة يذكر الحكم ثم يأتي بالعلة، حسب ما تقتضيه الحال وقرائن السياق، فهنا ذكر العلة قبل الحكم، أيش العلة؟ ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢] قدم العلة أو الحكم؟ العلة، فقال: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ﴾. وفائدة تقديم العلة هو أن الحكم يأتي إلى النفس وقد اطمأنت وترقبت إلى الحكم، اطمأنت إلى الحكم وترقبت الحكم؛ لأن من المعلوم أن العاقل إذا ذُكرت له العلة فسوف يعمل بمقتضى هذه العلة، فقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا﴾ بمجرد ما يسمع الإنسان ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ سوف يأتي إلى الحكم ﴿فَاعْتَزِلُوا﴾ وهو قد ترقبه، وهذا أيضًا مثله.
﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ من حين أن تأتي العلة ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ يكون الإنسان مترقبًا لحكم النهي. وتارة تكون العلة بعد الحكم؛ كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾؛ وذلك لأن الميتة والدم ولحم الخنزير تنفر منه الطباع، فقدَّم الحكم؛ لأن النفوس السليمة تترقب هذا الحكم، وربما تتجنبه بدون حكم شرعي، ثم تأتي العلة مطابقة لما تقتضيه الفطرة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أعمال الشيطان التي يأمر بها رجس؛ لقوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾. ثم هل نقول: إن في الآية دليلًا على نجاسة الخمر؛ لأن الرجس هو النجس، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥]؟
الجواب: نعم، بعض العلماء استدل بهذه الآية على نجاسة الخمر، ولكن عند التأمل في الآية الكريمة لا تجد دليلًا فيها على نجاسة الخمر، من وجهين: الوجه الأول: أنه قال: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ﴾ فهو رجس عملي، والرجس العملي هو الرجس المعنوي؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾.
الوجه الثاني: أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست رجسًا حسيًّا، والخبر عن هذه الأربعة واحد أو مختلف؟ واحد، الخمر مبتدأ، وعطف عليه الثلاثة، ثم جاء الخبر: رجس، فأين الدليل على أن هذه الأشياء الأربعة مختلفة في الحكم، فيقال في الثلاثة: رجس عملي، ويقال في الأول: رجس حسي، أين الدليل؟ يحتاج إلى دليل.
فإن قال قائل: دلالة الاقتران ضعيفة ولا يحمل بها؟
فالجواب: أن الأصل في الاقتران أن يكون الحكم واحدًا في الجميع إلا بدليل، مثال ذلك: قال أبو حنيفة: إن الخيل حرام، الخيل تعرفونها؟ معروفة؟ لقوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل ٨]، فقرنها بالبغال والحمير فتكون حرامًا، ولا شك أن الصواب معه؛ لأن الأصل في الاقتران التوافق في الحكم، لكن الخيل لها دليل يخرجها، وهو ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «نحرنا في المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرسًا وأكلناه»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥١١)، ومسلم (١٩٤٢ / ٣٨) من حديث أسماء بنت أبي بكر.]]، وهذا يخرِج الخيل عن حكم البغال والحمير، هنا ليس هناك في الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ ليس عندنا دليل يخرج الخمر عن حكم ما قرن معه، وهي الميسر والأنصاب والأزلام، وعلى هذا فلا دلالة في الآية على نجاسة الخمر نجاسة حسية.
فإن قال قائل: وهل في السنة ما يدل على ذلك؟
فالجواب: لا، ليس في السنة ما يدل على هذا، وأما حديث أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ رضي الله عنه أنه سأل النبي ﷺ وقال: «يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال:» «لَا تَأْكُلُوا فِيهَا إِلَّا أَلَّا تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٤٧٨)، ومسلم (١٩٣٠ / ٨) من حديث أبي ثعلبة الخشني، بنحوه.]]، ما الجواب على هذا الحديث؟
نقول: هذا الحديث استدل به من يرى نجاسة الخمر نجاسة حسية، ولكن لا دليل فيه في الواقع؛ لأن هذا الحديث إنما نهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن الأكل فيها إلا بعد الغسل، وشرط آخر ألا نجد غيرها، مراده بلا شك في هذا الابتعاد عن مخالطتهم والأكل في أوانيهم، بدليل أنه لو كانت العلة النجاسة لكان غسلها يكفي في جواز الأكل بها، يعني أنه لا يشترط ألا نجد غيرها، ولكن النبي ﷺ أراد منا ألا نختلط بأهل الكتاب وأن نبتعد عنهم وألا نستعير منهم؛ لئلا يمنوا علينا في ذلك، هذه واحدة.
ثانيًا: أن نقول: ما هو وجه كون هذا دليلًا على نجاسة الخمر؟
قالوا: لأن آنيتهم يكون فيها الخمر؛ لأنهم يستحلون الخمر، فنقول: ويكون فيها الخنزير؛ لأنهم يستحلون الخنزير، وما الذي أدرانا أن الرسول عليه الصلاة والسلام راعى الخمر دون الخنزير، أو راعى الخنزير دون الخمر، أو راعى الأمرين جميعًا؟
لا دليل، والذي يتبين لنا أن العلة في ذلك هو ألا نختلط بهم، وألا نأكل في آنيتهم، إذن لا دليل في هذا الحديث.
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلًّا قال: «لَا»[[ أخرجه مسلم (١٩٨٣ / ١١) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.]]؟ يعني إذا تخمر الشراب فهل يجوز أن نحبسه ليكون خلًّا، أو أن نضيف إليه مادة تجعله خلًّا، قال: «لَا»؟
قلنا: لا دليل على النجاسة، هذا دليل على أنه لا يجوز أن يبقي الخمر عنده، بل يريقها؛ لئلا تدعوه نفسه إلى تناولها، وهو واضح، وليس فيه الإشارة إلى النجاسة في أي حال من الأحوال.
إذن من ادعى نجاسة الخمر نجاسة حسية فليأت بالدليل، وإلا فلا يمكن أن نلزم عباد الله بغسل الأواني من الخمر أو بغسل الثياب إذا أصابها أو بغسل الأبدان، ولا يمكن أيضًا أن نبطل صلاة عباد الله إذا كان في ثيابهم بقع من الخمر أو في أجسادهم إلا بدليل، المسألة ما هي مسألة لفظية فقط نجس ولّا غير نجس، المسألة يترتب عليها أشياء، فلا بد أن يكون عندنا برهان من الله عز وجل يمكننا أن نلزم عباد الله بشيء يقتضيه النص. إذن نقول: الأصل عدم النجاسة، ومطلق التحريم لا يقتضي النجاسة، بدليل أن السم والمأكولات الضارة حرام وليست نجسًا، هذا دليل مأخوذ من القاعدة المعروفة، وهي أن الأصل براءة الذمة.
ثم نقول: لدينا دليل إيجابي غير الدليل الأصلي الذي هو النفي أو العدم، دليل إيجابي على أنها طاهرة -أي الخمر- وأن نجاستها معنوية.
الدليل: الصحابة رضي الله عنهم لما حرمت الخمر خرجوا بها إلى الأسواق وأراقوها، ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق،لم يريقوها في الأسواق لأنه لا يجوز أن نريق في أسواق المسلمين شيئًا نجسًا، كما لا يجوز البول والغائط، أجاب القائلون بالنجاسة بناء على أصلها، وإلا فالأصل عدم النجاسة، لكن قالوا: قنان الخمر يعني أواني الخمر ليست بكثرة بحيث تسيل منها الطرقات، يعني لم تبلغ كثرة تسيل منها الطرقات، فنقول: سبحان الله! هل هذه الأواني التي يستعملها الصحابة رضي الله عنهم قبل التحريم أيها أكثر أو نقطة من بول؟
* طالب: هي هي.
* الشيخ: هي أكثر لا شك، وهي أكثر من شيء صغير من العدد، ونحن لا نقول: إن سكك المدينة صارت أنهارًا تجري من الخمر، ما نقول بهذا، لو قالوا: ما الذي أدراكم أنهم أراقوها في الأسواق؟ لعلهم أراقوها في حافات السوق الذي ليس مطرقًا للناس؟ فنقول: هذا خلاف الإطلاق، أراقوها في الأسواق ولم يقل: أراقوها في جوانب الأسواق، وكون الشيء في الجانب شرط زائد على الإطلاق فيحتاج إلى ثبوت أنهم أراقوها في جوانب الأسواق، ثم هل نقل عن الصحابة أنهم لما أراقوها غسلوا الأواني؟ لم ينقل، لم ينقل ذلك، ولو كانت نجسة لغسلوا الأواني ونقلوا هذا للأمة.
دليل آخر ما ثبت في صحيح مسلم «أن رجلًا أتى براوية من الخمر، الراوية قربة كبيرة، راوية كان يدخرها للرسول عليه الصلاة والسلام، فجاء إلى الرسول ﷺ وأهداها لم يعلم أنها حرمت، فقال النبي ﷺ: إنها حرمت، ومعلوم أن الإنسان لا يجوز أن يقبل هدية محرمة، سواء كانت محرمة لعينها أو لكسبها إذا علم صاحبها الذي أخذت منه، فكلمه أحد الصحابة سرًّا وقال له: بعها. فقال النبي ﷺ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟» » وإنما استفهم عن المسارة مع أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل رجلين يتساران: ماذا قلتما؟ لكن المقام يقتضي السؤال، ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع طرف الحديث «فقال: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فقال: قلت: بعها. فقال: «إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ»، أو كما قال ﷺ، ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأمره النبي ﷺ بغسلها»[[أخرجه مسلم (١٥٧٩ / ٦٨) من حديث عبد الله بن عباس. ]].
أرأيتم لو كانت الخمر نجسًا أيسكت النبي ﷺ عن أن يقول لهذا الرجل: اغسل الراوية؟ لا يسكت أبدًا؛ لأن هذا الرجل لا يدري أنها حرمت، كيف يدري أنها نجسة، فإذن يتبين أن الخمر نجاستها نجاسة معنوية، وهذا وإن كان لم يقل به إلا قليل من الأمة فالجماعة مع الدليل، والجمهور على أنه نجس نجاسة حسية، لكن كما رأيتم الأدلة الآن واضحة أن نجاسته نجاسة معنوية.
ينبني على هذا ما الأشياء التي فيها الكحول الآن، السبرتو، وكذلك أيضًا ما يدهن به الجروح وما أشبه ذلك هل تكون نجسة أو طاهرة؟ طاهرة؛ لأنه إذا كان الأصل الذي هو الخمر طاهرًا على ما تبين لنا من القرآن والسنة، فكذلك ما كان فيه شيء منه من باب أولى أن يكون طاهرًا.
فإن قيل: فهل تبيحون أن يتطيب الإنسان بهذه الأطياب أو يتدهن بهذه الدهونات؟
نقول: أما عند الحاجة فنبيحه، ولا عندنا فيه- والحمد لله- إشكال، يعني مثل أن يحتاج الجرح إلى مسح بالسبرتو أو غيره من أجل سهولة بطه بالإبرة، هذا لا شك أنه جائز؛ لأن الحكم المشتبه تبيحه الحاجة، ولو كان أصله التحريم.
فإن لم يكن محتاجًا وإنما يتطيب به فهل هذا حرام أو لا؟ ننظر، قوله تبارك وتعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ هل المراد اجتناب شربه المؤدي إلى المفسدة أو الاجتناب مطلقًا؟ نقول: إذا كان الله يقول: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ﴾ إلى آخره، علمنا أن المراد بالأمر بالاجتناب هو اجتناب الشرب، لا شك في هذا أنه اجتناب الشرب، أما اجتناب غير الشرب فهذا محل اشتباه، والورع ألا يفعل الإنسان إلا لحاجة، ألا يتدهن بهذه الأشياء إلا لحاجة؛ كالتعقيم للجرح وما أشبه ذلك.
فإن قال قائل: إذا كان في هذه الأطياب نسبة لكنها ضئيلة خمسة في المئة مثلًا فهل يؤثر؟ فالجواب: لا يؤثر، لا يؤثر إلا ما أثر في المخلوط معًا، وأما إذا لم يؤثر فليس بحرام، بدليل رجل عنده إناء من ماء سقطت فيه نجاسة، لكن لم تغيره، ماذا يكون هذا الماء؟ يكون طهورًا؛ لأنه لم يؤثر، فعلى هذا نقول: إذا كانت النسبة ضئيلة حتى في هذه الأطياب فإنه لا شك في أنها مباحة؛ لأن النسبة الضئيلة لا تؤثر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: رحمة الله تبارك وتعالى بعباده الذين خلقهم لعبادته، حيث حذرهم من كل ما فيه ضرر، وبيَّن لهم النتائج الطيبة؛ لقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ﴾ إلى آخره.
* في هذه الآية الكريمة: إثبات الإرادة للشيطان؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ﴾، ولا شك أن له إرادة، أرأيتم قول الله للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [البقرة ٣٤] وجادل ربه عن إرادة ولّا عن غير إرادة؟ عن إرادة، إذن الشيطان له إرادة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: سوء إرادة الشيطان ببني آدم، وهو أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء التي توجب التفرق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن تَفرق الأمة من مرادات الشيطان؛ لأن العداوة والبغضاء تؤدي إلى التفرق لا شك، فيكون كل ما يؤدي إلى الفرقة من مرادات الشيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: القاعدة التي أشرنا إليها الآن؛ أن كل ما يؤدي إلى الفرقة فإنه من مرادات الشيطان، فيدخل في هذا آلاف المسائل: البيع على بيع المسلم يوجب البغضاء والفرقة، الاستئجار على استئجاره، الخطبة على خطبته، وما أشبه ذلك، فكل ما يؤدي إلى الفرقة فإنه من مراد الشيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كراهة الله تبارك وتعالى للعداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأن هذا تحذير لا بعده تحذير ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ﴾ إلى آخره. وهذا واضح؛ لأن الله تعالى أمر بالاجتماع ونهى عن التفرق، فقال جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وقال جل وعلا: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران ١٠٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام ١٥٩]، وقال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى ١٣]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال ٤٦]. والدليلان الأصلان الكتاب والسنة مملوءة بهذا، أي بطلب الاجتماع والنهي عن التفرق.
فهل يدخل في ذلك طلبة العلم؟ من باب أولى، لكن مع الأسف أن طلبة العلم إذا اختلفوا في أمر اجتهادي صار بعضهم لبعض عدوًّا إلا من شاء الله، وصار يتكلم في عرض أخيه بلا حرج، فيكون ظالمًا لنفسه أولًا، وظالمًا لأخيه ثانيًا، وظالمًا لعباد الله الذين ينتفعون من أخيه؛ لأنه إذا سقطت هيبته وقيمته في عينهم لم ينتفعوا بعلمه، فيكون هذا ظالمًا لنفسه وظالمًا لأخيه وظالمًا لكل من ينتفع بعلم أخيه.
ولذلك يجب التنبه لهذا، وأن تعتقد أن من خالفك في أمر اجتهادي فقد وافقك في الحقيقة؛ لأن كليكما يريد الحق، فهو يرى أن الحق في هذا، وأنت ترى الحق في خلافه، من منكم رسول للآخر يجب عليه اتباعه، من منكما في هذه الحال؟ لا أحد، إذن هو محق في اتباع ما ظن أن الدليل يدل عليه، وأنت محق في اتباع ما ظننت أن الدليل يدل عليه، ولتكن القلوب نزيهة.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم (...) من الورع اجتنابه واستعماله.
* الشيخ: إي نعم؛ لأن قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ لفظ عام، اجتنبوه في كل شيء؛ في الاستعمال والشرب، لكن لا نجزم بأنه بالاستعمال؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ فلذلك رأيناه من الأمور التي من الورع تركه.
* طالب: أحسن الله إليك، قلنا: إذا كانت النسبة من الكحول هذه في الأدهان ضئيلة لا يضر، هل مثله يا شيخ يعني فيه بعض الأشربة يكون فيها شيء من .. يحل ولّا يحرم؟
* الشيخ: إي نعم، إذا كان قليلًا اشرب منها، لكن أبغي أنصحك إذا شربت فقل: باسم الله، وإذا انتهيت فقل: الحمد لله.
* طالب: يمكن الناس (...) تحريم الحمر كما ذكرته أسماء – رضي الله عنها وأرضاها- في ذبح الفرس؛ لأن أكل الخيل عند الناس الحين غير معروف؟
* الشيخ: لا، أنا أبغي أزيدك على هذا، الخيل عند الناس يحرم صدرها ويحل دبرها، عند العامة يقول: مستقبل جسم الفرس حرام؛ لأنه يُتقى به العدو عند الجهاد، وأما مؤخره فهو حلال؛ لأن المؤخر يكون عند الإدبار عن العدو خله يؤكل.
* الطالب: يا شيخ أنا أسأل عن التاريخ (...) نسأل عنه ولّا ما نسأل؟
* الشيخ: لا، اسأل عن التاريخ، الحمر حرمت في خيبر، وأسماء بنت أبي بكر تحدثت بهذا استدلالًا على حل الخيل، فلولا أن عندها علمًا بأن الخيل أكلت بعد خيبر ما ذكرت هذا على وجه الاستدلال.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، كما ذكرتم يا شيخ ربما توجد بعض الشحناء في قلب الرجل لكن يا شيخ (...) بالدواء الناجح في (...)؟
* الشيخ: قلبه؟ والله يا أخي أنا عندي ما هو سهل، فهمتم السؤال؟ يقول: الإنسان قد يجد يعني شحناء أو حسدًا في قلبه بالنسبة لأخيه، فكيف يعالجها؟ يعالج هذا أن يقول لنفسه: أنت تريدين الحق، والمسألة ما هي نص، المسألة اجتهاد، أما لو كانت نصًّا ما نقبل أن نعذره، لكن إذا كان اجتهادًا فالاجتهاد كلنا على اجتهاد.
* طالب: أريد جوابًا عن حديث: «لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَشَارِبَهَا»[[أخرجه أبو داود (٣٦٧٤)، وابن ماجه (٣٣٨٠)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.]] إلى آخره من (...) مع أنه (...) ولم يشرب إلا واحد؟
* الشيخ: لأن هؤلاء يعينونه، هذه لإعانته عليه، مثل لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه.
* طالب: بارك الله فيك، بعض العلماء يستدل بحديث نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن التداوي بالخمر، يقول: يقاس عليها غيرها كاستعمال الخمر في غير التداوي من باب أولى، مثل العطور وغيرها من باب أولى يعني فحرمت..
* الشيخ: لكن التداوي بها شربًا، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إنه لا يجوز التداوي بها حتى للعطش، لا يجوز أن تشرب الخمر للعطش، وعللوا ذلك أن الخمر إذا شرب الإنسان على العطش لا تزيده إلا عطشًا، ويرى بعض العلماء أنه يجوز للعطش ولا يسلم أنها لا تزيد إلا عطشًا، لكن إذا غص باللقمة وليس عنده إلا كأس خمر وغص إما يموت ينخنق ولّا يشرب الكأس مشى اللقمة ماذا يصنع؟ يستعملها؟ إي نعم، يستعملها للضرورة؛ لأن الله قال سبحانه وتعالى في آية عامة: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام ١١٩]، هذه أعم من قوله لما حرم الميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به حين قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣] الآية، ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ أعم.
طالب: بارك الله فيك، بعضهم يأخذون بحديث نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن التداوي بالخمر، (...) يقول: يقاس عليها غيرها للاستعمال فقط لغير التداوي من باب أولى؟
* الشيخ: يقاس عليها؟
* الطالب: الاستعمال فقط في غير التداوي؛ كالعطور وغيرها من باب أولى يعني.
* الشيخ: لكن التداوي بها شربًا، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إنه لا يجوز التداوي بها، حتى للعطش لا يجوز أن تشرب الخمر للعطش. وعللوا ذلك بأن الخمر إذا شربها الإنسان للعطش لا تزيده إلا عطشًا. ويرى بعض العلماء أنه يجوز للعطش، ولا يسلِّم أنها لا تزيده إلا عطشًا. لكن إذا غصت باللقمة وليس عنده إلا كأس خمر، وغص، إما يموت ينخنق ولّا يشرب الكأس ويمشي اللقمة، ماذا يصنع؟ يستعملها؟ إي نعم، يستعملها للضرورة؛ لأن الله قال سبحانه وتعالى في آية عامة: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام ١١٩]. هذه أعم من قوله لما حرم الميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به حين قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣] الآية، ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ أعم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾ [المائدة ٩١ - ٩٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى مبينًا ما يريده الشيطان من بني آدم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ ما هو ضد العداوة؟
* الطالب: الموالاة.
* الشيخ: الموالاة. والبغضاء؟ المحبة، يعني المحبة ضد البغضاء، فيريد أن تشتت القلوب والأبدان، وأظن أخذنا الفوائد.
* طالب: خمس فوائد.
* الشيخ: من أين خمس فوائد؟
* الطالب: كراهة الله للعداوة والبغضاء بين المسلمين، هذه آخر واحدة، أقولها كلها؟
* الشيخ: طيب.
* الطالب:
-إثبات إرادة الشيطان.
-سوء إرادة الشيطان ببني آدم.
-أن تفرق الأمم من مرادات الشيطان.
-أن كل ما يؤدي إلى الفرقة فإنه من مرادات الشيطان.
-كراهة الله للعداوة والبغضاء بين المسلمين.
* الشيخ: أحسنت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب، وجه ذلك أن الله تعالى أخبر أن الخمر والميسر سبب للعداوة والبغضاء، وهذا لا شك فيه، ولا أحد ينكره إلا السفيه، كل يعلم أن من غمس في البحر فإنه يغرق، وأن من ألقي في النار فإنه يحترق، أليس كذلك؟ أنكر قوم الأسباب، وغلا قوم في إثباتها، فأما الذين أنكروا الأسباب فزعموا أنهم بإنكارهم ينزهون الله تعالى عن الشريك، فغلوا في التنزيه، وأما الذين أثبتوا الأسباب على أنها الفاعلة فهؤلاء أشركوا مع الله.
أما أهل الحق فقالوا: إن الأسباب لها تأثير، ولكن من الذي جعل لها تأثيرًا؟ هو الله، فتأثير الأسباب ليس بنفسها، ولكن بما أودع الله تعالى فيها من القوى المؤثرة.
ويدل لهذا أنه توجد أسباب موجبة للشيء بإيجاب الله إياه، ومع ذلك قد يرتفع هذا الإيجاب، من ذلك: النار محرقة، ولما أُلقي فيها إبراهيم قال الله لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩]، فكانت بردًا وسلامًا، فانتفى الإحراق وانتفت الحرارة، فصارت بردًا وسلامًا، لو كانت الأسباب مؤثرة بنفسها لاحترق إبراهيم عليه الصلاة والسلام. كذلك الرجل الذي يقطعه الدجال جزلتين ثم يقول له: قم، فيقوم، نحن نعلم أن الدجال لم يكن هو السبب في إحيائه، بل ذلك إلى الله عز وجل، ولهذا إذا قتله في الثالثة لم يستطع أن يقتله، لا يسلطه الله عليه بعد ذلك.
إذن نقول: الأسباب لها تأثير، ولكن لا بنفسها، بل بما أودع الله تعالى فيها من القوى المؤثرة، والأدلة في هذا شرعًا وعقلًا وواقعًا لا تحصَى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كل ما صد عن ذكر الله فهو من أوامر الشيطان، وذِكر الله تبارك وتعالى سبق لنا أنه؟
* طالب: أنه محفوظ من الله عز وجل.
* الشيخ: لا (...).
* طالب: يكون بالقلب.
* الشيخ: يكون بالقلب واللسان والجوارح، فكل ما صدك عن ذكر الله بهذه الأشياء فهو من أوامر الشيطان وإراداته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الصلاة؛ لتخصيصها بالذكر من بين ذكر الله عز وجل، وهذا يدل على شرفها وفضلها على غيرها، كما في قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ [القدر ٤] الروح هو جبريل، وهو من الملائكة، لكن خصه الله تعالى بالذكر لشرفه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحذر من صد الشيطان إيانا عن الصلاة، إما أن نتلهى عنها بأموالنا أو بأولادنا، أو بلغونا أو بجدنا، بأي شيء، وإما أن نفعلها بأجسامنا دون قلوبنا، فاحذر الشيطان أن يصدك عن الصلاة.
* ومن فوائدها: أنه كلما وقع في قلبك التثاقل عن الصلاة فاعلم أنه من الشيطان ومراد الشيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تأكيد النهي عن الخمر والميسر؛ لقوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾، ووجه التأكيد أنه أتى بصيغة الاستفهام، يعني فهل بعد هذا البيان تنتهون أو تستمرون؟ ماذا كان جواب الصحابة يا إخوان؟ «انتهينا انتهيا»[[أخرجه أبو داود (٣٦٧٠)، والترمذي (٣٠٤٩ )، والنسائي (٥٥٤٠) من حديث عمر بن الخطاب.]].
{"ayahs_start":90,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ","إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق